الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الطُّرقيَّة والعجائز إلى طبِّ الأطبَّاء، وأنَّ بين ما يُلقَّى بالوحي وبين ما يلقَّى بالتَّجربة والقياس من الفَرْق أعظمَ ممَّا بين القدم والفَرْق
(1)
!
ولو أنَّ هؤلاء الجهَّال وجدوا دواءً منصوصًا عن بعض اليهود أو النَّصارى أو المشركين من الأطبَّاء لتلقَّوه بالقبول والتَّسليم، ولم يتوقَّفوا على تجربته!
نعم، نحن لا ننكر أنَّ للعادة تأثيرًا في الانتفاع بالدَّواء وعدمه. فمن اعتاد دواءً أو غذاءً كان أنفع له وأوفق ممَّن لم يعتَدْه، بل ربَّما لم ينتفع به مَن لم يعتده.
وكلام فضلاء الأطبَّاء وإن كان مطلقًا، فهو بحسب الأمزجة والأزمنة والأماكن والعوائد. فإذا كان التَّقييد بذلك لا يقدح في كلامهم ومعارفهم، فكيف يقدح في كلام الصَّادق المصدوق؟ ولكنَّ نفوس البشر مركَّبةٌ على الجهل والظُّلم إلا من أيَّده الله بروح الإيمان، ونوَّر بصيرته بنور الهدى.
قصَب السُّكَّر:
جاء في بعض ألفاظ السُّنَّة الصَّحيحة في الحوض: «ماؤه أحلى من السُّكَّر»
(2)
. ولا أعرف السُّكَّر في الحديث إلا في هذا الموضع
(3)
.
(1)
يعني: فرق الرأس، وفي ن:«القرن» ، تصحيف. وانظر (ص 12 - 13).
(2)
لم أقف عليه بهذا اللَّفظ، والمشهور المستفيض في هذا الحديث:«أحلى من العسل» كما عند مسلم (2300، 2301) وغيره. وانظر تعقُّب ابن مُفلح على المصنف في «الآداب الشَّرعيَّة» (3/ 40). على أنه قد ورد هذا الوصف «أحلى من السُّكَّر» عند ابن أبي الدنيا في كتاب «صفة الجنة» (50) بإسناد ضعيف عن عطاء بن يسار مرسلًا، ولكنه ليس في وصف ماء الحوض، بل في وصف ثمر نخل الجنة. ولعل المصنف أراد هذاالحديثولكنه نقله مِن حفظه فوهم فيه.
(3)
وانظر: «مفتاح دار السعادة» (2/ 710) وتعليق المحقق عليه.
والسُّكَّر حادثٌ لم يتكلَّم فيه متقدِّمو الأطبَّاء، ولا كانوا يعرفونه، ولا يصفونه في الأشربة. وإنَّما يعرفون العسل، ويُدخلونه في الأدوية
(1)
.
وقصبُ السُّكَّر حارٌّ رطبٌ. ينفع من السُّعال، ويجلو الرُّطوبة والمثانة وقصبة الرِّئة، وهو أشدُّ تليينًا من السُّكَّر. وفيه معونةٌ على القيء، ويدرُّ البول، ويزيد في الباه
(2)
.
قال عفَّان بن مسلمٍ الصَّفَّار: من مصَّ قصب السُّكَّر بعد طعامه لم يزل يومَه أجمعَ في سرورٍ
(3)
. انتهى.
وهو ينفع من خشونة الصَّدر والحلق إذا شُوي
(4)
. ويولِّد رياحًا دفعُها بأن يقشَّر ويُغسَل بماءٍ حارٍّ.
والسُّكَّر حارٌّ رطبٌ على الأصحِّ، وقيل: بارد. وأجوده: الأبيض الشَّفَّاف الطَّبَرْزَد
(5)
. وعتيقه ألطف من جديده. وإذا طُبخ ونُزعت رغوته سكَّن العطش والسُّعال. وهو يضرُّ المعدة الَّتي تتولَّد فيها الصَّفراء لاستحالته إليها. ودفعُ ضرره بماء اللَّيمون أو النَّارنج أو الرُّمَّان اللُّفَّان
(6)
.
(1)
وانظر: «رسائل المقريزي» (ص 309) و «ترقيق الأسل» للفيروزابادي (ص 235).
(2)
هذه الفقرة من كتاب الحموي (ص 531).
(3)
المصدر السابق.
(4)
«إذا شوي» أضيف إلى الأصل (ف) في آخر السطر.
(5)
هو سُكَّر النبات.
(6)
هو الرُّمَّان المُزّ عند العامة في بلاد الشام، ويقال أيضًا: اللُّفَّاني. انظر: «تذكرة داود» (1/ 155) و «متن اللغة» (5/ 196). ولما نقل هذا النص ابن مفلح في «الآداب الشرعية» (3/ 162) والسرَّمرِّي في «شفاء الآلام» (118/أ) استبدلا به «الرمان المزّ» .
وبعض النَّاس يفضِّله على العسل لقلَّة حرارته ولينه. وهذا تحاملٌ منه على العسل، فإنَّ منافع العسل أضعاف منافع السُّكَّر، وقد جعله الله شفاءً ودواءً وأُدْمًا
(1)
وحلاوةً. وأين نفعُ السُّكَّر من المنافع التي يدخل فيها العسل
(2)
: من تقوية المعدة، وتليين الطَّبع، وإحداد البصر، وجلاء ظلمته، ودفع الخوانيق
(3)
بالغرغرة به، وإبرائه من الفالج واللَّقوة ومن جميع العلل الباردة الَّتي تحدث في جميع البدن
(4)
من الرُّطوبات، فيجذبها من قعر البدن؛ وحفظِ صحَّته، وتسمينه
(5)
، والزِّيادة في الباه، والتَّحليل والجلاء، وفتح أفواه العروق، وتنقية المعى، وإحدار الدُّود، ومنع اللحم
(6)
وغيره من العفَن، والأُدْم النَّافع، وموافقة من غلب عليه البلغم والمشايخ وأهل الأمزجة الباردة. وبالجملة، فلا شيء أنفع منه للبدن، وفي العلاج وعَجْن
(7)
الأدوية وحفظ قواها، وتقوية المعدة، إلى أضعافِ أضعافِ
(8)
هذه المنافع. فأين للسُّكَّر مثل هذه المنافع والخصائص أو قريبٌ منها؟ والله الموفِّق.
(1)
كذا مضبوطًا في الأصل (ف). وفي النسخ المطبوعة: «إدامًا» .
(2)
في النسخ المطبوعة: «من منافع العسل» ، وهو تصرف من بعض النساخ.
(3)
الخوانيق ورم يحدث في الحنك واللهاة والمبلع. انظر: «التنوير» للقمري (ص 56).
(4)
في مصورة الأصل (ف) بعده خرم بقدر ورقتين.
(5)
بعده زيادة في النسخ المطبوعة: «وتسخينه» .
(6)
في النسخ المطبوعة: «التخم» ، تحريف.
(7)
في النسخ المطبوعة: «عجز» ، تصحيف.
(8)
ساقط من النسخ المطبوعة إذ ظنه بعضهم مكرَّرًا.