الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصل
في تدبيره لأمر الملبس
وكان من أتمِّ الهدي، وأنفعه للبدن، وأخفِّه عليه، وأيسرِه لُبسًا وخَلعًا. وكان أكثرُ لُبسه الأردية والأُزُر، وهي أخفُّ على البدن من غيرها. وكان يلبس القميص، بل كان أحبَّ الثِّياب إليه
(1)
.
وكان هديُه في لُبسه لما يلبسه أنفعَ شيءٍ للبدن، فإنَّه لم يكن يطيل أكمامه ويوسِّعها بل كانت كمُّ
(2)
قميصه إلى الرُّسغ
(3)
، لا تجاوز اليدَ، فتشقَّ على لابسها، وتمنعَه خفَّة الحركة والبطش. ولا تقصر عن هذه، فتبرز للحرِّ والبرد.
(1)
أخرجه أبو داود (4025، 4026)، والتِّرمذيُّ (1762 - 1764)، والنَّسائيُّ في «الكبرى» (9589)، وابن ماجه (3575)، وأحمد (26695)، عن أمِّ سلمة رضي الله عنها. وفي إسناده اختلاف. قال التِّرمذيُّ:«هذا حديث حسنٌ غريب، إنَّما نعرفه من حديث عبد المؤمن بن خالد، تفرَّد به» ، وصحَّحه الحاكم (4/ 192)، وقال ابن القطَّان في «الوهم والإيهام» (2/ 451):«هو إمَّا منقطعٌ، وإمَّا متَّصل بمن لا تُعرف حاله» .
(2)
يقصد «يدَ كمِّ قميصه» كما جاء في «سنن أبي داود» وغيرها، ولذلك أنَّث «كانت». ثم اضطربت النسخ في تذكير الأفعال المضارعة الآتية وتأنيثها مع قوله:«لابسها» .
(3)
أخرجه أبو داود (4027)، والتِّرمذيُّ (1765)، والنَّسائيُّ في «الكبرى» (9587)، من حديث عن أسماء بنت يزيد رضي الله عنها. قال التِّرمذيُّ:«هذا حديث حسنٌ غريب» ، وفي الإسناد شهر بن حوشب مختلفٌ فيه، وهو كثير الإرسال والأوهام. وبه ضعَّفه الألبانيُّ في «السِّلسلة الضَّعيفة» (5/ 474). وفي الباب عن أنس وابن عبَّاس وأبي كبشة الأنماريِّ رضي الله عنهم.
وكان ذيل قميصه وإزاره إلى أنصاف السَّاقين، لم يتجاوز الكعبين
(1)
فيؤذي الماشي ويؤوده، ويجعله كالمقيَّد، ولم يقصُر عن عضلة ساقه
(2)
فتنكشف
(3)
، وتتأذَّى بالحرِّ والبرد.
ولم تكن عمامته بالكبيرة الَّتي يؤذي الرَّأسَ حملُها ويُضْعِفُه، ويجعله عرضةً للضَّعف والآفات، كما يشاهَد من حال أصحابها؛ ولا بالصَّغيرة الَّتي تقصُر عن وقاية الرَّأس من الحرِّ والبرد، بل وسطًا بين ذلك. وكان يُدخِلها تحت حَنَكه
(4)
. وفي ذلك فوائد عديدة. فإنَّها تقي العنقَ الحرَّ والبردَ. وهو أثبت لها ولا سيَّما عند ركوب الخيل والإبل، والكرِّ والفرِّ. وكثيرٌ من النَّاس اتَّخذ الكلاليب عوضًا عن الحَنك، ويا بُعدَ ما بينهما في النَّفع والزِّينة! وأنت
(1)
أخرج التِّرمذيُّ في «الشَّمائل» (114)، وابن أبي شيبة (38007)، والرُّوياني (1155)، وأبو الشَّيخ في «أخلاق النَّبيِّ» (269)، عن سلمة بن الأكوع قال:«كان عثمان بن عفَّان يأتزر إلى أنصاف ساقَيه، وقال: هكذا كانت إزرة صاحبي ــ يعني النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم ــ» ، وفي إسناده موسى بن عُبيدة وهو ضعيف. وأخرج التِّرمذيُّ في «الشَّمائل» (113)، والنَّسائيُّ في «الكبرى» (9602 - 9604)، وأحمد (23086)، وأبو الشَّيخ في «أخلاق النَّبي» (270، 271)، من طريق الأشعث بن سليم، عن عمَّته، عن عمِّها أنَّه رأى إزار رسول الله صلى الله عليه وسلم أسفل إلى نصف السَّاق، وعمَّةُ الأشعث لا تُعرف. وأخرج أبو الشَّيخ في «أخلاق النَّبيِّ» (273) عن أبي العالية مرسلًا: أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إزاره إلى نصف ساقيه.
(2)
س، ث، ل:«ساقيه» .
(3)
«فتنكشف» ساقط من س.
(4)
لم أقف على فعل النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم لذلك. ورُوي عنه النَّهيُ عن الاقتِعاط والأمرُ بالتَّلحِّي. والاقتعاط: أن لا يجعَلَ تحت الحنك من العمامة شيئًا، والتلحِّي: جعلُ بعضِ العمامة تحت الحنك. انظر: «غريب الحديث» لأبي عبيد (2/ 537).