الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عمرو بن سعيد بن العاص، ومسلمة على مصر، والقاضى عابس بحالهما، والعراقين الكوفة والبصرة قد عادا فى ولاية عبيد الله بن زياد، وعزل النعمان بن بشير عن الكوفة، وسبب ذلك أن فى سنة ستين كاتبت أهل الكوفة الحسين عليه السلام يدعونه إلى القدوم عليهم ليبايعونه على الخلافة ويقولون فى كتبهم: عجّل بحضورك إلينا وابعث إلينا من نثق به حتى نبايع ونقاتل دونك. فبعث إليهم مسلم بن عقيل، فوصل مسلم إلى الكوفة فبايع من أهلها اثنا عشر ألفا، ووالى الكوفة يوميذ النعمان بن بشير. فقيل له: إن البلد قد فسد عليك وإنك ضعيف الحال. فقال: أكون ضعيفا فى الله ولا أكون قويا فى معصيته. فنقل قوله إلى يزيد، فعزله وضم ولايتها إلى عبيد الله بن زياد، وأمر بقتل مسلم بن عقيل. وقدم عبيد الله بن زياد إلى الكوفة متلثما ودخلها، وجعل يمرّ بالناس ويسلّم عليهم. ولم يزل حتى نزل دار الإمارة وتتبع مسلم بن عقيل حتى قتله.
ذكر مقتل الحسين صلوات الله عليه
قال بن عباس رضى الله عنه: إن أهل الكوفة لم يسيروا كتبا إلى
(3 - 12) عزل. . . قتله: وردت الحادثة فى تاريخ الطبرى 2/ 228؛ الكامل 4/ 19 - 36
الحسين عليه السلام، وإن يزيد كان يفعل ذلك ويسير الكتب إلى الحسين عليه السلام.
قال الطبرى رحمه الله: وإن الحسين عليه السلام شاور عبد الله بن عباس فى المسير إلى الكوفة. فلم يشر عليه بالخروج ونهاه عن ذلك، وقال: إن الناس عبيد الدينار والدرهم، وهذا يزيد وعبيد الله بن زياد يعطيان الناس الأموال، وقد بويع ليزيد، فلا آمن عليك أن تقتل والله. فقال: والله لين أقتل بالعراق أحبّ إلىّ أن أقتل بمكة. قال له عبد الله (57) بن الزبير: لو كان لى بالعراق مثل بعض شيعتك ما قعدت يوما واحدا. وكان ابن الزبير يجزع من الحسين وقد ثقلت عليه وطأته بمكة ومقامه بها، وإن الناس ميلهم للحسين أكثر من ميلهم إلى ابن الزبير. وإنّ الحسين إذا خرج من مكة استقام الأمر لما يطلبه من ادعاء الخلافة لنفسه، وكان أمر الله قدرا مقدورا. فخرج الحسين عليه السلام قاصدا للعراق بعياله وأهله، واتصل الخبر بيزيد فكتب إليه يقول <من البسيط>:
يايها الراكب المرخى مطيّته
…
على عذافرة فى سيرها قحم
أبلغ قريشا على نأى الديار بها
…
بينى وبين الحسين الله والرحم
يا قومنا لا تشبّوا النار إذ خمدت
…
تمسّكوا بحبال الخير واعتصموا
وأنصفوا قومنا لا تظلموا بذخا
…
فربّ ذى بذخ زلّت به القدم
(3)
الطبرى: انظر تاريخ الطبرى 2/ 273 - 274، ولكن هذا النص هنا مختلف فى الطبرى
(12 - 5،87) فخرج. . . عبيده: قارن تاريخ الطبرى 2/ 277؛ الأبيات ناقصة فى تاريخ الطبرى
قال: فلما قرأ الحسين عليه السلام ذلك، كتب الجواب: فإن كذبوك فقل {لِي عَمَلِي، وَلَكُمْ عَمَلُكُمْ، أَنْتُمْ بَرِيئُونَ مِمّا أَعْمَلُ، وَأَنَا بَرِيءٌ مِمّا تَعْمَلُونَ} .
ثم سار فى وجهته فى اثنين وثمانين رجلا من أهله وأولاده وإخوته وأصحابه وعبيده. وروى أن زينب خرجت لقضى حاجة فسمعت هاتفا يقول <من الوافر>:
ألا يا عين فاحتلفى بجهد
…
فمن يبكى على الشهداء بعدى
على قوم تسوقهم المنايا
…
بمقدار إلى أجل ووعدى
فأعلمت أخاها حسينا بذلك فقال: الذى قضاه هو كاين. قيل:
ورأى الحسين عليه السلام فى النوم قايلا يقول: إنّكم تسرعون المسير والمنايا تسرع بكم إلى الجنة. فلما قارب الكوفة لقيه ألف فارس من جند عبيد الله بن زياد شاكين فى السلاح يقدمهم جرير بن يزيد. (58) فقال لهم الحسين عليه السلام: أنتم لنا أم علينا؟ فقالوا: بل عليكم، نحن من أصحاب عبيد الله بن زياد. قال: فنزل الحسين بكربلاء وقال: ما اسم هذا المكان؟ فقيل: كربلاء. فقال: دار كرب وبلاء. وكان قد تجمّع إليه قوم من الطريق فكان فى خمسين فارسا وماية راجلا، ونزل جند عبيد الله بإزايهم.
ثم ورد كتاب يزيد بن معوية إلى عبيد الله بن زياد، إنه إذا أتاك كتابى
(18 - 7،88) ثم. . . أصحابه: انظر تاريخ الطبرى 2/ 243،298 - 299، قارن أيضا الكامل 4/ 47
هذا فجعجع بالحسين ولا تفارقه وجرده إلىّ. فوجّه الكتاب إليه ويقول له: توجّه تحت طاعة بن عمك. فقال الحسين: والله لا أتبعك أو تذهب نفسى، وإن قتلتنى فاذهب برأسى إليه.
قال: ثم إنّ الحسين أفرغ خرجين مملوءين كتبا وقال للحرّ، وهو يوميذ مقدم الجيش: هذه كتبكم إلىّ. قال الحر: لا ندرى ما هذه الكتب، ولا بد من إشخاصك إلى يزيد. قال الحسين عليه السلام: الموت دون هذا. ثم ركب وركب أصحابه عازمين على العود إلى مكة، فجازوا بينه وبين الطريق. ثم جازوهم إلى قريب من الفراة وحازوا بينهم وبين الماء.
قال: ثم إن عبيد الله بن زياد خطب الناس وحرضهم على محاربة الحسين فأجابوه إلى ذلك، وانتدب إليه عمرو بن سعد ابن أبى وقاص فى خمسة آلاف فصار فى مقابلته. ثم انتدب إليه شمر بن ذى الجوشن لعنه الله فى أربعة آلاف أخر. فلما صاروا بإزاى الحسين عليه السلام قالوا للحسين: ما الذى جاء بك؟ قال: كتب إلىّ أهل الكوفة أن آتيهم فأتيتهم ليبايعونى. فإن كرهونى انصرفت من حيث أتيت. فكتب عمرو بن سعد ابن أبى وقاص إلى عبيد الله بن زياد بما قاله الحسين. فقال زياد: لا كيد ولا كرامة حتى يضع يده بيدى، وبعث إليهم أن شدوا عليه حتى يستسلم.
ثم بعث (59) إليهم الحسين يقول: ما تريدون منى؟ قالوا: تنزل على حكم عبيد الله بن زياد وإلاّ لا مغاص. فعندها ركب الحسين عليه السّلام
وقال: يا خيل الله اركبى وبالجنة أبشرى. وكان ذلك يوم عاشوراء من سنة إحدى وستين، ويقال: إن جميع ما كان معه أربعين فارسا ومثلهم رجالة، ووضع الحسين عليه السلام أمامه المصحف ووعظهم. وقال: يا قوم، ما الذى تطلبونى به بدم أم بمال؟ فقالوا: لا نريد منك إلا تنزل على حكم عبيد الله بن زياد ولا يصل إليك منا مكروه. قال: والله لا أعطيكم يدى إذا أبدا. ثم حمل بعضهم على بعض فقال الحسين: اشتد غضب الله على قوم قتلوا ابن بنت نبيّهم رسول الله صلى الله عليه وسلم. والله لا أجبتهم إلى شئ فما يريدونه منى حتى ألقى الله عز وجل، وأنا مخضب بدمى.
ولما اشتد الحرب وحمى الوطيس قال عليه السلام: أما من ذابّ يذبّ على حرم رسول الله؟ أما من مغيث يغيثنا لوجه الله؟ فسمعه جرير بن يزيد، وكان أول من قدم عليه من جند عبيد الله. فقال: نعم نعم والله، وحمل بين يدى الحسين عليه السلام. فكان أول من استشهد من الشهداء رضوان الله عليه.
ثم قتل عبد الله بن مسلم بن عقيل بن أبى طالب. ثم قتل جعفر وعبد الرحمان ابنى عقيل بن أبى طالب. ثم قتل محمد وعون ابنى عبد الله ابن جعفر الطيار. ثم قتل العباس وجعفر وعثمان ومحمد وأبو بكر أولاد علىّ بن أبى طالب على دم واحد، وهم يوم ذاك أحداث صغار. ثم إن علىّ الأكبر بن الحسين عليه السلام شدّ على الناس فى القتال وكان شجاعا
(14 - 18) قتل. . . الحسين: انظر تاريخ الطبرى 2/ 385 - 388؛ الكامل 4/ 92 - 93
مقداما، وهو يهدر ويقول <من الرجز>:
أنا علىّ بن الحسين بن علىّ
…
أنا الولىّ بن الولىّ بن الولى
أنا بن من سار إلى رضوانه
…
حتى تركها بيضا تنجلى
(60)
فحملوا عليه وكاثروه، وقد أفشى فيهم القتل فقتلوه. فلما عاينه الحسين صلوات الله عليه مجدلا قال: على الدنيا بعد على العفاء.
قال: وخرجت زينب بنت فاطمة الزهراء جاشية تنادى: وابن خياه، وأكبّت عليه. فردّها الحسين إلى الفسطاط.
قال: ثم بقى الحسين عليه السلام كلما انتهى إليه رجلا كره قتله فاشتد به العطش. فلم يجد ماء. فجعل يحمل بفرسه نحو الفراة فحالوا بينه وبين الفراة، ورماه أبو الجنوب لعنه الله بسهم فوقع فى جبهته فنزل الدم على وجهه وكريمته. فجعل يلقى الدم بكفه فإذا امتلأت خضب بها رأسه ولحيته ويقول: هكدى ألقى ربى مختضبا بدمى. ثم يومئ بالدم نحو السماء. قال: فصاح الشمر لعنه الله: ما تنتظرون بالرجل؟ ويحكم:
اقتلوه. قال: فأخذته الرماح من كل جهة حتى سقط إلى الأرض. فقال عمرو بن سعد بن أبى وقاص: انزلوا إليه فجزوا رأسه! فنزل إليه نصر بن عرسة لعنه الله فجز رأسه صلوات الله عليه ورحمته وبركاته.
قيل: وثارت فى تلك الساعة غمامة سوداء مظلمة شديدة الأرياح والانزعاج ذات حمرة شديدة. فظن القوم أنهم هلكوا وجاءهم العذاب قبلا. فأقامت ساعة أو ساعتين ثم انجلت.
قال أرباب التاريخ: وأمّا النسوة فكن فى الفسطاط ولم يعلمن بقتل الحسين عليه السلام إلى بفرسه. فإنه أقبل يركض نحو الفسطاط، ثم أقبل القوم، خزاهم الله وقاتلهم، إلى نحو الفسطاط، فسلتوا النساء من حليهن حتى أخذوا قرطا من أذن أم كلثوم بنت علىّ عليه السلام، وساقوا الحريم كما تساق الإماء والعبيد، وضربوا الفسطاط بالنار. وجاء سنان ابن أنس لعنه الله فقال لعمرو بن سعد (61) بن أبى وقاص رافعا صوته يقول <من الرجز>:
املئ ركابى فضّة مع ذهبا
…
أنا قتلت السيّد المحجّبا
قتلت خير الناس أمّا وأبا
…
وخيرهم إذ ينسبون النسبا
وكان عدة المقتولين مع الحسين عليهم السلام اثنين وسبعين رجلا. وقتل
(2)
حمرة شديدة: فى الإرشاد 251: «وروى يوسف بن عبده قال: سمعت محمد بن سيرين يقول: لم تر هذه الحمرة فى السماء إلا بعد قتل الحسين عليه السلام»
(8 - 4،93) وجا. . . عنه: انظر تاريخ الطبرى 2/ 368،371،374 - 375،386، الكامل 4/ 79 - 84؛ مروج الذهب 3/رقم 1902 - 1907
(11 - 12) املئ. . . النسبا (نسبا): ورد البيتان فى تاريخ الطبرى 2/ 282 (حوادث 60)،2/ 367 (حوادث 61)؛ الكامل 4/ 79؛ مروج الذهب 3/رقم 1901
من أصحاب عمرو بن سعد بن أبى وقاص ثمانية، وثمانين رجلا. ووجد فى الحسين صلوات الله عليه ثلثة وثلثين جرحا، ودفنه أهل العاصرية من بنى أسد، ودفنوا جميع أصحابه بعد قتلهم بيوم واحد بكربلاء.
ثم بعث عمرو بن سعد بن أبى وقاص برأس الحسين مع الحول بن يزيد إلى عبيد الله بن زياد. فلما رآه جعل ينكث ثنيته الشريفة بقضيب كان فى يده ساعة. فقال له زيد بن أرقم: والله لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد وضع شفتيه على هذه الشفتين وقبلها. ثم بكا بن أرقم. فقال له عبيد الله ابن زياد قاتله الله وخزاه: لم تبكى؟ أبكى الله عيناك! والله لولا أنك شيخ وكبر سنك وذهب عقلك لضربت عنقك، أغرب إلى لعنة الله. ثم أمر بالرأس فطيف بها فى الكوفة على عود. ثم نصب ومعه أربعون رأسا من آل بيت محمد صلى الله عليه وسلم، وسلّم من أولاد الحسين عليه السلام علىّ الأصغر، وهو زين العابدين رضى الله عنه، وعمره يوميذ ثلثة عشر سنة، واختلفوا فى سلامته وسببها. فقيل إنه لم يحضر القتال لضعفه، وإن زينب أجنّته تحّت ذيلها واستجارت ببعض القوم فيه حتى سلّم.
ثم وضع فى حلوق النساء الحبال، وحملوا إلى الشام، وحمل بينهم رأس الحسين عليه السلام، وركبوا على الجمال عرى بغير أقتاب، وطيف
(2)
العاصرية (لعل الأصح: الغاضريّة): فى مروج 3/رقم 1907 حاشية 3: «العاضرية» ؛ فى مروج 7/ 542: «الغاضريّة: قرية قريبة من الكوفة. . .»
بهم البلاد كذلك، وبعث عبيد الله بن زياد لعنه الله وأخزاه (62) رسولا حثيثا إلى يزيد بن معوية يبشره بقتل الحسين، فلما بلغ يزيد قتلة الحسين، دمعت عيناه وقال: قد كنت أرضى من طاعتكم بدون قتل الحسين، لعن الله بن مرجانة-يعنى زياد. أما والله لو أنى كنت محاربا للحسين لعفوت عنه.
وأجمع أهل التاريخ أنه لما وصل الرأس إلى يزيد بن معوية وضع بين يديه فقرع ثناياه بقضيب. ثم قال: لقد كان حسينا حسن المبتسم، وأنشد أبياتا مشهورة تداولتها الرواة فى تواريخهم، من جملتها يقول <من الرمل>:
ليت أشياخى ببدر شهدوا
…
وقعة الخزرج من وقع الأسل
قد قتلنا القوم من ساداتهم
…
وعدلناها ببدر فاعتدل
وهى خمسة أبيات، هذين البيتين منها والثلاثة الأخر لا يحل لى تسطيرها، ولا يجوز سماعها، فلا حول ولا قوة إلا بالله العلى العظيم، فإن كانت وقعت من يزيد فالويل له من ديان يوم الدين، إذ خصمه يوميذ سيد المرسلين.
(9)
ليت. . . الأسل: ورد البيت فى رسائل الجاحظ 2/ 15، انظر أيضا رسائل 2/ 15 حاشية 1؛ كتاب الكامل /1/ 710/وقعة: فى رسائل الجاحظ 2/ 15؛ كتاب الكامل 1/ 710: «جزع»
(10)
قد. . . فاعتدل: ورد البيت فى رسائل الجاحظ 2/ 15، انظر أيضا رسائل 2/ 15 حاشية /2/القوم: فى رسائل الجاحظ 2/ 15: «الغرّ»
[وروى أنه لما وضع الرأس الشريفة بين يديه، جعل ينكث ثناياه بقضيب كان فى يده ويقول <من الطويل>:
تفلق هام من رجال أعزّة
…
علينا وهم كانوا أعقّ وأظلما]
ثم أمر بالرأس فنصب أياما على باب دمشق. وجلس يزيد مجلسا عاما وأحضر عليّا بن الحسين عليه السلام وجميع نسايهم، والناس ينظرون إليهم، فقال يزيد لعلىّ: أبوك الذى قطع رحمى ونازعنى سلطانى فصنع الله به ما تراه. فقال علىّ رضى الله عنه: {ما أَصابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ} {إِلاّ فِي كِتابٍ مُبِينٍ} . فقال يزيد لابنه خالد:
أجبه عما قال! فلم يدر ما يقول. فقال يزيد: {وَما أَصابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِما كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ} . ثم نظر يزيد إلى النساء والصبيان فرأى هيبة شنيعة.
فقال: قبّح الله ابن مرجانة، لو كان بينه وبينكم قرابة ما فعل بكم هذا.
هذا من رواية الطبرى.
قال: ثم أمر يزيد بخطيب من خطباء بنى أمية (63) أن يصعد المنبر
(3 - 11) تفلق (لعل الأصح: يفلّقن). . . هذا: ورد النص فى تاريخ الطبرى 2/ 282،376 - 377،380؛ الكامل 4/ 85 - 87
(5)
عليّا (علىّ) بن الحسين: يعنى علىّ (الأصغر) بن الحسين، انظر تاريخ الطبرى (كتاب الفهارس)
وينال من علىّ عليه السلام ومن الحسين صلوات الله عليه. ففعل وأطنب فى ذلك. قال: فاستأذن علىّ بن الحسين ليزيد أن يصعد المنبر ويذكر ما يريد فامتنع يزيد. ثم قال فى نفسه: وماذا عسى أن يقول هذا الطفل؟ فأذن له.
فصعد علىّ رضى الله عنه المنبر، وخطب خطبة بليغة حتى أبكا العيون وأوجل القلوب، من جملتها يقول: أيها الناس من عرفنى فقد أكفا ومن لم يعرفنى فأنا أعرّفه نفسى وأنسب له حسبى ونسبى، أنا بن مكة ومنى، أنا بن زمزم والصفا، أنا بن من حمل الركن بأطراف الردى، أنا بن من حج وسعا ولبّا، أنا بن خير من ركب البراق فى الهوى، أنا بن من أسرى به من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى، أنا بن من بلغ به جبريل إلى سدرة المنتهى، أنا بن من {دَنا فَتَدَلّى. فَكانَ قابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنى} . أنا ابن من صلى بالملايكة فى السماء، أنا بن محمد المصطفى، أنا بن علىّ المرتضى، أنا بن فاطمة الزهراء، أنا بن سيّدة النساء، أنا بن الشهداء أبناء الشهداء. قال: فضج الناس بالبكاء، وكادت تكون فتنة. قال: فأمر يزيد المؤذن بالأذان فأذّن حتى قطع كلامه.
(10)
فكان. . . أدنا (أدنى): فى القرآن 53/ 9: {فَكانَ قابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنى»}
وروى المسعودى أن الحسين عليه السلام لما قتل بكربلاء وحمل رأسه الشريف إلى يزيد، خرجت بنت عقيل بن أبى طالب فى نساء من قومها، وهنّ حاسرات، وهى تقول <من البسيط>:
ماذا تقولون إذا قال النبىّ لكم:
…
ماذا فعلتم وأنتم آخر الأممى
بعترتى وبأهلى بعد مفتقدى
…
نصف أسارى ونصف ضرّجوا بدم؟
ماذا فعلتم يا بيس ما صنعت
…
أيديكم فابشروا بالنار فى حطم
ما كان هذا جزايى إذ نصحت لكم
…
أن تخلفونى بشرّ فى ذوى رحم
قال المسعودى، وروى عن أبيه قال: سمعت البارحة مناديا ينادى فى (64) المدينة، فى الوقت الذى قتل فيه الحسين بن علىّ عليه السلام يقول <من الخفيف>:
(1 - 5) الحسين. . . بدم: ورد النص فى مروج الذهب 3/رقم 1920
(2)
بنت عقيل: اسمها زينب، انظر مروج الذهب 3/رقم 1920 حاشية 6
(4 - 5) ماذا. . . بدم: ورد البيتان فى الإرشاد 248؛ تاريخ الطبرى 2/ 283،384 - 385؛ الكامل 4/ 89
(5)
مفتقدى: انظر مروج الذهب 3/رقم 1920 حاشية 8
(7)
ما. . . رحم (لعل الأصح: رحمى): ورد البيت فى تاريخ الطبرى 2/ 283؛ الكامل 4/ 89؛ مروج الذهب 3/رقم 1920
(8)
قال المسعودى: لم أقف على هذا النص فى مروج الذهب
أيّها القاتلون جهلا حسينا
…
أبشروا بالعذاب والتّنكيلا
كلّ أهل السماء تدعوا عليكم
…
من نبىّ ومرسل وقبيلا
قد لعنتم على لسان ابن داو
…
د وموسى وصاحب الإنجيلا
وظهرت للحسين صلوات الله عليه كرامات خارقة بعد موته. منها أن قيس بن الأشعث أخذ عمامته وتعمّم بها. فسقط شعره والتوق حتى أعوجت رقبته إلى قفاه، ومات كذلك. ومنها أن أوس بن حبيب أخذ قميصه فلبسه وبرص جسده برصا شنيعا. ومنها أنّ عمرو بن ختاب الكلبى أخذ سراويله فلبسه فأقعد ومات مقعدا.
نكثة: روى أنّه لما كان فى خلافة مروان بن محمد بن مروان، وهو آخر ملوك بنى أمية، اجتمعت أناس من أهل الحجاز عند رجل من أهل الكوفة أضيافا. فلما كان الليل أوقد عليهم الرجل مصباحا، وجلسوا للحديث فأجروا ذكر قتلة الحسين عليه السلام فقال الحجازيون: إنه لم يشترك فى قتل الحسين أحد إلا وأصيب فى نفسه قبل موته. فقال ذلك الشيخ الكوفى: ما أكذبكم، يا أهل الحجاز؟ أنا والله ممن اشترك فى قتلته
(1 - 3) أيّها. . . الإنجيلا (الإنجيل): وردت الأبيات فى الإرشاد 248؛ تاريخ الطبرى 2/ 385؛ الكامل 4/ 90
(9 - 7،98) روى. . . الآخرة: وردت هذه الحكاية مختلفة فى اللفظ والمعنى فى مرآة الزمان، مخطوطة أحمد الثالث، رقم 2907، حوادث 66 (الصفحة الخامسة والثلاثين)
وها أناذا. ثم مد يده يصلح المصباح، وكان موقودا بنفط، فتلوّت إصبعه من ذلك النفط، وعلقت فيه النار، فرفع يده ليطفيه بفمه، فلعبت النار فى لحيته مع عمامته وقويت، وعاد كلما صاح وأراد طفيها تزيد اشتعالا فى أثوابه. ثم إنه قام فعثر فى ذلك المصباح فانقلب عليه ذلك النفط فلعبت النار فى جسده، وهو يصيح ويستغيث، ولا تزداد إلا اشتعالا حتى هلك فى ساعته وصار فحمة سوداء. فنعوذ بالله من عذاب الله فى الدنيا والآخرة.
(65)
ومما يروى من ذكر شرف نفسه وكرم طباعه صلوات الله عليه أنشد بحضرته <من الكامل>:
إنّ الصنيعة لا تكون صنيعة
…
حتى يصاب لها مكان المصنع
فإذا صنعت صنيعة فاعمل بها
…
لله أو لذوى القرابة أو دع
وكان الحسين عليه السلام متّكيا فجلس وقال: من قايل هذين البيتين الذين يعلمان الناس البخل، وإنما أمطروا معروفكم مطرا عامّا، فإن أصاب الكرام كانوا له أهلا، وإن أصاب أيام كنتم أنتم له أهلا.
وعن حذيفة بن اليمان رضى الله عنه قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم آخذ بيد الحسين بن علىّ عليه السلام وهو يقول: أيها الناس، هذا حسين ابن
(15)
حذيفة: انظر الإصابة 318
(15 - 4،99) حذيفة. . . هو فى الجنة: ورد النص فى أنباء نجباء الأبناء 56 - 57
علىّ فاعرفوه، فو الذى نفسى بيده، لجد الحسين أكرم على الله من جد يوسف بن يعقوب. هذا الحسين جده فى الجنة وأمه فى الجنة وأبوه فى الجنة وعمه فى الجنة وعمته فى الجنة وخاله فى الجنة وخالته فى الجنة وأخوه فى الجنة وهو فى الجنة.
وقتل الحسين صلوات الله عليه يوم عاشوراء من هذه السنة، وقتل الله عز وجل عبيد الله بن زياد يوم عاشوراء من السنة الأخرا، كما يأتى ذكر ذلك فى موضعه إنشاء الله تعالى، وفى قتل بن زياد يقول ابن الأسود الدؤلىّ فى ذلك <من الوافر>:
أقول وذاك من جزع وخوف
…
أزال الله ملك بنى زياد
وأبعدهم كما بعدوا وخانوا
…
كما بعدت ثمود وقوم عاد
[ومن شعر الخبّاز البلدىّ <من الخفيف>:
وكأنّ الهوى امرؤ علوىّ
…
ظنّ أنّى ولّيت قتل الحسين
وكأنى يزيد بين يديه
…
فهو يختار أصعب القتلتين
(5 - 6) قتل. . . الأخرا (الأخرى): ورد النص فى لطائف المعارف 145
(5 - 6) قتل. . . زياد: فى لطائف المعارف 145 حاشية 4: «. . . قتل عبيد الله بن زياد سنة 67»
(7 - 10) وفى. . . عاد: ورد النص فى مروج الذهب 3/رقم 1921
(9 - 10) أقول. . . عاد: ورد البيتان أيضا فى ديوان أبى الأسود 241
(9)
ذاك. . . خوف: فى أبى الأسود 241: «زادنى غضبا وغيظا» وأيضا خوف: فى مروج الذهب 3/رقم 1921: «وجد»
(10)
كما: فى مروج الذهب 3/رقم 1921: «بما» //بعدوا: فى أبى الأسود 241؛ مروج الذهب 3/رقم 1921: «غدروا»
(11)
الخبّاز البلدىّ: هو أبو بكر محمد بن أحمد بن حمدان المعروف بالخبّاز البلدىّ، انظر تاريخ التراث العربى (بالألمانية) لفؤاد سزكين 2/ 625
(12 - 13) وكأنّ. . . القتلتين: ورد البيتان فى يتيمة الدهر 2/ 210 مع اختلافات
وما أحسن قول من قال هذه الأبيات <من الوافر>:
تقول الأرذلون بنى قشير
…
طوال الدهر ما تنسا عليّا
بنو عمّ النبىّ وأقربوه
…
أحبّ الناس كلّهم إليّا
. . . ضلال مبين
وقال أيضا وكان فيه تشيّع <من مجزوء الرجز>:
إن كان حبّى خمسة
…
بهم زكت فرايضى
وبغض من والاهم
…
رفضا فإنى رافض
وللخباز البلدى من رقيق شعره يقول <من السريع>:
بدر بدا يشرب شمسا بدت
…
وحدّها فى الحسن من حدّه
تغرب فى فيه ولكنّها
…
من بعد ذا تشرق فى خدّه
وله أيضا وكان أمّيّا وأكثر معانيه فى الفرار <من الطويل>:
كأنّ يمينى حين حاولت بس> طها <
…
لتوديع إلف والهوى يذرف الدّمعا
يمين بن عمران وقد حاول ال> عصا>
…
وقد جعلت تلك العصا ح> يّة <تسعا
(9 - 10) بدر. . . خدّه: البيتان ينسبان ليوسف بن هارون الرمادى، وهما فى شعر الرمادى ص 135 - 136
(9)
يشرب: فى شعر الرمادى ص 135: «يحمل»
(10)
تشرق: فى شعر الرمادى ص 136: «تطلع»
(11)
كان أمّيّا: انظر الوافى 2/ 57
(12 - 13) كأنّ. . . تسعا (تسعى): ورد البيتان فى الوافى 2/ 57؛ يتيمة الدهر 2/ 209
(12)
إلف: فى الوافى 2/ 57؛ يتيمة الدهر 2/ 209: «إلفى»
وقال <من الكامل>:
سار الحبيب وأودع ال> قلبا <
…
جرحا يزيد على الم> دى <كربا
إذ قلت إذ سار السف> ين بهم <
…
والشوق ينهب مهجتى نهبا
لو أنّ لى عزّا أصول به
…
لأ> خذت كلّ سفينة غصبا <]
ولنعود إلى سياقة التاريخ بمعونة الله عز وجل، وفيها خلع بن الزبير طاعة يزيد وسبّه وعابه بشرب الخمر ولعب الكلاب والفهود والقرود والغفلة عن الدين. فلما بلغ يزيد ذلك أقسم بالله ليأتين بابن الزبير فى سلسلة من فضة مع جماعة فى سلاسل من حديد. ثم حلف:(66) لا يقبل لأحد منهم بيعة.
وروى عن ابن عياش عن ثقاة من الرواة أن الحسين بن علىّ عليه السلام لما سار إلى العراق تشمّر ابن الزبير للأمر الذى أراده ولبس المعافرىّ وشبر بطنه، وقال: إنما بطنى بطنى شبر وما عسى أن يسع
(2 - 4) سار. . . غصبا: وردت الأبيات فى الوافى 2/ 58؛ يتيمة الدهر 2/ 209
(2)
أودع: فى الوافى 2/ 58؛ يتيمة الدهر 2/ 209: «خلف» //جرحا. . . كربا: فى الوافى 2/ 58: يتيمة الدهر 2/ 209: «يبدى العزاء ويضمر الكربا»
(3)
إذ: فى الوافى 2/ 58، يتيمة الدهر 2/ 209:«قد»
(10 - 11،103) ابن. . . للمساكين: ورد النص فى الأغانى 1/ 21 - 22
(12)
المعافرىّ: انظر الأغانى 1/ 21 حاشية 5
لشبر! وجعل يظهر عيب بنى أميّة ويدعوا إلى خلافهم، وأمهله يزيد بن معوية سنة، ثم بعث إليه عشرة من أهل الشام عليهم النعمان بن بشير، وكان أهل الشام يسمّون ذلك العشرة الرّكب، وهم عبد الله بن عضاه الأشعرى، وروح ابن زنباع الجذامىّ، وسعد بن عمرة الهمدانى، ومالك بن هبيرة السّلولىّ، وأبو كبشة السّكسكىّ، وزمل بن عمرو العذرىّ، وعبد الله بن مسعود، وقيل:
ابن سعدة الفزارىّ، وأخوه عبد الرحمان، وشريك بن عبد الله الكنانى، وعبد الله بن عامر الهمدانى، وجعل عليهم الجميع النعمان بن بشير.
فأقبلوا حتى قدموا مكة-شرفها الله تعالى-على بن الزبير.
فكان النعمان يخلوا به فى الحجر كثيرا. فقال عبد الله بن عضاه: يابن الزبير، إن هذا الأنصارى ما أومر بشئ إلا وقد أمرنا بمثله، إلا قد أمّر علينا. وإنى ما أدرى والله ما بين المهاجرين والأنصار. فقال بن الزبير:
إلىّ ولك، يا ابن عضاه! إنما نحن بمنزلة حمامة من حمام مكة، أفكنت قاتلا حمامة من حمام مكة؟ قال: نعم، وما حرمة حمام مكة؟ يا غلام ايتنى بقوسى وأسهمى. فأتاه بقوسه وأسهمه. فأخذ سهما فوضعه فى كبد القوس. ثم سدّده نحو حمامة من حمام المسجد وقال: يا حمامة،
(4)
مالك. . . السّلولىّ: انظر الأغانى 1/ 21 حاشية 7
(12)
إلىّ ولك: فى الأغانى 1/ 22: «ما لى ولك»
أيشرب يزيد الخمر؟ قولى: نعم والله: لين قلت لأرمينّك، أتخلعين يزيد ابن معوية وتفارقين أمة محمد وتقيمين بالحرم حتى يستحلّ بك؟ والله لين فعلت لأرمينّك. فقال ابن الزبير: ويحك! (67) أتكلم الطاير! قال:
لا ولكنك يابن الزبير تتكلم، أقسم بالله، لتبايعنّ طايعا أو مكرها أو لتتعرّفنّ براية الأشعرى فى هذه البطحاء. ثم لا أعظّم من حقها ما تعظّم. فقال ابن الزبير: أيستحلّ الحرم! قال: إنما يحله من ألحد فيه.
فحبسهم شهرا. ثم ردهم إلى يزيد ولم يجبهم بشئ. وقال أبو العباس الأعمى، واسمه السايب بن فرّوخ، يذكر شبر ابن الزبير لبطنه <من البسيط>:
ما زال فى سورة الأعراف يدرسها
…
حتى فؤادى مثل الخزّ فى اللّين
لو كان بطنك شبرا قد شبعت وقد
…
فضلت فضلا كثيرا للمساكين
قلت: هذا ما رواه صاحب كتاب الأغانى فى الكتاب الكبير الحاوى.
وأما ما ذكره صاحب كتاب التذكرة الحمدونية فى تذكرته قال: لما
(5)
الأشعرى: فى الأغانى 1/ 22: «الأشعريّين»
(11)
فضلت: فى الأغانى 1/ 22: «أفضلت»
(12)
كتاب الأغانى: الأغانى 1/ 21 - 22
(13)
صاحب. . . تذكرته: فيما حققه إحسان عباس من التذكرة الحمدونية لم أعثر على هذا النص
(13 - 5،105) لما. . . الحجر: ورد النص فى أنساب الأشراف 4 ب/16 - 17،21، قارن تاريخ الطبرى 2/ 395 - 399؛ الكامل 4/ 98 - 100
خرج الحسين عليه السلام إلى العراق وقتل رحمه الله عليه وبلغ ابن الزبير مقتله [ف] عظّم عليه وصعد المنبر فخطب وعاب أهل الكوفة خاصة وذمّ أهل العراق عامة وترحم على الحسين عليه السلام. ولعن قاتله والمسبب فى قتله، وقال:
والله لقد قتلتموه طويلا بالليل قيامه، كثيرا بالنهار صيامه، أحق منهم بما هم فيه، والله ما كان ممن يتبدّل بالقرآن الغنى ولا بالبكاء من خشية الله الحداء ولا بالصيام شرب الحرام ولا بالذكر طلب الصيد، معرّضا بيزيد لأنه كان صاحب صيد ولذة. فثار أصحاب بن الزبير إليه وقالوا: أظهر بيعتك فلم يبق بعد قتل الحسين من ينازعك، وكان يبايع الناس سرّا. فقال لهم: لا تعجّلوا هذا وعمرو بن سعيد بن العاص الأشدق بالمدينة ومكة، وهو إقامته مكة. وبلغ ذلك يزيد، فآلى ليؤتينّ ابن الزبير فى سلسلة من (68) فضة ووجه بها مع الرسول. فلما مر الرسول بالمدينة لقى بها الوليد ومروان فأخبرهما بما جاء فيه. فقال مروان متمثلا <من الطويل>:
خذها فليست للعزيز مذلّة
…
وفيها مقال لامرئ متضعّف
فلما قدم الرسول على ابن الزبير رده ردا رفيقا وقال: لا أكون بالمتضعّف، فقال الرسول: برّ قسم أمير المؤمنين! قال: لا أبرّ الله قسمه ولا وفّق له الوفاء بنذره. فقال له أخوه عمرو بن الزبير: ما عليك أن تبرّ قسم ابن عمك. قال: قلبى مثل قلبك.
(13)
خذها (فخذها). . . متضعّف: ورد البيت فى تاريخ الطبرى 2/ 398؛ الكامل 4/ 100
(16)
أخوه. . . الزبير: فى أنساب الأشراف 4 ب/17: «عروة بن الزبير أو غيره»
قال الشاعر يخاطب بن الزبير <من البسيط>:
لا يجعلنّك فى قيد وسلسلة
…
كيما يقول أتانا وهو مغلول
وتمثل بن الزبير بقول الشاعر عند ما سئم أن يضع رجله فى السلسلة <من البسيط>:
ولا ألين لغير الحقّ أسله
…
حتى يلين لضرس الماضغ الحجر
ولما ييس يزيد من ابن الزبير، كتب إلى عمرو بن سعيد الأشدق، وأمره أن يوجه جيشا لحرب ابن الزبير. فسيّر جيشا لحربه فقاتل لابن الزبير، فهزمه ابن الزبير وأخذ أميره أسيرا، وكان الأمير على الجيش عمرو ابن الزبير أخا عبد الله بن الزبير، لأنه كان على شرطة عمرو بن سعيد، وكان كارها لأخيه عبد الله بن الزبير. فلما أخذه حبسه ونادى: من كانت له قبل أخى عمرو مظلمة فليحضر ليقتصّ منه، فلم يزل يقتص له ممن ضربه حتى مات من ضرب السياط، ويقال: إنه لما أسر جئ به إلى أخيه عبد الله، وفى وجهه شجة يقطر منها الدم على قدميه، فتمثل بقول الشاعر <من الطويل>: