الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
واديًا له عُدْوَتان
(1)
،
إحداهما خصبةٌ، والأخرى جدبةٌ؛ ألستَ إن رعيتَها الخصبة رعيتَها بقدر الله، وإن رعيتها الجَدْبةَ
(2)
رعيتها بقدر الله؟ قال: فجاء عبد الرَّحمن بن عوفٍ، وكان متغيِّبًا في بعض حاجته
(3)
فقال: إنَّ عندي في هذا علمًا سمعتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إذا كان بأرضٍ وأنتم بها فلا تخرجوا فرارًا منه، وإذا سمعتم به بأرضٍ فلا تقدَموا عليه» .
فصل
في هديه في داء الاستسقاء وعلاجه
(4)
في «الصَّحيحين»
(5)
: من حديث أنس بن مالكٍ قال: قدِمَ رهطٌ من عُرَينة وعُكْلٍ على النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم، فاجتوَوا المدينةَ، فشكَوا ذلك إلى النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم فقال:«لو خرجتم إلى إبل الصَّدقة، فشربتم من ألبانها وأبوالها» ، ففعلوا. فلمَّا صحُّوا عمَدوا إلى الرُّعاة، فقتلوهم، واستاقوا الإبل، وحاربوا الله ورسوله. فبعث رسولُ الله صلى الله عليه وسلم في آثارهم، فأُخِذُوا، فقطَع أيديهم وأرجلَهم، وسمَل أعينهم، وألقاهم في الشَّمس حتَّى ماتوا.
والدَّليل على أنَّ هذا المرض كان الاستسقاء: ما رواه مسلم في
(1)
أي جانبان ..
(2)
قوله: «رعيتها الخصبة» و «رعيتها الجدبة» لفظ الحموي. انظر: مخطوطة كتابه (15/ب). ورواية الصحيح: «رعيت الخصبة» و «رعيت الجدبة» .
(3)
ن: «حاجاته» ، وكذا في النسخ المطبوعة.
(4)
هذا الفصل أيضًا إلى آخر كلام ابن سينا مأخوذ من كتاب الحموي (ص 93 - 96).
(5)
البخاري (233) ومسلم (1671).
«صحيحه»
(1)
في هذا الحديث أنَّهم قالوا: «إنَّا اجتوينا المدينة، فعظُمَتْ بطونُنا، وارتهَشَتْ أعضاؤنا
(2)
». وذكَر تمام الحديث.
والجوى: داءٌ من أدواء الجوف
(3)
. والاستسقاء: مرضٌ مادِّيٌّ، سببه مادَّةٌ غريبةٌ باردةٌ تتخلَّل الأعضاءَ، فتربو لها إمَّا الأعضاء الظَّاهرة كلُّها، وإمَّا المواضع الخالية من النَّواحي الَّتي فيها تدبير الغذاء والأخلاط. وأقسامه ثلاثةٌ: لحميٌّ ــ وهو أصعبها ــ، وزِقِّيٌّ، وطَبْليٌّ. ولمَّا كانت الأدوية المحتاج إليها في علاجه هي الأدوية الجالية
(4)
الَّتي فيها إطلاقٌ معتدلٌ وإدرارٌ بحسب
(1)
لم يرد هذا اللفظ في «صحيح مسلم» . وإنما قال الحموي في آخر الحديث السابق: «أخرجه مسلم» ، ثم بعد الفقرة الآتية قال: «والدليل
…
الاستسقاء ما جاء في الحديث من طريق آخر»، فظن المؤلف أنه يقصد: من طريق آخر في «صحيح مسلم» . واللفظ المذكور أخرجه أبو عوانة (6096) وأحمد (14086) وأبو يعلى (2882) وأبو نعيم في «الطب النبوي» (1/ 416 - ط دار ابن حزم) والبيهقي في «الكبرى» (10/ 4، 8/ 162)، وإسناده صحيح.
(2)
كذا في جميع النسخ وفي بعض نسخ «مسند أحمد» وغيره. وفي «المستخرج» : «أعضادنا» ، وكذا في «المسند» (14086) و «الطب النبوي» لأبي نعيم:«وانتهشت أعضادنا» . وفي «السنن الكبرى» (10/ 4): «وارتهست أعضادنا» بالسين المهملة، وكلاهما صحيح والمعنى: اضطربت. انظر: «النهاية في غريب الحديث» (2/ 282). وفي اللفظ روايات أخرى.
(3)
اقتضب المؤلف كلام الحموي في تفسير «اجتوينا» في الحديث.
(4)
من الجلاء. والدواء الجالي: الذي يحرِّك الرطوبات اللزجة والجامدة عن فوهات المسامِّ في سطح العضو حتى يبعدها عنه. «حقائق أسرار الطب» للسجزي (ص 192). وفي النسخ المطبوعة: «الجالبة» ، تصحيف.
الحاجة، وهذه الأمور موجودةٌ في أبوال الإبل وألبانها= أمَرهم النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم بشربها، فإنَّ في لبن اللِّقاح جلاءً وتليينًا وإدرارًا وتلطيفًا وتفتيحًا للسُّدَد، إذ كان أكثر رعيها الشِّيح والقَيصوم والبابونج والأُقْحُوان والإذخِر وغير ذلك من الأدوية النَّافعة للاستسقاء.
وهذا المرض لا يكون إلا مع آفةٍ في الكبد خاصَّةً، أو مع مشاركةٍ. وأكثرُها عن السُّدد فيها، ولبنُ اللِّقاح العربيَّة نافعٌ من السُّدد، لما فيه من التَّفتيح والمنافع المذكورة.
قال الرازي
(1)
: لبنُ اللِّقاح يشفي أوجاع الكبد وفساد المزاج.
وقال الإسرائيلي
(2)
: لبنُ اللِّقاح أرقُّ الألبان، وأكثرها مائيَّةً وحدَّةً، وأقلُّها غذاءً. فلذلك صار أقواها على تلطيف الفضول، وإطلاق البطن، وتفتيح السُّدد. ويدلُّ على ذلك ملوحته اليسيرة الَّتي فيه لإفراط حرارةٍ حيوانيَّةٍ بالطَّبع. ولذلك صار أخصَّ الألبان بتطرية الكبد، وتفتيح سُددها، وتحليل صلابة الطِّحال إذا كان حديثًا، والنَّفعِ من الاستسقاء خاصَّةً إذا استعُمل بحرارته الَّتي يخرج بها من الضَّرع مع بول الفصيل، وهو حارٌّ كما يخرج من الحيوان، فإنَّ ذلك ممَّا يزيد في ملوحته وتقطيعه الفضول وإطلاقه البطن. فإن تعذَّر انحداره وإطلاقه البطنَ وجب أن يطلَق بدواءٍ مسهِلٍ.
(1)
انظر نحوه في: «الحاوي» (6/ 363، 368).
(2)
انظر نحوه في كتابه «الأغذية والأدوية» (1/ 130، 135، 137). وإن كانت الفقرة كاملة من كلام الإسرائيلي فهي مأخوذة من كتاب آخر له.
قال صاحب «القانون» : ولا يلتفت إلى ما يقال من أنَّ طبيعة اللَّبن مضادَّةٌ لعلاج الاستسقاء. قال: واعلم أنَّ لبن النُّوق دواءٌ نافعٌ لما فيه من الجلاء برفقٍ وما فيه من خاصِّيَّةٍ، وأنَّ هذا اللَّبن شديد المنفعة، فلو أنَّ إنسانًا أقام عليه بدل الماء والطَّعام شُفِي به. وقد جُرِّب ذلك في قومٍ دفعوا إلى بلاد العرب فقادتهم الضَّرورة إلى ذلك، فعُوفُوا
(1)
. وأنفع الأبوال: بول الجمل الأعرابيِّ وهو النَّجيب
(2)
. انتهى.
وفي القصَّة دليلٌ:
- على التَّداوي والتَّطبُّب.
- وعلى طهارة بول مأكول اللَّحم فإنَّ التَّداوي بالمحرَّمات غير جائزٍ، ولم يؤمروا مع قرب عهدهم بالإسلام بغسل أفواههم وما أصابته ثيابهم من أبوالها للصَّلاة، وتأخيرُ البيان لا يجوز عن وقت الحاجة.
- وعلى مقابلة الجاني بمثل ما فعَل، فإنَّ هؤلاء قتلوا الرَّاعي وسمَلوا عينه
(3)
. ثبت ذلك في «صحيح مسلم»
(4)
.
- وعلى قتل الجماعة وأخذ أطرافهم بالواحد.
(1)
«القانون» (2/ 544).
(2)
«القانون» (1/ 412).
(3)
س، ث، ل، ن:«عينيه» .
(4)
برقم (1671/ 10، 14). ولفظه: «إنما سمَل النبي صلى الله عليه وسلم أعين أولئك لأنهم سملوا أعين الرِّعاء» .
- وعلى أنَّه إذا اجتمع في حقِّ الجاني حدٌّ وقصاصٌ استُوفِيا معًا، فإنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قطَع أيديهم وأرجلهم حدًّا لله على حِرابهم، وقتَلَهم لقتلهم الرَّاعي.
- وعلى أنَّ المحارب إذا أخذ المالَ وقتَلَ قُطِعت يدُه ورجلُه في مقامٍ واحدٍ، وقُتِل.
- وعلى أنَّ الجنايات إذا تعدَّدت تغلَّظت عقوباتها، فإنَّ هؤلاء ارتدُّوا وكفروا بعد إسلامهم، وقتلوا النَّفس، ومثَّلوا بالمقتول، وأخذوا المال، وجاهروا
(1)
بالمحاربة.
- وعلى أنَّ حكمَ رِدْءِ المحاربين حكمُ مباشِرهم
(2)
، فإنَّه من المعلوم أنَّ كلَّ واحدٍ منهم لم يباشر القتلَ بنفسه، ولا سأل النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم عن ذلك.
- وعلى أنَّ قتلَ الغِيلة يُوجِب قتلَ القاتل حدًّا، فلا يُسقطه العفوُ، ولا يعتبر
(3)
فيه المكافأة. وهذا مذهب أهل المدينة، وأحد الوجهين في مذهب أحمد اختاره شيخنا وأفتى به
(4)
.
(1)
ز: «وجهروا» .
(2)
د: «مباشرتهم» ، تحريف.
(3)
كذا في س، حط، د. وفي غيرها بإهمال أوله.
(4)
انظر: «مجموع الفتاوى» (28/ 316 - 317).