الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
في الراحة كما يطلبه في التعب؛ لأن الراحة إذا قُصد بها الإعانة على العبادة حصَّلت الثواب)) (1).
وسمعت الإمام عبد العزيز بن عبد الله ابن باز رحمه الله يقول: ((وهذا فيه حسن سيرة الصحابة وغيرتهم، والمذاكرة فيما بينهم، وفيه الاحتساب حتى النومة والقومة، فالمسلم ينظّم وقته، وينظّم أموره: ساعة للقرآن، وساعة لأموره الأخرى، وساعة لأهله
…
)) (2).
12 - طول القيام مع كثرة الركوع والسجود
هو الأفضل في صلاة الليل ما لم يشق ذلك أو يسبب الملل؛ لحديث جابر بن
عبد الله رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((أفضل الصلاة
طول القنوت (3)
…
)) (4)؛ ولحديث ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم، أن رجلاً
سأله عن عملٍ يدخل به الجنة، أو بأحب الأعمال إلى الله، فقال: سألت
(1) فتح الباري، 8/ 62.
(2)
سمعته أثناء تقريره على صحيح البخاري، الحديث رقم 4341، في فجر يوم الخميس الموافق
22/ 7/1416هـ بالجامع الكبير في مدينة الرياض.
(3)
القنوت: في الحديث يروى بمعانٍ متعددة، فيطلق على: الطاعة، والخشوع، والصلاة، والدعاء، والعبادة، والقيام، وطول القيام، والسكوت، والسكون، وإقامة الطاعة، والخضوع [انظر: النهاية في غريب الحديث لابن الأثير، باب القاف مع النون، 4/ 111، ومشارق الأنوار على الصحاح والآثار، للقاضي عياض، حرف القاف مع سائر الحروف، 2/ 186، وهدي الساري مقدمة فتح الباري، لابن حجر، ص176]، وذكر الحافظ ابن حجر أن ابن العربي ذكر أن القنوت ورد لعشرة معانٍ نظمها الحافظ زين الدين العراقي:
ولفظ القنوت اعدد معانيه تجد
…
مزيداً على عشرة معاني مرضية
دعاء، خشوع، والعبادة، طاعة
…
إقامتها، إفراده بالعبودية
سكوت، صلاة، والقيام، وطوله
…
كذا دوام الطاعة الرابح القنيه
[راجع فتح الباري الطبعة السلفية 2/ 491].
قال ابن الأثير رحمه الله بعد أن ذكر معاني القنوت في الأحاديث: ((فيصرف كل واحد من هذه المعاني إلى ما يحتمله الحديث الوارد فيه)) [النهاية في غريب الحديث والأثر، 4/ 111].
(4)
مسلم، كتاب صلاة المسافرين، باب أفضل الصلاة طول القنوت، برقم 756.
رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال: ((عليك بكثرة السجود لله، فإنك لا تسجد لله سجدة إلا رفعك الله بها درجة وحطَّ عنك بها خطيئة)) (1)؛ ولحديث ربيعة بن كعب الأسلمي رضي الله عنه قال: كنت أبيت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فآتيه بوضوئه وحاجته، فقال لي:((سل)) فقلت: أسألك مرافقتك في الجنة. قال: ((أوَغيرَ ذلك؟)) قلت: هو ذاك. قال: ((فأعنّي على نفسك بكثرة السجود)) (2)؛ ولحديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد، فأكثر الدعاء)) (3)؛ ولحديث ابن عباس رضي الله عنهما يرفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم: ((أما الركوع فعظموا فيه الرب، وأما السجود فاجتهدوا في الدعاء، فقمِنٌ أن يُستجاب لكم)) (4).
واختلف العلماء رحمهم الله؛ لهذه الأحاديث في أيهما أفضل: طول القيام مع قلة السجود، أو كثر السجود مع قصر القيام؟
فمنهم من قال: كثرة السجود والركوع أفضل من طول القيام، واختارها طائفة من أصحاب الإمام أحمد؛ لأحاديث فضل السجود آنفة الذكر.
ومنهم من قال: إنهما سواء.
ومنهم من قال: طول القيام أفضل من كثرة الركوع والسجود؛ لحديث جابر المذكور آنفاً (5): ((أفضل الصلاة طول القنوت)) (6)،قال الإمام النووي-رحمه الله:((المراد بالقنوت هنا القيام باتفاق العلماء فيما علمت)) (7).
(1) مسلم، برقم488، وتقدم تخريجه.
(2)
مسلم، برقم 489، وتقدم تخريجه.
(3)
مسلم، برقم 482، وتقدم تخريجه.
(4)
مسلم، برقم 479، وتقدم تخريجه.
(5)
انظر: المغني لابن قدامة، 2/ 564، وفتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية، 23/ 69، ونيل الأوطار للشوكاني، 2/ 270.
(6)
مسلم، برقم 756، وتقدم تخريجه.
(7)
شرح النووي على صحيح مسلم، 6/ 281.
وقال الإمام الطبري-رحمه الله في قول الله تعالى: {أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ الليل سَاجِدًا وَقَائِمًا} (1) هو في هذا الموضع قراءة القارئ قائماً في الصلاة
…
وقال آخرون: هو الطاعة، والقانت المطيع)) (2).
وقال ابن كثير رحمه الله: {أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ الليل سَاجِدًا وَقَائِمًا} أي في حال سجوده وفي حال قيامه، ولهذا استدل بهذه الآية من ذهب إلى أن القنوت هو الخشوع في الصلاة ليس هو القيام وحده كما ذهب إليه آخرون، وقال ابن مسعود رضي الله عنه القانت المطيع لله عز وجل ولرسوله صلى الله عليه وسلم)) (3).
واختار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: أن تطويل الصلاة قياماً وركوعاً وسجوداً أولى من تكثيرها قياماً وركوعاً وسجوداً (4).
وسمعت الإمام عبد العزيز بن عبد الله بن باز رحمه الله يقول: ((قد تنازع أهل العلم في أيهما أفضل: طول القيام مع قلة السجود، أو كثرة السجود مع قصر القيام، منهم من فضل هذا ومنهم من فضل هذا، وكانت صلاة الرسول صلى الله عليه وسلم معتدلة إن أطال القيام أطال السجود والركوع، وإن قصر القيام قصر الركوع والسجود، وهذا أفضل ما يكون)). وذكر رحمه الله أن الأفضل أن يصلي المسلم ما يستطيع، حتى لا يمل، فإذا
ارتاحت نفسه للتطويل أطال، وإن ارتاحت نفسه للتقصير قصر إذا رأى أن التقصير أخشع له وأقرب إلى قلبه وراحة ضميره وتلذذه بهذه العبادة، وكلما كثرت السجدات كان أفضل، فإن استطاع المسلم ذلك فالأفضل طول القيام مع كثرة الركوع والسجود يجمع بين الأمرين، وهي صلاة معتدلة إن أطال القيام أطال الركوع والسجود وإن قصر
(1) سورة الزمر، الآية:9.
(2)
جامع البيان عن تأويل آي القرآن، 1/ 267.
(3)
تفسير القرآن العظيم لابن كثير، 4/ 48.
(4)
فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية، 23/ 71، وقد فصل في ذلك من 23/ 69 - 83، وذكر أن جنس السجود أفضل من جنس القيام من اثني عشر وجهاً، ثم ذكر هذه الوجوه بالأدلة تفصيلاً.
قصر (1).
وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يتحمل كثيراً في العبادة، ويتلذذ بها، وربما يقوم في صلاة الليل حتى تتفطَّرَ قدماه، فتقول له عائشة رضي الله عنها: يا رسول الله، لم تصنع هذا وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟ فيقول:((أفلا أكون عبداً شكوراً)) (2).وقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قرأ في ركعة واحدة من قيام الليل: سورة البقرة، والنساء، وآل عمران (3)،ورآه حذيفة رضي الله عنه يصلي أربع ركعات من الليل قرأ فيهن: البقرة، وآل عمران، والنساء، والمائدة أو الأنعام (4).
وقالت عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم: ((كان يصلي إحدى عشرة ركعة، كانت تلك صلاته - تعني بالليل - فيسجد السجدة من ذلك قدر ما يقرأُ أَحَدُكُم خمسين آية قبل أن يرفع رأسه)) (5).
وقد كان صلى الله عليه وسلم يرتاح لذلك ولا يملُّ من عبادة ربه عز وجل؛ بل كانت الصلاة قُرَّةَ عينه، فعن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((حُبّبَ إليّ النساء والطيب، وجُعِلت قُرَّةُ عيني في الصلاة)) (6). وكانت الصلاة راحته، فعن سالم بن أبي الجعد قال: قال رجل: ليتني صليت واسترحت، فكأنهم عابوا عليه ذلك، فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((يا بلال أقم الصلاة أرحنا بها)) (7).
(1) سمعته من سماحته أثناء تقريره على الحديث رقم 1261 من منتقى الأخبار لابن تيمية.
(2)
متفق عليه: البخاري، برقم 4836/ 4837، ومسلم، برقم 2819، 2820 من حديث عائشة والمغيرة رضي الله عنهما وتقدم تخريجهما.
(3)
مسلم، برقم 772، وتقدم تخريجه.
(4)
أبو داود، برقم 873، والنسائي، برقم 1049، وتقدم تخريجه.
(5)
البخاري، كتاب الوتر، باب ما جاء في الوتر، برقم 994.
(6)
النسائي، كتاب عِشرة النساء، باب حب النساء، برقم 3904، وأحمد، 3/ 128، وصححه الألباني في صحيح النسائي، 3/ 827.
(7)
أبو داود، كتاب الأدب، باب ما جاء في العتمة، برقم 4985، ورقم 4986، وصححه الألباني في صحيح سنن النسائي، 3/ 941.