الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصولُ هديه
(1)
صلى الله عليه وسلم في العلاج بالأدوية الرُّوحانيَّة الإلهيَّة
المفردة، والمركَّبة منها ومن الأدوية الطَّبيعيَّة
فصل
في هديه صلى الله عليه وسلم في علاج المصاب بالعين
روى مسلم في «صحيحه»
(2)
عن ابن عبَّاسٍ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «العين حقٌّ، ولو كان شيءٌ سابَقَ القدَرَ لسبقته العينُ» .
وفي «صحيحه»
(3)
أيضًا عن أنس أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم: رخَّص في الرُّقية من الحُمَة والعين والنَّملة.
وفي «الصَّحيحين»
(4)
من حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «العين حقٌّ» .
وفي «سنن أبي داود»
(5)
عن عائشة قالت: كان يؤمر العائنُ فيتوضَّأ، ثمَّ يغتسل منه المَعِينُ.
(1)
ن: «في هديه» . وقد زاد بعضهم «في» في هامش س وفوق السطر في ز. وفي حط: «فصل في هديه» .
(2)
برقم (2188).
(3)
برقم (2196).
(4)
البخاري (5740) ومسلم (2187).
(5)
سنن أبي داود (3880)، وسكت عنه. وأخرجه من طريقه البيهقيُّ في «الكبرى» (9/ 351). ورواه ابن أبي شيبة (24062) من فِعلها. وصحَّح إسناده النَّوويُّ في «المجموع» (9/ 68)، وهو في «السلسلة الصحيحة» (2522).
وفي «الصَّحيحين»
(1)
عن عائشة قالت: أمرني النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم ــ أو أمر ــ أن نسترقي
(2)
من العين.
وذكر الترمذي
(3)
من حديث سفيان بن عيينة، عن عمرو بن دينارٍ، عن عروة بن عامر، عن عبيد بن رفاعة الزُّرَقي أنَّ أسماء بنت عُمَيس قالت: يا رسول الله، إنَّ بني جعفرٍ تصيبهم العين، أفأسترقي لهم؟ فقال:«نعم، فلو كان شيءٌ يسبِق القضاءَ لسبقته العينُ» . قال الترمذي: حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.
وروى مالك
(4)
عن ابن شهابٍ، عن أبي أمامة بن سهل بن حنيفٍ قال: رأى عامرُ بن ربيعة سهلَ بن حُنَيفٍ يغتسل، فقال: والله ما رأيتُ كاليوم ولا
(1)
البخاري (5738) وهذا لفظه في رواية أبي ذر، ومسلم (2195).
(2)
في بعض النسخ: «يسترقَى» ، وهي رواية أخرى في البخاري.
(3)
في «جامعه» (2059). وأخرجه أيضًا ابن ماجه (3510)، وابن أبي شيبة (24057)، وأحمد (27470)، وغيرهم. ورجَّح الدَّارقطنيُّ في «العلل» (15/ 304) أنَّه من مسند أسماء، وصحَّحه ابن عبد البر في «الاستذكار» (7/ 409)، وهو في «السِّلسلة الصَّحيحة» (1252).
(4)
في «الموطَّأ» (1679)، ومن طريقه النَّسائيُّ في «الكبرى» (7572). وأخرجه أيضًا معمر في «الجامع» (11/رقم 19766 ــ المصنَّف) عن الزُّهري به، والنَّسائيُّ في «الكبرى» (7571، 9965)، وابن ماجه (3509) من طريق سفيان عن الزُّهري به. وقيل في إسناده:«عن الزُّهري، عن أبي أمامة، عن أبيه» ، ورجَّح الدَّارقطني في «العلل» (12/ 262) الأوَّلَ. وصحَّحه ابن حبَّان (6106)، والإشبيلي في «الأحكام الصُّغرى» (2/ 844)، والنَّووي في «المجموع» (9/ 68)، وقال ابن مُفلح في «الآداب الشَّرعيَّة» (2/ 58):«رواه أحمد بإسناد حسن» . وينظر: «السلسلة الصحيحة» (2572).
جلدَ مخبَّأةٍَ! قال: فلُبِطَ سهلٌ
(1)
. فأتى رسولَ الله صلى الله عليه وسلم عامرٌ، فتغيَّظ عليه، وقال:«علام يقتل أحدُكم أخاه؟ ألَّا برَّكتَ! اغتَسِلْ له» . فغسل
(2)
عامر وجهه ويديه ومرفقيه وركبتيه وأطراف رجليه وداخلةَ إزاره في قدَحٍ، ثمَّ صُبَّ عليه، فراح مع النَّاس.
وروى مالك
(3)
أيضًا عن محمد بن أبي أمامة بن سهل عن أبيه هذا الحديث وقال فيه: «إنَّ العين حقٌّ، توضَّأْ له» ، فتوضَّأ له.
وذكر عبد الرزاق
(4)
عن معمر، عن ابن طاوس، عن أبيه مرفوعًا:«العين حقٌّ. ولو كان شيءٌ سابقَ القدَر لسبقَتْه العينُ. وإذا استُغْسِلَ أحدكم فليغتسِلْ» . ووصله صحيحٌ.
قال الزُّهريُّ: يؤتى
(5)
الرَّجل العائن بقدَحٍ، فيُدْخِل كفَّه فيه، فيتمضمض ثمَّ يمجُّه في القدح، ويغسل وجهه في القدح. ثمَّ يُدخِل يده اليسرى، [فيصبُّ على كفِّه اليمنى في القدح. ثم يُدخِل يده اليمنى، فيصبُّ على يده اليسرى. ثم
(1)
لُبِط: صُرِعَ. يعني: حُمَّ، فوقع صريعًا كالمريض المثبَت المثقَل. انظر:«المنتقى» للباجي (7/ 256).
(2)
بعده في النسخ المطبوعة: «له» .
(3)
في «الموطَّأ» (1678)، ومن طريقه النَّسائيُّ في «الكبرى» (7570)، والطَّبراني في «الكبير» (5580). وأخرجه أيضًا الحاكم (3/ 411 - 412). وصحَّحه ابن حبَّان (6105)، والألبانيُّ في «السِّلسلة الصَّحيحة» (6/ 149).
(4)
برقم (19770)، وهو موصولٌ عند مسلم (2188) من طريق وهيبٍ، عن ابن طاوس، عن أبيه، عن ابن عبَّاس رضي الله عنهما -.
(5)
هكذا في الأصل (ف) وفي مصادر التخريج. وفي النسخ الأخرى الخطية والمطبوعة: «يؤمر» .
يُدخِل يده اليسرى، فيصُبُّ على مرفقه الأيمن. ثم يُدخل يده اليمنى، فيصبُّ على مرفقه الأيسر. ثم يُدخل يده اليسرى، فيصبُّ على قدمه اليمنى. ثم يدخل يده اليمنى، فيصبُّ على قدمه اليسرى. ثم يُدخِل يده اليُسْرى]
(1)
فيصُبُّ على ركبته اليمنى في القدح. ثمَّ يُدخل يده اليمنى، فيصبُّ على ركبته اليسرى. ثمَّ يغسل داخلةَ إزاره. ولا يوضع القدَحُ في الأرض. ثمَّ يُصَبُّ على رأس الرَّجل الذي تصيبه العين من خلفه صبَّةً واحدةً
(2)
.
والعين عينان: عينٌ إنسيَّةٌ، وعينٌ جنِّيَّةٌ. فقد صحَّ عن أم سلمة أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم رأى في بيتها جاريةً، في وجهها سَفْعةٌ، فقال:«استرقُوا لها، فإنَّ بها النَّظرة»
(3)
.
قال الحسين بن مسعود الفراء
(4)
: وقوله: «سفعةٌ» أي نظرةٌ، يعني: من الجنِّ. يقول: بها عينٌ أصابتها من نظر الجنِّ. [وقيل: عيون الجنّ]
(5)
أنفَذُ من أسنَّة الرِّماح.
(1)
ما بين المعقوفين من «شرح السنة» للبغوي (12/ 165)، وانظر «السنن الكبرى» للبيهقي وغيره من مصادر التخريج. والظاهر أنه سقط من أصل المؤلف لانتقال النظر. وقد اختصر بعضهم هذه الصفة دون أن يترك منها شيئًا. وقد آثرت التكملة من «شرح السنة» لأن النقل الآتي منه.
(2)
أخرجه بنحوه ابن أبي شيبة (24061)، والطَّحاويُّ في «مشكل الآثار» (2898)، والطَّبراني في «الكبير» (5577)، والبيهقيُّ في «الكبرى» (9/ 352)، وابن عبد البر في «التَّمهيد» (6/ 242 - 243).
(3)
أخرجه البخاري (5739) ومسلم (2197).
(4)
في «شرح السنة» (12/ 163).
(5)
من «شرح السنة» ، ولعله سقط أيضًا من أصل المؤلف لانتقال النظر.
ويذكر عن جابر يرفعه: «إنَّ العينَ لَتُدخِلُ الرَّجلَ القبرَ، والجملَ القِدْرَ»
(1)
.
وعن أبي سعيد: كان
(2)
النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم يتعوَّذ من الجانِّ، ومن عين الإنسان
(3)
.
فأبطلت طائفةٌ ممَّن قلَّ نصيبهم من السَّمع والعقل أمرَ العين، وقالوا: إنَّما ذلك أوهامٌ لا حقيقة لها. وهؤلاء من أجهل النَّاس بالسَّمع والعقل، ومن أغلظهم حجابًا، وأكثفهم طباعًا، وأبعدهم معرفةً عن الأرواح والنُّفوس وصفاتها وأفعالها وتأثيراتها. وعقلاءُ الأمم على اختلاف مللهم ونحلهم لا تدفع أمر العين ولا تنكره، وإن اختلفوا في سببه وجهة تأثير العين.
فقالت طائفةٌ
(4)
: إنَّ العائن إذا تكيَّفت نفسه بالكيفيَّة الرَّديَّة انبعث من
(1)
أخرجه ابن عديٍّ في «الكامل» (6/ 408) من طريق معاوية بن هشام، عن الثَّوريِّ، عن محمَّد بن المنكدر، عن جابر به. قال أبو نعيم في «الحلية» (7/ 91):«غريب من حديث الثَّوريِّ، تفرَّد به معاوية» ، وقال الخطيب في «تاريخ بغداد» (9/ 244):«ويقال: إنَّه غلَط، وإنَّما هو: عن معاوية، عن عليِّ بن أبي عليٍّ، عن ابن المنكدر، عن جابر» ، وعليٌّ هذا متروك؛ ولذا حكم بنكارة الحديث الذَّهبيُّ في «الميزان» (2/ 275)، وضعَّفه السَّخاويُّ في «المقاصد الحسنة» (726).
(2)
في ن: «أنَّ» ، فزاد بعضهم قبل «يتعوَّذ»:«كان» . وكذا في النسخ المطبوعة!
(3)
أخرجه التِّرمذيُّ (2058)، والنَّسائيُّ (5494)، وابن ماجه (3511)، وغيرهم. قال التِّرمذيُّ:«هذا حديث حسنٌ غريب» ، وصحَّحه الألبانيُّ في «تخريج الكلم الطَّيِّب» (246).
(4)
انظر الأقوال الآتية في «المعلم» للمازري (3/ 156) و «إكمال المعلم» للقاضي عياض (7/ 82)، والمصنف صادر عن كتاب الحموي (ص 283).
عينه قوَّةٌ سمِّيَّةٌ تتَّصل بالمَعِين، فيتضرَّر. قالوا: ولا يستنكر هذا كما لا يستنكر انبعاث قوَّةٍ سمِّيَّةٍ من الأفعى تتَّصل بالإنسان، فيهلك. وهذا أمرٌ قد اشتهر عن نوعٍ من الأفاعي: أنَّها إذا وقع بصرها على الإنسان هلَك، فكذلك العائن.
وقالت فرقةٌ أخرى: لا يستبعد أن ينبعث من عين بعض النَّاس جواهرُ لطيفةٌ غيرُ مرئيَّةٍ، فتتَّصل بالمعين، وتتخلَّل مسامَّ جسمه، فيحصل له الضَّرر.
وقالت فرقةٌ أخرى: قد أجرى الله العادة بخلق ما يشاء من الضَّرر عند مقابلة عين العائن لمن يَعينه، من غير أن يكون منه سببٌ ولا قوَّةٌ
(1)
ولا تأثيرٌ أصلًا
(2)
. وهذا مذهب منكري الأسباب والقوى والتَّأثيرات في العالم. وهؤلاء قد سدُّوا على أنفسهم باب العلل والتَّأثيرات والأسباب، وخالفوا العقلاء أجمعين.
ولا ريب أنَّ الله سبحانه خلق في الأجسام والأرواح قوًى وطبائع مختلفةً، وجعل في كثيرٍ منها خواصَّ وكيفيَّاتٍ مؤثِّرةً. ولا يمكن العاقلَ
(3)
إنكارُ تأثير الأرواح في الأجسام، فإنَّه أمرٌ مشاهدٌ محسوسٌ. وأنت ترى الوجه كيف يحمرُّ حمرةً شديدةً، إذا نظر إليه مَن يحتشمه، فاستحيا منه! ويصفرُّ صفرةً شديدةً عند نظر من يخافه إليه! وقد شاهد النَّاس من يسقَم من النَّظر،
(1)
ن: «منه قوة ولا سبب» ، وكذا في النسخ المطبوعة.
(2)
قال القاضي في «إكمال المعلم» (7/ 82): «وهكذا مذهب أهل السنة» ، يعني: الأشاعرة.
(3)
هذه العربية الفصيحة لم تعجب الشيخ الفقي، فغيَّره إلى «لعاقل» ، وقلدته طبعة الرسالة.
وتضعف قواه؛ وهذا كلُّه بواسطة تأثير الأرواح. ولشدَّة ارتباطها بالعين يُنسَب الفعلُ إليها، وليست هي الفاعلة، وإنَّما التَّأثير للرُّوح.
والأرواح مختلفةٌ في طبائعها وقواها وكيفيَّاتها وخواصِّها. فروحُ الحاسد مؤذيةٌ للمحسود أذًى بيِّنًا، ولهذا أمر الله سبحانه رسولَه أن يستعيذ به من شرِّه. وتأثيرُ الحاسد في أذى المحسود أمرٌ لا ينكره إلا من هو خارجٌ عن حقيقة الإنسانيَّة. وهو أصل الإصابة بالعين، فإنَّ النَّفس الخبيثة الحاسدة تتكيَّف بكيفيَّةٍ خبيثةٍ مقابلَ
(1)
المحسود، فتؤثِّر فيه بتلك الخاصِّيَّة. وأشبَهُ الأشياء بهذا: الأفعى، فإنَّ السَّمَّ كامنٌ فيها بالقوَّة، فإذا قابلت عدوَّها انبعثت منها قوَّةٌ غضبيَّةٌ، وتكيَّفت نفسُها
(2)
بكيفيَّةٍ خبيثةٍ مؤذيةٍ. فمنها: ما تشتدُّ كيفيَّتها وتقوى حتَّى تؤثِّر في إسقاط الجنين. ومنها: ما يؤثِّر في طمس البصر، كما قال النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم في الأبتر وذي الطُّفْيتين من الحيَّات:«إنَّهما يلتمسان البصر، ويُسْقِطان الحَبَل»
(3)
. ومنها: ما يؤثِّر في الإنسان كيفيَّتُها بمجرَّد الرُّؤية، من غير اتِّصالٍ به، لشدَّة خبث تلك النَّفس وكيفيَّتها الخبيثة المؤثِّرة.
والتَّأثير غير موقوفٍ على الاتِّصالات الجسميَّة، كما يظنُّه مَن قلَّ علمه ومعرفته بالطَّبيعة والشَّريعة. بل التَّأثير يكون تارةً بالاتِّصال، وتارةً
(1)
ما عدا الأصل: «تقابل» ، وأراه تصحيفًا لا يستقيم به السياق. ومن ثم أثبتوا في طبعة عبد اللطيف:«وتقابل» ليعود الضمير على النفس. انظر قول المؤلف في «بدائع الفوائد» (2/ 752): «فالعائن تتكيَّف نفسه عند مقابلة المعين ومعاينته» .
(2)
«نفسها» ساقط من طبعة الرسالة.
(3)
أخرجه مسلم (2233) من حديث ابن عمر، واللفظ لأبي داود (5252) وابن ماجه (3535).
بالمقابلة
(1)
، وتارةً بالرُّؤية، وتارةً بتوجُّه الرُّوح نحو من يؤثِّر فيه، وتارةً بالأدعية والرُّقى والتَّعوُّذات، وتارةً بالوهم والتَّخيُّل. ونفس العائن لا يتوقَّف تأثيرها على الرُّؤية، بل قد يكون أعمى، فيوصف له الشَّيءُ
(2)
، فتؤثِّر نفسه فيه وإن لم يره. وكثيرٌ من العائنين يؤثِّر في المَعِين بالوصف من غير رؤيةٍ.
وقد قال تعالى لنبيِّه: {وَإِنْ يَكَادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ}
(3)
[القلم: 51].
وقال: {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ (1) مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ (2) وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ (3) وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ (4) وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ} [الفلق: 1 - 5].
فكلُّ عائنٍ حاسدٌ، وليس كلُّ حاسدٍ عائنًا، فلمَّا كان الحاسد أعمَّ من العائن كانت الاستعاذة منه استعاذةً من العائن. وهي سهامٌ تخرج من نفس الحاسد والعائن نحوَ المحسود والمَعِين تصيبه تارةً، وتخطئه تارةً. فإن صادفته مكشوفًا لا وقاية عليه أثَّرت فيه ولا بدَّ. وإن صادفته حذِرًا شاكيَ السِّلاح لا منفذ فيه للسِّهام لم تؤثِّر فيه، وربَّما ردَّت السِّهام على صاحبها.
(1)
«وتارةً بالمقابلة» ساقط من د.
(2)
لفظ «الشيء» ساقط من د.
(3)
للمفسرين قولان في الآية. أحدهما أن الكفار قصدوا أن يصيبوا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالعين. قال ابن الجوزي في «زاد المسير» (8/ 343): هذا قول الكلبي وتابعه قوم من المفسرين ومنهم الفراء. والثاني أنهم كانوا ينظرون إليه بالعداوة نظرًا شديدًا يكاد يُزلقه من شدته أي يصرعه. قال: «وإلى هذا ذهب المحققون، منهم ابن قتيبة والزجاج» . وقد ذكر المصنف القولين في «بدائع الفوائد» (2/ 752 - 754) وجمع بينهما، وقال:«فالقولان حقٌّ» .
وهذا بمثابة الرَّمي الحسِّيِّ سواءً. فهذا من النُّفوس والأرواح، وهذا من الأجسام والأشباح
(1)
.
وأصله من إعجاب العائن بالشَّيء. ثمَّ تتبعه كيفيَّة نفسه الخبيثة، ثمَّ يستعين على تنفيذ سَمِّيَّتها بنظره
(2)
إلى المَعِين. وقد يَعين الرَّجل نفسه، وقد يَعين بغير إرادته بل بطبعه، وهذا أردأ
(3)
ما يكون من النَّوع الإنسانيِّ. وقد قال أصحابنا وغيرهم من الفقهاء: إنَّ من عُرِف بذلك حبَسه الإمامُ، وأجرى له ما ينفق عليه إلى الموت. وهذا هو الصَّواب قطعًا
(4)
.
فصل
والمقصود: العلاج النَّبويُّ لهذه العلَّة، وهو أنواعٌ.
وقد روى أبو داود في «سننه»
(5)
عن سهل بن حُنَيفٍ قال: مررنا بسَيْلٍ، فدخلت، فاغتسلت فيه، فخرجت محمومًا. فنُمِيَ
(6)
ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم
(1)
وانظر: «مدارج السالكين» (1/ 79 - 80).
(2)
حط، د:«بنظرة» .
(3)
في الأصل ومعظم النسخ رسم بالألف الممدودة.
(4)
انظر: «مدارج السالكين» (1/ 404)، و «شرح النووي» (14/ 173).
(5)
برقم (3888)، وسكت عنه. وأخرجه أيضًا النَّسائيُّ في «الكبرى» (10015، 10806)، وأحمد (15978)، والطَّحاويُّ في «معاني الآثار» (4/ 329)، والطَّبراني في «الكبير» (5615). وصحَّح إسناده الحاكم (4/ 413)، لكن فيه الرَّباب الرَّاويةُ عن سهل، فقد انفرد بالرِّواية عنها حفيدُها عثمان بن حكيم، فهي في عِداد المجهولات؛ ولذا أورده الألبانيُّ في «السِّلسلة الضَّعيفة» (1854). ولجزئه الأخير شواهدُ كثيرةٌ.
(6)
رسمه في ف، ز، د:«فنما» .
فقال: «مروا أبا ثابت يتعوَّذ» . قال: فقلت: يا سيِّدي، والرُّقى صالحةٌ؟ فقال:«لا رقية إلا في نفسٍ أو حُمَةٍ أو لَدْغةٍ» .
والنَّفس: العين. يقال: أصابت فلانًا نفسٌ أي: عينٌ. والنَّافس: العائن. واللَّدغة بدالٍ مهملةٍ وغينٍ معجمةٍ، وهي ضربة العقرب ونحوها.
فمن التَّعوُّذات والرُّقى: الإكثارُ من قراءة المعوِّذتين وفاتحة الكتاب وآية الكرسيِّ. ومنها التَّعوُّذات النَّبويَّة نحو: «أعوذ بكلمات الله التَّامَّة، من كلِّ شيطانٍ وهامَّةٍ، ومن كلِّ عينٍ لامَّةٍ»
(1)
.
ونحو: «أعوذ بكلمات الله التَّامَّات كلِّها من شرِّ ما خلق»
(2)
.
(3)
.
ومنها: «أعوذ بكلمات الله التَّامَّة من غضبه وعقابه، وشرِّ عباده، ومن
(1)
أخرجه البخاري (3371) من حديث ابن عباس رضي الله عنهما.
(2)
أخرجه مسلم (2708) من حديث خولة بنت حكيم السُّلَميّة.
(3)
أخرجه ابن أبي شيبة (24068، 30238)، وأحمد (15461)، وأبو يعلى (6844)، من حديث عبد الرَّحمن بن خَنبَش رضي الله عنه، ووقع اسمه عند ابن أبي شيبة: عبد الله، وعند أبي يعلى: ابن حبشيٍّ. قال البخاريُّ كما في «الإصابة» (6/ 474): «في إسناده نظر» ، وقال المنذريُّ في «التَّرغيب» (2/ 303):«إسناده جيِّدٌ محتجٌّ به» ، وهو في «السلسلة الصحيحة» (840، 2995).
همزات الشَّياطين وأن يحضُرونِ»
(1)
.
(2)
.
ومنها: «أعوذ بوجه الله العظيم الذي لا شيء أعظم منه، وبكلماته التَّامَّات الَّتي لا يجاوزهنَّ برٌّ ولا فاجرٌ، وأسماءِ الله الحسنى ما علمتُ منها وما لم أعلم من شرِّ ما خلَق وذرَأ وبرَأ، ومن شرِّ كلِّ ذي شرٍّ لا أطيق شرَّه، ومن شرِّ كلِّ ذي شرٍّ ربِّي
(3)
آخذٌ بناصيته. إنَّ ربِّي على صراطٍ مستقيمٍ»
(4)
.
(1)
أخرجه أبو داود (3893)، والتِّرمذيُّ (3528)، والنَّسائيُّ في «الكبرى» (10533، 10534)، وابن أبي شيبة (24013، 24071، 30237)، وأحمد (6696)، وغيرهم، من طرق عن محمَّد بن إسحاق، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جدِّه. قال التِّرمذيُّ:«هذا حديث حسنٌ غريب» ، وصحَّحه الحاكم (1/ 547)، وفيه عنعنة ابن إسحاق. وله شاهد من حديث الوليد بن الوليد رضي الله عنه.
(2)
أخرجه أبو داود (5052)، والنَّسائيُّ في «الكبرى» (7685، 10535)، والطَّبراني في «الصَّغير» (998)، من طريق عمَّار بن رزيق، عن أبي إسحاق، عن الحارث وأبي ميسرة، عن عليٍّ رضي الله عنه. وصحح إسناده البيهقيُّ في «الأسماء والصِّفات» (2/ 98)، والنَّوويُّ في «الأذكار» (444، 502)، وحسَّنه ابن حجر في «نتائج الأفكار» (2/ 385). وأخرجه ابن أبي شيبة (29929) عن أبي ميسرة مرسلًا، ورجَّح أبو زرعة وأبو حاتم الإرسال كما في «العلل» لابنه (5/ 288)؛ لأن عمَّارًا سمع من أبي إسحاق بأخرةٍ.
(3)
في النسخ المطبوعة: «أنتَ» في موضع «ربِّي» .
(4)
لم أقف عليه مرفوعًا. وأخرجه مالك (1707) ــ ومن طريقه البيهقيُّ في «الأسماء والصِّفات» ــ، وأبو نعيم في «الحلية» (5/ 377 - 378)، وابن عساكر في «تاريخ دمشق» (50/ 166)، من كلام كعب الأحبار، إلى قوله:«من شرِّ ما خلق وذرأ وبرأ» .
(1)
.
وإن شاء قال: تحصَّنت
(2)
بالله الذي لا إله إلا هو، إلهي وإلهِ كلِّ شيءٍ. واعتصمتُ بربِّي وربِّ كلِّ شيءٍ. وتوكَّلت على الحيِّ الذي لا يموت. واستدفعتُ الشَّرَّ بلا حول ولا قوَّة إلا باللَّه، حسبي الله ونعم الوكيل. حسبي الرَّبُّ من العباد. حسبي الخالق من المخلوق. حسبي الرَّازق من المرزوق. حسبي الذي هو حسبي. حسبي الذي بيده ملكوتُ كلِّ شيءٍ، وهو يجير ولا يجار عليه. حسبي الله وكفى. سمِع الله لمن دعا. ليس وراء الله مرمًى. حسبي الله لا إله إلا هو، عليه توكَّلت، وهو ربُّ العرش العظيم
(3)
.
(1)
أخرجه الحارث (1052 ــ بغية الباحث) ــ ومن طريقه ابن السُّنِّيِّ في «عمل اليوم واللَّيلة» (58) ــ من طريق الحسن، عن رجل من أصحاب النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم بنحوه، وإسناده ضعيفٌ؛ الرَّاوي عن الحسن رجلٌ مبهم. وأخرجه الخرائطيُّ في «مكارم الأخلاق» (868)، والطَّبرانيُّ في «الدُّعاء» (343)، وابن السُّنِّيِّ في «عمل اليوم واللَّيلة» (57)، والبيهقيُّ في «الأسماء والصِّفات» (344)، من حديث أبي الدَّرداء رضي الله عنه، وإسناده ضعيف جدًّا؛ فيه أغلب بن تميم قال البخاريُّ:«منكر الحديث» ؛ ولذا ضعَّفه ابن الجوزيِّ في «العلل المتناهية» (1400)، والعراقيُّ في «المغني» (997)، وهو في «السِّلسلة الضَّعيفة» (6420).
(2)
د: «وتحصَّنت» .
(3)
هذا الحرز ليس مرويًّا عن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، ولعل المؤلف رحمه الله نقله من الكتاب الذي اعتمد عليه في هذه الفصول في دفع ضرر العين.
ومن جرَّب هذه الدَّعوات والعُوَذ عرَف مقدارَ منفعتها وشدَّة الحاجة إليها. وهي تمنع وصول أثر العائن، وتدفعه بعد وصوله، بحسب قوَّة إيمان قائلها، وقوَّةِ نفسه واستعداده، وقوَّةِ توكُّله وثباتِ قلبه؛ فإنَّها سلاحٌ، والسِّلاحُ بضاربه!
فصل
وإذا كان العائن يخشى ضرر عينه وإصابتها للمَعِين، فليدفع شرَّها بقوله: اللَّهمَّ بارك عليه، كما قال النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم لعامر بن ربيعة لمَّا عان سهلَ بن حُنَيفٍ:«ألَّا برَّكتَ»
(1)
أي: قلتَ: اللَّهمَّ بارك عليه.
وممَّا يدفع به إصابة العين قولُ: ما شاء الله لا قوَّة إلا باللَّه. روى هشام بن عروة عن أبيه أنَّه كان إذا رأى شيئًا يُعجبه، أو دخل حائطًا من حيطانه، قال: ما شاء اللَّه، لا قوَّة إلا باللَّه
(2)
.
ومنها: رقية جبريل للنَّبيِّ صلى الله عليه وسلم، الَّتي رواها مسلم في «صحيحه»
(3)
: «باسم الله أرقيك، من كلِّ شيءٍ يؤذيك، من شرِّ كلِّ نفسٍ أو عينِ حاسدٍ، الله يشفيك، باسم الله أرقيك» .
(1)
تقدَّم تخريجه.
(2)
أخرجه البيهقيُّ في «الأسماء والصِّفات» (371). وأخرجه أيضًا أبو نعيم في «الحلية» (2/ 180)، والبيهقيُّ في «الشُّعب» (2038، 10713)، وابن عساكر في «تاريخ دمشق» (40/ 259)، من طريق ابن شوذب عن عروة بنحوه. وعزاه في «الدُّرِّ المنثور» (5/ 391) لسعيد بن منصور وابن أبي حاتم.
(3)
برقم (2186) من حديث أبي سعيد.
ورأى جماعةٌ من السَّلف أن تُكتَب له الآيات من القرآن، ثمَّ يشربها. فقال مجاهد: لا بأس أن يكتبَ القرآن ويغسِلَه ويسقيَه المريضَ
(1)
. ومثله عن أبي قِلابة
(2)
.
ويذكر عن ابن عبَّاسٍ: أنَّه أمر أن يكتب لامرأةٍ تعسَّر عليها وِلادُها آيتين
(3)
من القرآن، ثمَّ تُغسَل
(4)
وتُسْقى
(5)
.
وقال أيوب: رأيت أبا قلابة كتب كتابًا من القرآن، ثمَّ غسَله بماء، وسقاه رجلًا كان به وجعٌ
(6)
.
فصل
ومنها: أن يؤمر العائن بغسل مغابنه، وأطرافه، وداخلة إزاره. وفيه
(7)
قولان. أحدهما: أنَّه فرجه. والثَّاني: أنَّه طرف إزاره الدَّاخل الذي يلي جسده من الجانب الأيمن
(8)
. ثمَّ يُصَبُّ على رأس المَعِين من خلفه بغتةً.
(1)
أخرجه ابن أبي شيبة (23976).
(2)
أخرجه ابن أبي شيبة (23976).
(3)
في طبعة الرسالة: «أثر» ، وهو تصحيف تابعت فيه الطبعات السابقة خلافًا لأصلها.
(4)
«تغسل» ساقط من س.
(5)
أخرجه بمعناه ابن أبي شيبة (23974)، والبيهقيُّ في «الدَّعوات الكبير» (565). وفي إسناده محمَّد بن عبد الرَّحمن بن أبي ليلى سيِّئ الحفظ جدًّا. ويُروى مرفوعًا، ولا يثبُت أيضًا.
(6)
أخرجه عبد الرَّزَّاق (20170).
(7)
يعني: في معنى داخلة الإزار.
(8)
ذكر القاضي عياض في «إكمال المعلم» (7/ 83) أن جمهور العلماء على هذا.
وهذا ممَّا لا يناله علاج الأطبَّاء، ولا ينتفع به مَن أنكره، أو سَخِر منه، أو شكَّ فيه، أو فعَله مجرِّبًا لا يعتقد أنَّ ذلك ينفعه
(1)
. وإذا
(2)
كان في الطَّبيعة خواصُّ لا تعرف الأطبَّاء عللها البتَّة، بل هي عندهم خارجةٌ عن قياس الطَّبيعة، تفعل بالخاصِّيَّة
(3)
، فما الذي تنكره زنادقتهم وجهلتهم من الخواصِّ الشَّرعيَّة!
هذا مع أنَّ في المعالجة بهذا الاستغسال ما تشهد له العقول الصَّحيحة وتُقِرُّ بمناسبته. فاعلم أنَّ تِرْياقَ سَمِّ الحيَّة في لحمها، وأنَّ علاج تأثير النَّفس الغضبيَّة في تسكين غضبها، وإطفاء ناره بوضع يدك عليه، والمسح عليه، وتسكين غضبه. وذلك بمنزلة رجلٍ معه شعلةٌ من نارٍ، وقد أراد أن يقذفك بها، فصببتَ عليها الماء، وهي في يده حتَّى طفئت.
ولذلك أمر العائن أن يقول: «اللَّهمَّ بارك عليه» ، ليدفع تلك الكيفيَّة الخبيثة بالدُّعاء الذي هو إحسانٌ إلى المَعِين، فإنَّ دواء الشَّيء بضدِّه. ولمَّا كانت هذه الكيفيَّة الخبيثة تظهر في المواضع الرَّقيقة من الجسد، لأنَّها تطلب النُّفوذ، فلا تجد أرقَّ من المغابن وداخلة الإزار، ولا سيَّما إن كان كنايةً عن الفرج. فإذا غُسِلتْ بالماء بطل تأثيرُها وعملُها. وأيضًا فهذه المواضع للأرواح الشَّيطانيَّة بها اختصاصٌ. والمقصود: أنَّ غسلها بالماء يطفئ تلك النَّاريَّة، ويذهب بتلك السَّمِّيَّة.
(1)
د: «لا ينفعه» ، وأشير إلى هذه النسخة في هامش ز. وهو خطأ.
(2)
ل: «وإن» .
(3)
كذا في جميع النسخ الخطية والمطبوعة. وقد أثبتها الحافظ ابن حجر في «الفتح» (10/ 205) على هذا الوجه: «
…
بل هي عندهم خارجة عن القياس، وإنما تفعل بالخاصية».
وفيه أمرٌ آخر. وهو وصول أثر الغسل إلى القلب من أرقِّ المواضع وأسرعها تنفيذًا، فيطفئ تلك النَّاريَّة والسَّمِّيَّة بالماء، فيشفى المَعِين. وهذا كما أنَّ ذوات السُّموم إذا قُتِلت بعد لَسْعها خفَّ أثرُ اللَّسعة عن الملسوع ووجَد راحةً، فإنَّ أنفُسَها تُمِدُّ أذاها بعد لسعها، وتُوصِله إلى الملسوع، فإذا قُتِلت خفَّ الألم. وهذا مشاهَد. وإن كان من أسبابه: فرحُ الملسوع، واشتفاءُ نفسه بقتل عدوِّه؛ فتقوى الطَّبيعة على الألم، فتدفعه.
وبالجملة، غسلُ العائنُ
(1)
يُذْهِب تلك الكيفيَّة الَّتي ظهرت منه. وإنَّما ينفع غسلُه عند تكيُّف نفسه بتلك الكيفيَّة.
فإن قيل: فقد ظهرت مناسبة الغسل، فما مناسبة صبِّ ذلك الماء على المَعِين؟
قيل: هو في غاية المناسبة. فإنَّ ذلك الماء ماءٌ طفَّى
(2)
به تلك النَّاريَّةَ وأبطل تلك الكيفيَّة الرَّديَّة من الفاعل، فكما طُفِّيت به النَّاريَّة القائمة بالفاعل طُفيِّت به وأُبطِلت عن المحلِّ المتأثِّر بعد ملابسته للمؤثِّر العائن. والماء الذي يطفَّى فيه
(3)
الحديد يدخل في أدويةٍ عدَّةٍ طبيعيَّةٍ ذكرها الأطبَّاء، فهذا الذي طُفِّي به ناريَّة العائن لا يستنكر أن يدخل في دواءٍ يناسب هذا الدَّاء.
وبالجملة: فطبُّ الطَّبائعيَّة وعلاجهم بالنِّسبة إلى العلاج النَّبويِّ كطبِّ الطُّرقيَّة بالنِّسبة إلى طبِّهم بل أقلُّ، فإنَّ التَّفاوت الذي بينهم وبين الأنبياء أعظم
(1)
ز: «المغابن» ، تصحيف.
(2)
كذا في جميع النسخ بالتسهيل، وقد سبق مثله. وفي ث، ل:«أطفى» . وفي ن: «الماء لما طفى» .
(3)
ما عدا ف، حط، د:«به» .
وأعظم من التَّفاوت الذي بينهم وبين الطُّرقيَّة بما لا يدرك الإنسانُ مقدارَه.
فقد ظهر لك عقدُ الإخاء الذي بين الحكمة والشَّرع، وعدمُ مناقضة أحدهما للآخر. والله يهدي من يشاء إلى الصَّواب، ويفتح لمن أدام قرعَ بابِ التَّوفيق منه كلَّ بابٍ. وله النِّعمة السَّابغة، والحجَّة البالغة.
فصل
ومن علاج ذلك أيضًا والاحتراز منه: سترُ محاسن من يخاف عليه العين بما يردُّها عنه، كما ذكر البغوي في كتاب «شرح السُّنَّة»
(1)
: أنَّ عثمان رضي الله عنه رأى صبيًّا مليحًا فقال: دسِّموا نُونتَه؛ لئلَّا تصيبه العين. ثمَّ قال في تفسيره: ومعنى «دسِّموا نونته» أي: سوِّدوا نونته. والنُّونة: النُّقْبة
(2)
الَّتي تكون في ذقَن الصَّبيِّ الصَّغير.
وقال الخطابي في «غريب الحديث» له
(3)
عن عثمان: إنَّه رأى صبيًّا تأخذه العين، فقال: دسِّموا نُونتَه. فقال أبو عمر: وسألت أحمد بن يحيى عنه فقال: أراد بالنُّونة الثُّغرة
(4)
الَّتي في ذقَنه. والتَّدسيم: التَّسويد. أراد: سوِّدوا
(1)
(12/ 166) و (14/ 178). قال الخطَّابيُّ في «غريب الحديث» (2/ 139): «رواه أحمد بن يحيى الشَّيبانيُّ، عن محمَّد بن زياد الأعرابيِّ، ذكره أبو عمر» . وأحمد بن يحيى هو المشهور بثعلب، وأبو عمر هو غلامُه.
(2)
كذا في جميع النسخ الخطية وفي «اللسان» (نقب) عن «المحكم» . وفي مطبوعة «المحكم» (11/ 138): «الثقبة» ، وكذا في مطبوعة «شرح السنة» (11/ 138). وفي طبعة الرسالة:«النقرة» تبعًا للطبعات السابقة.
(3)
(2/ 139).
(4)
كذا في جميع النسخ الخطية. وفي النسخ المطبوعة: «النقرة» ، وكذا في «غريب الخطابي» .
ذلك الموضع من ذقنه ليردَّ العين. قال: ومن هذا حديث عائشة أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم خطب ذات يومٍ، وعلى رأسه عمامةٌ دَسْماء
(1)
. أي: سوداء. أراد الاستشهاد على اللَّفظة.
ومن هذا أخذ الشَّاعر قوله
(2)
:
ما كان أحوجَ ذا الكمالِ إلى
…
عيبٍ يوقِّيه من العينِ
(3)
ومن الرُّقى الَّتي تردُّ العين ما ذُكِر عن أبي عبد الله النِّباجي
(4)
أنَّه كان في بعض أسفاره للحجِّ أو الغزو على ناقةٍ فارهةٍ، وكان في الرُّفقة رجلٌ عائنٌ قلَّما نظر إلى شيءٍ إلا أتلفه، فقيل لأبي عبد الله: احفظ ناقتك من العائن، فقال:
(1)
لم أقف عليه من مسند عائشة رضي الله عنها. وأخرج البخاريُّ (3628)، والتِّرمذيُّ في «الشَّمائل» (119) واللَّفظ له، عن ابن عبَّاس رضي الله عنهما - أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم خطب النَّاس وعليه عصابةٌ دسماءُ. وأخرج مسلم (1358) عن عمرو بن حُريث رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم خطب النَّاس وعليه عمامةٌ سوداءُ.
(2)
من أربعة أبيات في «ديوان كشاجم» (ص 386).
(3)
أثبتوا بعده في طبعة عبد اللطيف عنوان «فصل» خلافًا للطبعة الهندية، وتبعتها الطبعات اللاحقة ومنها طبعة الرسالة!
(4)
في ف، د بالحاء المهملة، وقد وضع ناسخ ف حاء صغيرة تحتها. وفي س:«الساجي» مع علامة الإهمال على السين. وفي حط: «الباجي» . وأهمله ناسخا ث، ل. وفي طبعة الرسالة:«الساجي» خلافًا لأصلها. والصواب ما أثبت. وكذا كان في ن فيما يظهر، ثم غيَّره بعضهم إلى «الساجي» ! وهو منسوب إلى النِّباج، قرية في بادية البصرة على النصف من طريق مكة. وهو سعيد بن بُرَيد التميمي الزاهد، ممن أخذ عن الفضيل بن عياض. انظر: الأنساب» للسمعاني (13/ 24) و «الإكمال» لابن ما كولا (7/ 285) و «توضيح المشتبه» (9/ 26) وترجمته في «تاريخ الإسلام» للذهبي (5/ 320).