الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
العذر)). وفي لفظ: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رجع من غزوة تبوك فدنا من المدينة فقال: ((إن بالمدينة أقواماً ما سرتم مسيراً، ولا قطعتم وادياً إلا كانوا معكم)) قالوا: يا رسول الله، وهم بالمدينة؟ قال:((وهم بالمدينة، حبسهم العذر)) (1). فدلَّ ذلك على أن من حبسه عذر شرعي يكون له أجر من عمل العمل على الوجه الشرعي (2).
تاسعاً: صلاة الجماعة الثانية مشروعة لمن فاتته صلاة الجماعة الأولى
مع الإمام في المسجد (3)؛ لحديث أبي سعيد رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أبصر رجلاً يصلي وحده، فقال:((ألا رجل يتصدق على هذا فيصلي معه؟)) (4). ولفظ الترمذي: جاء رجل وقد صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال:((أيُّكم يتّجرُ على هذا؟)) فقام رجل فصلى معه. ولفظ الإمام أحمد: أن
(1) البخاري، كتاب الجهاد والسير، باب من حبسه العذر عن الغزو برقم 2838، وبرقم 4423.
(2)
انظر: الاختيارات الفقهية لابن تيمية، ص102، ومجموع فتاوى الإمام عبد العزيز بن عبد الله ابن باز، 12/ 165.
(3)
تكرار الجماعة في المسجد الواحد له صور، منها:
الصورة الأولى: أن يكون إعادة الجماعة أمراً راتباً، بأن يكون في المسجد جماعتان دائماً: الجماعة الأولى، والجماعة الثانية، أو أكثر، فهذا بدعة.
الصورة الثانية: أن يكون إعادة الجماعة أمراً عارضاً، والإمام الراتب هو الذي يصلي بالمسجد، لكن أحياناً يتخلف رجلان، أو ثلاثة، أو أكثر لعذر، فهذا هو محل الخلاف، فمن العلماء من يقول: لا تعاد الجماعة، بل يصلون فرادى، ومنهم من قال: بل تعاد، وهذا هو الصواب وهو الصحيح، وهو مذهب الحنابلة، للأدلة المذكورة في متن هذه الرسالة.
الصورة الثالثة: أن يكون المسجد في طريق الناس، أو سوقهم، فيأتي الرجلان والثلاثة يصلون ثم يخرجون، ثم يأتي غيرهم فيصلون فلا تكره الإعادة في هذا المسجد أيضاً، قال الإمام النووي في المجموع، 4/ 222:((إذا لم يكن للمسجد إمام راتب فلا كراهة في الجماعة الثانية بالإجماع)). وانظر: الشرح الممتع للعلامة ابن عثيمين 4/ 226 - 232. وفي المسألة صور أخرى: انظر: صلاة الجماعة للعلامة صالح بن غانم السدلان، ص100.
(4)
أبو داود، برقم 574، والترمذي، برقم 220، وأحمد، 3/ 45، 64، والحاكم وصححه ووافقه الذهبي، 1/ 209 وابن حبان، 6/ 157، برقم 2397 - 2399، وأبو يعلى، 2/ 321، برقم 1075، وصححه الألباني في إرواء الغليل، 2/ 316، برقم 535، وتقدم تخريجه في الصلوات ذوات الأسباب آخر صلاة التطوع.
رجلاً دخل المسجد وقد صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بأصحابه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:((من يتصدق على هذا فيصلي معه؟)) فقام رجل من القوم فصلى معه. قال الإمام الشوكاني رحمه الله: ((فقام رجل من القوم فصلى معه)) هو أبو بكر الصديق كما بيّن ذلك ابن أبي شيبة)) (1).
والحديث يدل على مشروعية الدخول مع من دخل في الصلاة منفرداً، وإن كان الداخل قد صلى في جماعة (2). قال الترمذي رحمه الله:((وهو قول غير واحد من أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وغيرهم من التابعين. قالوا: لا بأس أن يصلي القوم جماعة في مسجد قد صُلّيَ فيه جماعة، وبه يقول أحمد وإسحاق)) (3). وهذا هو الصواب؛ لعموم الأدلة الدالة على أن صلاة الجماعة أفضل من صلاة الفذ بسبع وعشرين درجة؛ ولحديث أبيّ بن كعب رضي الله عنه وفيه: ((وإن صلاة الرجل مع الرجل أزكى من صلاته وحده، وصلاته مع الرجلين أزكى من صلاته مع الرجل، وما كثر فهو أحب إلى الله تعالى)) (4). ومن قال: إن فضل الجماعة يختص بالجماعة الأولى فعليه الدليل المخصص، ومجرد الرأي ليس بحجة (5)، وقد ثبت عن أنس رضي الله عنه أنه جاء ذات يوم والناس قد صلوا، فجمع أصحابه فصلى بهم جماعة (6).
(1) نيل الأوطار، 2/ 380.
(2)
نيل الأوطار، 2/ 380.
(3)
قال الترمذي: ((وقال آخرون من أهل العلم: يصلون فرادى، وبه يقول سفيان، وابن المبارك، ومالك، والشافعي، يختارون الصلاة فرادى)). سنن الترمذي، الحديث رقم 220.
(4)
أبو داود، برقم 554، والنسائي، برقم 843، وحسنه الألباني في صحيح سنن أبي داود،1/ 110، وفي سنن النسائي،1/ 183،وتقدم تخريجه في وجوب صلاة الجماعة.
(5)
مجموع فتاوى الإمام ابن باز، 12/ 166.
(6)
البخاري، كتاب الأذان، باب فضل صلاة الجماعة، قبل الحديث رقم 645، في ترجمة الباب، ولفظه:((وجاء أنس إلى مسجدٍ قد صُلّيَ فيه فأذَّن وأقام وصلى جماعة)) قال ابن حجر في فتح الباري، 2/ 131:((وصله أبو يعلى في مسنده، من طريق الجعد أبي عثمان))، قال: مر بنا أنس بن مالك في مسجد بني ثعلبة، فذكر نحوه، قال: وذلك في صلاة الصبح، وفيه:((فأمر رجلاً فأذن وأقام، ثم صلى بأصحابه))، وفي رواية ابن أبي شيبة، من طرق عن الجعد، والبيهقي من طريق أبي عبد الصمد عن الجعد نحوه، وقال: مسجد بني رفاعة، وقال:((فجاء أنس في نحو عشرين من فتيانه)) قال الحافظ ابن حجر: ((وهو يؤيد ما قلنا من إرادة التجميع في المسجد))، فتح الباري، 2/ 131.