الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقد بين الله عز وجل: أن بذكره تطمئن القلوب، فقال سبحانه:{الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} (1).
وأعظم الذكر: القرآن الكريم، قال الله تعالى:{اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ} (2).
ومن ذِكْر الله تعالى الدعاء؛ فإن الدعاء لغة: الطلب والابتهال: يُقال: دعوتُ الله أدعوه دعاءً: ابتهلت إليه بالسؤال ورغبت فيما عنده من الخير (3) ودعا الله: طلب منه الخير ورجاه منه، ودعا لفلان: طلب الخير له، ودعا على فلان: طلب له الشر (4).
والدعاء: سؤال العبد ربه على وجه الابتهال، وقد يطلق على التقديس والتحميد ونحوهما (5).
ف
الدعاء نوعٌ من أنواع الذكر؛ فإن الذكر ثلاثة أنواع:
النوع الأول: ذكر أسماء الله وصفاته ومعانيها والثناء على الله بها، وتوحيد الله بها وتنزيهه عما لا يليق به. وهو نوعان أيضاً:
أإنشاء الثناء عليه بها من الذاكر وهذا النوع هو المذكور في الأحاديث نحو: ((سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر)).
(1) سورة الرعد الآية: 28.
(2)
سورة الزمر، الآية:23.
(3)
المصباح المنير 1/ 194.
(4)
المعجم الوسيط1/ 268.
(5)
القاموس الفقهي لغة واصطلاحاً ص 131.
ب الخبر عن الرب تعالى بأحكام أسمائه وصفاته نحو قولك: الله عز وجل على كل شيء قدير، وهو أفرح بتوبة عبده من الفاقد لراحلته، وهو يسمع أصوات عباده، ويرى حركاتهم، ولا تخفى عليه خافية من أعمالهم، وهو أرحم بهم من أمهاتهم وآبائهم.
النوع الثاني: ذكر الأمر، والنهي، والحلال والحرام، وأحكامه فيعمل بالأمر ويترك النهي، ويُحرّمُ الحرامَ ويُحلُّ الحلالَ، وهو نوعان أيضاً:
أذكره بذلك إخباراً عنه بأنه أمر بكذا ونهى عن كذا، وأحب كذا، وسخط كذا، ورضي كذا.
ب ذكره عند أمره فيبادر إليه ويعمل به، وعند نهيه فيهرب منه ويتركه.
النوع الثالث: ذكر الآلاء والنعماء والإحسان، وهذا أيضاً من أجَلّ أنواع الذكر، فهذه خمسة أنواع.
وهي تكون ثلاثة أنواع أيضاً:
أ- ذكرٌ يتواطأ عليه القلب واللسان، وهو أعلاها.
ب- ذكرٌ بالقلب وحده، وهو في الدرجة الثانية.
ج- ذكرٌ باللسان المجرد، وهو في الدرجة الثالثة (1).
ومفهوم الذكر: هو التخلص من الغفلة والنسيان، والغفلة: هي تركٌ باختيار الإنسان، والنسيان تركٌ بغير اختياره.
والذكر على ثلاث درجات:
1 -
الذكر الظاهر: ثناءً على الله تعالى كقول: ((سبحان الله والحمدلله ولا إله إلا الله والله أكبر)).
أو ذكر دعاء: نحو: {قَالَا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا
(1) مدارج السالكين لابن القيم، 2/ 430، و1/ 23، والوابل الصيب لابن القيم، ص 178 - 181.
لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} (1). ونحو قوله: ((يا حي يا قيوم برحمتك أستغيث)). ونحو ذلك.
أو ذكر رعاية: مثل قول القائل: الله معي، الله ينظر إليَّ، الله شاهدي، ونحو ذلك مما يستعمل لتقوية الحضور مع الله، وفيه رعاية لمصلحة القلب، ولحفظ الأدب مع الله والتحرز من الغفلة، والاعتصام بالله من الشيطان وشر النفس.
والأذكار النبوية تجمع الأنواع الثلاثة، فإنها تضمنت الثناء على الله، والتعرض للدعاء والسؤال، والتصريح به. وهي متضمنة لكمال الرعاية، ومصلحة القلب، والتحرز من الغفلات، والاعتصام من الوساوس والشيطان.
2 -
الذكر الخفي: وهو الذكر بمجرد القلب والتخلص من الغفلة، والنسيان، والحجب الحائلة بين القلب وبين الرب سبحانه، وملازمة الحضور بالقلب مع الله كأنه يراه.
3 -
الذكر الحقيقي: وهو ذكر الله تعالى للعبد (2): {فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُواْ لِي وَلَا تَكْفُرُونِ} (3).
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: أَنَا عِنْدَ ظَنّ عَبْدِي بِي، وَأَنَا مَعَهُ إِذَا ذَكَرَنِي، فَإِنْ ذَكَرَنِي فِي نَفْسِهِ ذَكَرْتُهُ فِي نَفْسِي، وَإِنْ ذَكَرَنِي فِي مَلَإٍ ذَكَرْتُهُ فِي مَلَإٍ خَيْرٍ مِنْهُمْ، وَإِنْ تَقَرَّبَ إِلَيَّ ِشِبْراً تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ ذِرَاعًا، وَإِنْ تَقَرَّبَ إِلَيَّ ذِرَاعًا تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ بَاعًا، وَإِنْ أَتَانِي يَمْشِي أَتَيْتُهُ هَرْوَلَةً)) (4).
(1) سورة الأعراف، الآية:23.
(2)
مدارج السالكين، 2/ 434 - 435.
(3)
سورة البقرة، الآية:152.
(4)
متفق عليه: البخاري واللفظ له، كتاب التوحيد، باب قول الله تعالى:{وَيُحَذّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ} ، برقم 7405، ومسلم، كتاب البر والصلة والآداب، باب كتاب الذكر والدعاء والتوبة
…
، برقم 2675، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
3 -
ترك الذنوب والتوبة منها؛ فإن كثرة الذنوب من أعظم أسباب قساوة القلوب، والحذر منها والابتعاد عنها من أعظم أسباب السلامة، قال الله تعالى:{كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} (1)، وقال النبي صلى الله عليه وسلم:((تُعْرَضُ الْفِتَنُ عَلَى الْقُلُوبِ كَالْحَصِيرِ عُودًا عُودًا، فَأَيُّ قَلْبٍ أُشْرِبَهَا نُكِتَ فِيهِ نُكْتَةٌ سَوْدَاءُ، وَأَيُّ قَلْبٍ أَنْكَرَهَا نُكِتَ فِيهِ نُكْتَةٌ بَيْضَاءُ حَتَّى تَصِيرَ عَلَى قَلْبَيْنِ: عَلَى أَبْيَضَ مِثْلِ الصَّفَا، فَلَا تَضُرُّهُ فِتْنَةٌ مَا دَامَتِ السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ، وَالْآخَرُ أَسْوَدُ مُرْبَادًّا (2) كَالْكُوزِ مُجَخّيًا (3) لَا يَعْرِفُ مَعْرُوفًا وَلَا يُنْكِرُ مُنْكَرًا إِلَّا مَا أُشْرِبَ مِنْ هَوَاهُ)) (4).
قال الإمام ابن المبارك رحمه الله:
رأيتُ الذنوب تُميت القلوب
…
ويُورث الذُّلُّ إدمانها
وترك الذنوب حياة القلوب
…
وخير لنفسك عصيانها (5)
قال عبد الله بن عباس رضي الله عنهما: ((إن للحسنة: ضياءً في الوجه، ونوراً في القلب، وسعةً في الرزق، وقوةً في البدن، ومحبة في قلوب الخلق، وإنّ للسيئة: سواداً في الوجه، وظلمة في القلب، ووهناً في البدن، ونقصاً في الرزق، وبغضةً في قلوب الخلق)) (6).
وقد ذكر الإمام ابن القيم رحمه الله: أن القلب يفسد بأمور: التعلق
(1) سورة المطففين، الآية:14.
(2)
أسود مربادّ: شبه البياض في سواد، [شرح النووي، 2/ 532].
(3)
الكوز مجخيا: منكوساً، نكس حتى لا يعلق به خير ولا حكمة [شرح النووي، 2/ 531].
(4)
مسلم، كتاب الإيمان، باب رفع الأمانة والإيمان من بعض القلوب وعرض الفتن على القلوب، برقم 144.
(5)
ديوان عبد الله بن المبارك، ص 26، وشعب الإيمان للبيهقي، 5/ 464، وجامع بيان العلم وفضله لابن عبد البر، 1/ 327، وحلية الأولياء لأبي نعيم، 8/ 279.
(6)
الجواب الكافي لابن القيم، ص105 - 106.
بغير الله تعالى، وركوب بحر التمني، وكثرة النوم، وكثرة الطعام، والمفسد منه نوعان: أكل الحرام، والإسراف (1).
وقال رحمه الله: ((قسوة القلب من أربعة أشياء إذا جاوزت قدر الحاجة: الأكل، والنوم، والكلام، والمخالطة)) (2).
4 -
ترك كثرة الضحك والقهقهة؛ فإن كثرة ذلك تميت القلب؛ لحديث أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((مَنْ يَأْخُذُ عَنّي هَؤُلَاءِ الْكَلِمَاتِ فَيَعْمَلُ بِهِنَّ أَوْ يُعَلّمُ مَنْ يَعْمَلُ بِهِنَّ؟))، فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ رضي الله عنه فَقُلْتُ: أَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ! فَأَخَذَ بِيَدِي، فَعَدَّ خَمْسًا، وَقَالَ:((اتَّقِ الْمَحَارِمَ تَكُنْ أَعْبَدَ النَّاسِ، وَارْضَ بِمَا قَسَمَ اللَّهُ لَكَ تَكُنْ أَغْنَى النَّاسِ، وَأَحْسِنْ إِلَى جَارِكَ تَكُنْ مُؤْمِنًا، وَأَحِبَّ لِلنَّاسِ مَا تُحِبُّ لِنَفْسِكَ تَكُنْ مُسْلِمًا، وَلَا تُكْثِرِ الضَّحِكَ فَإِنَّ كَثْرَةَ الضَّحِكِ تُمِيتُ الْقَلْبَ)) (3).
5 -
كثرة ذكر الموت؛ فإن الغفلة عن الموت وطول الأمل مما يُقسي القلب؛ لحديث أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أكثروا ذِكْرَ هَاذِمِ اللَّذَّاتِ)) (4) يعني الموت، وفي لفظ لابن حبان:((أَكْثِرُوا ذِكْرَ هَاذِمِ اللَّذَّاتِ، فَمَا ذَكَرَهُ عَبْدٌ قَطُّ وَهُوَ فِي ضِيقٍ إِلَّا وَسَّعَه عَلَيْهِ، وَلَا ذَكَرَهْ فِي سَعَةٍ إِلَّا ضيَّقَهُ عَلَيْهِ)) (5). وَفِي لفظ لابن حبان أيضاً: «كَانَ رسول الله صلى الله عليه وسلم
(1) الفوائد الإيمانية من كتب ابن القيم، ص37،41.
(2)
فوائد الفوائد مرتبة مبوبة، لابن القيم ص262، تخريج علي بن حسن عبد الحميد.
(3)
الترمذي، كتاب الزهد، باب من اتقى المحارم فهو أعبد الناس، برقم 2305، وحسنه الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة، برقم 930، وفي صحيح سنن الترمذي، 2/ 526.
(4)
الترمذي، كتاب الزهد، باب ما جاء في ذكر الموت، برقم 2307، والنسائي، كتاب الجنائز، باب كثرة ذكر الموت، برقم 1823، وابن ماجه، كتاب الزهد، باب ذكر الموت والاستعداد له، برقم 4258، وابن حبان بلفظ:((أكثروا ذكر هاذم اللذات الموت))، برقم 2992، وقال الألباني في صحيح سنن النسائي وفي غيره، 2/ 6:((حسن صحيح)).
(5)
صحيح ابن حبان، برقم 2993، وحسنه الألباني في إرواء الغليل، 3/ 145.
يُكْثِرُ أَنْ يَقُولَ: ((أَكْثِرُوا مِنْ ذِكْرِ هَاذِمِ اللَّذَّات)) (1)، فَالْمَوت يقطع اللذات ويزيلها، والحديث دليل على أنه لا ينبغي أن يغفل عن ذكر أعظم المواعظ! وهو الموت، قال الإمام الصنعاني رحمه الله:((وقد ذكر في آخر الحديث فائدة الذكر بقوله: ((فَإِنّكُمْ لَا تَذْكُرُونَهُ فِي كَثِيرٍ إلاّ قَلّلهُ، وَلَا فِي قَليلٍ إلاّ كَثَّرَهُ)) (2).
وعن ابن عمر رضي الله عنهما، قال: كُنْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَجَاءَ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ، فَسَلَّمَ عَلَى النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم، ثُمّ قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ! أَيُّ الْمُؤْمِنِينَ أَفْضَلُ؟ قَالَ: ((أَحْسَنُهُمْ خُلُقًا)) قَالَ: فَأَيُّ الْمُؤْمِنِينَ أَكْيَسُ (3)؟ قَالَ: ((أَكْثَرُهُمْ لِلْمَوْتِ ذِكْرًا، وَأَحْسَنُهُمُ لِمَا بَعْدَهُ اسْتِعْدَادًا، أُولَئِكَ الأَكْيَاسُ)) (4).
6 -
إطعام المسكين ومسح رأس اليتيم؛ فإن من أسباب قسوة القلوب ترك الإحسان إلى اليتامى والمساكين؛ لحديث أبي هريرة رضي الله عنه: أَنَّ رَجُلًا شَكَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَسْوَةَ قَلْبِهِ فَقَالَ لَهُ: ((إِنْ أَرَدْتَ تَلْيِينَ قَلْبِكَ فَأَطْعِمْ الْمِسْكِينَ وَامْسَحْ رَأْسَ الْيَتِيمِ)) (5).
7 -
زيارة القبور والتفكر في حال أهلها ومصيرهم؛ لأن الغفلة عن ذلك من أسباب قسوة القلب؛ لحديث أبي هريرة رضي الله عنه، قال: زَارَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم قَبْرَ أُمّهِ فَبَكَى وَأَبْكَى مَنْ حَوْلَهُ، فَقَالَ صلى الله عليه وسلم: ((اسْتَأْذَنْتُ رَبّي فِي أَنْ أَسْتَغْفِرَ
(1) صحيح ابن حبان، برقم 2995، وحسنه شعيب الأرنؤوط في تحقيقه لصحيح ابن حبان.
(2)
سبل السلام، للصنعاني، 3/ 302، وهذا الخبر أخرجه الطبراني في الأوسط، بلفظ:((أكثروا ذكر هاذم اللذات - يعني الموت - فإنه ما كان في كثير إلا قلّلَهُ، ولا قليل إلا جزأه)) [مجمع البحرين، 8/ 206، برقم 5076]، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد، 10/ 309:((إسناده حسن)).
(3)
أكيس: أعقل [النهاية في غريب الحديث لابن الأثير، 4/ 217].
(4)
ابن ماجه، كتاب الزهد، باب ذكر الموت والاستعداد له، برقم 4259، وحسنه الألباني في صحيح ابن ماجه، 2/ 419، وفي سلسلة الأحاديث الصحيحة، برقم 1384.
(5)
أحمد في المسند، 2/ 263، و2/ 387، وحسنه الألباني في صحيح الجامع الصغير، برقم 1410، وفي سلسلة الأحاديث الصحيحة، 2/ 533.
لَهَا فَلَمْ يُؤْذَنْ لِي، وَاسْتَأْذَنْتُهُ فِي أَنْ أَزُورَ قَبْرَهَا فَأُذِنَ لِي، فَزُورُوا الْقُبُورَ، فَإِنَّهَا تُذَكّرُ الْمَوْتَ)) (1).
وعن بريدة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((كُنْتُ نَهَيْتُكُمْ عَنْ زِيَارَةِ الْقُبُورِ فَزُورُوهَا)) [زاد الترمذي]: ((فَإِنَّهَا تُذَكّرُ الآخِرَةَ))، وفي لفظ أبي داود:((فَإِنَّ فِي زِيَارَتِهَا تَذْكِرَة)) (2).
وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إِنّي نَهَيْتُكُمْ عَنْ زِيَارَةِ الْقُبُورِ فَزُورُوهَا، فَإِنَّ فِيهَا عِبْرَةً [وَلَا تَقُولُوا مَا يُسْخِطُ الرَّبَّ])) (3).
وعن أنس رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((كُنْتُ نَهَيْتُكُمْ عَنْ زِيَارَةِ الْقُبُورِ فَزُرُوهَا؛ فإنَّهَا تُرِقُّ الْقَلْبَ، وَتُدْمِعُ الْعَيْنَ، وَتُذَكّرُ الآخِرَةَ، َ وَلَا تَقُولُوا هَجْرًا)) (4)(5).
وعن هانئ مولى عثمان رضي الله عنه قال: كَانَ عُثْمَانُ رضي الله عنه إِذَا وَقَفَ عَلَى قَبْرٍ بَكَى حتَّى يَبَلَّ لِحْيَتَهُ، فَقيلَ لَهُ: تُذْكَرُ الْجَنَّةُ وَالنَّارُ فَلَا تَبْكِي، وَتَبْكِي مِنْ هَذَا؟! فَقَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قالَ: «إِنَّ الْقَبْرَ أَوَّلُ مَنَازِلِ الآخِرَةِ، فَمَنْ نَجَا مِنْهُ فَمَا بَعْدَهُ أَيْسَرُ مِنْهُ، وَمَنْ لَمْ يَنْجُ مِنْهُ فَمَا بَعْدَهُ أَشَدُّ مِنْهُ» . قَالَ: وَقَالَ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: ((مَا رَأَيْتُ مَنْظَرًا قَطُّ إِلَاّ وَالْقَبْرُ أَفْظَعُ (6) مِنْهُ)) (7).
(1) مسلم، كتاب الجنائز، باب استئذان النبي صلى الله عليه وسلم ربه عز وجل في زيارة قبر أمه، برقم 108 - (976).
(2)
مسلم، كتاب الجنائز، باب استئذان النبي صلى الله عليه وسلم ربه عز وجل في زيارة أمه، برقم 106 - (977)، والترمذي، برقم 1054، والنسائي بنحوه، برقم 2031، وأبو داود، برقم 3237.
(3)
أحمد، 3/ 38، 63، 66، والحاكم، 1/ 374، والبيهقي، 4/ 77، وصححه الحاكم ووافقه الذهبي، وقال الألباني في أحكام الجنائز، ص288:((وهو كما قالا)).
(4)
الهجر: الفحش، والكلام الباطل، النهاية في غريب الحديث لابن الأثير، 5/ 245.
(5)
أحمد، 3/ 237، 250، والحاكم، 1/ 376، 375، وحسنه الألباني في أحكام الجنائز، ص229.
(6)
أفظع: أشد، وأشنع. شرح السندي على سنن ابن ماجه، 4/ 500.
(7)
الترمذي، كتاب الزهد، باب حدثنا هناد، برقم 2308، وابن ماجه، كتاب الزهد، باب ذكر القبر والبلى، واللفظ له، برقم 4267، وحسنه الألباني في صحيح الترمذي، 2/ 527.
8 -
النظر في ديار الهالكين، والاعتبار بمنازل الغابرين؛ فإن الغفلة عن التَّفَكُّرِ في ذلك من أسباب قسوة القلب؛ ولهذا كان ابن عمر
رضي الله عنهما إذا أراد أن يتعاهد قلبه يأتي الخربة فيقف على بابها، وينادي بصوت حزين، فيقول:((أين أهلك؟))، ثم يرجع إلى نفسه، فيقول:{كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ} (1).
قال الله عز وجل: {أَوَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْقُرُونِ يَمْشُونَ فِي مَسَاكِنِهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ أَفَلَا يَسْمَعُونَ} (2).
9 -
الاستفادة في علاج القلوب من حِكَمِ الحكماء؛ فإن ذلك مما يوقظ القلوب؛ لما جعل الله تعالى على ألسنتهم من الحِكَمِ:
* قَالَ إبْرَاهِيمُ الْخَوَّاصُ رحمه الله تعالى: ((دَوَاءُ الْقُلُوبِ خَمْسَةُ أَشْيَاءَ: قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ بِالتَّدَبُّرِ، وَخَلَاءُ الْبَطْنِ، وَقِيَامُ اللَّيْلِ، وَالتَّضَرُّعُ عِنْدَ السَّحَرِ، وَمُجَالَسَةُ الصَّالِحِينَ)) (3).
* ونُقل عن لقمان الحكيم، أنه قال لابنه: ((جمعت لك حكمتي في ست كلمات:
اعمل للدنيا بمقدار بقائك فيها،
واعمل للآخرة بمقدار بقائك فيها،
واعمل لله بقدر حاجتك له،
واعمل من المعصية بمقدار ما تطيق من العقوبة،
ولا تسأل إلا من لا يحتاج إلى أحد،
وإذا أردت أن تعصي الله فاعصه في مكان لا يراك فيه)) (4).
(1) سورة القصص، الآية:88.
(2)
سورة السجدة، الآية:26.
(3)
الخشوع في الصلاة، لابن رجب، ص35.
(4)
الخشوع في الصلاة لابن رجب، ص35.