الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فيخضع العبد لله، ويخبت إلى ربه منيباً إليه بقلبه، ويحدث له الوجل، وأما الخشوع، فهو حضور القلب وقت تلبّسه بطاعة الله، وسكون ظاهره وباطنه، فهذا خشوع خاص، وأما الخشوع الدائم الذي هو وصف خواصّ المؤمنين، فينشأ من كمال معرفة العبد بربه، ومراقبته، فيستولي ذلك على القلب كما تستولي المحبة)) (1).
والتعريف المختار: الخشوع: لين القلب، وخضوعه، ورقته، وسكونه، وحضوره وقت تَلبُّسه بطاعة الله، فتتبعه جميع الجوارح والأعضاء ظاهراً وباطناً؛ لأنها تابعة للقلب، وهو أميرها، وهي جنوده، والله تعالى أعلم.
ثانياً: الفرق بين خشوع الإيمان وخشوع النفاق
إذا ظهرت آثار الخشوع على الجوارح، ولم يكن في القلب شيء منه، فهذا خشوع النفاق؛ ولهذا قال حذيفة رضي الله عنه:((إياكم وخشوع النفاق، فقيل له: وما خشوع النفاق؟ قال: أن ترى الجسد خاشعاً، والقلب ليس بخاشع)) (2).
قال العلامة ابن القيم رحمه الله تعالى: ((والفرق بين خشوع الإيمان وخشوع النفاق، أن خشوع الإيمان هو خشوع القلب لله بالتعظيم، والإجلال، والوقار، والمهابة، والحياء، فينكسر القلب لله كسرة ملتئمة من الوجل، والخجل، والحب، والحياء، وشهود نعم الله وجناياته هو، فيخشع القلب لا محالة، فيتبعه خشوع الجوارح.
(1) تيسير اللطيف المنان في خلاصة تفسير القرآن، ص 361 - 362، دار عالم الكتب، 1424هـ إشراف وتوزيع وزارة الشئون الإسلامية، المملكة العربية السعودية.
(2)
ذكره ابن القيم في مدارج السالكين، 1/ 521، وابن رجب في كتاب الخشوع في الصلاة، ص 13، وأخرجه الديلمي، في مسند الفردوس، 2/ 204، برقم 3007، وابن عدي، في الكامل في الضعفاء، 3/ 455، ترجمة رقم871.
وأما خشوع النفاق، فيبدو على الجوارح تصنُّعاً وتكلُّفاً، والقلب غير خاشع، وكان بعض الصحابة يقول: أعوذ بالله من خشوع النفاق، قيل له: وما خشوع النفاق؟ قال: أن يُرى الجسد خاشعاً، والقلب غير خاشع، فالخاشع لله عبد قد خمدت نيران شهوته، وسكن دخانها عن صدره، فانجلى الصدر، وأشرق فيه نور العظمة، فماتت شهوات النفس للخوف والوقار الذي حُشِيَ به، وخمدت الجوارح، وتوقّر القلب، واطمأنّ إلى الله وذكره بالسكينة التي نزلت عليه من ربه، فصار مُخبِتاً له، والمخبت (1) المطمئنّ، فإن الخبت من الأرض ما اطمأنّ (2) فاستنقع فيه الماء.
فكذلك القلب المخبت قد خشع واطمأن (3) كالبقعة المطمئنة من الأرض التي يجري إليها الماء فيستقر فيها، وعلامته أن يسجد بين يدي ربه - إجلالاً، وذُلاًّ، وانكساراً بين يديه - سجدة، لا يرفع رأسه عنها حتى يلقاه
…
فهذا خشوع الإيمان.
وأما التماوت، وخشوع النفاق، فهو حال عبد تكلَّف إسكان الجوارح تَصنُّعاً، ومراعاة، ونفسه في الباطن شابة طرية ذات شهوات، وإرادات، فهو يتخشع (4) في الظاهر، وحية الوادي، وأسد الغابة رابض بين جنبيه ينتظر الفريسة)) (5).
(1) انظر: مفردات غريب القرآن للراغب، ص 141.
(2)
وفي مخطوطة: (ما تطامن).
(3)
وفي بعض المخطوطات: (ما تطامن).
(4)
وفي مخطوطة: (متخشع).
(5)
كتاب الروح لابن القيم، تحقيق د. بسام علي سلامة العموش، الطبعة الأولى 1406هـ، نشر دار ابن تيمية، المملكة العربية السعودية، الرياض، 2/ 694 - 695.