المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌فصلفي هديه صلى الله عليه وسلم في تضمين من طب الناس وهو جاهل بالطب - زاد المعاد في هدي خير العباد - ط عطاءات العلم - جـ ٤

[ابن القيم]

فهرس الكتاب

- ‌المرض نوعان: مرض القلوب ومرض الأبدان

- ‌فصلفي هديه في(1)الاحتماء من التُّخم والزِّيادة في الأكل على قدر الحاجة، والقانون الذي ينبغي مراعاته في الأكل والشُّرب

- ‌ذكر القسم الأوَّل وهو العلاج بالأدوية الطَّبيعيَّة

- ‌فصلفي هديه في الطَّاعون وعلاجه والاحتراز منه

- ‌فصلفي هديه في داء الاستسقاء وعلاجه

- ‌فصلفي هديه في علاج الجُرْح

- ‌فصلفي هديه في العلاج بشرب العسل والحجامة والكيِّ

- ‌فصلفي هديه في أوقات الحجامة

- ‌ من شرط انتفاع العليل بالدَّواء

- ‌فصلفي هديه صلى الله عليه وسلم في الحِمْية

- ‌فصلفي هديه صلى الله عليه وسلم في علاج الرَّمَد بالسُّكون والدَّعة، وترك الحركة، والحمية ممَّا يهيج الرَّمد

- ‌فصلفي هديه صلى الله عليه وسلم في علاج الخَدَران(1)الكلِّيِّ الذي يخمد(2)معه البدن

- ‌فصلفي هديه صلى الله عليه وسلم في إصلاح الطَّعام الذي يقع فيه الذُّباب، وإرشاده إلى دفع مضرَّات السُّموم بأضدادها

- ‌فصلفي هديه صلى الله عليه وسلم في علاج البَثْرة

- ‌فصلفي هديه صلى الله عليه وسلم في علاج المرضى بتطييب نفوسهم وتقوية قلوبهم

- ‌فصلفي هديه صلى الله عليه وسلم في علاج الأبدان بما اعتادته من الأدوية والأغذية دون ما لم تعتده

- ‌فصلفي هديه صلى الله عليه وسلم في تغذية المريض بألطف ما اعتاده من الأغذية

- ‌فصلفي هديه صلى الله عليه وسلم في علاج السَّمِّ الذي أصابه بخيبر من اليهود

- ‌فصلفي هديه صلى الله عليه وسلم في علاج السِّحر الذي سحرته اليهود به

- ‌فصلفي هديه صلى الله عليه وسلم في الاستفراغ بالقيء

- ‌فصلفي هديه صلى الله عليه وسلم في الإرشاد إلى معالجة أحذق الطَّبيبين

- ‌فصلفي هديه صلى الله عليه وسلم في تضمين مَن طبَّ النَّاس وهو جاهلٌ بالطِّبِّ

- ‌فصلفي هديه صلى الله عليه وسلم في التَّحرُّز من الأدواء المُعْدية بطبعها، وإرشاده الأصحَّاءَ إلى مجانبة أهلها

- ‌فصلفي هديه صلى الله عليه وسلم في المنع من التَّداوي بالمحرَّمات

- ‌فصلفي هديه صلى الله عليه وسلم في علاج القَمْل الذي في الرَّأس وإزالته

- ‌فصولُ هديه(1)صلى الله عليه وسلم في العلاج بالأدوية الرُّوحانيَّة الإلهيَّةالمفردة، والمركَّبة منها ومن الأدوية الطَّبيعيَّة

- ‌فصلفي هديه صلى الله عليه وسلم في علاج المصاب بالعين

- ‌فصلفي هديه صلى الله عليه وسلم في العلاج العامِّ لكلِّ شكوى بالرُّقية الإلهيَّة

- ‌فصلفي هديه صلى الله عليه وسلم في رقية اللَّديغ بالفاتحة

- ‌فصلفي هديه صلى الله عليه وسلم في علاج لدغة العقرب بالرُّقية

- ‌فصلفي هديه صلى الله عليه وسلم في رقية النَّملة

- ‌فصلفي هديه صلى الله عليه وسلم في رقية القُرحة والجُرح

- ‌فصلفي هديه صلى الله عليه وسلم في علاج الوجع بالرُّقية

- ‌فصلفي هديه صلى الله عليه وسلم في علاج حرِّ المصيبة وحزنها

- ‌فصلفي بيان جهة تأثير هذه الأدوية في هذه الأمراض

- ‌فصلفي هديه صلى الله عليه وسلم في علاج الفزع والأرق المانع من النَّوم

- ‌فصلفي هديه صلى الله عليه وسلم في علاج داء الحريق وإطفائه

- ‌فصلفي هديه صلى الله عليه وسلم في حفظ الصّحَّة

- ‌فصلفي هديه صلى الله عليه وسلم في هيئة الجلوس للأكل

- ‌فصلفي تدبيره لأمر الملبس

- ‌فصلفي تدبيره لأمر المسكن

- ‌فصلفي تدبيره لأمر النَّوم واليقظة

- ‌ حرف «إلى» ساقط من د

- ‌فصلفي هديه صلى الله عليه وسلم في علاج العشق

- ‌فصلفي هديه صلى الله عليه وسلم في حفظ الصِّحَّة بالطِّيب

- ‌فصلفي ذكر شيءٍ من الأدوية والأغذية المفردة الَّتي جاءت على لسانه صلى الله عليه وسلممرتَّبةً على حروف المعجم

- ‌حرف الهمزة

- ‌إثمِد

- ‌أُتْرُجٌّ

- ‌أرُزٌّ

- ‌أرزَّ

- ‌إذْخِر

- ‌حرف الباء

- ‌بطِّيخ

- ‌بَلَح

- ‌بُسْر

- ‌بَيض

- ‌بصَل

- ‌باذنجان

- ‌حرف التَّاء

- ‌تمر

- ‌تين

- ‌تلبينة:

- ‌حرف الثَّاء

- ‌ثلج:

- ‌ثوم

- ‌ثريد:

- ‌حرف الجيم

- ‌جُمَّار

- ‌جُبْن:

- ‌حرف الحاء

- ‌حنَّاء:

- ‌حبَّة السَّوداء

- ‌حرير:

- ‌حُرْف

- ‌حُلْبة

- ‌حرف الخاء

- ‌خبز:

- ‌ خل

- ‌خِلال:

- ‌حرف الدَّال

- ‌دُهْن

- ‌حرف الذَّال

- ‌ذَريرة:

- ‌ذُباب:

- ‌ذهب

- ‌حرف الرَّاء

- ‌رُطَب:

- ‌ريحان

- ‌رُمَّان

- ‌حرف الزَّاي

- ‌زيت

- ‌زُبْد

- ‌زبيب

- ‌زنجبيل

- ‌حرف السِّين

- ‌سنا:

- ‌سنُّوتٌ:

- ‌سَفَرْجَل

- ‌سِواك

- ‌سَمْن

- ‌سمك

- ‌سِلْق

- ‌حرف الشِّين

- ‌شُونيز:

- ‌شُّبْرُم

- ‌شعير

- ‌شِواء:

- ‌شحم:

- ‌حرف الصَّاد

- ‌صلاة:

- ‌صَبْر:

- ‌صَّبر

- ‌صوم:

- ‌حرف الضَّاد

- ‌ضبٌّ

- ‌ضِفْدع

- ‌حرف الطَّاء

- ‌طِيبٌ:

- ‌طين:

- ‌طَلْح:

- ‌طَلْع

- ‌حرف العين

- ‌عنب

- ‌عسل:

- ‌عَجْوة

- ‌عَنْبَر:

- ‌عود

- ‌عدس

- ‌حرف الغين المعجمة

- ‌غَيث

- ‌حرف الفاء

- ‌فاتحة الكتاب

- ‌فاغية

- ‌فضَّة:

- ‌حرف القاف

- ‌قرآن:

- ‌قِثَّاء

- ‌قُسْط وكُسْت

- ‌قصَب السُّكَّر:

- ‌حرف الكاف

- ‌كتابٌ للحمَّى:

- ‌كتابٌ للرُّعاف:

- ‌كتابٌ آخر للحمَّى المثلَّثة

- ‌كتابٌ(4)لعرق النَّسا

- ‌كتاب للعِرق الضارب

- ‌كتاب لوجع الضِّرس

- ‌كتاب للخُراج

- ‌كمأة

- ‌كَبَاث

- ‌كَتَم

- ‌كَرْم

- ‌كَرَفْس

- ‌كُرَّاث

- ‌حرف اللام

- ‌لحمٌ:

- ‌لحم الضَّأن

- ‌ لحم المعز

- ‌لحم الجدي

- ‌لحم البقر

- ‌لحم الفرس:

- ‌لحم الجمل:

- ‌لحم الضَّبِّ:

- ‌لحم الغزال

- ‌لحم الظَّبي

- ‌لحم الأرنب

- ‌لحم حمار الوحش

- ‌لحوم الأجنَّة:

- ‌لحم القديد

- ‌فصلفي لحوم الطير

- ‌ لحم الدَّجاج

- ‌لحم الدُّرَّاج

- ‌لحم الحَجَل والقَبَج

- ‌لحم الإوزِّ

- ‌لحم البطِّ

- ‌لحم الحبارى

- ‌لحم الكُرْكيِّ

- ‌لحم العصافير والقنابر

- ‌لحم الحمام

- ‌لحم القطا

- ‌لحم السُّمانى

- ‌الجراد

- ‌لبن الضَّأن

- ‌لبن المعز

- ‌لبن البقر

- ‌لبن الإبل:

- ‌لُّبان

- ‌حرف الميم

- ‌ماء

- ‌ماء الثلج والبرَد:

- ‌ماء الآبار والقُنِيِّ

- ‌ماء زمزم:

- ‌ماء النِّيل:

- ‌ماء البحر:

- ‌مِسْك:

- ‌مَرْزَنْجُوش

- ‌مِلْح

- ‌حرف النُّون

- ‌نخل:

- ‌نرجس

- ‌نُورة

- ‌نَبِق

- ‌حرف الهاء

- ‌هندباء

- ‌حرف الواو

- ‌وَرْس

- ‌وَسْمة:

- ‌حرف الياء

- ‌يقطين:

الفصل: ‌فصلفي هديه صلى الله عليه وسلم في تضمين من طب الناس وهو جاهل بالطب

أعانهم عليها بالتَّوبة والحسنات الماحية والمصائب المكفِّرة. وكما ابتلاهم بالأرواح الخبيثة من الشَّياطين، أعانهم عليها بجندٍ من الأرواح الطَّيِّبة وهم الملائكة. وكما ابتلاهم بالشَّهوات، أعانهم على قضائها بما يسَّره لهم شرعًا وقدرًا من المشتهيات اللَّذيذة النَّافعة. فما ابتلاهم سبحانه بشيءٍ إلا أعطاهم ما يستعينون به على ذلك البلاء، ويدفعونه به. ويبقى التَّفاوت بينهم في العلم بذلك، والعلمِ بطريق حصوله والتَّوصُّلِ إليه. وباللَّه المستعان.

‌فصل

في هديه صلى الله عليه وسلم في تضمين مَن طبَّ النَّاس وهو جاهلٌ بالطِّبِّ

روى أبو داود والنَّسائيُّ وابن ماجه

(1)

من حديث عمرو بن شعيبٍ عن أبيه عن جدِّه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من تطبَّب ولم يُعلَم منه الطِّبُّ قبل ذلك فهو ضامنٌ» .

هذا الحديث يتعلَّق به ثلاثة أمورٍ: أمرٌ لغويٌّ، وأمرٌ فقهيٌّ، وأمرٌ طبِّيٌّ.

(1)

«سنن أبي داود» (4586)، «سنن النَّسائيِّ» (4830)، «سنن ابن ماجه» (3466)، من طريق ابن جُريج، عن عَمرو به. وتوقَّفَ أبو داود في صحَّته، وابنُ جريج مدلِّسٌ وقد عنعن، واختُلفَ عليه؛ فقيل أيضًا: عنه، عن عمرو بن شعيب، عن جدِّه، وقال الدَّارقطنيُّ (4/ 266):«لم يسنده عن ابن جريج غير الوليد بن مسلم، وغيرُه يرويه عن ابن جريج عن عمرو بن شعيب مرسلًا عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم» ، وقوَّى ابن حجر المرسلَ في «البلوغ» (1195). وله شاهدٌ مرسلٌ عند أبي داود (4587) وغيره. وقد صحَّحه الحاكم (4/ 212)، وابن دقيق العيد في «الإلمام» (1448)، وحسَّنه ابن مُفلح في «الآداب الشَّرعيَّة» (2/ 438)، وابنُ كثير في «إرشاد الفقيه» (2/ 266)، والألباني في «السلسلة الصحيحة» (635).

ص: 194

فأمَّا اللُّغويُّ

(1)

، فالطِّبُّ بكسر الطَّاء في لغة العرب يقال على معانٍ. منها الإصلاح. يقال طبَبته: إذا أصلحته. ويقال

(2)

: له طِبٌّ بالأمور. أي: لطفٌ وسياسةٌ. قال الشَّاعر:

وإذا تغيَّر من تميمٍ أمرُها

كنتُ الطَّبيب لها برأيٍ ثاقبٍ

(3)

ومنها: الحذق. قال الجوهري

(4)

: كلُّ حاذقٍ طبيبٌ عند العرب. قال أبو عبيد

(5)

: أصل الطِّبِّ: الحذق بالأشياء والمهارة بها. يقال للرَّجل: طَبٌّ وطبيبٌ: إذا كان كذلك، وإن كان في غير علاج المريض. وقال غيره

(6)

: رجلٌ طبيبٌ أي حاذقٌ سمِّي طبيبًا لحذقه وفطنته.

قال علقمة

(7)

:

فإن تسألوني بالنِّساء فإنَّني

خبيرٌ بأدواء النِّساء طبيبُ

إذا شاب رأسُ المرء أو قلَّ مالُه

فليس له في ودِّهنَّ نصيبُ

(8)

(1)

هذا الأمر اللغوي مأخوذ برمَّته من كتاب الحموي (ص 51 - 53)، ولم أقف على مصدر الحموي.

(2)

هذا القول في «المثلث» لابن السِّيد (2/ 79).

(3)

لم أقف عليه. وقد ضبط «كنتُ» بضم التاء في ف، د، ث، ل.

(4)

في «الصحاح» (طبب).

(5)

في «غريب الحديث» (3/ 406).

(6)

انظر: «المعلم» للمازري (3/ 162).

(7)

من قصيدة له في «المفضليات» (ص 392) و «شرحها» للأنباري (ص 773).

(8)

«في ودِّهن» كذا في النسخ والطبعة الهندية. وفي طبعة عبد اللطيف وما بعدها: «من ودهن» .

ص: 195

وقال عنترة

(1)

:

إن تُغْدِفي دوني القناعَ فإنَّني

طَبٌّ بأخذ الفارس المُسْتلئم

أي: إن تُرْخي عنِّي قناعَك وتستُري وجهكِ رغبةً عنِّي، فإنِّي خبيرٌ حاذقٌ بأخذ الفارس الذي قد لبِس لَأْمَة حربه.

ومنها: العادة. يقال: ليس ذاك بطِبِّي، أي عادتي. قال فَرْوة بن مُسَيك

(2)

:

فما إن طِبُّنا جبنٌ ولكن

منايانا ودولةُ آخرينا

(1)

من معلَّقته في «ديوانه» (ص 205) و «غريب الحديث» لأبي عبيد (3/ 406) و «شرح القصائد السبع» لابن الأنباري (ص 335).

(2)

المُرادي من قصيدة له في يوم الرَّدم، وقد كان قبل الإسلام بين مراد وهمدان. انظر:«سيرة ابن هشام» (2/ 582)، و «الوحشيات» (ص 28)، و «الأشباه والنظائر» للخالديين (1/ 82). والبيت من شواهد سيبويه (3/ 153). وانظر:«خزانة البغدادي» (4/ 112 - 119).

ص: 196

وقال أحمد بن الحسين

(1)

:

وما التِّيهُ طِبِّي فيهمُ غيرَ أنَّني

بغيضٌ إليَّ الجاهلُ المتعاقلُ

ومنها: السِّحر. يقال: رجلٌ مطبوبٌ، أي مسحورٌ. وفي الصَّحيح في حديث عائشة: لمَّا سحرت يهودُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم، وجلس الملكانِ عند رأسه وعند رجليه، فقال أحدهما: ما بال الرَّجل؟ قال الآخر: مطبوبٌ. قال: من طبَّه؟ قال: فلانٌ اليهوديُّ

(2)

.

قال أبو عبيد

(3)

: إنَّما قالوا للمسحور: مطبوبٌ، لأنَّهم كنَوا بالطِّبِّ عن السِّحر، كما كنَوا عن اللَّديغ، فقالوا:«سليمٌ» تفاؤلًا بالسَّلامة، وكما كنوا بالمفازة عن الفلاة المهلكة الَّتي لا ماء فيها، فقالوا:«مفازةٌ» تفاؤلًا بالفوز من الهلاك.

ويقال: الطِّبُّ لنفس الدَّواء

(4)

. قال ابن أبي الأسلت

(5)

:

ألا من مبلغٌ حسَّانَ عنِّي

أسحرٌ كان طبَّك أم جنونُ

(6)

(1)

زاد بعده محققا طبعة الرسالة: «المتنبي» دون تنبيه. والجدير بالذكر أن في كتاب الحموي: «وقال المتنبي» فاستبدل به ابن القيم «أحمد بن الحسين» . والبيت في «ديوانه» (ص 367).

(2)

تقدم تخريجه.

(3)

في «غريب الحديث» (3/ 405 - 406).

(4)

كذا في جميع النسخ الخطية والمطبوعة إلا نشرة الفقي الذي أثبت «الداء» وهو الصواب الوارد في كتاب الحموي (ص 52)، وانظر مخطوطه (3/ب). ولعل ما في النسخ من سبق القلم. وقال ابن السيد في «المثلث» (2/ 79):«والطب: الداء، وهو من الأضداد» ، ومما استشهد به على ذلك هذا البيت.

(5)

كذا في جميع النسخ الخطية والمطبوعة (في د، ل: «الأسلب» بالباء، تصحيف). والصواب كما في كتاب الحموي: «ابن الأسلت» . اسمه صيفي وأبوه عامر الملقب بالأسلت، من الأوس. وحسان بن ثابت من الخزرج. وكانا يتهاجيان. انظر:«جمهرة أنساب العرب» لابن حزم (ص 345) و «الإصابة» (12/ 545 ــ هجر).

(6)

من شواهد سيبويه (1/ 49)، وهذه روايته. ورواه ابن دريد في «الجمهرة» (1/ 73):«أطِبٌّ كان داءَك» على أن الطب بمعنى السحر. وفي «الجمل» المنسوب للخليل (ص 121): «كان ذلك» ، ولعل «ذلك» تصحيف «داءَك». وانظر:«الخزانة» (9/ 295).

ص: 197

وأمَّا قول الحماسي

(1)

:

فإن كنتُ مطبوبًا فلا زلتُ هكذا

وإن كنتُ مسحورًا فلا برأ السِّحرُ

فإنَّه أراد بالمطبوب: الذي قد سُحِر، وأراد بالمسحور: العليل بالمرض. قال الجوهري: ويقال للعليل مسحورٌ. وأنشد البيت

(2)

. ومعناه: إن كان هذا الذي قد عراني منك ومن حبِّك، أسأل الله دوامه ولا أريد زواله، سواءٌ كان سحرًا أو مرضًا

(3)

.

والطِّبُّ: مثلَّث الطَّاء. فالمفتوح الطَّاء هو العالم بالأمور. وكذلك الطَّبيب يقال له: طَبٌّ أيضًا. والطِّبُّ: بكسر الطَّاء: فعلُ الطَّبيب. والطُّبُّ بضمِّها

(4)

:

(1)

من ثلاثة أبيات في «شرح المرزوقي» (3/ 1267). وهي في «الحماسة البصرية» (3/ 1234) لفائد بن المنذر القشيري. و «المنذر» في «الأشباه والنظائر» للخالديين (2/ 283): «منير» . و «فائد» في «شرح شواهد المغني» للسيوطي (1/ 172) و «شرح الشواهد» للعيني (3/ 1065): «عائد» . ونسب في «اللآلي» (1/ 403) إلى رجل من بني ربيعة. وانظر التخريج في «الحماسة البصرية» .

(2)

نقل الحموي القول المذكور عن الجوهري ثم أورد بيت الحماسي. ولعله وهم، فإن «الصحاح» خِلْو منهما. وما قال من أن المراد بالمطبوب في قوله: المسحور، وبالمسحور: المريض= فيه نظر. وأقرب منه أن يكون المسحور بمعنى المسحور، والمطبوب بمعنى المريض الذي يمكن علاجه. ولعل قول المرزوقي في آخر تفسيره للبيت:«ولا يجوز أن يكون معنى «مطبوبًا» : مسحورًا، لأنه يصير الصدر والعجز بمعنى واحد» ردٌّ على التفسير المذكور هنا.

(3)

هذا التفسير لم يرد في كتاب الحموي.

(4)

ن: «بضم الطاء» . وكذا في النسخ المطبوعة.

ص: 198

اسم موضعٍ

(1)

. قاله ابن السِّيد

(2)

وأنشد:

فقلتُ هلَ انْهَلْتُم بطُبٍّ ركابَكم

بجائزة الماءِ الَّتي طاب طينها

(3)

وقوله صلى الله عليه وسلم: «من تطبَّب» . ولم يقل: مَن طَبَّ، لأنَّ لفظ التَّفعُّل يدلُّ على تكلُّف الشَّيء والدُّخول فيه بعُسْرٍ وكلفةٍ، وأنَّه ليس من أهله، كتحلَّم وتشجَّع وتصبَّر ونظائرها. ولذلك بنوا تكلَّف على هذا الوزن، قال الشَّاعر:

وقيسَ عيلان ومَن تقيَّسا

(4)

وأمَّا الأمر الشَّرعيُّ فإيجاب الضَّمان على الطَّبيب الجاهل. فإذا تعاطى علم الطِّبِّ وعمله، ولم يتقدَّم له به معرفةٌ، فقد هجَم بجهله على تَلافِ

(5)

(1)

وكذا قال الفيروزابادي في «الغرر المثلثة» (ص 466) ــ ومصدره كتاب ابن السِّيد ــ و «القاموس» (طبب). وقد ذكر الهمداني في «صفة جزيرة العرب» موضعين بهذا الاسم أحدهما في «سَرْو مذحج» (ص 186) وضبطه المحقق في تعليقه بفتح الطاء. والآخر في بلاد نِهْم من الجوف (ص 314). وانظر التعليق الآتي.

(2)

في «المثلث» (2/ 79 - 80).

(3)

في جميع النسخ: «طيبُها» ، تصحيف. وفي كتاب الحموي مطبوعه ومخطوطه، ومصدره كتاب ابن السِّيد بالنون، وهو الصواب. فالبيت من أبيات نونية أوردها الهجري في نوادره (2/ 39 - ط بغداد) قائلًا: «وأنشدني للنهدي وتغرَّب بصنعاء، ويقال: للخثعمي

». وجاء في هامش النسخة عن طب: «من بلاد خثعم» . وقد ضبطه حمد الجاسر في قسم الشعر (2/ 910) بضم الطاء، وفي قسم المواضع (3/ 1517) بالفتح!

(4)

للعجَّاج من أرجوزته المشهورة، في «ديوانه» (1/ 210 - السطلي).

(5)

كذا في جميع النسخ، وهو مصدر كالتلف. انظر ما علَّقت على «الداء والدواء» (ص 507). وفي النسخ المطبوعة:«إتلاف» .

ص: 199

الأنفس، وأقدم بالتَّهوُّر على ما لم يعلمه؛ فيكون قد غرَّر بالعليل، فيلزمه الضَّمان لذلك.

وهذا إجماعٌ من أهل العلم. قال الخطابي

(1)

: لا أعلم خلافًا في أنَّ المعالج إذا تعدَّى، فتلِفَ المريضُ، كان ضامنًا. والمتعاطي علمًا أو عملًا لا يعرفه متعدٍّ، فإذا تولَّد من فعله التَّلفُ ضمِن الدِّيَة. وسقط عنه القودُ، لأنَّه لا يستبدُّ بذلك دون إذن المريض. وجنايةُ المتطبِّب في قول عامَّة الفقهاء على عاقلته.

قلت: الأقسام خمسة:

أحدها: طبيبٌ حاذقٌ أعطى الصَّنعةَ حقَّها ولم تجنِ يدُه، فتولَّد من فعله المأذونِ من جهة الشَّارع ومن جهةِ مَن يطُبُّه تلفُ العضو أو النَّفس، أو ذهابُ صفةٍ= فهذا لا ضمان عليه اتِّفاقًا، فإنَّها سِرايةُ مأذونٍ فيه. وهذا كما إذا ختَن الصَّبيَّ في وقتٍ وسنٍّ قابلٍ

(2)

للختان، وأعطى الصَّنعة حقَّها، فتلفِ العضوُ أو الصَّبيُّ= لم يضمَن. وكذلك إذا بطَّ من عاقلٍ أو غيره ما ينبغي بطُّه، في وقته، على الوجه الذي ينبغي، فتلف به= لم يضمَن.

وهكذا سرايةُ كلِّ مأذونٍ فيه لم يتعدَّ الفاعل في سببها، كسِراية الحدِّ بالاتِّفاق، وسرايةِ القصاص عند الجمهور خلافًا لأبي حنيفة في إيجابه الضَّمان بها، وسرايةِ التَّعزير، وضربِ الرَّجل امرأتَه، والمعلِّمِ الصَّبيَّ

(3)

.

(1)

في «معالم السنن» (4/ 39)، والنقل من كتاب الحموي (ص 54).

(2)

كذا في جميع النسخ الخطية والطبعة الهندية، وفي طبعة عبد اللطيف «وسنُّه قابلٌ» .

(3)

في الطبعة الهندية بعده زيادة نصُّها: «والمستأجر الدابة خلافًا لأبي حنيفة والشافعي في إيجابهما الضمان في ذلك. صح أصل» . وختم الزيادة بـ «صح أصل» يدل على أنها وقعت في حاشية النسخة التي اعتمد عليها ناشر الهندية. وقد حذف «صح أصل» من الطبعات الأخرى.

ص: 200

واستثنى الشَّافعيُّ ضرب الدَّابَّة.

وقاعدة الباب إجماعًا ونزاعًا: أنَّ سراية الجناية مضمونةٌ بالاتِّفاق، وسرايةَ الواجب مهدرةٌ بالاتِّفاق. وما بينهما ففيه النِّزاع: فأبو حنيفة أوجب ضمانه مطلقًا. وأحمد ومالك أهدرا ضمانه. وفرَّق الشَّافعيُّ بين المقدَّر فأهدر ضمانه، وبين غير المقدَّر فأوجب ضمانه. فأبو حنيفة نظر إلى أنَّ الإذن في الفعل إنَّما وقع مشروطًا بالسَّلامة. وأحمد ومالك نظرا إلى أنَّ الإذن أسقط الضَّمانَ. والشَّافعيُّ نظر إلى أنَّ المقدَّر لا يمكن النُّقصان منه فهو بمنزلة النَّصِّ. وأمَّا غيرُ المقدَّر كالتَّعزيرات والتَّأديبات فاجتهاديَّةٌ، فإذا تلف بها ضَمِن لأنَّه في مظنَّة العدوان

(1)

.

فصل

القسم الثَّاني: متطبِّبٌ جاهلٌ باشرت يدُه من يطبُّه، فتلِفَ به= فهذا إن علِم المجنيُّ عليه أنَّه جاهلٌ لا علم له، وأذِن له في طبِّه= لم يضمَن. ولا تخالف هذه الصُّورة ظاهرَ الحديث، فإنَّ السِّياق وقوَّة الكلام يدلُّ على أنَّه غرَّ العليلَ وأوهمه أنَّه طبيبٌ وليس كذلك. وإن ظنَّ المريضُ أنَّه طبيبٌ، وأذِن له في طبِّه لأجل معرفته، ضمِن الطَّبيبُ ما جنت يده. وكذلك إن وصف له دواءً يستعمله والعليل يظنُّ أنَّه وصَفه لمعرفته وحذقه، فتلِفَ به= ضَمِنه. والحديث ظاهرٌ فيه أو صريحٌ.

(1)

وانظر: «تحفة المودود» (ص 284 - 285).

ص: 201

فصل

القسم الثَّالث: طبيبٌ حاذقٌ أُذِن له، وأعطى الصَّنعةَ حقَّها، لكنَّه أخطأت يده، وتعدَّت إلى عضوٍ صحيحٍ، فأتلَفَه؛ مثل أن سبقت يد الخاتن إلى الكَمَرة= فهذا يضمَن لأنَّها جناية خطأ. ثمَّ إن كانت الثُّلث فما زاد، فهو على عاقلته. فإن لم تكن عاقلةٌ، فهل تكون الدِّية في ماله أو في بيت المال؟ على قولين هما روايتان عن أحمد. وقيل: إن كان الطَّبيب ذمِّيًّا ففي ماله، وإن كان مسلمًا ففيه الرِّوايتان. فإن لم يكن بيت مالٍ أو تعذَّر تحميلُه، فهل تسقط الدِّية أو تجب في مال الجاني؟ فيه وجهان أشهرهما: سقوطها

(1)

.

فصل

القسم الرَّابع: الطَّبيب الحاذق الماهر بصناعته، اجتهد فوصَف للمريض دواءً، فأخطأ في اجتهاده، فقتَله. فهذا يخرَّج على روايتين، إحداهما: أنَّ دية المريض في بيت المال. والثَّانية: أنَّها على عاقلة الطَّبيب. وقد نصَّ عليهما الإمام أحمد في خطأ الإمام والحاكم

(2)

.

فصل

القسم الخامس: طبيبٌ حاذقٌ أعطى الصَّنعة حقَّها، فقطَع سِلْعةً

(3)

من

(1)

انظر: «المحرَّر» (2/ 148 - 149)، و «الفروع» (10/ 7 - 8)، و «تحفة المودود» للمؤلف (ص 283 - 285).

(2)

انظر: «الروايتين والوجهين» (2/ 342).

(3)

ورم غليظ له غشاء غير ملتزق باللحم والجلد، يجري بينهما، ويتحرك عند التحريك في الجوانب كلها. «بحر الجواهر» (ص 163). وانظر في ضبطها:«تاج العروس» (21/ 216).

ص: 202

رجلٍ أو صبيٍّ أو مجنونٍ بغير إذنه أو إذن وليِّه، أو ختَن صبيًّا بغير إذن وليِّه فتلِفَ= فقال أصحابنا: يضمَن لأنَّه تولَّد من فعلٍ غير مأذونٍ فيه. وإن أذن له البالغُ أو وليُّ الصَّبيِّ والمجنون لم يضمَن. ويحتمل أن لا يضمن مطلقًا لأنَّه محسِنٌ، وما على المحسنين من سبيلٍ. وأيضًا فإنَّه إن كان متعدِّيًا فلا أثر لإذن الوليِّ في إسقاط الضَّمان، وإن لم يكن متعدِّيًا فلا وجه لضمانه.

فإن قلت: هو متعدٍّ عند عدم الإذن، غير متعدٍّ عند الإذن. قلت: العدوان وعدمه إنَّما يرجع إلى فعله هو، فلا أثر للإذن وعدمه فيه. وهذا موضعُ نظر.

فصل

والطَّبيب في هذا الحديث يتناول من يطُبُّ بوصفه وقوله وهو الذي يُخَصُّ باسم «الطَّبائعيِّ» ، وبمِرْوَده وهو «الكحَّال» ، وبمِبْضَعِه ومَراهِمه وهو «الجرائحيُّ» ، وبمُوساه وهو «الخاتن» ، وبريشته وهو «الفاصد» ، وبمحاجمه ومِشْرَطه وهو «الحجَّام» ، وبخلعه ووصله ورباطه وهو «المجبِّر» ، وبمكواته وناره وهو «الكوَّاء» ، وبقِرْبته وهو «الحاقن» . وسواءٌ كان طبُّه لحيوانٍ بهيمٍ أو إنسانٍ، فاسمُ الطَّبيب لغةً يطلق على هؤلاء كلِّهم كما تقدَّم. وتخصيصُ النَّاس له ببعض أنواع الأطبَّاء عُرفٌ حادثٌ، كتخصيص لفظ الدَّابَّة بما يخصُّها به كلُّ قومٍ.

فصل

(1)

والطَّبيب الحاذق هو الذي يراعي في علاجه عشرين أمرًا:

أحدها: النَّظر في نوع المرض، من أيِّ الأمراض هو؟

(1)

لم أقف على مصدر المؤلف في هذا الفصل.

ص: 203

الثَّاني: النَّظر في سببه، من أيِّ شيءٍ حدث؟ والعلَّة الفاعلة الَّتي كانت سبب حدوثه ما هي؟

الثَّالث: قوَّة المريض، وهل هي مقاوِيةٌ

(1)

للمرض أو أضعف منه؟ فإن كانت مقاوِيةً للمرض مستظهرةً عليه تركها والمرضَ، ولم يحرِّك بالدَّواء ساكنًا.

الرَّابع: مزاج البدن الطَّبيعيُّ ما هو؟

الخامس: المزاج الحادث على غير المجرى الطَّبيعيِّ.

السَّادس: سنُّ المريض.

السَّابع: عادته.

الثَّامن: الوقت الحاضر من فصول السَّنة وما يليق به.

التَّاسع: بلد المريض وتربته.

العاشر: حال الهواء في وقت المرض.

الحادي عشر: النَّظر في الدَّواء المضادِّ لتلك العلَّة.

الثَّاني عشر: النَّظر في قوَّة الدَّواء ودرجته، والموازنة بينها وبين قوَّة المريض.

(1)

من المقاواة، وهي المغالبة والمقاومة. انظر:«الصحاح» (قوي). وكذا ورد في ف، س، ث، د؛ ويحتمله رسمه في حط، ن. وفي الموضع الآتي أيضًا كما أثبت في س، ث، د. وفي ف، حط، ل:«مقاومة» ، ورسمه في ن محتمل. وفي النسخ المطبوعة في الموضعين:«مقاومة» .

ص: 204

الثَّالث عشر: أن لا يكون كلُّ قصده إزالة تلك العلَّة فقط، بل إزالتها على وجهٍ يأمن معه حدوثَ أصعبَ منها. فمتى كان إزالتها لا يؤمَن

(1)

معها حدوثُ علَّةٍ أخرى أصعَب منها أبقاها على حالها، وتلطيفُها هو الواجب. وهذا كمرض أفواه العروق، فإنَّه متى عولج بقطعه وحبسه خيف حدوثُ ما هو أصعب منه.

الرَّابع عشر: أن يعالج بالأسهل فالأسهل. فلا ينتقل من العلاج بالغذاء إلى الدَّواء إلا عند تعذُّره، ولا ينتقل إلى الدَّواء المركَّب إلا عند تعذُّر الدَّواء البسيط. فمن حذقِ الطَّبيب علاجُه بالأغذية بدل الأدوية، وبالأدوية البسيطة بدل المركَّبة.

الخامس عشر: أن ينظر في العلَّة هل هي ممَّا يمكن علاجها أو لا؟ فإن لم يمكن علاجها حفِظَ صناعتَه وحُرمتَه، ولا يَحْمِلْه الطَّمع على علاجٍ لا يفيد شيئًا. وإن أمكن علاجها نظَر هل يمكن زوالها أم لا؟ فإن علِم أنَّه لا يمكن زوالُها نظَر هل يمكن تخفيفها وتقليلها أم لا؟ فإن لم يمكن تقليلها ورأى أنَّ غاية الإمكان إيقافها وقطع زيادتها قصَد بالعلاج ذلك، وأعان

(2)

القوَّةَ، وأضعفَ المادَّة.

السَّادس عشر: أن لا يتعرَّضَ للخِلْط قبل نضجه باستفراغٍ، بل يقصد إنضاجه. فإذا تمَّ نضجُه بادر إلى استفراغه.

السَّابع عشر: أن يكون له خبرةٌ باعتلال القلوب والأرواح وأدويتها.

(1)

ن: «يأمن» ، وكذا في النسخ المطبوعة.

(2)

د: «فأعان» .

ص: 205

وذلك أصلٌ عظيمٌ في علاج الأبدان، فإنَّ انفعال البدن وطبيعته

(1)

عن النَّفس والقلب أمرٌ مشهودٌ. والطَّبيب إذا كان عارفًا بأمراض القلب والرُّوح وعلاجها كان هو الطَّبيب الكامل. والَّذي لا خبرة له بذلك، وإن كان حاذقًا في علاج الطَّبيعة وأحوال البدن، نصفُ طبيبٍ. وكلُّ طبيب لا يداوي العليل بتفقُّد قلبه وصلاحه وتقوية أرواحه وقواه بالصَّدقة وفعل الخير والإحسان والإقبال على الله والدَّار الآخرة، فليس بطبيبٍ، بل متطبِّبٌ قاصرٌ. ومن أعظم علاجات المرض

(2)

: فعلُ الخير والإحسان والذِّكر والدُّعاء والتَّضرُّع والابتهال إلى اللَّه والتَّوبة. ولهذه الأمور تأثيرٌ في دفع العلل وحصول الشِّفاء أعظَمُ من الأدوية الطَّبيعيَّة، ولكن بحسب استعداد النَّفس وقبولها وعقيدتها في ذلك ونفعه.

الثَّامن عشر: التَّلطُّف بالمريض والرِّفق به كالتَّلطُّف بالصَّبيِّ.

التَّاسع عشر: أن يستعمل أنواع العلاجات الطَّبيعيَّة والإلهيَّة والعلاج بالتحيُّل

(3)

، فإنَّ لحذَّاق الأطبَّاء في التحيُّل أمورًا عجيبةً لا يصل إليها الدَّواء. فالطَّبيب الحاذق يستعين على المرض بكلِّ مُعِينٍ.

العشرون ــ وهو ملاك أمر الطَّبيب ــ: أن يجعل علاجه وتدبيره دائرًا على ستَّة أركانٍ

(4)

: حفظ الصِّحَّة الموجودة، وردّ الصِّحَّة المفقودة بحسب الإمكان، وإزالة العلَّة أو تقليلها بحسب الإمكان، واحتمال أدنى المفسدتين

(1)

د: «بطبيعته» .

(2)

ز، س، حط، ن:«المريض» .

(3)

كذا في جميع النسخ في الموضعين. وفي النسخ المطبوعة: «بالتخييل» .

(4)

المذكورة هنا خمسة إلا أن يعدَّ إزالة العلة وتقليلها ركنين.

ص: 206

لإزالة أعظمهما، وتفويت أدنى المصلحتين لتحصيل أعظمهما. فعلى هذه الأصول السِّتَّة مدار العلاج، وكلُّ طبيبٍ لا تكون هذه آخيَّتَه

(1)

الَّتي يرجع إليها، فليس بطبيبٍ. والله أعلم.

فصل

(2)

ولمَّا كان للمرض أربعة أحوالٍ: ابتداءٌ وصعودٌ وانتهاءٌ وانحطاطٌ، تعيَّن على الطَّبيب مراعاة كلِّ حالٍ من أحوال المرض بما يناسبها ويليق بها، ويستعمل في كلِّ حالٍ ما يجب استعماله فيها.

فإذا رأى في ابتداء المرض أنَّ الطَّبيعة محتاجة إلى ما يحرِّك الفضلات ويستفرغها لِنُضجها بادَرَ إليه. فإن فاته تحريك الطَّبيعة في ابتداء المرض لعائقٍ منَع من ذلك، أو لضعف القوَّة وعدم احتمالها للاستفراغ، أو لبرودة الفصل، أو لتفريطٍ وقع= فينبغي أن يحذر كلَّ الحذر أن يفعل ذلك في صعود المرض، لأنَّه إن فعَله تحيَّرت الطَّبيعة لاشتغالها بالدَّواء، وتخلَّت عن تدبير المرض ومقاومته بالكلِّيَّة. ومثاله: أن يجيء إلى فارسٍ مشغولٍ بمواقعة عدوِّه، فيشغله عنه بأمرٍ آخر. ولكنَّ الواجب في هذه الحال أن يعين الطَّبيعة على حفظ القوَّة ما أمكنه.

(1)

الآخيَّة في اللغة: عروة تثبت في أرض أو حائط وتربط فيها الدابة. وما جاء هنا مَثَلٌ مأخوذ من حديث أبي سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم: «مثل المؤمن ومثل الإيمان كمثل الفرس في آخيَّته، يجول ثم يرجع إلى آخيَّته. وإن المؤمن يسهو ثم يرجع إلى الإيمان» أخرجه الإمام أحمد (11526) وغيره. وقد استعمل المؤلف مثلَ الآخيَّة في غير موضع من كتبه. انظر مثلًا: «أعلام الموقعين» (1/ 441) و «اجتماع الجيوش الإسلامية» (ص 79).

(2)

لم أقف على مصدر المؤلف في هذا الفصل.

ص: 207

فإذا انتهى المرض ووقَف وسكَن أخَذ في استفراغه واستئصال أسبابه. فإذا أخذ في الانحطاط كان أولى بذلك. ومثال هذا: مثال العدوِّ إذا انتهت قوَّته وفرغ سلاحه كان أخذُه سهلًا. فإذا ولَّى وأخذ في الهرب كان أسهل أخذًا. وحدَّته وشوكته إنَّما هي في ابتدائه وحال استفراغه وُسْعَه وقوَّتَه

(1)

، فهكذا الدَّاء والدَّواء سواء.

فصل

(2)

ومن حذق الطَّبيب أنَّه حيث أمكن التَّدبير الأسهل

(3)

فلا يعدل إلى الأصعب. ويتدرَّج من الأضعف إلى الأقوى، إلا أن يخاف فوت القوَّة حينئذٍ فيجب أن يبتدئ بالأقوى. ولا يقيم في المعالجة على حالٍ واحدةٍ، فتألفها الطَّبيعة ويقلّ انفعالها عنه. ولا يجسر على الأدوية القويَّة في الفصول القويَّة. وقد تقدَّم أنَّه إذا أمكنه العلاج بالغذاء فلا يعالج بالدَّواء. وإذا أشكل عليه المرض أحارٌّ هو أم باردٌ، فلا يُقْدِم حتَّى يتبيَّن له. ولا يجرِّبه بما يخاف عاقبته ولا بأس بتجربته بما لا يضرُّ أثره.

وإذا اجتمعت أمراضٌ بدأ بما تخصُّه واحدةٌ من ثلاث خصالٍ:

إحداها: أن يكون برء الآخر موقوفًا على برئه، كالورم والقرحة فإنَّه يبدأ بالورم.

(1)

سقطت واو العطف من «وقوته» من ث، ل، د، فقرئ:«وسعة قوته» كما في النسخ المطبوعة.

(2)

لم أقف على مصدر المؤلف في هذا الفصل.

(3)

ن: «بالأسهل» ، وكذا في النسخ المطبوعة.

ص: 208