الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
السجود، ويتم السجود ولا يتم الركوع (1).
ثانياً: الخشوع في الصلاة له فضائل عظيمة، فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم: أن من صلى ركعتين لا يحدّث فيهما نفسه غفر الله له ما تقدم من ذنبه (2)، وأن من أحسن الوضوء ثم صلَّى ركعتين مقبل عليهما بقلبه ووجهه إلا وجبت له الجنة (3)، وجاء في القرآن الكريم أن الفوز والفلاح، والسعادة في الدنيا والآخرة للخاشعين في صلاتهم (4)، وغير ذلك من الفضائل والفوائد العظيمة (5).
السبب السادس والأربعون: فهمُ وتدبُّر معاني أفعال الصلاة يجلب الخشوع فيها:
لا شك أن من تدبَّر معاني أفعال الصلاة خشع في صلاته، ومن ذلك تدبّر الأفعال الآتية:
أولاً: فهم وَتّدّبُّر معنى القيام في الصلاة، فقد قال الله تعالى:{وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ} (6)، فإذا انتصب العبد قائماً لله في صلاته بين يديه سبحانه فليشاهد بقلبه قيُّوميته تعالى (7)، ويذكر أنه إذا أحسن هذا الوقوف في الصلاة في الدنيا سهُل عليه الوقوف أمام الله يوم القيامة، وإذا استهان بهذا الوقوف، ولم يُوفّه حقه شُدّد عليه الوقوف يوم القيامة (8)، ومن مقتضى هذا القيام أن يقبل على لله بقلبه وجسده، فلا
(1) الأصبهاني في الترغيب والترهيب، برقم 1895، وتقدم تخريجه.
(2)
البخاري، برقم 136، ومسلم، برقم 246، وتقدم تخريجه.
(3)
مسلم، برقم 234، وتقدم تخريجه.
(4)
انظر: سورة المؤمنون: 1 - 2.
(5)
انظر: فضائل الخشوع في الصلاة.
(6)
سورة البقرة، الآية:238.
(7)
انظر: كتاب الصلاة لابن القيم، ص117.
(8)
الفوائد لابن القيم، ص435.
يلتفت: لا بقلبه، ولا ببصره، ولا جسده (1).
ثانياً: فهم وتدبر معنى رفع الأيدي في الصلاة حذو المنكبين أو حذو الأذنين في أربعة مواضع: إذا كبّر تكبيرة الإحرام، وإذا كبّر للركوع، وإذا رفع من الركوع، وإذا قام من الركعتين - أي من التشهد الأول - يرفعهما كما صنع عند الافتتاح، وهذا هو السنة.
والحكمة في ذلك: اتبّاع النبي صلى الله عليه وسلم، ويضاف إلى ذلك من الحكم:
أن رفع اليدين في تكبيرة الإحرام فيه الإشارة إلى رفع حجاب الغفلة بينك وبين الله، وفي غير تكبيرة الإحرام إعظاماً لله.
وقال بعضهم: إنها استسلام لله وانقياد له تعالى، كالأسير المستسلم.
وقال بعضهم: نفي الكبرياء عن غير الله.
وقال بعضهم: زينة للصلاة، وعلى كل حال: فهو اتبّاع للسنة الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم (2)؛ لحديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يرفع يديه حذو منكبيه إذا افتتح الصلاة، وإذا كبّر للركوع، وإذا رفع رأسه من الركوع، ولا يفعله حين يرفع رأسه من السجود. وفي لفظ:((وإذا قام من الركعتين رفع يديه)) (3)، وفي حديث مالك بن الحويرث رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا كبر رفع يديه حتى يُحاذيَ بهما أذنيه، وإذا ركع رفع يديه حتى يحاذيَ بهما أذنيه، وإذا رفع رأسه من الركوع فقال:((سمع الله لمن حمده))، فعل مثل ذلك، وفي لفظ لمسلم:((حتى يحاذي بهما فروع أذنيه)) (4).
(1) انظر: الخشوع في الصلاة، لابن رجب، ص22.
(2)
انظر: كتاب الصلاة لابن القيم، وزاد المعاد، وتوضيح الأحكام من بلوغ المرام، للبسام، 2/ 28، والشرح الممتع لابن عثيمين، 3/ 34، وحاشية الروض المربع، لابن قاسم، 2/ 11.
(3)
متفق عليه: البخاري، كتاب الأذان، باب رفع اليدين في التكبيرة الأولى مع الافتتاح سواء، برقم 735، ورقم 739، ومسلم، كتاب الصلاة، برقم 390.
(4)
متفق عليه: البخاري، كتاب الأذان، باب رفع اليدين إذا كبر وإذا ركع، وإذا رفع، برقم 737، ومسلم واللفظ له، في كتاب الصلاة، باب استحباب رفع اليدين حذو المنكبين مع تكبيرة الإحرام والركوع، وفي الرفع من الركوع، وأنه لا يفعله إذا رفع من السجود، برقم 391.
والأحاديث الواردة في ابتداء رفع اليدين جاءت على وجوهٍ ثلاثة:
الوجه الأول: جاء ما يدل على أنه صلى الله عليه وسلم رفع يديه ثم كبّر، فعن ابن عمر رضي الله عنهما قال:((كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قام للصلاة رفع يديه حتى تكونا حذو منكبيه، ثم كبر)) (1)؛ ولحديث أبي حُميد الساعدي رضي الله عنه يحدّث به في عشرة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وفيه: ((كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قام إلى الصلاة يرفع يديه حتى يُحاذيَ بهما منكبيه ثم يُكبّر)) (2).
الوجه الثاني: جاء ما يدل على أنه صلى الله عليه وسلم كبر ثم رفع يديه، فعن أبي قلابة أنه ((رأى مالك بن الحويرث إذا صلى كبَّر ثم رفع يديه
…
وحدَّث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يفعل هكذا)) (3).
الوجه الثالث: جاء ما يدل على أنه صلى الله عليه وسلم رفع يديه مع التكبير، وانتهى منه مع انتهائه، فعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال:((رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم افتتح التكبير في الصلاة، فرفع يديه حين كبّر حتى جعلهما حَذْوَ منكبيه)) (4). فمن فعل صفة من هذه الصفات فقد أصاب السنة (5).
وإن نوَّع بين هذه الصفات الثلاث، فتارة يفعل هذا، وتارة هذا، وتارة هذا، فلا بأس، وهذا يعين على الخشوع في الصلاة، والعلم عند الله تعالى.
(1) مسلم، كتاب الصلاة، باب استحباب رفع اليدين حذو المنكبين، برقم 390.
(2)
أخرجه البخاري، كتاب الأذان، باب سنة الجلوس في التشهد برقم 828، واللفظ لأبي داود، برقم 730.
(3)
متفق عليه: البخاري، كتاب الأذان، باب رفع اليدين إذا كبر، برقم 737، ومسلم واللفظ له، كتاب الصلاة، باب استحباب رفع اليدين حذو المنكبين، برقم 391.
(4)
البخاري، كتاب الأذان، باب إلى أين يرفع يديه، برقم 738، ومسلم، كتاب الصلاة، باب استحباب رفع اليدين حذو المنكبين مع تكبيرة الإحرام، برقم 390.
(5)
انظر: فتح الباري لابن حجر، 2/ 218، وسبل السلام للصنعاني،2/ 217، والشرح الممتع لابن عثيمين،3/ 39.
ثالثاً: فهم وتدبّر معنى وضع اليدين على الصدر في حال القيام في الصلاة: اليد اليمنى على ظهر كفه اليسرى والرُّسغ والساعد، وهذا فيه إظهار الذُّل، والانكسار، والخشوع لله تعالى، وقد ذُكِرَ عن الإمام أحمد رحمه الله أنه سُئل عن المراد بذلك فقال:((هو ذُلٌّ بين يدي عزيز)) (1).
رابعاً: فهم وتدبّر معنى الركوع؛ فإنه يدل على الذُّل بظاهر الجسد؛ ولهذا كانت العرب تأنف منه ولا تفعله، وقد قال تعالى:{وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ ارْكَعُوا لَا يَرْكَعُونَ} (2)، وتمام الخضوع في الركوع أن يخضع القلب لله، ويذلُّ له، فيتمّ بذلك خضوع العبد بباطنه وظاهره لله عز وجل (3).
قال العلامة الأصفهاني رحمه الله: ((الركوع: الانحناء، فتارة يستعمل في الهيئة المخصوصة في الصلاة كما هي، وتارة في التواضع والتذلل: إما في العبادة، وإما في غيرها)) (4).
خامساً: فهم وتدبّر معنى السجود؛ فإنه أعظم ما يظهر فيه ذلّ العبد لربّه تعالى، حيث جعل العبد أشرف أعضائه وأعزّها عليه، وأعلاها عليه، حقيقة أوضع ما يمكنه، فيضعه في التراب مُتعفّراً، ويتبع ذلك انكسار القلب، وتواضعه، وخشوعه لله عز وجل؛ ولهذا كان جزاء المؤمن إذا فعل ذلك أن يقرّبه الله عز وجل إليه؛ فإن ((أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد فأكثروا الدعاء)) (5)، كما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم.
والسجود أيضاً مما كان يأنفه المشركون المستكبرون عن عبادة الله عز وجل، وكان بعضهم يقول: أكره أن أسجد فتعلوني استي، وبعضهم يأخذ
(1) الخشوع في الصلاة لابن رجب، ص21.
(2)
سورة المرسلات، الآية:48.
(3)
انظر: الخشوع في الصلاة لابن رجب ص25.
(4)
مفردات ألفاظ القرآن، ص364.
(5)
مسلم، كتاب الصلاة، باب ما يقال في الركوع أو السجود، برقم 482.