الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ذلك، فإنه يخشع في صلاته، ويُقْبِلُ بقلبه إلى ربه سبحانه وتعالى؛ لحديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم وفيه: فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: قَسَمْتُ الصَّلَاةَ بَيْنِي وَبَيْنَ عَبْدِي نِصْفَيْنِ، وَلِعَبْدِي مَا سَأَلَ، فَإِذَا قَالَ الْعَبْدُ {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبّ الْعَالَمِينَ}، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: حَمِدَنِي عَبْدِي، وَإِذَا قَالَ: {الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ}، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: أَثْنَى عَلَيَّ عَبْدِي، وَإِذَا قَالَ: {مَالِكِ يَوْمِ الدّينِ}، قَالَ: مَجَّدَنِي عَبْدِي، وَقَالَ مَرَّةً: فَوَّضَ إِلَيَّ عَبْدِي، فَإِذَا قَالَ: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ}، قَالَ: هَذَا بَيْنِي وَبَيْنَ عَبْدِي، وَلِعَبْدِي مَا سَأَلَ، فَإِذَا قَالَ: {اهْدِنَا الصّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالّينَ}، قَالَ: هَذَا لِعَبْدِي، وَلِعَبْدِي مَا سَأَل)) (1).
وهذا حديث قدسي عظيم جليل، لو استحضره كل مصلٍّ لحصل له الخشوع الكامل في صلاته.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم الظُّهْرَ، فَلَمَّا سَلَّمَ، نَادَى رَجُلاً كَانَ فِي آخِرِ الصُّفُوفِ، فَقَالَ:((يَا فُلَانُ، أَلَا تَتَّقِي اللهَ، أَلَا تَنْظُرُ كَيْفَ تُصَلّي، إِنَّ أَحَدَكُمْ إِذَا قَامَ يُصَلّي، إِنَّمَا يَقُومُ يُنَاجِي رَبَّهُ، فَلْيَنْظُرُ كَيْفَ يُنَاجِيهِ)) (2).
السبب الثالث والثلاثون: الاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم:
الشيطان عدوٌّ لنا، ومن عداوته قيامه بالوسوسة للمُصلّي؛ كي يذهب خشوعه، ويلبّس عليه صلاته.
والوسواس يعرض لكل من توجه إلى الله تعالى بذكر أو بغيره،
لا بد له من ذلك، فينبغي للعبد أن يثبت ويصبر، ويلازم ما هو فيه من الذكر، والصلاة، ولا يضجر؛ فإنه بملازمة ذلك ينصرف عنه كيد
(1) مسلم، كتاب الصلاة، باب وجوب قراءة الفاتحة في كل ركعة
…
برقم 395.
(2)
مستدرك الحاكم، 1/ 236، وصححه الألباني في صحيح الجامع، برقم 2202.
الشيطان: {إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا} (1).
وكلما أراد العبد تَوجُّهاً إلى الله تعالى بقلبه، جاء من الوسوسة أمور أخرى؛ فإن الشيطان بمنزلة قاطع الطريق، كلما أراد العبد السير إلى الله تعالى، أراد قطع الطريق عليه؛ ولهذا قيل لبعض السلف:((إن اليهود والنصارى يقولون: لا نوسوس، قال: صدقوا، وما يصنع الشيطان بالبيت الخرب)) (2).
وقد تقدم قول الإمام ابن القيم رحمه الله في أقسام القلوب الثلاثة فقال: ((وقد مُثّل ذلك بمثالٍ حسن، وهو ثلاثة بيوت: بيت للملك فيه كنوزه، وذخائره، وجواهره، وبيت للعبد فيه كنوز العبد، وذخائره، وجواهره، وليس جواهر الملك، وذخائره، وبيت خالٍ، صفر، لا شيء فيه، فجاء اللصّ يسرق من أحد البيوت، فمن أيّها يسرق؟)) (3).
والعبد إذا قام في الصلاة، غار الشيطان منه؛ فإنه قد قام في أعظم مقام، وأقربه، وأغيظه للشيطان، وأشده عليه، فهو يحرص، ويجتهد كل الاجتهاد أن لا يقيمه فيه؛ بل لا يزال به يَعِدُه، ويمنّيه، وينسيه، ويجلب عليه بخيله ورجله، حتى يهوّن عليه شأن الصلاة، فيتهاون بها فيتركها، فإن عجز عن ذلك منه، وعصاه العبد، وقام في ذلك المقام، أقبل عدو الله تعالى حتى يخطر بينه وبين نفسه، ويحول بينه وبين قلبه، فيذكّره في الصلاة ما لم يكن يذكر قبل دخوله فيها، حتى ربما كان قد نسي الشيء، والحاجة، وأيس منها، فيُذكّره إيَّاها في الصلاة؛ ليشغل قلبه بها، ويأخذه عن الله عز وجل، فيقوم فيها بلا قلب، فلا ينال من إقبال الله تعالى، وكرامته،
(1) سورة النساء، الآية:76.
(2)
مجموع الفتاوى لشيخ الإسلام ابن تيمية،22/ 608،وسبق تخريج الأثر في المبحث الثامن: حكم الوسواس في الصلاة.
(3)
الوابل الصيب، ص: 43، وتقدم.
وقربه ما يناله المقبل على ربه عز وجل الحاضر بقلبه في صلاته، فينصرف من صلاته، مثلما دخل فيها بخطاياه، وذنوبه، وأثقاله، لم تُخَفَّفْ عنه بالصلاة، فإن الصلاة إنما تكفّر سيئات من أدَّى حقَّها، وأكمل خشوعها، ووقف بين يدي الله تعالى بقلبه وقالبه (1).
ولمواجهة كيد الشيطان، وإذهاب وسوسته، أرشدنا النبي صلى الله عليه وسلم إلى العلاج الآتي: عن أَبِي الْعَاصِ رضي الله عنه قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ الشَّيْطَانَ قَدْ حَالَ بَيْنِي وَبَيْنَ صَلَاتِي وَقِرَاءَتِي، يَلْبّسُهَا عَلَيَّ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:((ذَاكَ شَيْطَانٌ يُقَالُ لَهُ خَنْزَبٌ، فَإِذَا أَحْسَسْتَهُ فَتَعَوَّذْ بِاللَّهِ مِنْهُ، وَاتْفِلْ عَلَى يَسَارِكَ ثَلَاثًا))، قَالَ: فَفَعَلْتُ ذَلِكَ فَأَذْهَبَهُ اللَّهُ عَنّي (2).
ومن كيد الشيطان للمُصلّي: ما أخبرنا عنه صلى الله عليه وسلم، وعن علاجه فقال:((إِنَّ أَحَدَكُمْ إِذَا قَامَ يُصَلّي جَاءَ الشَّيْطَانُ فَلَبَّسَ عَلَيْهِ حَتَّى لَا يَدْرِيَ كَمْ صَلَّى، فَإِذَا وَجَدَ ذَلِكَ أَحَدُكُمْ فَلْيَسْجُدْ سَجْدَتَيْنِ وَهُوَ جَالِسٌ)) (3).
ومن كيده كذلك ما أخبرنا عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله: ((إِذَا كَانَ أَحَدُكُمْ فِي الصَّلَاةِ فَوَجَدَ حَرَكَةً فِي دُبُرِهِ أَحْدَثَ أَوْ لَمْ يُحْدِثْ فَأَشْكَلَ عَلَيْهِ فَلَا يَنْصَرِفْ حَتَّى يَسْمَعَ صَوْتًا أَوْ يَجِدَ رِيحًا)) (4).
بل إن كيده ليبلغ مبلغاً عجيباً كما يوضحه هذا الحديث، عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم سُئل عن الرجل يخيّل إليه في صلاته أنه أحدث ولم
(1) الوابل الصيب لابن القيم، ص: 36 - 37.
(2)
مسلم، كتاب السلام، باب التعوذ من شيطان الوسوسة في الصلاة، برقم 2203.
(3)
البخاري، كتاب السهو، باب السهو في الفرض والتطوع، برقم 1232، ومسلم، كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب السهو في الصلاة والسجود له، برقم 389.
(4)
البخاري، كتاب الوضوء، باب من لا يتوضأ من الشك حتى يستيقن، برقم 137، ومسلم، كتاب الحيض، باب الدليل على أن من تيقن الطهارة ثم شك في الحدث فله أن يصلي بطهارته تلك، برقم 361، وأبو داود واللفظ له، كتاب الطهارة، باب إذا شك في الحدث، برقم 177.