الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لمَّا كان الحريق سببه النَّار، وهي مادَّة الشَّيطان الَّتي خُلِق منها، وكان فيه من الفساد العامِّ ما يناسب الشَّيطان بمادِّته وفعله= كان للشَّيطان
(1)
إعانةٌ عليه وتنفيذٌ
(2)
له. وكانت النَّار تطلب بطبعها العلوَّ والفساد. وهذان الأمران ــ وهما العلوُّ في الأرض والفساد ــ هما هديُ الشَّيطان، وإليهما يدعو، وبهما يُهلِك بني آدم. فالنَّار والشَّيطان كلٌّ منهما يريد العلوَّ في الأرض والفساد، وكبرياءُ الرَّبِّ عز وجل تقمع الشَّيطان وفعله. فلهذا
(3)
كان تكبير الله عز وجل له أثرٌ في إطفاء الحريق، فإنَّ كبرياء الله عز وجل لا يقوم لها شيءٌ. فإذا كبَّر المسلم ربَّه أثَّر تكبيرُه في خمود النَّار وخمود الشَّيطان الَّتي
(4)
هي مادَّته، فطفئ
(5)
الحريق. وقد جرَّبنا نحن وغيرنا هذا فوجدناه كذلك. والله أعلم.
فصل
في هديه صلى الله عليه وسلم في حفظ الصّحَّة
لمَّا كان اعتدال البدن وصحَّته وبقاؤه إنَّما هو بواسطة الرُّطوبة المقاومة للحرارة، فالرُّطوبة مادَّته، والحرارةُ تُنضجها وتَدفع فضلاتها وتُصلحها وتُلطِّفها، وإلَّا أفسدت البدن، ولم يمكن قيامُه. وكذلك الرُّطوبة هي غذاء
(1)
ث، ل:«الشيطان» .
(2)
ز، ل، ن:«إعانةً عليه وتنفيذًا» .
(3)
ن: «ولهذا» .
(4)
كذا في جميع النسخ الخطية والمطبوعة، والعبارة قلقة، والسياق يقتضي:«الذي» .
(5)
يحتمل قراءة: «فطفَّى» على تسهيل الهمزة. وفي حط: «فتطفي» . وفي ن: «فيطفى» .
الحرارة، فلولا الرُّطوبة لأحرقت البدن وأيبسته وأفسدته. فقوامُ كلِّ واحدةٍ
(1)
منهما بصاحبتها، وقوامُ البدن بهما جميعًا.
وكلٌّ منهما مادَّةٌ للأخرى. فالحرارة مادَّةٌ للرُّطوبة تحفظها وتمنعها من الفساد والاستحالة. والرُّطوبة مادَّةٌ للحرارة تغذوها وتحملها. ومتى مالت إحداهما إلى الزِّيادة على الأخرى حصل لمزاج البدن الانحرافُ بحسب ذلك. فالحرارة دائمًا تحلِّل الرُّطوبة، فيحتاج البدن إلى ما
(2)
يُخْلِف عليه ما حلَّلته الحرارة ضرورةَ بقائه وهو الطَّعام والشَّراب. ومتى زاد على مقدار التَّحلُّل ضعفت الحرارة عن تحليل فضلاته، فاستحالت موادَّ رديَّةً فعاثت في البدن وأفسدت، فحصلت الأمراض المتنوِّعة بحسب تنوُّع موادِّها وقبول الأعضاء واستعدادها.
وهذا كلُّه مستفادٌ من قوله تعالى: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا} [الأعراف: 31]. فأرشد عباده إلى إدخال ما يقيم البدن من الطَّعام والشَّراب عوضَ ما تحلَّل منه، وأن يكون بقدر ما ينتفع به البدن في الكمِّيَّة والكيفيَّة، فمتى جاوز ذلك كان إسرافًا. وكلاهما مانعٌ من الصِّحَّة، جالبٌ للمرض، أعني: عدمَ الأكل والشُّرب، أو الإسراف
(3)
فيه. فحفظُ الصِّحَّة كلُّه في هاتين الكلمتين الإلهيَّتين.
ولا ريب أنَّ البدن دائمًا في التَّحلُّل والاستخلاف، وكلَّما كثر التَّحلُّل
(1)
ف، ز، س، د:«واحد» .
(2)
في ث، ل بعدها:«به» . وهي زيادة من بعض النساخ.
(3)
ث، ل:«والإسراف» .
ضعفت الحرارة لفناء مادَّتها؛ فإنَّ كثرة التَّحلُّل تفني الرُّطوبة، وهي مادَّة الحرارة، وإذا ضعفت الحرارة ضعف الهضم. ولا يزال كذلك حتَّى تفنى الرُّطوبة، وتنطفئ الحرارة جملةً، فيستكمل العبدُ الأجلَ الذي كتب الله له أن يصل إليه
(1)
.
فغاية علاج الإنسان لنفسه ولغيره حراسة البدن إلى أن يصل إلى هذه الحالة، لا أنَّه يستلزم بقاء الحرارة والرُّطوبة اللَّتين بقاءُ الشَّباب والصِّحَّة والقوَّة بهما، فإنَّ هذا ممَّا لم يحصل لبشرٍ في هذه الدَّار، وإنَّما غاية الطَّبيب أن يحمي الرُّطوبةَ عن مفسداتها من العفونة وغيرها، ويحمي الحرارةَ عن مُضْعِفاتها، ويعدل بينهما بالعدل في التَّدبير الذي به قام بدن الإنسان، كما أنَّ به قامت السَّماوات والأرض. وسائرُ المخلوقات إنَّما قوامها بالعدل.
ومن تأمَّل هدي النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم وجده أفضلَ هديٍ يمكن حفظُ الصِّحَّة به، فإنَّ حفظها موقوفٌ على حسن تدبير المطعم والمشرب والملبس، والمسكن والهواء والنَّوم واليقظة، والحركة والسُّكون، والمنكح والاستفراغ والاحتباس. فإذا حصلت هذه على الوجه المعتدل الموافق الملائم للبدن والبلد والسِّنِّ والعادة كان أقرب إلى دوام الصِّحَّة أو غلبتها إلى انقضاء الأجل.
ولمَّا كانت الصِّحَّة والعافية من أجلِّ نعمِ الله على عبده، وأجزلِ عطاياه وأوفرِ مِنَحِه، بل العافية المطلقة أجلُّ النِّعم على الإطلاق، فحقيقٌ لمن رُزِق حظًّا من التَّوفيق مراعاتُها وحفظُها وحمايتُها عمَّا يضادُّها.
(1)
قارن هذه الفقرة بكلام الحموي في كتابه (ص 216).
وقد روى البخاريُّ في «صحيحه»
(1)
من حديث ابن عبَّاسٍ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «نعمتان مغبونٌ فيهما كثيرٌ من النَّاس: الصِّحَّة والفراغ» .
وفي «الترمذي»
(2)
وغيره من حديث عبد الله
(3)
بن مِحْصَن الأنصاري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من أصبح مُعافًى في جسده، آمنًا في سِرْبه، عنده قوتُ يومه؛ فكأنَّما حِيزَت له الدُّنيا» .
وفي «الترمذي»
(4)
أيضًا من حديث أبي هريرة عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أنَّه قال: «أوَّل ما يُسْأل عنه العبدُ يوم القيامة من النَّعيم أن يقال له: ألم نُصِحَّ لك جسمَك، ونُرْوِك من الماء البارد؟» .
(1)
برقم (6412).
(2)
برقم (2346). وأخرجه أيضًا ابن ماجه (4141)، والحميديُّ (443)، والبخاريُّ في «الأدب المفرد» (300)، وغيرهم. قال التِّرمذيُّ:«حسن غريب» ، وليَّن إسناده العقيليُّ في «الضُّعفاء» (2/ 146)، وابن القطَّان في «الوهم والإيهام» (3/ 605)، وابن مُفلح في «الآداب الشَّرعيَّة» (2/ 353)، وقال البيهقيُّ في «الشُّعب» (13/ 10):«هو أصحُّ ما روي في الباب» . ولكن له شواهد قوَّاه بها الألبانيُّ في «السِّلسلة الصَّحيحة» (2318).
(3)
كذا في جميع النسخ الخطية والمطبوعة إلا نسخة (ن) وطبعة الرسالة، ففيهما:«عبيد الله» كما في «جامع الترمذي» . والمؤلف صادر عن كتاب الحموي (ص 228) وانظر مخطوطه (ق 62/أ) وفيه: «عبد الله» كما في الأصل وغيره.
(4)
برقم (3358) وقال: «غريب» ، ولفظ الحديث منقول من كتاب الحموي (ص 229). وأخرجه أيضًا الدِّينوريُّ في «المجالسة» (3018)، والطَّبراني في «الأوسط» (62)، وغيرهما. وصحَّحه ابن حبَّان (7364)، والحاكم (4/ 138)، وحسَّن إسناده ابن مُفلح في «الآداب الشَّرعيَّة» (2/ 353)، وهو في «السِّلسلة الصَّحيحة» (539).
ومن هاهنا قال من قال من السَّلف في قوله تعالى: {ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ
(1)
يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ} [التكاثر: 8] قال
(2)
: عن الصِّحَّة.
(3)
أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال للعباس: «يا عباسُ، يا عمَّ رسول اللَّه، سَلِ الله العافية في الدُّنيا والآخرة» .
وفيه
(4)
عن أبي بكرٍ الصِّدِّيق قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «سَلُوا الله اليقين والمعافاة، فما أوتي أحدٌ بعد اليقين خيرًا من العافية» . فجمع بين عافيتي الدِّين والدُّنيا. ولا يتمُّ صلاح العبد في الدَّارين إلا باليقين والعافية.
(1)
ما عدا حط: «ولتسألن» ، وقد أصلح بعضهم في ز، س، ث. وفي مخطوطة كتاب الحموي ــ وهو مصدر النقل ــ أيضًا:«ولتسألن» كما في الأصل وغيره.
(2)
في كتاب الحموي: «قال سعيد» يعني سعيد بن جُبير. وهذا أول أثر في التفسير المطبوع بعنوان «الجزء فيه تفسير القرآن ليحيى بن يمان و
…
برواية أبي جعفر الترمذي. وقد نقله يحيى بن اليمان بسنده من «تفسير سعيد» (ص 33).
(3)
بالأرقام (1766، 1767، 1783). وأخرجه أيضًا التِّرمذيُّ (3514)، والحميديُّ (461)، والبخاريُّ في «الأدب المفرد» (726)، والبزَّار (1312 - 1314)، وأبو يعلى (6696، 6697)، وغيرهم. قال التِّرمذيُّ:«هذا حديث صحيحٌ» ، وصحَّحه الضِّياء في «المختارة» (8/ 378 - 381)، وقوَّاه الألبانيُّ في «السِّلسلة الصَّحيحة» (4/ 29).
(4)
بالأرقام (5، 17، 34، 44). وأخرجه أيضًا النَّسائيُّ في «الكبرى» (10649 - 10658)، وابن ماجه (3849)، والبخاريُّ في «الأدب المفرد» (724)، والبزَّار (23، 24)، وأبو يعلى (121 - 124)، وغيرهم. وقد اختُلف في إسناده، ورجَّح الدَّارقطنيُّ في «العلل» (1/ 233) انقطاعه، وصحَّحه ابن حبَّان (950، 952)، والحاكم (1/ 529)، والبيهقيُّ في «الشُّعب» (12/ 418 - 419)، والضِّياء في «المختارة» (1/ 157، 162 - 164)، وحسَّنه ابن حجر في «الإمتاع» (ص 17).
فاليقين يدفع عنه عقوباتِ الآخرة، والعافيةُ تدفع عنه أمراض الدُّنيا في قلبه وبدنه.
وفي «سنن النَّسائيِّ»
(1)
من حديث أبي هريرة يرفعه: «سَلُوا الله العفو والعافية والمعافاة، فما أوتي أحدٌ بعد يقينٍ خيرًا من معافاةٍ» . وهذه الثَّلاثة تتضمَّن إزالة الشُّرورِ الماضيةِ بالعفو، والحاضرةِ بالعافية، والمستقبَلةِ بالمعافاة؛ فإنَّها تتضمَّن المداومة والاستمرار على العافية
(2)
.
وفي «الترمذي»
(3)
مرفوعًا: «ما سئل الله شيئًا أحبَّ إليه من العافية» .
وقال عبد الرَّحمن بن أبي ليلى عن أبي الدَّرداء قلت: يا رسول اللَّه، لأن أُعافى فأشكُرَ أحبُّ إليَّ من أن أُبتلَى فأصبِر. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«ورسول الله يحبُّ معك العافية»
(4)
.
(1)
هو في «السُّنن الكبرى» (10651) بهذا اللَّفظ، لكن من حديث أبي بكر الصِّدِّيق رضي الله عنه، وليس من حديث أبي هريرة رضي الله عنه. وأخرجه أيضًا بهذا اللَّفظ من حديث أبي بكر رضي الله عنه الطَّبراني في «مسند الشَّاميِّين» (579). وهذا أحد ألفاظ الحديث السَّابق.
(2)
انظر هذا التفسير في كتابه «عدة الصابرين» (ص 271) أيضًا.
(3)
بالرقمين (3515، 3548) من حديث ابن عمر رضي الله عنهما -. وأخرجه أيضًا ابن أبي شيبة (29796)، والدِّينوريُّ في «المجالسة» (1567)، والحاكم (1/ 497) وصحَّحه. قال التِّرمذيُّ:«هذا حديث غريبٌ، لا نعرفه إلَّا من حديث عبد الرَّحمن بن أبي بكر القرشيِّ، وهو ضعيف في الحديث، ضعَّفه بعض أهل العلم من قِبل حفظه» ، وبه ضعَّفه المنذريُّ في «التَّرغيب» (4/ 138)، وقال ابن حجر في «بذل الماعون» (ص 346):«صحَّحه الحاكم فوهم؛ فإنَّ في سنده ضعفًا» .
(4)
كتاب الحموي (ص 228). وقد أخرجه الطَّبراني في «الأوسط» (3102) وفي «الصَّغير» (304)، وأبو نعيم في «الطِّب النَّبوي» (112). وهذا حديث باطلٌ؛ في إسناده إبراهيم بن البراء، قال العقيليُّ في «الضُّعفاء» (1/ 45):«يحدِّث عن الثِّقات بالبواطيل» ، وقال ابن عديٍّ في «الكامل» (1/ 411):«أحاديثه التي ذكرتُها وما لم أذكرها كلُّها مناكير موضوعة، ومن اعتبر حديثَه علم أنَّه ضعيف جدًّا، وهو متروك الحديث» ، وبه ضعَّفه الهيثميُّ في «المجمع» (2/ 290)، وقال ابن حجر في «اللِّسان» (1/ 38):«حديثٌ منكر» ، وحكم الألبانيُّ في «السِّلسلة الضَّعيفة» (3982) بوضعه.
ويذكر عن ابن عبَّاسٍ أنَّ أعرابيًّا جاء إلى النبي
(1)
صلى الله عليه وسلم، فقال له
(2)
: ما أسأل الله بعد الصَّلوات الخمس؟ فقال: «سل الله العافية» . فأعاد عليه، فقال له في الثَّالثة:«سل الله العافية في الدُّنيا والآخرة»
(3)
.
وإذا كان هذا شأن العافية والصِّحَّة، فنذكر من هديه صلى الله عليه وسلم في مراعاة هذه الأمور ما يتبيَّن لمن نظَر فيه أنَّه أكمل هديٍ على الإطلاق، ينال به حفظ صحَّة البدن والقلب وحياة الدُّنيا والآخرة. والله المستعان، وعليه التُّكلان، ولا حول ولا قوَّة إلا باللَّه.
فصل
فأمَّا المطعم والمشرب، فلم يكن من عادته صلى الله عليه وسلم حبسُ النَّفس على نوعٍ واحدٍ من الأغذية، لا يتعدَّاه إلى ما سواه، فإنَّ ذلك يضرُّ بالطَّبيعة جدًّا وقد
(1)
ن: «رسول الله» ، وفي مصادر النقل والتخريج كما أثبت من الأصل وغيره.
(2)
«له» ساقط من س.
(3)
كتاب الحموي (ص 230). وقد أخرجه السَّرَّاج في «حديثه» (1314، 1913) وفي «مسنده» (861) من طريق إسرائيل، عن أبي يحيى، عن مجاهد، عن ابن عبَّاس به. وهذا إسناد ضعيف؛ فيه أبو يحيى وهو القتَّات الكوفيُّ، قال أحمد كما في «الجرح والتَّعديل» (3/ 433):«روى عنه إسرائيل أحاديث كثيرةً مناكير جدًّا» .
يتعذَّر عليها
(1)
أحيانًا. فإن لم يتناول غيره ضعُف أو هلك، وإن تناول غيره لم تقبله الطَّبيعة واستضرَّ به. فقصرُها على نوعٍ واحدٍ دائمًا، ولو أنَّه أفضلُ الأغذية، خطرٌ مُضِرٌّ.
بل كان يأكل ما جرت عادة أهل بلده بأكله، من اللَّحم والفاكهة والخبز والتَّمر وغيره ممَّا ذكرناه في هديه في المأكول، فعليك بمراجعته هاهنا.
وإذا كان في أحد الطَّعامين كيفيَّةٌ تحتاج إلى كسرٍ وتعديلٍ كسرَها وعدَّلها بضدِّها إن أمكن، كتعديله
(2)
حرارةَ الرُّطَب بالبطِّيخ. وإن لم يجد ذلك تناوَلَه على حاجةٍ وداعيةٍ من النَّفس من غير إسرافٍ، فلا تتضرَّر
(3)
به الطَّبيعة.
وكان إذا عافت نفسُه الطَّعامَ لم يأكله، ولم يحمِّلها إيَّاه على كرهٍ. وهذا أصلٌ عظيمٌ في حفظ الصِّحَّة. فمتى أكل الإنسان ما تعافه نفسه ولا تشتهيه كان تضرُّره به أكثر من انتفاعه.
قال أنس
(4)
: ما عاب رسول الله صلى الله عليه وسلم طعامًا قطُّ. إن اشتهاه أكله، وإلَّا تركه ولم يأكل منه.
(1)
س: «عليه» .
(2)
ن: «كتعديل» .
(3)
ما عدا الأصل (ف)، حط، ن:«ولا تتضرر» .
(4)
كذا في جميع النسخ الخطية والمطبوعة إلا طبعة الرسالة. وعزاه في «طريق الهجرتين» إلى عائشة. والصواب أنه من حديث أبي هريرة كما في «الوابل الصيب» للمؤلف (ص 339). أخرجه البخاري (3563) ومسلم (2064).
ولمَّا قُدِّم إليه الضَّبُّ المشويُّ لم يأكل منه. فقيل له: هو
(1)
حرامٌ؟ قال: «لا، ولكن لم يكن بأرض قومي. فأجدني أعافه» . فراعى عادته وشهوته. فلمَّا لم يكن يعتاد أكلَه بأرضه وكانت نفسُه لا تشتهيه أمسَك عنه. ولم يمنع مِن أكله مَن يشتهيه، ومَن عادتُه أكلُه.
وكان يحبُّ اللَّحمَ، وأحبُّه إليه الذِّراعُ ومقدَّمُ الشَّاة
(2)
، ولذلك سُمَّ فيه. وفي «الصَّحيحين»
(3)
: أُتي رسولُ الله صلى الله عليه وسلم بلحمٍ، فرُفِعَ إليه الذِّراعُ، وكانت تُعجبه.
وذكر أبو عبيد
(4)
وغيره عن ضُبَاعة بنت الزبير أنَّها ذبحت في بيتها شاةً
(1)
ز، ن:«أهو» .
(2)
أخرجه الطبرانيُّ في «الأوسط» (9480) عن ابن عمر رضي الله عنهما -: «كان أحبّ الشَّاة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم مقدَّمها» ، قال الهيثميُّ في «المجمع» (5/ 36):«فيه يحيى الحِمَّانيُّ وهو ضعيف» ، وفيه أيضًا شيخُه عبد الرَّحمن بن زيد بن أسلم وهو ضعيفٌ. وأخرجه عبد الرَّزَّاق (8771)، وأبو نعيم في «الطِّبِّ النَّبويِّ» (869)، عن مجاهد مرسلًا، قال البيهقيُّ في «الكبرى» (10/ 7):«هذا منقطع، ولا يصحُّ وصله» ، وقال النَّووي في «المجموع» (9/ 70):«مرسلٌ وهو ضعيفٌ» . وينظر: «السِّلسلة الضَّعيفة» (4160، 4292). وأخرجه البيهقيُّ في الدَّلائل (6/ 26) عن أسامة بن زيد رضي الله عنهما - في حديثٍ طويل، وفي إسناده معاوية بن يحيى الصَّدفيُّ ضعيفٌ.
(3)
البخاري (3340) ومسلم (194).
(4)
في «غريب الحديث» (1/ 315). وأخرجه أيضًا النَّسائيُّ في «الكبرى» (6624)، وأحمد (27031)، والطبراني في «الكبير» (24/ 337) وفي «الأوسط» (6040). قال ابن مُفلح في «الآداب الشَّرعيَّة» (2/ 365):«فيه الفضل بن الفضل، قال بعضهم: تفرَّد عنه أسامة بن زيد اللَّيثي» .
فأرسل إليها رسولُ الله صلى الله عليه وسلم أن «أَطْعِمينا من شاتكم» . فقالت للرَّسول: ما بقي عندنا إلا الرَّقبة، وإنِّي لأستحيي أن أُرسِل بها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. فرجع الرَّسول، فأخبره، فقال: «ارجع إليها، فقل لها: أرسلي بها، فإنَّها هادية الشَّاة وأقربُ الشاةِ
(1)
إلى الخير، وأبعدُها من الأذى».
ولا ريب أنَّ أخفَّ لحم الشَّاة: لحمُ الرَّقبة، ولحم الذِّراع والعضد. وهو أخفُّ على المعدة، وأسرع انهضامًا. وفي هذا مراعاة الأغذية الَّتي تجمع ثلاثة أوصافٍ
(2)
: كثرة نفعها وتأثيرها في القوى. الثَّاني: خفَّتها على المعدة وعدم ثقلها عليها. الثَّالث: سرعة هضمها. وهذا أفضل ما يكون من الغذاء، والتَّغذِّي باليسير من هذا أنفع من الكثير من غيره.
وكان يحبُّ الحلواء والعسل. وهذه الثَّلاثة ــ أعني: اللَّحم والعسل والحلواء ــ من أفضل الأغذية وأنفعها للبدن والكبد والأعضاء. وللاغتذاء بها نفعٌ عظيمٌ في حفظ الصِّحَّة والقوَّة، ولا ينفر منها إلا من به علَّةٌ وآفةٌ.
وكان يأكل الخبز مأدومًا ما وجَد له إدامًا. فتارةً يأدِمَه باللَّحم، ويقول:«هو سيِّد طعام أهل الدُّنيا والآخرة» . رواه ابن ماجه
(3)
وغيره. وتارةً
(1)
كلمة «الشاة» ساقطة من طبعتي عبد اللطيف ونشرة الرسالة وغيَّرها الفقي إلى «وأقربها» .
(2)
زاد الفقي بعده: «أحدها» ، وتبعته نشرة الرسالة.
(3)
برقم (3305) من حديث أبي الدَّرداء رضي الله عنه، ولفظه:«سيِّد طعام أهل الدُّنيا وأهل الجنَّة اللَّحمُ» . وأخرجه أيضًا ابن أبي الدُّنيا في «إصلاح المال» (185). وفي إسناده سليمان بن عطاء عن مسلمة بن عبد الله، قال ابن حبَّان في «المجروحين» (1/ 329): «سليمان شيخ يروي عن مسلمة
…
بأشياء موضوعة، لا تشبه حديث الثِّقات»؛ ولذا أورده ابن الجوزيِّ في «الموضوعات» (2/ 302)، وضعَّفه ابن كثير في «إرشاد الفقيه» (2/ 222)، والعراقيُّ في «المغني» (3/ 1428)، والسَّخاويُّ في «الأجوبة المرضية» (1/ 74)، وهو في «السِّلسلة الضَّعيفة» (3724). وفي الباب عن عليٍّ وصهيب بن سنان وربيعة بن كعب وبريدة وأنس، ولا يصحُّ منها شيء، قال العقيليُّ في «الضُّعفاء» (3/ 258):«لا يثبت في هذا المتن عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم شيء» .
بالبطِّيخ
(1)
. وتارةً بالتَّمر، فإنَّه وضع تمرةً على كِسْرةٍ
(2)
وقال: «هذه إدام هذه»
(3)
. وفي هذا من تدبير الغذاء أنَّ خبز الشَّعير باردٌ يابسٌ، والتَّمر حارٌّ رطبٌ، على أصحِّ القولين؛ فأَدْمُ خبز الشَّعير به من أحسن التَّدبير، لا سيَّما لمن تلك عادتهم كأهل المدينة. وتارةً بالخلِّ، ويقول:«نعمَ الإدامُ الخلُّ»
(4)
.
(1)
لم أقف على أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم كان يأدم الخبز بالبطِّيخ، وذكر السُّبكيُّ في «طبقات الشَّافعيَّة» (6/ 325) ضمن الأحاديث الَّتي لم يجد لها إسنادًا ممَّا وقع في «الإحياء» حديثَ:«كان يأكل البطِّيخ بالخبز والسُّكَّر» ، وقال العراقيُّ في «المغني» (2183):«أكل البطِّيخ بالخبز لم أره» . والَّذي ورد أنَّه صلى الله عليه وسلم كان يأكل البطِّيخ بالرُّطب، وسيأتي تخريجه.
(2)
أثبت الفقي: «كسرةِ شعير» ، بزيادة لفظ «شعير» ، وتابعته نشرة الرسالة ..
(3)
أخرجه أبو داود (3259، 3260، 3830)، والبخاريُّ في «التَّاريخ الكبير» (8/ 372)، والتِّرمذيُّ في «الشَّمائل» (184)، وغيرهم عن يوسف بن عبد الله بن سلام رضي الله عنه، وفي إسناده محمَّد بن أبي يحيى الأسلميُّ وهو متروك، في عللٍ أُخرَى، قال ابن حبَّان في «الثِّقات» (3/ 446):«لستُ بالمعتمد على إسناد خبر يوسف» ، وبذلك يُعلم ما في تصحيح الإشبيليِّ في «الأحكام الصُّغرى» (2/ 793) وتحسين ابن حجر في «الفتح» (11/ 571) لإسناد هذا الحديث، وهو في «السِّلسلة الضَّعيفة» (4737). وأخرجه الطَّبرانيُّ في «الصَّغير» (882) عن زيد بن ثابت رضي الله عنه، قال الهيثميُّ في «المجمع» (5/ 41):«فيه محمَّد بن كثير بن مروان وهو ضعيف» . وأخرجه الطَّبراني في «الأوسط» (8602) عن عائشة رضي الله عنها، قال الهيثميُّ:«فيه هارون بن محمَّد أبو الطَّيِّب وهو كذَّاب» .
(4)
أخرجه مسلم (2052) من حديث جابر رضي الله عنه.
وهذا ثناءٌ عليه بحسب مقتضى الحال الحاضر، لا تفضيلٌ له على غيره، كما يظنُّ الجهَّال. وسبب الحديث أنَّه دخل على أهله يومًا، فقدَّموا له خبزًا، فقال: «هل عندكم من أُدُمٍ
(1)
؟». قالوا: ما عندنا إلا خلٌّ، فقال: «نعم الأُدُم
(2)
الخلُّ».
والمقصود: أنَّ أكل الخبز مأدومًا من أسباب حفظ الصِّحَّة، بخلاف الاقتصار على أحدهما وحده. وسمِّي الأُدُم أُدُمًا لإصلاحه الخبز وجعلِه ملائمًا لحفظ الصِّحَّة. ومنه قوله في إباحته للخاطب النَّظر:«إنَّه أحرى أن يُؤْدَم بينهما»
(3)
. أي أقرب إلى الالتئام والموافقة، فإنَّ الزَّوج يدخل على بصيرةٍ، فلا يندم.
وكان يأكل من فاكهة بلده عند مجيئها، ولا يحتمي عنها. وهذا أيضًا من أكبر أسباب حفظ الصِّحَّة، فإنَّ الله سبحانه بحكمته جعل في كلِّ بلدةٍ من الفاكهة ما ينتفع به أهلُها في وقته، فيكون تناولُه من أسباب صحَّتهم وعافيتهم ويغني عن كثيرٍ من الأدوية. وقلَّ من احتمى عن فاكهة بلده خشيةَ السَّقم إلا
(1)
في النسخ المطبوعة: «إدام» .
(2)
ما عدا الأصل (ف): «الإدام» .
(3)
أخرجه التِّرمذي (1087)، والنَّسائي (3235)، وابن ماجه (1866)، وأحمد (18137، 18154)، والدَّارمي (2343)، وغيرهم من حديث بكر المزني، عن المغيرة رضي الله عنه. وفي إسناده اختلاف، وفي سماع بكر من المغيرة خلاف، وقال التِّرمذيُّ:«هذا حديث حسن» ، وكذا قال البغويُّ في «شرح السنة» (9/ 17)، وصحَّحه ابن الجارود (675)، وابن القطَّان في «أحكام النَّظر» (ص 387)، وابن دقيق العيد في «الإلمام» (2/ 623)، وابن الملقِّن في «البدر المنير» (7/ 503)، والبوصيريُّ في «المصباح» (2/ 101)، وهو في «السِّلسلة الصَّحيحة» (96).