المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌فصلفي هديه في الطاعون وعلاجه والاحتراز منه - زاد المعاد في هدي خير العباد - ط عطاءات العلم - جـ ٤

[ابن القيم]

فهرس الكتاب

- ‌المرض نوعان: مرض القلوب ومرض الأبدان

- ‌فصلفي هديه في(1)الاحتماء من التُّخم والزِّيادة في الأكل على قدر الحاجة، والقانون الذي ينبغي مراعاته في الأكل والشُّرب

- ‌ذكر القسم الأوَّل وهو العلاج بالأدوية الطَّبيعيَّة

- ‌فصلفي هديه في الطَّاعون وعلاجه والاحتراز منه

- ‌فصلفي هديه في داء الاستسقاء وعلاجه

- ‌فصلفي هديه في علاج الجُرْح

- ‌فصلفي هديه في العلاج بشرب العسل والحجامة والكيِّ

- ‌فصلفي هديه في أوقات الحجامة

- ‌ من شرط انتفاع العليل بالدَّواء

- ‌فصلفي هديه صلى الله عليه وسلم في الحِمْية

- ‌فصلفي هديه صلى الله عليه وسلم في علاج الرَّمَد بالسُّكون والدَّعة، وترك الحركة، والحمية ممَّا يهيج الرَّمد

- ‌فصلفي هديه صلى الله عليه وسلم في علاج الخَدَران(1)الكلِّيِّ الذي يخمد(2)معه البدن

- ‌فصلفي هديه صلى الله عليه وسلم في إصلاح الطَّعام الذي يقع فيه الذُّباب، وإرشاده إلى دفع مضرَّات السُّموم بأضدادها

- ‌فصلفي هديه صلى الله عليه وسلم في علاج البَثْرة

- ‌فصلفي هديه صلى الله عليه وسلم في علاج المرضى بتطييب نفوسهم وتقوية قلوبهم

- ‌فصلفي هديه صلى الله عليه وسلم في علاج الأبدان بما اعتادته من الأدوية والأغذية دون ما لم تعتده

- ‌فصلفي هديه صلى الله عليه وسلم في تغذية المريض بألطف ما اعتاده من الأغذية

- ‌فصلفي هديه صلى الله عليه وسلم في علاج السَّمِّ الذي أصابه بخيبر من اليهود

- ‌فصلفي هديه صلى الله عليه وسلم في علاج السِّحر الذي سحرته اليهود به

- ‌فصلفي هديه صلى الله عليه وسلم في الاستفراغ بالقيء

- ‌فصلفي هديه صلى الله عليه وسلم في الإرشاد إلى معالجة أحذق الطَّبيبين

- ‌فصلفي هديه صلى الله عليه وسلم في تضمين مَن طبَّ النَّاس وهو جاهلٌ بالطِّبِّ

- ‌فصلفي هديه صلى الله عليه وسلم في التَّحرُّز من الأدواء المُعْدية بطبعها، وإرشاده الأصحَّاءَ إلى مجانبة أهلها

- ‌فصلفي هديه صلى الله عليه وسلم في المنع من التَّداوي بالمحرَّمات

- ‌فصلفي هديه صلى الله عليه وسلم في علاج القَمْل الذي في الرَّأس وإزالته

- ‌فصولُ هديه(1)صلى الله عليه وسلم في العلاج بالأدوية الرُّوحانيَّة الإلهيَّةالمفردة، والمركَّبة منها ومن الأدوية الطَّبيعيَّة

- ‌فصلفي هديه صلى الله عليه وسلم في علاج المصاب بالعين

- ‌فصلفي هديه صلى الله عليه وسلم في العلاج العامِّ لكلِّ شكوى بالرُّقية الإلهيَّة

- ‌فصلفي هديه صلى الله عليه وسلم في رقية اللَّديغ بالفاتحة

- ‌فصلفي هديه صلى الله عليه وسلم في علاج لدغة العقرب بالرُّقية

- ‌فصلفي هديه صلى الله عليه وسلم في رقية النَّملة

- ‌فصلفي هديه صلى الله عليه وسلم في رقية القُرحة والجُرح

- ‌فصلفي هديه صلى الله عليه وسلم في علاج الوجع بالرُّقية

- ‌فصلفي هديه صلى الله عليه وسلم في علاج حرِّ المصيبة وحزنها

- ‌فصلفي بيان جهة تأثير هذه الأدوية في هذه الأمراض

- ‌فصلفي هديه صلى الله عليه وسلم في علاج الفزع والأرق المانع من النَّوم

- ‌فصلفي هديه صلى الله عليه وسلم في علاج داء الحريق وإطفائه

- ‌فصلفي هديه صلى الله عليه وسلم في حفظ الصّحَّة

- ‌فصلفي هديه صلى الله عليه وسلم في هيئة الجلوس للأكل

- ‌فصلفي تدبيره لأمر الملبس

- ‌فصلفي تدبيره لأمر المسكن

- ‌فصلفي تدبيره لأمر النَّوم واليقظة

- ‌ حرف «إلى» ساقط من د

- ‌فصلفي هديه صلى الله عليه وسلم في علاج العشق

- ‌فصلفي هديه صلى الله عليه وسلم في حفظ الصِّحَّة بالطِّيب

- ‌فصلفي ذكر شيءٍ من الأدوية والأغذية المفردة الَّتي جاءت على لسانه صلى الله عليه وسلممرتَّبةً على حروف المعجم

- ‌حرف الهمزة

- ‌إثمِد

- ‌أُتْرُجٌّ

- ‌أرُزٌّ

- ‌أرزَّ

- ‌إذْخِر

- ‌حرف الباء

- ‌بطِّيخ

- ‌بَلَح

- ‌بُسْر

- ‌بَيض

- ‌بصَل

- ‌باذنجان

- ‌حرف التَّاء

- ‌تمر

- ‌تين

- ‌تلبينة:

- ‌حرف الثَّاء

- ‌ثلج:

- ‌ثوم

- ‌ثريد:

- ‌حرف الجيم

- ‌جُمَّار

- ‌جُبْن:

- ‌حرف الحاء

- ‌حنَّاء:

- ‌حبَّة السَّوداء

- ‌حرير:

- ‌حُرْف

- ‌حُلْبة

- ‌حرف الخاء

- ‌خبز:

- ‌ خل

- ‌خِلال:

- ‌حرف الدَّال

- ‌دُهْن

- ‌حرف الذَّال

- ‌ذَريرة:

- ‌ذُباب:

- ‌ذهب

- ‌حرف الرَّاء

- ‌رُطَب:

- ‌ريحان

- ‌رُمَّان

- ‌حرف الزَّاي

- ‌زيت

- ‌زُبْد

- ‌زبيب

- ‌زنجبيل

- ‌حرف السِّين

- ‌سنا:

- ‌سنُّوتٌ:

- ‌سَفَرْجَل

- ‌سِواك

- ‌سَمْن

- ‌سمك

- ‌سِلْق

- ‌حرف الشِّين

- ‌شُونيز:

- ‌شُّبْرُم

- ‌شعير

- ‌شِواء:

- ‌شحم:

- ‌حرف الصَّاد

- ‌صلاة:

- ‌صَبْر:

- ‌صَّبر

- ‌صوم:

- ‌حرف الضَّاد

- ‌ضبٌّ

- ‌ضِفْدع

- ‌حرف الطَّاء

- ‌طِيبٌ:

- ‌طين:

- ‌طَلْح:

- ‌طَلْع

- ‌حرف العين

- ‌عنب

- ‌عسل:

- ‌عَجْوة

- ‌عَنْبَر:

- ‌عود

- ‌عدس

- ‌حرف الغين المعجمة

- ‌غَيث

- ‌حرف الفاء

- ‌فاتحة الكتاب

- ‌فاغية

- ‌فضَّة:

- ‌حرف القاف

- ‌قرآن:

- ‌قِثَّاء

- ‌قُسْط وكُسْت

- ‌قصَب السُّكَّر:

- ‌حرف الكاف

- ‌كتابٌ للحمَّى:

- ‌كتابٌ للرُّعاف:

- ‌كتابٌ آخر للحمَّى المثلَّثة

- ‌كتابٌ(4)لعرق النَّسا

- ‌كتاب للعِرق الضارب

- ‌كتاب لوجع الضِّرس

- ‌كتاب للخُراج

- ‌كمأة

- ‌كَبَاث

- ‌كَتَم

- ‌كَرْم

- ‌كَرَفْس

- ‌كُرَّاث

- ‌حرف اللام

- ‌لحمٌ:

- ‌لحم الضَّأن

- ‌ لحم المعز

- ‌لحم الجدي

- ‌لحم البقر

- ‌لحم الفرس:

- ‌لحم الجمل:

- ‌لحم الضَّبِّ:

- ‌لحم الغزال

- ‌لحم الظَّبي

- ‌لحم الأرنب

- ‌لحم حمار الوحش

- ‌لحوم الأجنَّة:

- ‌لحم القديد

- ‌فصلفي لحوم الطير

- ‌ لحم الدَّجاج

- ‌لحم الدُّرَّاج

- ‌لحم الحَجَل والقَبَج

- ‌لحم الإوزِّ

- ‌لحم البطِّ

- ‌لحم الحبارى

- ‌لحم الكُرْكيِّ

- ‌لحم العصافير والقنابر

- ‌لحم الحمام

- ‌لحم القطا

- ‌لحم السُّمانى

- ‌الجراد

- ‌لبن الضَّأن

- ‌لبن المعز

- ‌لبن البقر

- ‌لبن الإبل:

- ‌لُّبان

- ‌حرف الميم

- ‌ماء

- ‌ماء الثلج والبرَد:

- ‌ماء الآبار والقُنِيِّ

- ‌ماء زمزم:

- ‌ماء النِّيل:

- ‌ماء البحر:

- ‌مِسْك:

- ‌مَرْزَنْجُوش

- ‌مِلْح

- ‌حرف النُّون

- ‌نخل:

- ‌نرجس

- ‌نُورة

- ‌نَبِق

- ‌حرف الهاء

- ‌هندباء

- ‌حرف الواو

- ‌وَرْس

- ‌وَسْمة:

- ‌حرف الياء

- ‌يقطين:

الفصل: ‌فصلفي هديه في الطاعون وعلاجه والاحتراز منه

‌فصل

في هديه في الطَّاعون وعلاجه والاحتراز منه

(1)

في «الصَّحيحين»

(2)

عن عامر بن سعد بن أبي وقَّاصٍ عن أبيه أنَّه سمعه يسأل أسامة بن زيدٍ: ماذا سمعتَ من رسول الله صلى الله عليه وسلم في الطَّاعون؟ فقال أسامة: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الطَّاعون رجزٌ أُرسِل على طائفةٍ من بني إسرائيل وعلى

(3)

من كان قبلكم، فإذا سمعتم به بأرضٍ فلا تدخلوا عليه، وإذا وقع بأرضٍ وأنتم بها فلا تخرجوا منها فرارًا منه».

وفي «الصَّحيحين»

(4)

أيضًا عن حفصة بنت سيرين قالت: قال أنس بن مالكٍ: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الطَّاعون شهادةٌ لكلِّ مسلمٍ» .

الطَّاعون من حيث اللُّغة نوعٌ من الوباء

(5)

، قاله صاحب «الصِّحاح». وهو عند أهل الطِّبِّ: ورمٌ رديءٌ قتَّالٌ يخرج معه تلهُّبٌ

(6)

شديدٌ مؤلمٌ جدًّا يتجاوز المقدار في ذلك، ويصير ما حوله في الأكثر أسود أو أخضر أو كمِدًا

(7)

، ويؤول

(1)

هذا الفصل أيضًا معظمه مأخوذ من كتاب الحموي (ص 79 - 92).

(2)

البخاري (3473) ومسلم (2218). واللفظ من كتاب الحموي (ص 79).

(3)

كذا في جميع النسخ. وفي «الصحيحين» ومصدر النقل: «أو على» .

(4)

البخاري (2830، 5732) ومسلم (1916).

(5)

كذا في جميع النسخ، والصواب كما في كتاب الحموي:«الموت من الوباء» . وهذا هو الثابت في عدة نسخ خطية راجعتها من «الصحاح» ، وفي المطبوع منه:«الموتُ الوحيُّ من الوباء» وكذا في «تهذيب الزنجاني» .

(6)

كذا في جميع النسخ، ولعله سبق قلم وقع في الأصل. والصواب:«مع تلهُّبٍ» كما في مصدر النقل.

(7)

ز، س، ن:«أكمد» ، وفي ث، ل:«كمد» .

ص: 47

أمره إلى التَّقرُّح سريعًا. وفي الأكثر يحدُث في ثلاثة مواضع: في الإبط، وخلف الأذن، والأرنبة، و [بالجملة]

(1)

في اللُّحوم الرِّخوة.

وفي أثرٍ عن عائشة أنَّها قالت للنَّبيِّ صلى الله عليه وسلم: الطَّعن قد عرفناه، فما الطَّاعون؟ قال: «غدَّةٌ كغدَّة البعير تخرج

(2)

في المرَاقِّ والآباط

(3)

»

(4)

.

قال الأطبَّاء

(5)

: إذا وقع الخُرَاج في اللُّحوم الرِّخوة والمغابن وخلف الأذن والأرنبة وكان من جنسٍ فاسدٍ سُمِّي

(6)

طاعونًا. وسببُه دمٌ رديٌّ مائلٌ

(1)

من مصدر النقل ليستقيم السياق. وأثبت ناسخ ز: «وفي الأرنبة» ، ليدل تكرار «في» على المواضع الثلاثة، ولكن الإبط وخلف الأذن ليسا موضعًا واحدًا فيبقى الخلل.

(2)

ف، س:«يخرج» ، يعني الطاعون.

(3)

س، ث، ل:«الإبط» . والمراقُّ: ما سفل من البطن فما تحته من المواضع التي يرقُّ جلدها.

(4)

أخرجه أحمد (25118، 26182)، وأبو يعلى (4408، 4664)، وليس عندهما:«يخرج في المراق والإبط» ، وهي عند البزَّار (3041 ــ كشف الأستار)، وابن الأعرابيِّ في «معجمه» (2456)، والطَّبراني في «الأوسط» (5531)، وابن عبد البر في «التَّمهيد» (12/ 258، 19/ 205). وحسَّن إسناده المنذريُّ في «التَّرغيب» (2/ 222)، والعراقي في «المغني» (2130)، والهيثمي في «المجمع» (2/ 315)، وابن حجر في «الفتح» (10/ 188)، وصحَّحه البوصيري في «الإتحاف» (1826)، والألباني في «الإرواء» (1638)، وهو في «السلسلة الصحيحة» (1928). وله شواهد.

(5)

في كتاب الحموي: «قال الشيخ الرئيس» يعني: ابن سينا. وقد لخص الحموي كلامه من كتابه «القانون» (1/ 108) و (3/ 164 - 165).

(6)

ث، حط، ل، ن:«يسمَّى» . وفي د، ز قبله في المتن زيادة:«سمِّي» ، وكذا في ن فوق السطر، يعني الوصف المنسوب إلى السَّمِّ. ولما كان في ف، س:«سمي» استدرك في الهامش مع علامة اللحق بعده: «يسمى» . وفي كتاب الحموي مطبوعه ومخطوطه ومصدره «القانون» كما أثبت. ولعل سهوًا حصل من النساخ.

ص: 48

إلى العفونة والفساد، مستحيلٌ إلى جوهرٍ سمِّيٍّ يُفسِد العضو، ويغيِّر ما يليه

(1)

، وربَّما رشَح دمًا وصديدًا، ويؤدِّي إلى القلب كيفيَّةً رديَّةً، فيحدث القيء والخفقان والغَشْي. وهذا الاسم وإن كان يعمُّ كلَّ ورمٍ يؤدِّي إلى القلب كيفيَّةً رديَّةً حتَّى يصير لذلك قتَّالًا، فإنَّه يختصُّ به الحادث في اللَّحم الغُدَديِّ، لأنَّه لرداءته لا يقبله من الأعضاء إلا ما كان أضعف بالطَّبع. وأردؤه ما حدث في الإبط وخلف الأذن، لقربهما من الأعضاء الَّتي هي أرأَسُ

(2)

. وأسلَمُه

(3)

: الأحمر، ثمَّ الأصفر. والَّذي إلى السَّواد فلا يفلت منه أحدٌ.

ولمَّا كان الطَّاعون يكثر في الوباء وفي البلاد الوبئة عبِّر عنه بالوباء، كما قال الخليل

(4)

: الوباء الطَّاعون. وقيل: هو كلُّ مرضٍ يعُمُّ

(5)

. والتَّحقيق

(6)

أنَّ بين الوباء والطَّاعون عمومًا وخصوصًا، فكلُّ طاعونٍ وباءٌ، وليس كلُّ وباءٍ طاعونًا. وكذلك الأمراض العامَّة أعمُّ من الطَّاعون فإنَّه واحدٌ منها.

(1)

في «القانون» : «لون ما يليه» .

(2)

في كتاب الحموي و «القانون» : «أشدُّ رئاسة» .

(3)

يعني: «أسلم الطواعين» كما في «القانون» .

(4)

انظر: «العين» (8/ 418).

(5)

في كتاب الحموي: «عام» . ونصُّ ما في «العين» : وهو أيضًا كلُّ مرض عامٍّ. وكأن المؤلف خفي عليه أن هذا القول أيضًا جزء من النقل عن الخليل، فتصرَّف فيه.

(6)

هذا التحقيق للقاضي عياض. وقد نقله الحموي مع كلام الخليل من «إكمال المعلم» (7/ 132). والصحيح الذي قاله المحققون عند الحموي هو ما ذكره المؤلف بقوله: «وكذلك الأمراض العامة

» إلخ.

ص: 49

والطَّواعين خُرَاجاتٌ وقروحٌ

(1)

وأورامٌ رديَّةٌ حادثةٌ في المواضع المتقدِّم ذكرها.

قلت: هذه القروح والأورام والخُراجات

(2)

هي آثار الطَّاعون وليس

(3)

نفسه، ولكنَّ الأطبَّاء لمَّا لم تدرك منه إلا الأثر الظَّاهر، جعلوه نفس الطَّاعون. والطَّاعون يعبَّر به عن ثلاثة أمورٍ:

أحدها: هذا الأثر الظَّاهر وهو الذي ذكره الأطبَّاء.

والثَّاني: الموت الحادث عنه، وهو المراد بالحديث الصَّحيح في قوله:«الطَّاعون شهادةٌ لكلِّ مسلمٍ» .

الثَّالث: السَّبب الفاعل لهذا الدَّاء، وقد ورد في الحديث الصَّحيح أنَّه بقيَّة رجزٍ أُرسل على بني إسرائيل

(4)

. وورد فيه أنَّه وَخْزُ الجنِّ

(5)

. وجاء أنَّه دعوة نبيٍّ

(6)

.

(1)

في مصدر النقل: «قروح عن خراجات» .

(2)

ز: «الجراحات» ، وكذا في النسخ المطبوعة، وهو تصحيف.

(3)

كذا في جميع النسخ والطبعة الهندية. وفي غيرها: «وليست» .

(4)

أخرجه التِّرمذي (1065)، وابن حبَّان (2954)، من حديث أسامة بن زيد رضي الله عنهما، وقال التِّرمذي:«حديث حسن صحيح» . وهو في «الصَّحيحين» ، وقد تقدَّم تخريجه.

(5)

أخرجه أحمد (19528، 19708)، والبزَّار (2986 - 2989، 3091)، وأبو يعلى (7226)، والطَّبرانيُّ في «الأوسط» (8512)، وغيرهم من حديث أبي موسى رضي الله عنه. وفي إسناده اختلاف، وصحَّحه ابن خزيمة كما في «إتحاف المهرة» (12374)، والحاكم (1/ 50)، والمنذري في «التَّرغيب» (2/ 221)، وابن حجر في «بذل الماعون» (ص 118)، والألباني في «الإرواء» (1637). وله شواهد.

(6)

أخرجه أحمد (17753 - 17756)، والطَّحاوي في «معاني الآثار» (4/ 306)، والطَّبراني في «الكبير» (7/ 365 - 366)، والحاكم (3/ 276)، من حديث شرحبيل بن حسنة رضي الله عنه، ولفظه:«ودعوةُ نبيكم» . وصحَّحه ابن خزيمة كما في «إتحاف المهرة» (6328)، وابن حبَّان (2951)، وحسَّن إسناده ابن حجر في «بذل الماعون» (ص 259) وقال:«لكن شهرٌ فيه مقالٌ» .

ص: 50

وهذه العلل والأسباب ليس عند الأطبَّاء ما يدفعها، كما ليس عندهم ما يدلُّ عليها، والرُّسل تخبر بالأمور الغائبة. وهذه الآثار الَّتي أدركوها من أمر الطَّاعون ليس معهم ما ينفي أن تكون بتوسُّط الأرواح، فإنَّ تأثير الأرواح في الطَّبيعة وأمراضها وهلاكها أمرٌ لا ينكره إلا من هو من أجهل النَّاس بالأرواح وتأثيرها وانفعال الأجسام وطبائعها عنها. والله سبحانه قد يجعل لهذه الأرواح تصرُّفًا في أجسام بني آدم عند حدوث الوباء وفساد الهواء، كما يجعل لها تصرُّفًا عند غلبة بعض الموادِّ الرَّديَّة الَّتي تُحدث للنُّفوس هيئةً رديَّةً، ولا سيَّما عند هيجان الدَّم والمرَّة السَّوداء وعند هيجان المنيِّ، فإنَّ الأرواح الشَّيطانيَّة تتمكَّن من فعلها بصاحب هذه العوارض ما لا تتمكَّن من غيره، ما لم يدفعها دافعٌ أقوى من هذه الأسباب، من الذِّكر والدُّعاء والابتهال والتَّضرُّع والصَّدقة وقراءة القرآن، فإنَّه يستنزل بذلك من الأرواح الملكيَّة ما يقهر هذه الأرواح الخبيثة، ويبطل شرَّها، ويدفع تأثيرها.

وقد جرَّبنا نحن وغيرنا هذا مرارًا لا يحصيها إلا اللَّه، ورأينا لاستنزال هذه الأرواح الطَّيِّبة واستجلاب قربها تأثيرًا عظيمًا في تقوية الطَّبيعة ودفع الموادِّ الرَّديَّة؛ وهذا يكون قبل استحكامها وتمكُّنها، ولا يكاد يُخْرَم. فمن وفَّقه الله بادر عند إحساسه بأسباب الشَّرِّ إلى هذه الأسباب الَّتي تدفعها عنه، وهي له من أنفع الدَّواء. وإذا أراد الله عز وجل إنفاذ قضائه وقدره أغفل قلبَ

ص: 51

العبد عن معرفتها وتصوُّرها وإرادتها، فلا يشعر بها ولا يريدها، ليقضي الله فيه

(1)

أمرًا كان مفعولًا.

وسنزيد هذا المعنى إن شاء الله إيضاحًا وبيانًا عند الكلام على التَّداوي بالرُّقى والعُوَذ النَّبويَّة والأذكار والدَّعوات وفعل الخيرات، ونبيِّن أنَّ نسبة طبِّ الأطبَّاء إلى هذا الطِّبِّ النَّبويِّ كنسبة طبِّ الطُّرُقيَّة والعجائز إلى طبِّهم، كما اعترف به حذَّاقهم وأئمَّتهم. ونبيِّن أنَّ الطَّبيعة الإنسانيَّة أشدُّ شيءٍ انفعالًا عن الأرواح، وأنَّ قوى العُوَذ والرُّقى والدَّعوات فوق قوى الأدوية حتَّى إنَّها تُبطل قوى السُّموم القاتلة.

والمقصود أنَّ فساد الهواء جزءٌ من أجزاء السَّبب التَّامِّ والعلَّة الفاعلة للطَّاعون، فإنَّ

(2)

فساد جوهر الهواء الموجِب لحدوث الوباء وفساده يكون لاستحالة جوهره إلى الرَّداءة، لغلبة إحدى الكيفيَّات الرَّديَّة عليه كالعفونة والنَّتْن والسُّمِّيَّة، في أيِّ وقتٍ كان من أوقات السَّنة، وإن كان أكثرُ حدوثه في أواخر الصَّيف وفي الخريف غالبًا، لكثرة اجتماع الفضلات المَراريَّة الحادَّة وغيرها في فصل الصَّيف وعدم تحلُّلها في آخره، وفي الخريف لبرد الجوِّ ورَدْعِه للأبخرة

(3)

والفضلات الَّتي كانت تتحلَّل في زمن الصَّيف، فتنحصر فتسخُن وتعفَن، فتجذب

(4)

الأمراضَ العفَنيَّة

(5)

، ولا سيَّما إذا صادفت

(1)

«فيه» ساقط من د، ث، ن.

(2)

من هنا رجع النقل من كتاب الحموي (ص 90 - 92).

(3)

ث، ل:«الأبخرة» .

(4)

ما عدا ف، س:«فتحدث» ، وهو محتمل.

(5)

كذا في ف، وفي حط مضبوطًا. وفي ل:«العفنة» ، وهوسائغ. وفي غيرها:«العَفينة» ، وهو تصحيف ما أثبت.

ص: 52

البدن مستعدًّا قابلًا رَبِلًا

(1)

قليل الحرارة كثير الموادِّ، فهذا لا يكاد يفلت من العطب.

وأصحُّ الفصول فيه فصل الرَّبيع. قال أَبُقْراط

(2)

: إنَّ في الخريف أشدَّ ما تكون الأمراضُ وأقتَل. وأمَّا الرَّبيع فأصحُّ الأوقات كلِّها وأقلُّها موتًا. وقد جرت عادة الصَّيادلة ومجهِّزي الموتى أنَّهم يستدينون ويتسلَّفون في الرَّبيع والصَّيف على فصل الخريف، فهو ربيعهم، وهم أشوَقُ شيءٍ إليه وأفرَح بقدومه!

وقد روي في حديث: «إذا طلع النَّجم ارتفعت العاهة عن كلِّ بلدٍ»

(3)

.

(1)

د: «رَهِلًا» ، وهو مضطرب اللحم. وفي النسخ الأخرى جميعًا بالباء، إلا أن في س، ز بالواو قبل الباء. وفي ث، ل بالدال، وفي ن بالزاي. وكله تصحيف ما أثبت. والرَّبِل: كثير اللحم والشحم. واللفظ ساقط من حط. أما كتاب الحموي ففيه: «سيما في الأبدان الرطبة القليلة الحرارة» .

(2)

انظر: «الحاوي» للرازي (4/ 416). والمؤلف صادر عن كتاب الحموي إلى آخر الفصل كما سبق.

(3)

أخرجه أبو يوسف في «الآثار» (917)، ومحمد بن الحسن في «الآثار» (907)، كلاهما عن الإمام أبي حنيفة عن عطاء عن أبي هريرة رضي الله عنه به مرفوعًا، قال الخليليُّ في «الإرشاد» (1/ 319):«أبو حنيفة يتفرَّد به، ولا يتابَع عليه» . وأخرجه أحمد (8495، 9039)، والبزَّار (9296)، والطَّحاوي في «مشكل الآثار» (2286، 2287)، والعقيلي في «الضُّعفاء» (3/ 426)، وغيرُهم من طريق عِسْل بن سفيان ــ وهو ضعيف ــ عن عطاء به نحوَه. وذكر الحافظ في «فتح الباري» (4/ 395) أن أبا داود رواه من طريق عطاء عن أبي هريرة، وتبعه السخاوي في «المقاصد الحسنة» (88)، ولم أجد رواية أبي داود في مظانها. ويُروى موقوفًا. والحديث مخرَّج في «السِّلسلة الضَّعيفة» (397). وفي الباب عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه. وينظر:«الرَّوض البسَّام بترتيب وتخريج فوائد تمَّام» (2/ 303 - 305).

ص: 53

وفُسِّر بطلوع الثُّريَّا، وفُسِّر بطلوع النَّبات زمن الرَّبيع

(1)

. ومنه: {وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدَانِ} [الرحمن: 6]، فإنَّ كمال طلوعه وتمامه يكون في فصل الرَّبيع، وهو الفصل الذي ترتفع فيه الآفات.

وأمَّا الثُّريَّا فالأمراض تكثر وقت طلوعها مع الفجر وسقوطها. قال التميمي

(2)

في كتاب «مادَّة البقاء»

(3)

: أشدُّ أوقات السَّنة فسادًا وأعظمها بليَّةً على الأجساد وقتان، أحدهما: وقت سقوط الثُّريَّا للمغيب عند طلوع الفجر. والثَّاني: وقت طلوعها من المشرق قبل طلوع الشَّمس على العالم بمنزلةٍ من منازل القمر، وهو وقت تصرُّم فصل الرَّبيع وانقضائه؛ غير أنَّ الفساد الكائن عند طلوعها أقلُّ ضررًا من الفساد الكائن عند سقوطها.

(1)

لم أر من فسَّر بطلوع النبات غير الحموي في كتابه (ص 91) بل قال: «وزعم بعضهم أن المراد بالنجم الثريا» مع أنه هو القول المشهور عند شراح الحديث، وقال ابن عبد البر في «الاستذكار» (6/ 306):«والنجم: الثريا، لا خلاف في ذلك» . وفي «فتح الباري» (4/ 395): «النجم هو الثريا وطلوعها صباحًا يقع في أول فصل الصيف، وذلك عند اشتداد الحر في بلاد الحجاز وابتداء نضج الثمار

». وانظر: «معالم السنن» (5/ 43 - مع «مختصر المنذري») و «شرح صحيح البخاري» لابن بطال (6/ 316).

(2)

«قال التميمي» ساقط من س.

(3)

اسمه الكامل: «مادة البقاء في إصلاح فساد الهواء والتحرز من ضرر الأوباء» . ومؤلفه محمد بن أحمد بن سعيد الحكيم المقدسي ثم المصري أبو عبد الله التميمي. وقد صنفه للوزير أبي الفرج يعقوب بن كلس (ت 380) بمصر. انظر: نشرته الصادرة عن معهد المخطوطات بتحقيق يحيى شعار (ص 125).

ص: 54

وقال أبو محمَّد بن قتيبة

(1)

: يقال: ما طلعت الثُّريَّا ولا ناءت إلا بعاهةٍ في النَّاس والإبل، وغروبُها أعوَهُ من طلوعها

(2)

.

وفي الحديث قولٌ ثالثٌ

(3)

ــ ولعلَّه أولى الأقوال به ــ أنَّ المراد بالنَّجم: الثُّريَّا، وبالعاهة: الآفة الَّتي تلحق الزُّروع والثِّمار في فصل الشِّتاء وصدر فصل الرَّبيع، فحصل الأمن عليها

(4)

عند طلوع الثُّريَّا في الوقت المذكور. ولذلك نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن بيع الثَّمرة وشرائها قبل أن يبدو صلاحها

(5)

.

والمقصود: الكلام على هديه صلى الله عليه وسلم عند وقوع الطَّاعون.

فصل

وقد جمع النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم للأمَّة في نهيه عن الدُّخول إلى الأرض الَّتي هو بها، ونهيه عن الخروج منها بعد وقوعه= كمالَ التَّحرُّز منه، فإنَّ في الدُّخول في الأرض الَّتي هو بها تعرُّض

(6)

للبلاء، وموافاة له في محلِّ سلطانه، وإعانة

(1)

في «كتاب الأنواء» (ص 31). ثم قال: «وأما قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا طلع النجم لم يبق في الأرض من العاهة شيء إلا رُفِع» فإنه أراد بذلك عاهة الثمار، لأنها تطلع بالحجاز وقد أزهى البسر وأمنت عليه العاهة، وحلَّ ينع النخل».

(2)

النص في «كتاب الأنواء» : «وغربها أعيَهُ من شرقها» ، والمصنف صادر عن كتاب الحموي. وعاه يعيهُ ويعُوه يائي وواوي، والواوي أكثر.

(3)

قال الحموي: «ويجوز أن يكون المراد بالنجم الثريا

» إلخ. وهو قول ابن قتيبة. وهو الذي ذكره شراح الحديث كما سبق.

(4)

«عليها» ساقط من ز.

(5)

انظر حديث ابن عمر في «صحيح البخاري» (1486) وحديث أنس فيه (2197) وفي «صحيح مسلم» (1555).

(6)

حط: «تعرضًا» ، وكذا في النسخ المطبوعة.

ص: 55

الإنسان

(1)

على نفسه. وهذا مخالفٌ للشَّرع والعقل، بل تجنبُه الدُّخولَ إلى أرضه من باب الحِمْية الَّتي أرشد الله سبحانه إليها، وهي حميةٌ عن الأمكنة والأهوية المؤذية.

وأمَّا نهيه عن الخروج من بلده، ففيه معنيان:

أحدهما: حمل النُّفوس على الثِّقةِ باللَّه، والتَّوكُّلِ عليه، والصَّبرِ على أقضيته والرِّضا بها.

والثَّاني: ما قاله أئمَّة الطِّبِّ: أنَّه يجب على كلِّ محترزٍ من الوباء أن يُخرج عن بدنه الرُّطوبات الفَضْليَّة، ويقلِّل الغذاء، ويميل إلى التَّدبير المجفِّف

(2)

من كلِّ وجهٍ، إلا الرِّياضة والحمَّام فإنَّهما ممَّا يجب أن يحذر، لأنَّ البدن لا يخلو غالبًا من فضلٍ رديٍّ كامنٍ فيه، فتثيره الرِّياضة والحمَّام ويخلطانه بالكَيموس

(3)

الجيِّد، وذلك يجلب علَّةً عظيمةً. بل يجب عند وقوع الطَّاعون السُّكون والدَّعة وتسكين هيجان الأخلاط. ولا يمكن الخروج من أرض الوباء والسَّفر منها إلا بحركةٍ شديدةٍ، وهي مضرَّةٌ جدًّا

(4)

. هذا كلام أفضل الأطبَّاء المتأخِّرين

(5)

. فظهر المعنى الطِّبِّيُّ من الحديث النَّبويِّ وما فيه من

(1)

حط، ن:«للإنسان» . وكذا في النسخ المطبوعة.

(2)

د: «المخفف» ، تصحيف.

(3)

الكيموس هو الطعام إذا انهضم في المعدة قبل أن ينصرف عنها ويصير دمًا. انظر: «بحر الجواهر» (ص 251).

(4)

أضاف المؤلف إلى نصِّ الحموي: «شديدة» و «جدًّا» .

(5)

يعني: ابن سينا. ومراجعة كتاب «القانون» (3/ 90) تدل على أن ما لخصه الحموي (ص 87) من كلامه انتهى بقوله: «يجب أن يحذر» . وما بعده شرح من الحموي لكلام ابن سينا وتفسير منه للحديث. وفي كتابه في أول الفقرة: «والثاني ما قاله ابن سينا» فغيَّره المؤلف إلى «ما قاله أئمة الطب» ، ثم ظن أن ما بعده كله من كلام ابن سينا.

ص: 56

علاج القلب والبدن وصلاحهما.

فإن قيل: ففي قول النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم: «لا تخرجوا فرارًا منه» ما يُبطل أن يكون أراد هذا المعنى الذي ذكرتموه، وأنَّه لا يمتنع الخروج لعارضٍ، ولا يحبس مسافرًا

(1)

عن سفره؟

قيل: لم يقل أحدٌ طبيبٌ ولا غيره: إنَّ النَّاس يتركون حركاتهم عند الطَّواعين، ويصيرون بمنزلة الجمادات. وإنَّما ينبغي فيه التَّقلُّل من الحركة بحسب الإمكان. والفارُّ منه لا موجب لحركته إلا مجرَّد الفرار منه، ودعته وسكونه أنفع لقلبه وبدنه، وأقرب إلى توكُّله على الله واستسلامه لقضائه. وأمَّا من لا يستغني عن الحركة كالصُّنَّاع والأجراء والمسافرين والبُرُد وغيرهم، فلا يقال لهم: اتركوا حركاتكم جملةً، وإن أُمِروا أن يتركوا منها ما لا حاجة لهم إليه كحركة المسافر فارًّا منه. والله أعلم.

وفي المنع من الدُّخول إلى الأرض الَّتي قد وقع بها عدَّة حكمٍ:

أحدها: تجنُّب الأسباب المؤذية والبعد منها.

الثَّاني: الأخذ بالعافية الَّتي هي مادَّة مصالح

(2)

المعاش والمعاد.

(1)

س: «مسافرٌ» .

(2)

لفظ «مصالح» ساقط من ن، وكذا من النسخ المطبوعة.

ص: 57

الثَّالث: أن لا يستنشقوا الهواء الذي قد عفِن وفسد، فيمرضون.

الرَّابع: أن لا يجاوروا المرضى الذين قد مرضوا بذلك، فيحصل لهم بمجاورتهم من جنس أمراضهم

(1)

.

وفي «سنن أبي داود»

(2)

مرفوعًا: «إنَّ من القرَفِ التَّلفَ» . قال ابن قتيبة

(3)

: القرَفُ: مداناة الوباء ومداناة المرض

(4)

.

الخامس: حِمْية النُّفوس عن الطِّيَرة والعدوى فإنَّها تتأثَّر بهما، فإنَّ الطِّيرة على من تطيَّر بها.

وبالجملة، ففي النَّهي عن الدُّخول في أرضه: الأمرُ بالحذر والحِمْية، والنَّهيُ عن التَّعرُّض لأسباب التَّلف. وفي النَّهي عن الفرار منه: الأمرُ بالتَّوكُّل والتَّسليم والتَّفويض. فالأوَّل: تأديب وتعليم، والثَّاني: تفويض وتسليم

(5)

.

(1)

الثالث والرابع مأخوذان من كتاب الحموي (ص 82).

(2)

برقم (3923) من طريق عبد الرَّزَّاق ــ وهو في «مصنَّفه» (20162) ــ، عن معمر، عن يحيى بن عبد الله بن بَحِير، عمَّن سمع فروةَ، عن فروة بن مُسَيْك رضي الله عنه به. وأخرجه أيضًا أحمد (15742) عن عبد الرَّزَّاق به. وإسناده ضعيف؛ لإبهام الرَّاوي عن فروةَ، ولجهالة يحيى. وضعَّفه البوصيري في «الإتحاف» (3839)، وهو في «السلسلة الضعيفة» (1720).

(3)

في «غريب الحديث» في الجزء المفقود منه. وقد نقله الخطابي في «معالم السنن» (4/ 236). وسياق الحموي (ص 82) يدل على أنه نقله من «المعالم» . والمصنف صادر عن الحموي.

(4)

كذا في جميع النسخ والطبعة الهندية و «معالم السنن» . وفي طبعة عبد اللطيف: «المرضى» ويحتمله رسم الكلمة في ن، وكذا في كتاب الحموي.

(5)

هذه الفقرة مأخوذة من كتاب الحموي (ص 83).

ص: 58

وفي «الصَّحيح»

(1)

: أنَّ عمر بن الخطاب خرج إلى الشَّام حتَّى إذا كان بسَرْغَ

(2)

لقيه أبو عبيدة بن الجرَّاح وأصحابه، فأخبروه أنَّ الوباء قد وقع بالشَّام

(3)

، فقال لابن عبَّاسٍ: ادعُ لي المهاجرين الأوَّلين. قال: فدعوتهم، فاستشارهم، وأخبرهم أنَّ الوباء قد وقع بالشَّام

(4)

. فاختلفوا، فقال له بعضهم: خرجتَ لأمرٍ، فلا نرى أن ترجع عنه. وقال آخرون: معك بقيَّة النَّاس وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلا نرى أن تُقْدِمَهم على هذا الوباء. فقال عمر: ارتفِعوا عنِّي. ثمَّ قال: ادع لي الأنصار. فدعوتُهم له

(5)

، فاستشارهم، فسلكوا سبيل المهاجرين، واختلفوا كاختلافهم، فقال: ارتفِعوا عنِّي. ثمَّ قال: ادع لي مَن هاهنا من مَشْيَخة قريش من مهاجِرة الفتح. فدعوتُهم له

(6)

، فلم يختلف عليه منهم رجلان. قالوا: نرى أن ترجع بالنَّاس، ولا تُقْدِمَهم على هذا الوباء. فأذَّن عمر في النَّاس: إنِّي مُصْبِحٌ على ظهرٍ، فأصبِحُوا عليه. فقال أبو عبيدة بن الجرَّاح: يا أمير المؤمنين أفرارًا من قدر الله؟ قال: لو غيرُك قالها يا أبا عبيدة! نعم، نفرُّ من قدر الله إلى قدر الله. أرأيت لو كان لك إبلٌ، فهبطت

(1)

من حديث ابن عباس. أخرجه البخاري (5729) ومسلم (2219).

(2)

قال الحازمي في «الأماكن» (1/ 530): «أول الحجاز وآخر الشام بين المغيثة وتبوك من منازل حاج الشام» . وهي «المدوَّرة» اليوم، مركز الحدود بين الأردن والمملكة من طريق حارة عمار. انظر:«المعالم الأثيرة» لمحمد شراب (ص 139).

(3)

بعده في س، ل:«فاختلفوا» ، وكذا في طبعة عبد اللطيف وما بعدها.

(4)

العبارة «فقال لابن عباس

بالشام» ساقطة من ث.

(5)

«له» ساقط من ز، ث، ل.

(6)

«له» ساقط من حط، ن.

ص: 59