الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الثامن عشر: درجات الخشوع في الصلاة
الخشوع الكامل في الصلاة: في القراءة فيها، والأدعية، والأذكار يكون على ثلاث درجات على النحو الآتي:
الدرجة الأولى: قراءتها والتلفظ بها مع استحضار معانيها
، وهذه الدرجة أدنى ما يُجزِئ من الخشوع الكامل، فقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم بكى وهو يصلّي صلاة الليل، فقال بلال رضي الله عنه: يا رسول الله لِمَ تبكي، وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟ قال:((أفلا أكون عبداً شكوراً، لقد نزلت علي الليلة آية، ويلٌ لمن قرأها ولم يتفكَّر فيها: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآَيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ} (1))) (2).
قال عبد الرحمن بن سليمان: سألت الأوزاعي عن أدنى ما يتعلّق المتعلّق وينجيه من هذا الويل؟ فأطرق هُنية، ثم قال:((يقرؤهنّ وهو يعقلهنّ)) (3).
وذلك أن من لم يعقل ما يقول، وسها بتفكيره عن معنى ما يقوله، فقد خرج من الخشوع إلى الغفلة، ومما يدلّ على ذلك حديث عثمان رضي الله عنه: أنه توضأ وضوءاً كاملاً ثم قال: ((رأيت النبي صلى الله عليه وسلم توضأ نحو وضوئي هذا، وقال: ((من توضأ نحو وضوئي هذا، ثم صلّى ركعتين لا يحدّث
(1) سورة آل عمران: الآية، 190.
(2)
ابن حبان في صحيحه، برقم 620، وقال الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة، برقم 68:((وهذا إسناد جيد))، وتقدم تخريجه في خشوع النبي صلى الله عليه وسلم وبكائه في صلاة الليل.
(3)
أخرجه ابن أبي الدنيا في التفكر كما ذكر السيوطي في الدر المنثور، 2/ 409، والمناوي في الفتح السماي، 1/ 205 دون إشارة إلى كتاب ابن أبي الدنيا، وعزاها الكتاني إلى ابن أبي الدنيا في التفكر، نظم المتناثر، ص 244، وانظر: كيف تخشع في الصلاة، لمجدي أبو عريش، ص 19.
فيهما نفسه، غفر الله له ما تقدَّم من ذنبه)) (1).
وعن عقبة بن عامر رضي الله عنه: أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ((ما من مسلم يتوضأ فيحسن وضوءه، ثم يقوم فيصلّي ركعتين مقبلٌ عليهما بقلبه ووجهه، إلا وجبت له الجنة)) (2).
ويُؤكّد ذلك قول ابن عباس رضي الله عنهما: ((ليس لك من صلاتك إلا ما عقلت منها)) (3).
ومما يدل على حضور القلب مع القول قول النبي صلى الله عليه وسلم: ((أسعد الناس بشفاعتي يوم القيامة من قال: لا إله إلا الله خالصاً من قلبه أو نفسه)) (4)، وفيه حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه في فضل إجابة المؤذن، وفيه: ((
…
إذا قال المؤذن: الله أكبر، فقال أحدكم: الله أكبر، الله أكبر
…
)) إلى قوله: ((
…
ثم قال: لا إله إلا الله، قال: لا إله إلا الله من قلبه دخل الجنة)) (5)، فهذا والله تعالى أعلم: أدنى الخشوع الكامل: أن يقرأ الآيات والأذكار متفَهّماً لمعانيها، وكذلك أذكار الصلاة: كأذكار الركوع، والرفع منه، وأذكار السجود، والجلسة بين السجدتين، وغير ذلك من أذكار الصلاة، وأدنى
(1) متفق عليه: البخاري، برقم 136، ومسلم، برقم 246، وتقدم تخريجه في فضائل الخشوع في الصلاة.
(2)
مسلم، برقم 234، وتقدم تخريجه في فضائل الخشوع في الصلاة.
(3)
ذكر المناوي في التيسير شرح الجامع الصغير، 1/ 793، أن حديث:((ليس للمرء من صلاته إلا ما عقل)) أن الحكيم الترمذي أخرجه في نوادر الأصول، وإسناده ضعيف، وقال العراقي في تخريج إحياء علوم الدين، 1/ 309 أنه لم يجده مرفوعاً، وذكر الألباني في السلسلة الضعيفة، 14/ 1206، برقم 6941 أن الحديث لا أصل لله مرفوعاً، وأنه صح موقوفاً عن بعض السلف، وأن هذا الصحيح الموقوف أخرجه أبو نعيم في الحلية، 7/ 61 من كلام سفيان الثوري. وأما أثر ابن عباس فهو في مدارج السالكين، 1/ 525، وعدة من كتب الإمامين ابن القيم، وابن تيمية رحمهما الله.
(4)
البخاري، كتاب العلم باب، الحرص على الحديث، برقم 99.
(5)
مسلم كتاب الصلاة، باب استحباب القول مثل قول المؤذن لمن سمعه
…
، برقم 385.