الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
رسولُ الله صلى الله عليه وسلم حين توفِّي أبو سلمة، وقد جعلتُ عليَّ صَبِرًا، فقال: «ما هذا
(1)
يا أمَّ سلمة؟». فقلت: إنَّما هو صَبِرٌ يا رسول اللَّه، ليس فيه طيبٌ. قال:«إنَّه يشُبُّ الوجه، فلا تجعليه إلا باللَّيل» . ونهى عنه بالنَّهار.
الصَّبِرُ كثير المنافع، ولا سيَّما
(2)
الهنديُّ منه. ينقِّي الفضول الصَّفراويَّة الَّتي في الدِّماغ وأعصاب البصر. وإذا طُلي على الجبهة والصُّدغ بدهن الورد نفَع من الصُّداع. وينفع من قروح الأنف والفم، ويُسْهل السَّوداء والمالنخوليا
(3)
.
والصَّبِرُ الفارسيُّ
(4)
يُذكي العقل، ويُحِدُّ
(5)
الفؤاد، وينقِّي الفضول الصَّفراويَّة والبلغميَّة من المعدة إذا شُرِب منه ملعقتان بماءٍ، ويردُّ الشَّهوة الباطلة والفاسدة. وإذا شُرِب في البرد خيف أن يُسْهِل دمًا.
صوم:
الصَّوم جُنَّةٌ من أدواء الرُّوح والقلب والبدن. منافعه تفوت الإحصاء. وله تأثير عجيب في حفظ الصِّحَّة، وإذابة الفضلات، وحبس
(1)
في النسخ المطبوعة: «ما ذا» .
(2)
ل، ن:«لاسيما» دون الواو قبلها.
(3)
ويقال بالياء مكان النون كما في حط، ن. وهو ضرب من الجنون. انظر:«القانون» (2/ 103) و «حقائق أسرار الطب» (ص 124). وهي كلمة يونانية أصل معناها السوداء. انظر: «القول الأصيل» للدكتور ف. عبد الرحيم (ص 211).
(4)
كذا في «القانون» ، ولم أجد ذكر الصبر الفارسي في غيره. وقارنه بما ورد في «الحاوي» (6/ 255).
(5)
في النسخ الخطية والمطبوعة ومخطوطة «شفاء الآلام» (106/أ): «يمد» ، تصحيف. وفي «الحاوي» (6/ 255):«يزيد الفؤاد حدَّةً» .
النَّفس عن تناول مؤذياتها، ولا سيَّما إذا كان باعتدالٍ وقصدٍ، في أفضل أوقاته شرعًا، وحاجة البدن إليه طبعًا.
ثمَّ إنَّ فيه من إراحة القوى والأعضاء ما يحفظ عليها قواها. وفيه خاصِّيَّةٌ تقتضي إيثاره: وهي تفريحُه للقلب عاجلًا وآجلًا. وهو أنفع شيءٍ لأصحاب الأمزجة الباردة الرَّطبة وله تأثيرٌ عظيمٌ في حفظ صحَّتهم.
وهو يدخل في الأدوية الرَّوحانيَّة والطَّبيعيَّة. وإذا راعى الصَّائم فيه ما ينبغي مراعاته طبعًا وشرعًا عظُمَ انتفاعُ قلبه وبدنه به، وحَبَس عنه الموادَّ الغريبة الفاسدة الَّتي هو مستعدٌّ لها، وأزال الموادَّ الرَّديَّة الحاصلة بحسب كماله ونقصانه، وتحفُّظِ الصَّائم ممَّا ينبغي أن يتحفَّظ منه، وقيامِه
(1)
بمقصود الصَّوم وسرِّه وعلَّته الغائيَّة. فإنَّ القصد منه أمرٌ آخر وراء ترك الطَّعام والشَّراب، وباعتبار ذلك الأمر اختصَّ من بين الأعمال بأنَّه لله سبحانه.
ولمَّا كان وقايةً وجُنَّةً بين العبد وبين ما يؤذي قلبه وبدنه عاجلًا وآجلًا قال تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة: 183]. فأحد مقصودي الصِّيام: الجُنَّة والوقاية وهي حِمْيةٌ عظيمة النَّفع. والمقصود الآخر: اجتماع القلب والهمِّ على الله تعالى، وتوفيرُ قوى النَّفس على محابِّه وطاعته. وقد تقدَّم الكلام في بعض أسرار الصَّوم عند ذكر هديه صلى الله عليه وسلم فيه.
(1)
هكذا في الأصل (ف). وفي غيره: «يحفظ» ، أو بإهمال أوله. وكذا «يحفظ» في النسخ المطبوعة وفي طبعة الرسالة:«ويعينه على قيامه» ، زادت ما شاءت لإصلاح السياق دون تنبيه.