الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصل
في هديه صلى الله عليه وسلم في علاج البَثْرة
ذكر ابن السُّنِّيِّ في كتابه
(1)
عن بعض أزواج النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم قالت: دخل عليَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد خرج في إصبعي بَثْرةٌ، فقال:«عندكِ ذريرةٌ؟» . قلت: نعم. قال: «ضَعيها عليها» . وقال: «قولي
(2)
: اللَّهمَّ مصغِّرَ الكبير ومكبِّرَ الصَّغير صغِّر ما بي».
الذَّريرة: دواءٌ هنديٌّ يُتَّخذ من قصَب الذَّريرة، وهي حارَّةٌ يابسةٌ، تنفع من أورام المَعِدة والكبد والاستسقاء، وتقوِّي القلب لطيبها
(3)
. وفي
(1)
«الطب النبوي» . وأخرجه أيضًا في «عمل اليوم واللَّيلة» (635) والنقل من كتاب الحموي (ص 555). وأخرجه أيضًا النَّسائيُّ في «الكبرى» (10803)، وأحمد (23141)، وابن أبي الدُّنيا في «المرض والكفَّارات» (152)، وابن حبَّان في «الثِّقات» (8/ 391)، ولفظه عندهم: أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم دخل عليها فقال: «أعندك ذريرةٌ؟» ، قالت: نعم، فدعا بها فوضعها على بثرة بين أصابع رجله، ثمَّ قال:«اللَّهمَّ مطفِئَ الكبير، ومكبِّر الصغير، أطفئها عنِّي» ، فطفئت. وصحَّحه الحاكم (4/ 207)، وفي سنده مريم بنت إياس، قال الهيثميُّ في «المجمع» (5/ 95 - 96):«تفرَّد عنها عمرو بن يحيى» ؛ ولذا أورده الألبانيُّ في «السِّلسلة الضَّعيفة» (4068). وأمَّا ابن حجر فقد قوَّى أمرها، وصحَّح حديثَها ــ باللَّفظ الثَّاني ــ، فقال في «نتائج الأفكار» (4/ 158): «رواتُه من أحمد إلى منتهاه من رواة الصَّحيحين، إلَّا مريم وقد اختُلف في صحبتها، وأبوها وأعمامها من كبار الصَّحابة، ولأخيها محمَّد رؤيةٌ
…
وخالف ابن السُّنِّيِّ في سياق المتن مخالفةً ظاهرةً، وقال في السَّند: مريم بنت أبي بكير
…
واتِّفاق هؤلاء الأئمَّة دالٌّ على أنَّه وهم فيه».
(2)
ز: «وقولي» بحذف «قال» .
(3)
كتاب الحموي (ص 554).
«الصَّحيحين»
(1)
عن عائشة أنَّها قالت: طيَّبتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم بيدي بذَريرةٍ في حجَّة الوداع للحِلِّ والإحرام.
والبَثْرة: خُرَاجٌ صغيرٌ يكون عن مادَّةٍ حادَّةٍ
(2)
تدفعها الطَّبيعة، فتَسْترِقُ مكانًا من الجسد تخرج منه، فهي محتاجةٌ إلى ما يُنْضِجها ويُخْرِجها. والذَّريرة أحد ما يفعل بها ذلك، فإنَّ فيها إنضاجًا وإخراجًا مع طيب رائحتها، مع أنَّ فيها تبريدًا
(3)
للنَّاريَّة الَّتي في تلك المادَّة. ولذلك
(4)
قال صاحب «القانون»
(5)
: إنَّه لا أفضل لحرق النَّار من الذَّريرة بدهن الورد والخلِّ.
فصل
في هديه صلى الله عليه وسلم في علاج الأورام والخُراجات الَّتي تبرأ بالبطِّ والبَزْل
(6)
يذكر عن علي أنَّه قال: دخلتُ مع رسول الله صلى الله عليه وسلم على رجلٍ يعوده، بظهره ورمٌ، فقالوا: يا رسول اللَّه! هذه
(7)
مِدَّةٌ. قال: «بُطُّوا عنه» . قال علي: فما برحت حتَّى بُطَّت، والنَّبيُّ صلى الله عليه وسلم شاهدٌ
(8)
.
(1)
البخاري (5930) ومسلم (1189).
(2)
حط: «حادثة» . وفي النسخ المطبوعة: «حارة» .
(3)
ز، س، د:«تبريد» .
(4)
س، حط، ن:«وكذلك» ، وكذا في المطبوع.
(5)
ذكره في «القانون» (1/ 719) بلفظ «قيل» ، كما نقل الحموي (ص 554 - 555) على الصواب.
(6)
كتاب الحموي (ص 292 - 294).
(7)
س: «بهذه» ، وكذا في طبعة عبد اللطيف وما بعدها.
(8)
كتاب الحموي (ص 292) وقد نقله عن ابن الجوزي. انظر: «لقط المنافع» (2/ 62). وأخرجه أبو يعلى (454)، وابن عديٍّ في «الكامل» (2/ 51) واللَّفظ له، وإسناده ضعيفٌ جدًّا؛ فيه أبو الرَّبيع السَّمَّان، واسمه: أشعث بن سعيد البصريُّ، عدَّ ابن عديٍّ هذا الحديثَ مِن أنكَرِ حديثه، وقال ابن القيسرانيِّ في «الذَّخيرة» (3/ 1329): «هذا ممَّا تفرَّد به أبو الرَّبيع
…
وأبو الرَّبيع متروكُ الحديث»، وبه ضعَّفه الهيثميُّ في «المجمع» (5/ 99)، والبوصيريُّ في «الإتحاف» (3912).
ويذكر عن أبي هريرة أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم أمر طبيبًا أن يبُطَّ بطنَ رجلٍ أجوى البطن، فقيل: يا رسول اللَّه، هل ينفع الطِّبُّ؟ قال:«الذي أنزل الدَّاء أنزل الشِّفاء فيما شاء»
(1)
.
الورم: مادَّةٌ
(2)
في حجم العضو لفضل مادَّةٍ غير طبيعيَّةٍ تنصبُّ إليه، وتوجد في
(3)
أجناس الأمراض كلِّها. والموادُّ الَّتي تكوَّن عنها: من الأخلاط
(1)
كتاب الحموي (ص 293) ومن كتابنا نقله ابنُ مفلح في «الآداب الشَّرعيَّة» (2/ 445)، ولم أقف على أحدٍ أخرجه بهذا اللَّفظ. وأقربُ الألفاظ إليه ما أخرجه أبو نعيم في «الطِّبِّ النَّبويِّ» (31، 32) من طريقَين عن سُهَيل بن أبي صالح، عن أبيه، عن أَبي هُرَيرة رضي الله عنه قال: أُصيب رجلٌ من أصحاب النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم في جبينه، فاستقى دمًا وقيحًا حتَّى خِيفَ عليه، فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى رجُلين يعالجان، فقال:«ما فِعل شيءٍ كنتما تعالجانه في الجاهليَّة من هذا الطِّبِّ؟» قالا: قد كنَّا نعالجُه في الجاهليَّة، حتَّى جاء الله بالإسلام وتركنا ذلك، فكان التَّوكُّل، قال:«فعالِجاه» ، فقالا: يا نبيَّ الله، وهل في الطِّبِّ خيرٌ؟! فقال:«نَعم، إنَّ الَّذي جعل الدَّاء أنزل الدَّواء، فجَعَل شفاءَ ما شاء فيما شاء» . وله شاهدٌ صحيحٌ من حديثِ رجلٍ منَ الأنصار عند أحمد (23156)، وآخرُ عن زيد بن أسلم مُرسلًا عند مالك (2718) سيأتي تخريجه.
(2)
في كتاب الحموي ــ والفقرة برمَّتها منقولة منه ــ (ص 293): «زيادة» ، وكأن ما في النسخ من السهو.
(3)
الحموي: «فيه» .
الأربعة، والمائيَّة، والرِّيح. وإذا جَمع الورَمُ
(1)
سمِّي خُرَاجًا. وكلُّ ورمٍ حارٍّ
(2)
يؤول أمره إلى أحد ثلاثة أشياء: إمَّا تحلُّل، وإمَّا جمع مِدَّةٍ، وإمَّا استحالة إلى الصَّلابة. فإن كانت القوَّة قويَّةً استولت على مادَّة الورم وحلَّلته، وهي أصلح الحالات الَّتي يؤول أمرُ الورم إليها. وإن كانت دون ذلك أنضجت المادَّة، وأحالتها مِدَّةً بيضاء، وفتحت لها مكانًا أسالتها منه. وإن نقصت عن ذلك أحالت المادَّة مِدَّةً غير مستحكمة النُّضج، وعجزت عن فتح مكانٍ في العضو تدفعها منه، فيخاف على العضو الفسادُ لطول لبثها فيه، فيحتاج حينئذٍ إلى إعانة الطَّبيب بالبطِّ أو غيره لإخراج تلك المادَّة الرَّديَّة المفسدة للعضو.
وفي البطِّ فائدتان: إحداهما: إخراج المادَّة الرَّديَّة المفسدة. والثَّانية: منع اجتماع مادَّةٍ أخرى إليها تقوِّيها.
وأمَّا
(3)
قوله في الحديث الثَّاني: «إنَّه أمر طبيبًا أن يبُطَّ بطنَ رجلٍ أجوى البطن» ، فالجوى يقال على معانٍ، منها: الماء المنتن الذي يكون في البطن يحدُث عنه الاستسقاء.
وقد اختلف الأطبَّاء في بَزْلِه لخروج هذه المادَّة، فمنعته طائفةٌ منهم لخطره وبعد السَّلامة معه، وجوَّزته طائفةٌ أخرى وقالت: لا علاج له سواه.
(1)
يعني: جمعَ الورم للمِدَّة. وكذا ضبط على الصواب في ن وكتاب الحموي بفتح الجيم. وفي حط بالبناء للمجهول وهو خطأ. وفي س، ث، ل:«اجتمع» ، وكذا في طبعة عبد اللطيف وما بعدها. ولعله تصرف من بعض النساخ.
(2)
لفظة «حار» ساقطة من د.
(3)
من هنا إلى آخر الفصل مأخوذ من كتاب الحموي (ص 294).