الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فبلغ عبد الملك ذلك فقال: ما ظننت أنا نجهل، والله لولا رعايتى لحرمته، لألحقته بما يعلم ولقطّعت جلده بالسياط.
ذكر سنة اثنين وسبعين
النيل المبارك فى هذه السنة:
الماء القديم ذراعان وعشرة أصابع. مبلغ الزيادة خمسة عشر ذراعا وتسعة عشر إصبعا.
ما لخص من الحوادث
الخليفتى عبد الله بن الزبير وعبد الملك بن مروان. كل منهما فى محل سلطانه، وعبد العزيز بمصر على حاله، وكذلك المصعب بن الزبير بالعراقين إلى حين قتل فى هذه السنة حسبما نذكر ذلك ملخصا إنشاء الله تعالى.
(112) ذكر مقتل مصعب بن الزبير
لما فرغ المصعب من قتال المختار، بلغه أن عبد الملك بن مروان قد أقبل إليه، وهو يوميذ بالبصرة، قد جاء من عند أخيه عبد الله، وكانت الحرورية الخوارج قد نزلوا سوق الأهواز، وعليهم يوميذ قطرىّ بن الفجاءة. فقال المصعب للمهلب: اخرج لقتال الحرورية. فقال المهلب:
(6)
تسعة عشر: فى النجوم الزاهرة 1/ 189؛ «ستة عشر»
(13 - 6،174) بلغه. . . البطل: ورد النص فى أنساب الأشراف 5/ 332 - 337،345،347 - 348 باختلاف بسيط
لا تنحّنى عنك فإنى لا آمن عليك. فاجعلنى قريبا منك. فقال المصعب إن أهل البصرة قد أبوا أن يسيروا معى لقتال عبد الملك، إلا أن أبعثك إلى الخوارج خشية من الحرورية لا يطرقوا ديارهم فى غيبتهم معى.
فقال: لست آمن غدرهم بك.
وكان أهل البصرة قد كاتبوا عبد الملك وكاتبهم، ولم يبق منهم من لم يكاتبه إلى المهلب. وسار عبد الملك إلى المصعب، وسار المصعب إليه. فلما اصطفوا للقتال مالوا إلى عبد الملك، وبقى المصعب فى خفّ من الناس. فقال المصعب لابنه عيسى: يا بنى، انصرف فإنى أخاف عليك. قال: والله يا به، لا أخبرت قريشا عن مصرعك أبدا. فقال: يا بنى، تقدم إذا. فتقدّم وقتل. وأقبل عبيد الله بن ظبيان راكبا إلى مصعب وكان قد عاد راجلا، فطعنه فقتله ونزل فاحتزّ رأسه. ثم أتى عبد الملك فوضعه بين يديه وقال <من الطويل>:
نعاطى الملوك الحقّ ما قسطوا لنا
…
وليس علينا قتلهم بمحرّم
فخرّ عبد الملك ساجدا. فكان ابن ظبيان يقول بعد ذلك: ما ندمت على شئ قط ندامتى على أن لا أكون ضربت رأس عبد الملك حين سجد وأرحت الناس منهما جميعا، وأكون قد قتلت أفتك الناس بأشجع الناس وفتكت بملكى العرب.
وكان عبد الله بن أبى فروة مع المصعب (113) حين قتل فهرب إلى عبد الله بن الزبير، فجعل فيه عبد الملك لمن يردّه ماية ألف درهم ف [لم يلح] ق. فلما وصل ابن أبى فروة إلى عبد الله بن الزبير قال له: أخبرنى عن الناس. قال: يا أمير المؤمنين، خرجنا مع المصعب حتى رأينا عبد الملك
(19)
يردّه: فى أنساب الأشراف 5/ 334: «رده»
مال الناس براياتهم إليه. فلما رأيت المصعب فى قلة من الناس أتيته بأفراس قد أضمرتها فهى مثل القداح. فقلت: اركب فالحق أمير المؤمنين، فدثّ فى صدرى دثة. وقال: ليس أخوك بالعبد، وأحببت أنا الحياة. فانصرفت. فقال عبد الله بن الزبير: حسبنا الله ونعم الوكيل.
وكان عبد الملك حين أتى المصعب فى خمسين ألفا، وحضر معه زفر بن الحرث-ولم يقاتل-وقتل مصعب بمسكن.
وكان لما كتب عبد الملك إلى الأشراف من أهل البصرة كتب إلى ابن الأشتر، وهو يعده بولاية العراق. فدفع ابن الأشتر كتابه لمصعب وقال:
أصلح الله الأمير، إن عبد الملك لم يكتب إلىّ بهذا إلا وقد كتب إلى هؤلاء الوجوه بمثله. وقد والله أفسدهم عليك، وإنى أرى أن تأخذ وجوه أهل المصرين فتشدّهم بالحديد. فقال له مصعب: يا با النعمان أنأخذ الناس بالظنّة؟ قال: فاجمعهم بموضع لا يشهدوا فيه الحرب معك: قال: إذا أفسد قلوب عشايرهم، قال: فابعث إلى أخيك بمكة. قال: ليس برأى.
قال: ولما خرج عبد الملك لقتال المصعب، بكت عاتكة بنت يزيد ابن معوية زوجة عبد الملك وبكت جواريها إشفاقا عليه. فقال عبد الملك:
كأنّ كثيّر عزّة رأى ما نحن فيه إذ يقول <من الطويل>:
إذا ما أرادوا الغزو لم يثن عزمه
…
حصان عليها نظم درّ يزينها
(3)
أنا الحياة: فى أنساب الأشراف 5/ 334: «الحياة»
(13)
ليس: فى أنساب الأشراف 5/ 337: «ليس هذا»
(14)
قال: قارن أنساب الأشراف 5/ 337
(17 - 1،172) إذا. . . قطينه: ورد البيتان أيضا فى ديوان كثير عزة 39،242
نهته فلمّا لم ترا النّهى عاقه
…
بكت فبكى ممّا شجاها قطينها
(114)
وقال مصعب يوما: يرحم الله أبا بحر يعنى الأحنف. لقد كان يقول لى: لا تلق بأهل العراق عدوا، فإنهم كالمومسة تريد كل يوم بعلا، وهم يريدون كل يوم أميرا.
قال عبد الملك يوما لجلسايه: من أشدّ الناس؟ قالوا: أمير المؤمنين. قال: اسلكوا غير هذه الطريق. قالوا: عمير بن الحباب. قال:
قبّحه الله، ثوب ينازع عليه أعزّ عليه من نفسه ودينه. قالوا: فشبيب. قال إن للحرورية طريقا. قالوا: فمن، يامير المؤمنين؟ قال: مصعب بن الزبير. كانت عنده عقيلتا العرب سكينة وعايشة. ثم هو أكثر الناس مالا.
وجعلت له الأمان ووليته العراق، وعلم أنى أفى له لصداقة كانت بينى وبينه. فأبا وقاتل حتى قتل. فقال رجل: كان مصعب يشرب الخمر.
قال: قد كان ذاك قبل أن يطلب المروة. فأما مذ طلبها، فلو ظنّ أن الماء البارد يفسد مروته ما ذاقه.
قتل مصعب بن الزبير لثمان بقين من جمادى الأولى سنة اثنين وسبعين، وله من العمر ست وثلثين سنة والله أعلم.
ولما بلغ عبد الله بن الزبير مقتل أخيه المصعب، أمسك عن ذكره،
(7)
ثوب: فى أنساب الأشراف 5/ 345: «لصّ ثوب»
(14 - 15) قتل. . . سبعين: فى الكامل 4/ 323 (حوادث 71): «فى هذه السنة قتل مصعب. . .
فى جمادى الآخرة»، انظر أيضا تاريخ الطبرى 2/ 813 (حوادث 71)؛ وفقا للامنس، مقالة «مصعب بن الزبير» ، توفى حوالى منتصف جمادى الأولى سنة 72
وأضرب عنه حتى تحدّث به إماء مكّة. فصعد المنبر وجلس عليه مليا لا يتكلم، والكاآبه بادية عليه، وجبينه يرشح عرقا. فقال الناس: أترونه يهاب المنطق، والله إنه لخطيب جرئ. فقال بعضهم: لعله يريد ذكر مصعب سيد العرب. ثم إنه قام فقال: الحمد لله الذى له الخلق والأمر، ملك الدنيا والآخرة {تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشاءُ، وَتُعِزُّ مَنْ تَشاءُ، وَتُذِلُّ مَنْ تَشاءُ، بِيَدِكَ الْخَيْرُ، إِنَّكَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} ألا إنه لم يذلّ امرء كان الحق معه، وإن كان فردا، ولم يعزّ أحد (116) من الباطل أولياء وإن كان الناس معه طرّا، أتانا خبر من العراق أحزننا وأفرحنا وأساءنا وسرّنا. أتانا قتل مصعب بن الزبير رحمه الله. فأمّا الذى أحزننا من ذلك فإنّ لفراق الحميم لوعة يجدها حميمه عند فراق حميمه. ثم يرعوى ذو الرأى والدين والحجى والنهى إلى جميل الصبر وكريم العزاء.
وأما الذى أسرّنا من ذلك فقد علمنا أنّ قتله شهادة وأنّ الله عز وجل فاعل ذلك لنا وله خيرة، إنّ أهل العراق أهل غدر وشقاق، أسلموه وباعوه بأقلّ ثمن وأخسّه. فقتل وإن قتل فمه قد قتل أبوه وعمه، وهما من الخيار الصالحين، إنّا والله ما نموت حبجا، ما نموت إلا قتلا قعصا قعصا بأطراف الرماح وظباة السيوف، ليس كما نموت بنو مروان فى حجالهم،
(7 - 8) الباطل أولياء: فى أنساب الأشراف 5/ 347: «أولياء الباطل»
(8)
إن: فى أنساب الأشراف 5/ 347: «لو»