الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ويضاف إلى هذه الأوقات الخمسة: النهي عن صلاة النافلة بعد طلوع الفجر الثاني؛ لحديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((لا صلاة بعد الفجر إلا سجدتين)) (1)، ويفسر ذلك لفظ أبي داود، عن يسار مولى ابن عمر قال: رآني ابن عمر وأنا أصلي بعد طلوع الفجر، فقال: يا يسار إن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج علينا ونحن نصلي هذه الصلاة فقال: ((ليبلغ شاهدكم غائبكم لا تصلوا بعد الفجر إلا سجدتين)) (2).
ثانياً: الصلوات ذوات الأسباب في أوقات النهي:
الصلوات ذوات الأسباب في أوقات النهي، اختلف العلماء - يرحمهم الله - هل تؤدى في الأوقات التي نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الصلاة فيها أم لا تفعل؟ والصواب من ذلك أنها مخصوصة بالاستثناء في أوقات النهي، قال الإمام النووي رحمه الله بعد أن ذكر أحاديث النهي: ((في أحاديث الباب نهيه صلى الله عليه وسلم عن الصلاة بعد العصر حتى تغرب الشمس، وبعد الصبح حتى تطلع الشمس، وبعد طلوعها حتى ترتفع، وعند استوائها حتى تزول، وعند اصفرارها حتى تغرب، وأجمعت الأمة على كراهة صلاة لا سبب لها في هذه الأوقات، واتفقوا على جواز الفرائض المؤداة فيها، واختلفوا في النوافل التي لها سبب كصلاة: تحية المسجد، وسجود
التلاوة، والشكر، وصلاة العيد، والكسوف، وفي صلاة الجنازة، وقضاء الفوائت. ومذهب الشافعي وطائفة جواز ذلك كله بلا كراهة، ومذهب أبي حنيفة وآخرين أنه داخل في النهي لعموم الأحاديث، واحتج الشافعي وموافقوه بأنه ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى سنة الظهر بعد العصر، وهذا صريح
(1) الترمذي، كتاب الصلاة، باب ما جاء لا صلاة بعد طلوع الفجر إلا ركعتين، برقم 419، واللفظ له، وأبو داود، كتاب التطوع، باب من رخص فيهما إذا كانت الشمس مرتفعة، برقم 1278، وابن ماجه، المقدمة، باب من بلغ علماً، برقم 235، وأحمد 2/ 104، وعبد الرزاق في المصنف، 3/ 53، برقم 4760، بلفظ:((لا صلاة بعد طلوع الفجر إلا ركعتي الفجر))، وصححه الألباني في صحيح أبي داود، 1/ 238، وصحيح الترمذي، 1/ 133، وفي الإرواء، برقم 478.
(2)
سنن أبي داود، برقم 1278، وتقدم تخريجه في الذي قبله.
في قضاء السنة الفائتة فالحاضرة أولى، والفريضة المقضيَّة أولى وكذا الجنازة)) (1). واختار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله أن ذوات الأسباب تفعل في أوقات النهي، وقال: ((
…
وهذا أصح قولي العلماء وهو مذهب الشافعي وأحمد في إحدى الروايتين عنه)) (2).
وقال سماحة الإمام ابن باز رحمه الله على قول من قال: ((يُحْمَل النهي على ما لا سبب له ويخص منه ما له سبب جمعاً بين الأدلة)) (3): ((وهذا القول هو أصح الأقوال، وهو مذهب الشافعي وإحدى الروايتين عن أحمد، واختاره شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه العلامة ابن القيم، وبه تجتمع الأخبار والله أعلم)) (4).
ومما يدل على استثناء الصلوات ذوات الأسباب حديث جبير بن مطعم رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((يا بني عبد منافٍ لا تمنعوا أحداً طاف بهذا البيت وصلى، أيةَ ساعةٍ شاء من ليلٍ أو نهار)) (5).
وحديث يزيد بن الأسود رضي الله عنه قال: شهدت مع النبي صلى الله عليه وسلم حجته، فصليت معه صلاة الصبح في مسجد الخَيف، فلما قضى صلاته انحرف فإذا هو برجلين في أُخْرى القوم لم يصليا معه فقال:((عليَّ بهما)) فجيء بهما
(1) شرح صحيح مسلم،6/ 358،وتعقب الحافظ ابن حجر في فتح الباري،2/ 59 مسألة الإجماع، فقد حكي عن طائفة من السلف الإباحة مطلقاً، وأن أحاديث النهي منسوخة، وعن طائفة أخرى المنع مطلقاً.
(2)
مجموع فتاوى شيخ الإسلام، 23/ 210، وانظر: المختارات الجلية للمسائل الفقهية، للعلامة عبد الرحمن السعدي، ص51.
(3)
انظر: فتح الباري لابن حجر، 2/ 59.
(4)
حاشية ابن باز على فتح الباري، 2/ 59، وانظر: مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية، 23/ 178 - 222.
(5)
أبو داود، كتاب المناسك، باب الطواف بعد العصر، برقم 1894، والترمذي، باب ما جاء في الصلاة بعد العصر، وبعد الصبح لمن يطوف، برقم 868، والنسائي، كتاب المناسك، باب إباحة الطواف في كل الأوقات، برقم 2924، وابن ماجه، كتاب إقامة الصلاة، باب ما جاء في الرخصة في الصلاة بمكة في كل وقت، برقم 1254، وسمعت الإمام ابن باز يقول: إسناده جيد، وذلك أثناء تقريره على سنن النسائي، الحديث رقم 2924،وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود،1/ 354.
ترعد فرائصُهُما (1) فقال: ((ما منعكما أن تصليا معنا؟)) فقالا: يا رسول الله، إنا كنا قد صلينا في رحالنا، قال:((فلا تفعلا، إذا صليتما في رحالكما ثم أتيتما مسجد جماعة فصلّيا معهم، فإنها لكما نافلة)) (2). وفي لفظ لأبي داود: ((إذا صلى أحدكم في رحله ثم أدرك الإمام ولم يصل فليصل معه؛ فإنها له نافلة)) (3).
وعن أبي ذر رضي الله عنه قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((كيف أنت إذا كانت عليك أمراء يؤخرون الصلاة عن وقتها، أو يميتون الصلاة عن وقتها؟)) (4) قال، قلت: فما تأمرني؟ قال: ((صلّ الصلاة لوقتها فإن أدركتها معهم فصلّ فإنها لك نافلة [ولا تقل إني قد صليت فلا أصلي])) (5).
قال الإمام النووي رحمه الله: ((وفي هذا الحديث أنه لا بأس بإعادة الصبح والعصر والمغرب كباقي الصلوات؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أطلق الأمر بإعادة الصلاة ولم يفرق بين صلاة وصلاة وهذا هو الصحيح)) (6).
وعن محجن أنه كان في مجلس مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأذن بالصلاة، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم رجع ومحجن في مجلسه، فقال رسول صلى الله عليه وسلم:((ما منعك أن تصلي؟ ألست برجل مسلم؟)) قال: بلى ولكني كنت قد صليت في أهلي،
(1) ترعد فرائصهما: تتحرك فرائصهما، والفريضة لحمة بين الكتف والجنب ترجف عند الخوف. انظر: نيل الأوطار للشوكاني، 2/ 297.
(2)
الترمذي واللفظ له، كتاب الصلاة، باب ما جاء في الرجل يصلي وحده، ثم يدرك الجماعة، برقم 219، وأبو داود، كتاب الصلاة، باب فيمن صلى في منزله ثم أدرك الجماعة يصلي معهم، برقم 575، والنسائي، كتاب الإمامة، باب إعادة الفجر في جماعة لمن صلى وحده، برقم 858، وصححه الألباني في صحيح سنن النسائي، 1/ 186.
(3)
سنن أبي داود، برقم 575، وتقدم تخريجه في الذي قبله.
(4)
يميتون الصلاة: يؤخرونها فيجعلونها كالميت الذي خرجت روحه، والمراد بتأخيرها عن وقتها: أي عن وقتها المختار. شرح النووي على صحيح مسلم، 5/ 153.
(5)
-مسلم، كتاب المساجد، باب كراهة تأخير الصلاة عن وقتها المختار وما يفعله المأموم إذا أخرها الإمام، برقم648.
(6)
شرح النووي على صحيح مسلم، 5/ 154.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إذا جئت فصلّ مع الناس وإن كنت قد صليت)) (1).
وهذه الأحاديث وما في معناها تدل على مشروعية الدخول مع الجماعة بنية التطوع لمن كان قد صلى تلك الصلاة، وإن كان الوقت وقت كراهة، للتصريح في حديث يزيد بن الأسود بأن ذلك كان في صلاة الصبح؛ ولأن النبي صلى الله عليه وسلم أطلق الأمر بإعادة الصلاة في حديث أبي ذر وحديث محجن، ولم يفرق صلى الله عليه وسلم بين صلاة وصلاة، فتكون هذه الأحاديث مخصصة لعموم الأحاديث القاضية بكراهة الصلاة في أوقات النهي (2).
وأما حديث أم سلمة رضي الله عنها الذي قالت فيه: ((صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم دخل بيتي فصلى ركعتين، فقلت: يا رسول الله، صليت صلاة لم تكن تصليها؟ فقال: ((قدم عليَّ مال فشغلني عن الركعتين كنت أركعهما بعد الظهر فصليتهما الآن)) فقلت: يا رسول الله، أنقضيهما إذا فاتتا؟ قال:((لا)) (3)، فهذا من خصائص النبي صلى الله عليه وسلم، قال الصنعاني رحمه الله:((والحديث دليل على ما سلف من أن القضاء في ذلك الوقت كان من خصائصه صلى الله عليه وسلم)) (4).
وسمعت الإمام عبد العزيز ابن باز رحمه الله يقول عن هذا الحديث: ((سنده جيد ويدل على أنه من خصائصه صلى الله عليه وسلم، وهناك من أهل العلم من يقول: تقضى، والصحيح أنها من خصائصه صلى الله عليه وسلم)) (5).
ويجوز قضاء الفرائض في أوقات النهي؛ لحديث أنس بن مالك رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((من نسي صلاة فليصلّها إذا ذكرها لا كفارة لها إلا
(1) النسائي، كتاب الإمامة، باب إعادة الصلاة مع الجماعة بعد صلاة الرجل نفسه، برقم 857، وصححه الألباني في صحيح النسائي، 1/ 186،وفي صحيح الجامع برقم 480، وفي الإرواء، برقم 534.
(2)
انظر: نيل الأوطار للشوكاني، 2/ 298.
(3)
أحمد في المسند، 6/ 315، وسمعت سماحة الإمام عبد العزيز ابن باز رحمه الله أثناء تقريره على بلوغ المرام، الحديث رقم 188 يقول:((سنده جيد)).
(4)
سبل السلام، 2/ 52، وانظر: نيل الأوطار للشوكاني، 2/ 262.
(5)
سمعته أثناء تقريره على بلوغ المرام، الحديث رقم 188.
ذلك)). وفي رواية لمسلم: ((من نسي صلاة أو نام عنها فكفارتها أن يصليها إذا ذكرها)) (1).
والذي اتضح من الأحاديث التي مضت جواز صلاة ذوات الأسباب في أوقات النهي ومنها:
قضاء الفوائت، والصلاة المعادة مع الجماعة، وتحية المسجد، وسجود التلاوة وسجود الشكر، وصلاة الكسوف، وصلاة الطواف بالبيت، وصلاة الجنازة بعد العصر وبعد الفجر، وصلاة نصف النهار في المسجد يوم الجمعة للمأمومين حتى يخرج الإمام، وسنة الوضوء، وصلاة الاستخارة إذا كان الذي يستخير له يفوت إذا أخره، وصلاة التوبة، وقضاء سنة الفجر بعدها (2)، ولكن لا يُصلي على الجنائز ولا يقبر الموتى في أوقات النهي المضيَّقة: عند الغروب، وعند الشروق، وعندما تكون الشمس في وسط السماء؛ لحديث عقبة بن عامر رضي الله عنه قال:((ثلاث ساعات كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهانا أن نصلي فيهن أو نقبر فيها موتانا: حين تطلع الشمس بازغة حتى ترتفع، وحين يقوم قائم الظهيرة حتى تميل الشمس، وحين تضيَّف الشمس للغروب حتى تغرب)) (3).
وعن أبي سعيد رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أبصر رجلاً يصلي وحده، فقال:
((ألا رجل يتصدَّق على هذا فيصلي معه)) (4).وذكر ابن تيمية رحمه الله
(1) متفق عليه: البخاري برقم 597، ومسلم، برقم 684، وتقدم تخريجه.
(2)
جميع هذه الصلوات ذوات الأسباب ذكرها شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى،
23/ 259 - 261 و23/ 178 - 221، وذكر كثيراً منها سماحة الإمام ابن باز في مجموع فتاوى ومقالات متنوعة، 11/ 286 - 295 و11/ 384.
(3)
مسلم، برقم 831، وتقدم تخريجه.
(4)
أبو داود، كتاب الصلاة، باب في الجمع في المسجد، برقم574، والترمذي، كتاب الصلاة، باب ما جاء في الجماعة في مسجد قد صُلّي فيه، برقم 220، وأحمد، 3/ 45، 5/ 45، والحاكم، 1/ 209، وابن حبان، 6/ 257، برقم 2397 - 2399، وأبو يعلى، 2/ 321، برقم 1057،وصححه الألباني في إرواء الغليل، 2/ 613 برقم 535.
-: أن هذا الحديث مما جاء في الإعادة لسبب، ثم قال:((فهنا هذا المتصدق قد أعاد الصلاة ليحصل لذلك المصلي فضيلة الجماعة، ثم الإعادة المأمور بها مشروعة عند الشافعي، وأحمد، ومالك وقت النهي، وعند أبي حنيفة لا تشرع وقت النهي)) (1)، والله عز وجل أعلم (2).
(1) مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية، 23/ 261، وينظر: 23/ 259، وانظر: نيل الأوطار للشوكاني، 2/ 380، والمغني لابن قدامة 2/ 515، 517، 519، 531،533،والمختارات الجلية في المسائل الفقهية، للعلامة السعدي، ص50 - 51، والشرح للعلامة ابن عثيمين، 4/ 175 - 176.
(2)
انظر: الأمور التي تفارق فيها النوافل الفرائض في الشرح الممتع للعلامة ابن عثيمين 4/ 184 - 187، فقد ذكر واحداً وثلاثين فرقاً.