الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ساق تلك الأمطار إلى هذه الأرض في نهرٍ عظيمٍ. وجعل سبحانه زيادته في أوقاتٍ معلومةٍ على قدر ريِّ البلاد وكفايتها، فإذا روَّى البلاد وعمَّها أذِنَ سبحانه بتناقصه وهبوطه، لتتمَّ المصلحة بالتَّمكُّن من الزَّرع. واجتمع في هذا الماء الأمور العشرة الَّتي تقدَّم ذكرها، وكان من ألطف المياه وأخفِّها وأعذبها وأحلاها.
ماء البحر:
ثبت عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أنَّه قال في البحر: «هو الطَّهور ماؤه، الحِلُّ ميتته»
(1)
. وقد جعله الله سبحانه ملحًا أُجاجًا مرًّا زُعَاقًا، لتمام مصالح مَن
(2)
على وجه الأرض من الآدميِّين والبهائم، فإنَّه دائمٌ
(3)
كثير الحيوان، وهو يموت فيه كثيرًا ولا يُقبَر. فلو كان حلوًا لأنتَنَ من إقامته وموت حيواناته فيه وأجَافَ
(4)
، وكان الهواء المحيط بالعالم يكتسب منه ذلك ويُنتن ويُجيف،
(1)
أخرجه أبو داود (83)، والتِّرمذيُّ (69)، والنَّسائيُّ (59، 332، 4350)، وابن ماجه (386، 3246)، وأحمد (7233، 8735، 8912، 9099، 9100)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.وقد اختُلف في إسنادِه. وصحَّحه البخاريُّ كما في «العلل الكبير» (ص 41)، والتِّرمذيُّ، وابن الجارود (43)، وابن خزيمة (111)، وابن المنذر في «الأوسط» (1/ 249)، وابن حبَّان (1243، 5258)، وابن منده كما في «الإلمام» (1/ 49)، والحاكم (1/ 140)، والنَّوويُّ في «المجموع» (1/ 82، 2/ 561)، وهو في «السِّلسلة الصَّحيحة» (480). وفي الباب عن جابر، وابن عبَّاس، وأنس، وعليٍّ، وعبد الله بن عمرو، والفراسيِّ، وعن أبي بكر موقوفًا، وعن عقبة بن عامر موقوفًا.
(2)
بعده في س، ل زيادة:«هو» ، وكذا في النسخ المطبوعة غير الهندية.
(3)
لفظ «دائم» ساقط من ل، وبعده زيادة:«راكد» في النسخ المطبوعة.
(4)
يعني: خبث ريحها، مثل جيَّفَ. انظر:«شمس العلوم» (2/ 1235) و «العباب الزاخر» (جيف).
فيفسد العالم. فاقتضت حكمة الرَّبِّ سبحانه أن جعله كالملَّاحة لو ألقي فيه
(1)
جيف العالم كلُّها وأنتانه وأمواته لم تغيِّره شيئًا، ولا يتغيَّر على مكثه من حين خُلِق، وإلى أن يطوي الله العالم. فهذا هو السَّبب الغاييُّ لملوحته. وأمَّا الفاعليُّ فكون أرضه سبَخةً مالحةً.
وبعد، فالاغتسال به نافعٌ من آفاتٍ عديدةٍ في ظاهر الجلد. وشربه مضرٌّ بداخله وخارجه، فإنَّه يُطلق البطن، ويُهْزِل، ويُحْدِث حكَّةً وجرَبًا ونفخًا وعطشًا. ومن اضطرَّ إلى شربه فله طرقٌ من العلاج يدفع به مضرَّته:
منها: أن يجعل في قدرٍ، ويجعل فوق القدر قصَباتٌ، وعليها صوفٌ جديدٌ منفوشٌ، ويوقد تحت القدر حتَّى يرتفع بخارها إلى الصُّوف، فإذا كثر عصرُه، ولا يزال يفعل ذلك حتَّى يجتمع له ما يريد، فيحصل من البخار في الصُّوف ماءٌ عذبٌ، ويبقى في القدر الذُّعاف
(2)
.
ومنها: أن يحفر على شاطئه حفرةٌ واسعةٌ يرشَح ماؤه إليها، ثمَّ إلى جانبها قريبًا منها أخرى ترشِّح هي إليها، ثمَّ ثالثةٌ إلى أن يعذب الماء.
وإذا ألجأته الضَّرورة إلى شرب الماء الكدر، فعلاجه أن يلقي فيه نوى المشمش، أو قطعةً من خشب السَّاج، أو جمرًا ملتهبًا يطفأ فيه، أو طينًا أرمنيًّا أو سويقَ حنطةٍ، فإنَّ كدورته ترسُب إلى أسفل
(3)
.
(1)
يعني: في البحر. وفي س: «فيها» ، وكأن بعضهم تصرَّف فيها.
(2)
س، ل:«الزُّعاف» ، وهو بالزاي والذال: سمٌّ قاتل. وكذا في نسخ «لقط المنافع» (1/ 433) وهو مصدر النقل. وفي النسخ الأخرى: «الزُّعاق» .
(3)
انظر للفقرات الأربع الأخيرة: «لقط المنافع» (1/ 432 - 433).