المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌فصلفي هديه صلى الله عليه وسلم في رقية اللديغ بالفاتحة - زاد المعاد في هدي خير العباد - ط عطاءات العلم - جـ ٤

[ابن القيم]

فهرس الكتاب

- ‌المرض نوعان: مرض القلوب ومرض الأبدان

- ‌فصلفي هديه في(1)الاحتماء من التُّخم والزِّيادة في الأكل على قدر الحاجة، والقانون الذي ينبغي مراعاته في الأكل والشُّرب

- ‌ذكر القسم الأوَّل وهو العلاج بالأدوية الطَّبيعيَّة

- ‌فصلفي هديه في الطَّاعون وعلاجه والاحتراز منه

- ‌فصلفي هديه في داء الاستسقاء وعلاجه

- ‌فصلفي هديه في علاج الجُرْح

- ‌فصلفي هديه في العلاج بشرب العسل والحجامة والكيِّ

- ‌فصلفي هديه في أوقات الحجامة

- ‌ من شرط انتفاع العليل بالدَّواء

- ‌فصلفي هديه صلى الله عليه وسلم في الحِمْية

- ‌فصلفي هديه صلى الله عليه وسلم في علاج الرَّمَد بالسُّكون والدَّعة، وترك الحركة، والحمية ممَّا يهيج الرَّمد

- ‌فصلفي هديه صلى الله عليه وسلم في علاج الخَدَران(1)الكلِّيِّ الذي يخمد(2)معه البدن

- ‌فصلفي هديه صلى الله عليه وسلم في إصلاح الطَّعام الذي يقع فيه الذُّباب، وإرشاده إلى دفع مضرَّات السُّموم بأضدادها

- ‌فصلفي هديه صلى الله عليه وسلم في علاج البَثْرة

- ‌فصلفي هديه صلى الله عليه وسلم في علاج المرضى بتطييب نفوسهم وتقوية قلوبهم

- ‌فصلفي هديه صلى الله عليه وسلم في علاج الأبدان بما اعتادته من الأدوية والأغذية دون ما لم تعتده

- ‌فصلفي هديه صلى الله عليه وسلم في تغذية المريض بألطف ما اعتاده من الأغذية

- ‌فصلفي هديه صلى الله عليه وسلم في علاج السَّمِّ الذي أصابه بخيبر من اليهود

- ‌فصلفي هديه صلى الله عليه وسلم في علاج السِّحر الذي سحرته اليهود به

- ‌فصلفي هديه صلى الله عليه وسلم في الاستفراغ بالقيء

- ‌فصلفي هديه صلى الله عليه وسلم في الإرشاد إلى معالجة أحذق الطَّبيبين

- ‌فصلفي هديه صلى الله عليه وسلم في تضمين مَن طبَّ النَّاس وهو جاهلٌ بالطِّبِّ

- ‌فصلفي هديه صلى الله عليه وسلم في التَّحرُّز من الأدواء المُعْدية بطبعها، وإرشاده الأصحَّاءَ إلى مجانبة أهلها

- ‌فصلفي هديه صلى الله عليه وسلم في المنع من التَّداوي بالمحرَّمات

- ‌فصلفي هديه صلى الله عليه وسلم في علاج القَمْل الذي في الرَّأس وإزالته

- ‌فصولُ هديه(1)صلى الله عليه وسلم في العلاج بالأدوية الرُّوحانيَّة الإلهيَّةالمفردة، والمركَّبة منها ومن الأدوية الطَّبيعيَّة

- ‌فصلفي هديه صلى الله عليه وسلم في علاج المصاب بالعين

- ‌فصلفي هديه صلى الله عليه وسلم في العلاج العامِّ لكلِّ شكوى بالرُّقية الإلهيَّة

- ‌فصلفي هديه صلى الله عليه وسلم في رقية اللَّديغ بالفاتحة

- ‌فصلفي هديه صلى الله عليه وسلم في علاج لدغة العقرب بالرُّقية

- ‌فصلفي هديه صلى الله عليه وسلم في رقية النَّملة

- ‌فصلفي هديه صلى الله عليه وسلم في رقية القُرحة والجُرح

- ‌فصلفي هديه صلى الله عليه وسلم في علاج الوجع بالرُّقية

- ‌فصلفي هديه صلى الله عليه وسلم في علاج حرِّ المصيبة وحزنها

- ‌فصلفي بيان جهة تأثير هذه الأدوية في هذه الأمراض

- ‌فصلفي هديه صلى الله عليه وسلم في علاج الفزع والأرق المانع من النَّوم

- ‌فصلفي هديه صلى الله عليه وسلم في علاج داء الحريق وإطفائه

- ‌فصلفي هديه صلى الله عليه وسلم في حفظ الصّحَّة

- ‌فصلفي هديه صلى الله عليه وسلم في هيئة الجلوس للأكل

- ‌فصلفي تدبيره لأمر الملبس

- ‌فصلفي تدبيره لأمر المسكن

- ‌فصلفي تدبيره لأمر النَّوم واليقظة

- ‌ حرف «إلى» ساقط من د

- ‌فصلفي هديه صلى الله عليه وسلم في علاج العشق

- ‌فصلفي هديه صلى الله عليه وسلم في حفظ الصِّحَّة بالطِّيب

- ‌فصلفي ذكر شيءٍ من الأدوية والأغذية المفردة الَّتي جاءت على لسانه صلى الله عليه وسلممرتَّبةً على حروف المعجم

- ‌حرف الهمزة

- ‌إثمِد

- ‌أُتْرُجٌّ

- ‌أرُزٌّ

- ‌أرزَّ

- ‌إذْخِر

- ‌حرف الباء

- ‌بطِّيخ

- ‌بَلَح

- ‌بُسْر

- ‌بَيض

- ‌بصَل

- ‌باذنجان

- ‌حرف التَّاء

- ‌تمر

- ‌تين

- ‌تلبينة:

- ‌حرف الثَّاء

- ‌ثلج:

- ‌ثوم

- ‌ثريد:

- ‌حرف الجيم

- ‌جُمَّار

- ‌جُبْن:

- ‌حرف الحاء

- ‌حنَّاء:

- ‌حبَّة السَّوداء

- ‌حرير:

- ‌حُرْف

- ‌حُلْبة

- ‌حرف الخاء

- ‌خبز:

- ‌ خل

- ‌خِلال:

- ‌حرف الدَّال

- ‌دُهْن

- ‌حرف الذَّال

- ‌ذَريرة:

- ‌ذُباب:

- ‌ذهب

- ‌حرف الرَّاء

- ‌رُطَب:

- ‌ريحان

- ‌رُمَّان

- ‌حرف الزَّاي

- ‌زيت

- ‌زُبْد

- ‌زبيب

- ‌زنجبيل

- ‌حرف السِّين

- ‌سنا:

- ‌سنُّوتٌ:

- ‌سَفَرْجَل

- ‌سِواك

- ‌سَمْن

- ‌سمك

- ‌سِلْق

- ‌حرف الشِّين

- ‌شُونيز:

- ‌شُّبْرُم

- ‌شعير

- ‌شِواء:

- ‌شحم:

- ‌حرف الصَّاد

- ‌صلاة:

- ‌صَبْر:

- ‌صَّبر

- ‌صوم:

- ‌حرف الضَّاد

- ‌ضبٌّ

- ‌ضِفْدع

- ‌حرف الطَّاء

- ‌طِيبٌ:

- ‌طين:

- ‌طَلْح:

- ‌طَلْع

- ‌حرف العين

- ‌عنب

- ‌عسل:

- ‌عَجْوة

- ‌عَنْبَر:

- ‌عود

- ‌عدس

- ‌حرف الغين المعجمة

- ‌غَيث

- ‌حرف الفاء

- ‌فاتحة الكتاب

- ‌فاغية

- ‌فضَّة:

- ‌حرف القاف

- ‌قرآن:

- ‌قِثَّاء

- ‌قُسْط وكُسْت

- ‌قصَب السُّكَّر:

- ‌حرف الكاف

- ‌كتابٌ للحمَّى:

- ‌كتابٌ للرُّعاف:

- ‌كتابٌ آخر للحمَّى المثلَّثة

- ‌كتابٌ(4)لعرق النَّسا

- ‌كتاب للعِرق الضارب

- ‌كتاب لوجع الضِّرس

- ‌كتاب للخُراج

- ‌كمأة

- ‌كَبَاث

- ‌كَتَم

- ‌كَرْم

- ‌كَرَفْس

- ‌كُرَّاث

- ‌حرف اللام

- ‌لحمٌ:

- ‌لحم الضَّأن

- ‌ لحم المعز

- ‌لحم الجدي

- ‌لحم البقر

- ‌لحم الفرس:

- ‌لحم الجمل:

- ‌لحم الضَّبِّ:

- ‌لحم الغزال

- ‌لحم الظَّبي

- ‌لحم الأرنب

- ‌لحم حمار الوحش

- ‌لحوم الأجنَّة:

- ‌لحم القديد

- ‌فصلفي لحوم الطير

- ‌ لحم الدَّجاج

- ‌لحم الدُّرَّاج

- ‌لحم الحَجَل والقَبَج

- ‌لحم الإوزِّ

- ‌لحم البطِّ

- ‌لحم الحبارى

- ‌لحم الكُرْكيِّ

- ‌لحم العصافير والقنابر

- ‌لحم الحمام

- ‌لحم القطا

- ‌لحم السُّمانى

- ‌الجراد

- ‌لبن الضَّأن

- ‌لبن المعز

- ‌لبن البقر

- ‌لبن الإبل:

- ‌لُّبان

- ‌حرف الميم

- ‌ماء

- ‌ماء الثلج والبرَد:

- ‌ماء الآبار والقُنِيِّ

- ‌ماء زمزم:

- ‌ماء النِّيل:

- ‌ماء البحر:

- ‌مِسْك:

- ‌مَرْزَنْجُوش

- ‌مِلْح

- ‌حرف النُّون

- ‌نخل:

- ‌نرجس

- ‌نُورة

- ‌نَبِق

- ‌حرف الهاء

- ‌هندباء

- ‌حرف الواو

- ‌وَرْس

- ‌وَسْمة:

- ‌حرف الياء

- ‌يقطين:

الفصل: ‌فصلفي هديه صلى الله عليه وسلم في رقية اللديغ بالفاتحة

عينٍ أو حُمَةٍ أو دمٍ يرقأ».

وفي «صحيح مسلم»

(1)

عنه أيضًا: رخَّص رسول الله صلى الله عليه وسلم في الرُّقية من العين والحُمَة والنَّملة.

‌فصل

في هديه صلى الله عليه وسلم في رقية اللَّديغ بالفاتحة

أخرجا في «الصَّحيحين»

(2)

من حديث أبي سعيدٍ الخدريِّ قال: انطلق نفرٌ من أصحاب النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم في سفرةٍ سافروها، حتَّى نزلوا على حيٍّ من أحياء العرب، فاستضافوهم، فأبوا أن يضيِّفوهم. فلُدِغ سيِّدُ ذلك الحيِّ، فسَعوا له بكلِّ شيءٍ، لا ينفعه شيءٌ. فقال بعضهم: لو أتيتم هؤلاء الرَّهطَ الذين نزلوا، لعلَّه

(3)

أن يكون عند بعضهم شيءٌ. فأتوهم، فقالوا: يا أيُّها الرَّهط إنَّ سيَّدنا لُدِغَ، وسعينا له بكلِّ شيءٍ لا ينفعه، فهل عند أحدٍ منكم من شيءٍ؟ فقال بعضهم: نعم، واللهِ إنِّي لأرقي، ولكن استضفناكم فلم تضيِّفونا، فما أنا براقٍ حتَّى تجعلوا لنا جُعْلًا. فصالحوهم على قطيعٍ من الغنم. فانطلق يتفِل عليه،

(1)

برقم (2196).

(2)

البخاري (2276) ومسلم (2201).

(3)

هذا لفظ البخاري وغيره ــ وفي رواية بحذف الهاء ــ وكذا في جميع النسخ والطبعة الهندية. وفي غيرها «لعلهم» .

ص: 251

ويقرأ: الحمد لله ربِّ العالمين

(1)

. فكأنَّما نُشِطَ من عِقالٍ. فانطلق يمشي وما به قَلَبةٌ. قال: فأوفَوهم جُعْلَهم الذي صالحوهم عليه. فقال بعضهم: اقتسِمُوا. فقال الذي رقى: لا نفعل

(2)

حتَّى نأتي النبيَّ

(3)

صلى الله عليه وسلم، فنذكر له الذي كان، فننظر ما يأمرنا. فقدِموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكروا له

(4)

، فقال:«وما يُدريك أنَّها رقيةٌ؟» . ثمَّ قال: «قد أصبتم. اقتسِمُوا واضربوا لي معكم سهمًا» .

وقد روى ابن ماجه في «سننه»

(5)

من حديث علي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «خير الدَّواء القرآن» .

من المعلوم

(6)

أنَّ بعض الكلام له خواصُّ ومنافع مجرَّبةٌ، فما الظَّنُّ بكلام ربِّ العالمين الذي فضلُه على كلِّ كلامٍ كفضل الله على خَلقِه، الذي هو الشِّفاء التَّامُّ والعصمة النَّافعة والنُّور الهادي والرَّحمة العامَّة، الذي لو أُنزل على جبلٍ لتصدَّع من عظمته وجلالته.

قال تعالى: {وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ} [الإسراء: 82]. و «من» هاهنا لبيان الجنس لا للتَّبعيض

(7)

. هذا أصحُّ القولين، كقوله تعالى:

(1)

يعني: سورة الفاتحة إلى آخرها.

(2)

في النسخ المطبوعة: «لا تفعلوا» .

(3)

ث، حط، ل، ن:«رسول الله» .

(4)

في ن بعده زيادة: «ذلك» .

(5)

برقم (3501، 3533). وأخرجه أيضًا أبو نعيم في «تاريخ أصبهان» (1/ 316 - 317). وإسناده ضعيفٌ؛ قال البوصيريُّ في «المصباح» (4/ 69): «فيه الحارث بن عبد الله الأعور وهو ضعيف» ، وهو في «السِّلسلة الضَّعيفة» (3093).

(6)

في النسخ المطبوعة: «ومن المعلوم» بزيادة واو.

(7)

وهكذا قال في «الداء والدواء» (ص 6) و «إغاثة اللهفان» (1/ 22).

ص: 252

{وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا} [الفتح: 29] وكلُّهم من الذين آمنوا وعملوا الصَّالحات. فما الظَّنُّ بفاتحة الكتاب الَّتي لم ينزل في القرآن ولا في التَّوراة ولا في الإنجيل ولا في الزَّبور مثلُها، المتضمِّنة لجميع معاني كتُب الله، المشتملة على ذكرِ أصول أسماء الرَّبِّ تعالى ومجامعها ــ وهي اللَّه والرَّبُّ والرَّحمن ــ وإثباتِ المعاد، وذكرِ التَّوحيدين: توحيد الرَّبوبيَّة وتوحيد الإلهيَّة، وذكرِ الافتقار إلى الرَّبِّ سبحانه في طلب الإعانة وطلب الهداية وتخصيصه سبحانه بذلك، وذكرِ أفضل الدُّعاء على الإطلاق وأنفعِه وأفرضِه وما العباد أحوجُ شيءٍ إليه، وهو الهداية إلى صراطه المستقيم المتضمِّن كمالَ معرفته وتوحيده، وعبادته بفعل ما أمَر به، واجتناب ما نهى عنه، والاستقامة عليه إلى الممات. وتتضمَّن ذكرَ أصناف الخلائق وانقسامهم إلى منعَمٍ عليه بمعرفة الحقِّ والعمل به ومحبَّته وإيثاره، ومغضوبٍ عليه بعدوله عن الحقِّ بعد معرفته له، وضالٍّ بعدم معرفته له؛ وهؤلاء أقسام الخليقة. مع تضمُّنها لإثبات القدر والشَّرع، والأسماء والصِّفات، والمعاد، والنُّبوَّات، وتزكية النُّفوس وإصلاح القلوب، وذكر عدل اللَّه وإحسانه، والرَّدِّ على جميع أهل البدع والباطل؛ كما ذكرنا ذلك في كتابنا الكبير

(1)

في شرحها.

وحقيقٌ بسورةٍ هذا بعضُ شأنها أن يستشفى بها من الأدواء، ويرقى بها اللَّديغ.

وبالجملة، فما تضمَّنته الفاتحة من إخلاص العبوديَّة، والثَّناء على اللَّه، وتفويض الأمر كلِّه إليه، والاستعانة به، والتَّوكُّل عليه، وسؤاله مجامع النِّعم كلِّها،

(1)

زاد الفقي بعده بين شرطتين: «مدارج السالكين» ، وقلَّدته طبعة الرسالة مخالفةً لأصلها. وقد أفاض المؤلف في تفسير سورة الفاتحة في أول «المدارج» .

ص: 253

وهي الهداية الَّتي تجلب النِّعَم وتدفع النِّقَم= من أعظم الأدوية الشَّافية الكافية.

وقد قيل: إنَّ موضع الرُّقية منها: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة: 5]. ولا ريب أنَّ هاتين الكلمتين من أقوى أجزاء هذا الدَّواء، فإنَّ فيهما من عموم التَّفويض والتَّوكُّل، والالتجاء والاستعانة، والافتقار والطَّلب، والجمع بين أعلى الغايات وهي عبادةُ الرَّبِّ وحده وأشرفِ الوسائل وهي الاستعانة به على عبادته= ما ليس في غيرها.

ولقد مرَّ بي وقتٌ بمكَّة سقِمتُ فيه، وفقدتُ الطَّبيبَ والدَّواء، فكنت أتعالج بها: آخذ شربةً من ماء زمزم، وأقرؤها عليه مرارًا، ثمَّ أشربه. فوجدتُ بذلك البرء التَّامَّ. ثمَّ صرتُ أعتمد ذلك عند كثيرٍ من الأوجاع، فأنتفع بها غاية الانتفاع

(1)

.

فصل

وفي تأثير الرُّقى بالفاتحة وغيرها في علاج ذوات السُّموم سرٌّ بديعٌ. فإنَّ ذوات السُّموم أثَّرت بكيفيَّات نفوسها الخبيثة كما تقدَّم. وسلاحُها حُمَاتُها الَّتي تلدغ بها. وهي لا تلدغ حتَّى تغضب، فإذا غضبت ثار فيها السَّمُّ، فتقذفه بآلتها. وقد جعل الله سبحانه لكلِّ داءٍ دواءً، ولكلِّ شيءٍ ضدًّا. ونفسُ الرَّاقي تفعل في نفس المرقيِّ، فيقع بين نفسيهما فعلٌ وانفعالٌ، كما يقع بين الدَّاء والدَّواء. فتقوى نفسُ المَرْقيِّ

(2)

وقوَّتُه بالرُّقية على ذلك الدَّاء، فتدفعه

(3)

(1)

ذكر نحوه في «مدارج السالكين» (1/ 79) و «الداء والدواء» (ص 8).

(2)

هكذا في جميع النسخ الخطية والطبعة الهندية. وفي طبعة عبد اللطيف وما بعدها: «الراقي» ، وهو غلط.

(3)

د: «فتقذفه» ، ولعله تحريف.

ص: 254

بإذن اللَّه. ومدارُ تأثير الأدوية والأدواء على الفعل والانفعال. وهو كما يقع بين الدَّاء والدَّواء الطَّبيعيَّين، يقع بين الدَّاء والدَّواء الرُّوحانيَّين، والرُّوحانيِّ والطَّبيعيِّ. وفي النَّفث والتَّفل استعانةٌ بتلك الرُّطوبة والهواء والنَّفَس المباشر للرُّقية والذِّكر والدُّعاء. فإنَّ الرُّقية تخرج من قلب الرَّاقي وفمه، فإذا صاحبها شيءٌ من أجزاء باطنه من الرِّيق والهواء والنَّفَس كانت أتمَّ تأثيرًا، وأقوى فعلًا ونفوذًا. ويحصل بالازدواج بينها

(1)

كيفيَّةٌ مؤثِّرةٌ شبيهةٌ بالكيفيَّة الحادثة عند تركيب الأدوية.

وبالجملة: فنفسُ الرَّاقي يقابل

(2)

تلك النَّفوس الخبيثة، ويزيد

(3)

بكيفيَّة نفسه، ويستعين بالرُّقية وبالنَّفث على إزالة ذلك الأثر. وكلَّما كانت كيفيَّة نفس الرَّاقي أقوى كانت الرُّقية أتمَّ. واستعانتُه بنفثه كاستعانة تلك النُّفوس الرَّديَّة بلسعها.

وفي النَّفث سرٌّ آخر، فإنَّه ممَّا تستعين به الأرواح الطَّيِّبة والخبيثة. ولهذا تفعله السَّحرة كما يفعله أهل الإيمان. قال تعالى:{وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ} [الفلق: 4]. وذلك لأنَّ النَّفس تتكيَّف بكيفيَّة الغضب والمحاربة، وتُرسل أنفاسها سهامًا لها، وتُمِدُّها بالنَّفث والتَّفل الذي معه شيءٌ من ريقٍ مصاحب

(4)

لكيفيَّةٍ مؤثِّرةٍ. والسَّواحر تستعين بالنَّفث استعانةً بيِّنةً، وإن لم

(1)

يعني بين الرقية وشيء من أجزاء باطن الراقي. وفي ن: «بينهما» .

(2)

تذكير الفعل للمضاف إليه، وقد أهمل في الأصل حرف المضارع في هذا وما بعده، وفي حط، ن:«تقابل» .

(3)

ث، ل:«يؤيد» ، ورسمه في الأصل يحتمل هذه القراءة.

(4)

ضبط في ل بالضم وفي حط بالكسر.

ص: 255