الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أهل المريض، ونوعٌ يعود على العامَّة.
وقد تقدَّم في هديه صلى الله عليه وسلم أنَّه كان يسأل المريض عن شكواه وكيف يجده، ويسأله عمَّا يشتهيه، ويضع يده على جبهته ــ وربَّما وضعها بين ثدييه ــ ويدعو له، ويصف له ما ينفعه في علَّته. وربَّما توضَّأ وصبَّ على المريض من وضوئه. وربَّما كان يقول للمريض: «لا بأس عليك
(1)
، طهورٌ إن شاء اللَّه». وهذا من كمال اللُّطف وحسن العلاج والتَّدبير.
فصل
في هديه صلى الله عليه وسلم في علاج الأبدان بما اعتادته من الأدوية والأغذية دون ما لم تعتده
هذا أصلٌ عظيمٌ من أصول العلاج وأنفع شيءٍ فيه، وإذا أخطأه الطَّبيب ضرَّ المريضَ من حيث يظنُّ أنَّه ينفعه. ولا يعدل عنه إلى ما يجده من الأدوية في كتب الأطبَّاء
(2)
إلا طبيبٌ جاهلٌ، فإنَّ ملاءمة الأدوية والأغذية للأبدان بحسب استعدادها وقبولها. وهؤلاء أهل البوادي والأكَّارون وغيرهم لا ينجع فيهم شرابُ النَّيلَوفَر
(3)
والورد الطَّريِّ ولا المغالي
(4)
ولا يؤثِّر في طباعهم شيئًا، بل عامَّة أدوية أهل الحضر وأهل الرَّفاهة لا تجدي عليهم، والتَّجربة شاهدةٌ بذلك.
(1)
«عليك» ساقط من طبعة الرسالة.
(2)
في النسخ المطبوعة: «كتب الطب» .
(3)
ز، حط، ن:«اللينوفر» . وكذا في طبعة عبد اللطيف وما بعدها خلافًا للطبعة الهندية التي فيها كما أثبتنا من ف، ث، ل. وفي د:«النينوفر» .
(4)
كذا في جميع النسخ والطبعات القديمة. وغيِّر في طبعة الرسالة إلى «المغلي» .
ومن تأمَّل ما ذكرناه من العلاج النَّبويِّ رآه كلَّه موافقًا لعادة العليل وأرضه وما نشأ عليه. فهذا أصلٌ عظيمٌ من أصول العلاج يجب الاعتناء به. وقد صرَّح به أفاضل أهل الطِّبِّ حتَّى قال طبيب العرب بل أطبُّهم الحارث بن كَلَدة، وكان فيهم كأبقراط في قومه:«الحِمْيَة رأس الدَّواء، والمَعِدةُ بيت الدَّاء، وعوِّدوا كلَّ بدنٍ ما اعتاد»
(1)
. وفي لفظٍ عنه: «الأَزْم دواءٌ»
(2)
. والأَزْم
(3)
: الإمساك عن الأكل يعني به الجوع وهو من أكبر الأدوية في شفاء الأمراض الامتلائيَّة كلِّها بحيث إنَّه أفضل في علاجها من المستفرِغات إذا لم يخَفْ
(4)
من كثرة الامتلاء وهيجان الأخلاط وحدَّتها وغليانها.
وقوله: «المعدة بيت الدَّاء» . المعدة: عضوٌ عصبيٌّ مجوَّفٌ، كالقَرْعة في شكله، مركَّبٌ من ثلاث طبقاتٍ مؤلَّفةٍ من شظايا دقيقةٍ عصبيَّةٍ تسمَّى «اللِّيف» ، ويحيط بها لحمٌ وليفٌ: إحدى الطَّبقات بالطُّول، والأخرى بالعرض، والثَّالثة بالوِراب
(5)
. وفم المعدة أكثر عَصَبًا، وقعرها أكثر لحمًا،
(1)
تقدَّم في فصل هديه صلى الله عليه وسلم في الحمية.
(2)
أخرجه عبد الرَّزَّاق في «الأمالي في آثار الصَّحابة» (156) عن ابن عيينة قال: قال عمر بن الخطَّاب رضي الله عنه للحارث بن كلدة وكان أطبَّ النَّاس: ما الدَّواء؟ قال: الأزم يا أمير المؤمنين، يعني الحِمية. وأخرجه أبو نعيم في «الطِّبِّ النَّبويِّ» (700) من طريق عليِّ ابن المدينيِّ، عن ابن عيينة، عَن ابن أبي نجيح، عَن أبيه قال: سأل عُمرُ
…
وذكره.
(3)
النص من هنا إلى آخر الفصل منقول من كتاب الحموي (ص 303 - 304).
(4)
ن: «يخفِّف» . وفي مخطوط كتاب الحموي (85/ب): «يخاف» .
(5)
ث، ل:«بالوارب» ، وفي طبعة الرسالة:«بالورب» خلافًا للنسخ الخطية والمطبوعة، والوِراب يعني الميل والتحريف بين الطول والعرض. نقله دوزي (1/ 107) من «معجم المنصوري». ومنه «عرض الوِراب» في علم الهيئة. انظر:«كشاف التهانوي» (2/ 1175). وذكر الرازي في «المنصوري» (ص 358 - ليدن) أن المعدة مؤلفة من طبقتين داخلة وخارجة ثم قال: «أما الطبعة الداخلة فمن جنس الأغشية العصبانية، وليفها ذاهب بالطول، وفيها ليف ذاهب على الوِراب» .
وفي باطنها خَمْلٌ وهي محصورةٌ في وسط البطن، وأميل إلى الجانب الأيمن قليلًا. خلقت على هذه الصِّفة بحكمةٍ
(1)
لطيفةٍ من الخالق الحكيم سبحانه
(2)
.
وهي بيت الدَّاء، وكانت محلًّا للهضم الأوَّل. وفيها ينطبخ
(3)
الغذاء، وينحدر
(4)
منها بعد ذلك إلى الكبد والأمعاء. ويتخلَّف منه فيها فضلاتٌ قد عجزت القوَّة الهاضمة عن تمام هضمها، إمَّا لكثرة الغذاء، أو لرداءته، أو لسوء ترتيبٍ في استعماله، أو لمجموع ذلك. وهذه الأشياء بعضها
(5)
ممَّا لا يتخلَّص الإنسان منها غالبًا، فتكون المعدة بيت الدَّاء لذلك. وكأنَّه يشير بذلك إلى الحثِّ على تقليل الغذاء، ومنع النَّفس من اتِّباع الشَّهوات، والتَّحرُّز عن الفضلات.
وأمَّا العادة، فلأنَّها كالطَّبيعة للإنسان، ولذلك يقال: العادة طبعٌ ثانٍ. وهي
(1)
س، ث، ل:«لحكمة» ، وكذا في النسخ المطبوعة وكتاب الحموي.
(2)
بعده في كتاب الحموي: «ليس هذا موضع شرحها» .
(3)
هذا في ف، ز، وكتاب الحموي. وفي النسخ الأخرى:«ينضج» أو «تنضيج» ، وكلاهما تصحيف.
(4)
س: «ويتحدَّر» . وقد سقط منها قبله لفظ «الغذاء» .
(5)
في كتاب الحموي: «أو بعضها» .