الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ما لخص من الحوادث
الخليفة عبد الملك بن مروان مقيما بدمشق، وعبد العزيز بمصر بحاله، والقاضى بها بشير، وعلى العراقين بشر بن مروان أخى عبد الملك، والحجاج على الحرمين بالحجاز.
فيها ضرب عبد الملك سكة الدنانير و [الدراهم] بالعربية. وفيها قدم نصيب الشاعر الموصوف على عبد العزيز بمصر.
ذكر نصيب وخبره ولمعا من شعره
هو نصيب بن رباح مولى لعبد العزيز بن مروان، وكان لبعض العرب من بنى كنانة الساكنين بودّان، فاشتراه عبد العزيز بن مروان منهم وقيل: بل كانوا أعتقوه، فاشترى عبد العزيز ولاءه منهم.
وقال أبو اليقضان: كان أبوه من كنانة من بنى ضمرة، وكان شاعرا فحلا فصيحا مقدّما فى النّسيب والمديح، ولم يكن له حظّ فى الهجاء.
(3)
بشير: قارن هنا ص 147، الهامش الموضوعى، حاشية سطر 11
(5)
و [الدراهم] بالعربية: فى درر التيجان 77 آ:1 - 2 (حوادث 75): «والفضة وقيل الدراهم» ، قارن أيضا النجوم الزاهرة 1/ 193
(7 - 2،213) ذكر. . . انصرفن: ورد النص فى الأغانى 1/ 324 - 331،333 - 335، 340،342،352،354،356 - 357،359 - 360،376 - 377، انظر أيضا شعر نصيب بن رباح
(8)
رباح: انظر الأغانى 1/ 324 حاشية 1
(9)
بودّان: انظر الأغانى 1/ 324 حاشية 2
وعن أيوب بن عباية قال: حدثنى رجل من خزاعة من أهل كليّة، وهى قرية كان يكون بها النّصيب وكثيّر قال: بلغنى أن النصيب قال: قلت الشعر وأنا شابّ فأعجبنى قولى، فجعلت آتى مشيخة من بنى (133) ضمرة بنى بكر بن عبد مناة، وهم موالى النّصيب، ومشيخة من خزاعة فأنشدهم القصيدة من شعرى ثم أنسبها إلى بعض شعرايهم الماضين.
فيقولون: أحسن والله! هكذا الشعر! وهكذا الكلام! فلما سمعت ذلك منهم علمت أنى محسن، فأجمعت على الخروج إلى عبد العزيز بن مروان وهو يوميذ بمصر. فقلت لأختى أمامة، وكانت عاقلة جلدة: أى أخيّة، إنى قد قلت الشعر وأنا أريد به عبد العزيز بن مروان، وأرجوا أن يعتقك الله عز وجل به وأمّك ومن كان مرقوقا من أهل قرابتى. قالت: إنّا لله وإنّا إليه راجعون! يابن أمّ، أتجمع عليك الخصلتان: السّواد، وأن تكون ضحكة للناس! قلت: فاستمعى، ثم أنشدتها فسمعت. فقالت: بأبى والله أحسنت! فى هذا والله رجاء عظيم، اخرج على بركة الله.
فخرجت على قعود لى حتى قدمت المدينة فوجدت بها الفرزدق فى مسجد النبى صلى الله عليه وسلم فعرّجت إليه فقلت: أنشده وأستنشده وأعرض عليه شعرى. فأنشدته فقال لى: ويلك! هذا شعرك الذى تطلب به الملوك!
(1)
الكليّة: انظر الأغانى 1/ 325 حاشية 2
(7)
فأجمعت: فى الأغانى 1/ 325: «فأزمعت» ، انظر الأغانى 1/ 325 حاشية 3
(11)
أتجمع: فى الأغانى 1/ 326: «أتجتمع»
(12)
ضحكة: انظر الأغانى 1/ 326 حاشية /1/ثم أنشدتها: فى الأغانى 1/ 326:
«فأنشدتها» //بأبى: فى الأغانى 1/ 326: «بأبى أنت!»
قلت: نعم. قال: فلست فى شئ، إن استطعت أن تكتم على نفسك فافعل.
قال: فانتضحت عرقا فحصبنى رجل من قريش كان قريبا من الفرزدق، وقد سمع إنشادى وسمع ما قال لى الفرزدق، فأومأ إلىّ فقمت إليه، فقال لى:
ويحك! هذا شعرك الذى أنشدته الفرزدق؟ قلت: نعم. قال: فقد والله أحسنت، والله لين كان الفرزدق شاعرا-إنا لنعرف محاسن الشعر-وقد والله حسدك فامض لوجهك ولا يكسرنّك ما قال. فسرّنى قوله وعلمت أنه قد صدقنى فيما قال. (134) قال: فاعتزمت على المضىّ، فمضيت فقدمت مصر، وبها عبد العزيز بن مروان. فحضرت بابه مع الناس، فنحّيت عن مجلس الوجوه فكنت ورائهم ورأيت رجلا على بغلة حسن المدخل، يؤذن له إذا جاء.
فانصرف إلى منزله. فانصرفت معه أماشى بغلته.
فلما رآنى قال: ألك حاجة؟ قلت: نعم، أنا رجل من أهل الحجاز شاعر، وقد مدحت الأمير وخرجت إليه راجيا لمعروفه، وقد رددت من الباب ونحّيت، قال: فأنشدنى. فأنشدته فأعجبه شعرى. فقال: ويحك! هذا شعرك؟ إياك أن تنتحل فإن الأمير راوية عالم بالشعر وعنده رواة. فلا تفضحنى ونفسك، قال: فقلت: والله ما هو إلا شعرى. قال: فقل أبياتا تذكر فيها حوف مصر وفضلها على غيرها، والقنا بها غدا. فغدوت عليه من الغد فأنشده قولى <من الطويل>:
(2)
فانتضحت عرقا: فى الأغانى 1/ 326: فانفضحت عرفا، فى الأغانى 1/ 326 حاشية 2:«تدفقت عرفا»
(5 - 6) إنا. . . حسدك: فى الأغانى 1/ 326: «لقد حسدك، فإنا لنعرف محاسن الشعر»
(16)
حوف: انظر الأغانى 1/ 327 حاشية 1
سرى الهمّ حتى تثنينى طلايعه
…
بمصر وبالحوف اعترتنى روايعه
وبات وسادى ساعد قلّ لحمه
…
عن العظم حتى كاد تبدوا أشاجعه
وذكر فيها الغيث فقال <من الطويل>:
وكم دون ذاك العارض البارق الذى
…
له اشتقت من وجه أسيل مدامعه
تمشّ به أفناء بكر ومذحج
…
وأفناء عمر وهو خصب مراتعه
فكلّ مسيل من تهامة طيّب
…
دميت الربى تسقى النجاد دوافعه
أعنّى على برق أريك وميضه
…
يضئ دجنّات الظّلاّم لوامعه
إذا اكتحلت عينا محبّ بضوءه
…
تخافت به حتّى الصّباح مضاجعه
وكم تحت ذاك العارض اللامح الذى
…
له اشتقت من زهر يروق ليانعه
وما زلت حتّى قلت إنّى لخالع
…
ولاى من مولّى نمتنى فوارعه
(135)
ومانح قوم أنت منهم مودّتى
…
ومتّخذ مولاك مولى فتابعه
(1)
سرى. . . طلايعه: فى الأغانى 1/ 327؛ شعر نصيب بن رباح ص 103: «سرى الهمّ تثنينى إليك طلائعه»
(3)
ذكر. . . فقال: فى الأغانى 1/ 327: «ذكرت. . . فقلت»
(5)
أفناء: انظر الأغانى 1/ 327 حاشية 4
(6)
دوافعه: انظر الأغانى 1/ 327 حاشية 7
(9)
وكم. . . ليانعه: فى الأغانى 1/ 327؛ شعر نصيب بن رباح ص 103:
«وكم دون ذاك العارض البارق الذى
…
له اشتقت من وجه أسيل مدامعه»
(10)
فوارعه: انظر الأغانى 1/ 328 حاشية 1
فقال: حسبك، أنت والله شاعر! احضر الباب فإنى أذكرك، قال:
فجلست على الباب ودخل، فما ظننت أنه أمكنه أن يذكرنى حتى دعا بى فدخلت فسلّمت على عبد العزيز فصعّد فىّ بصره وصوّب. ثم قال:
أشاعر؟ ويلك! قلت: نعم، أصلح الله الأمير. قال: فأنشدنى، فنشدته فأعجبه شعرى. وجاء الحاجب وقال: أيها الأمير، هذا أيمن بن خريم الأسدى بالباب. فقال: ايذن له. فدخل واطمأنّ. فقال له عبد العزيز: يا أيمن كم ترى ثمن هذا العبد؟ فنظر إلىّ وقال: لنعم الغادى فى أثر المخاض، هذا أيها الأمير أرى ثمنه ما [ية] دينار. قال: فإنه له شعرا وفصاحة. قال أيمن: أتقول الشعر ويلك؟ قلت: نعم. قال: قيمته ثلثون دينارا. قال: يا أيمن، أرفعه وتخفضه! قال: نعم، أيها الأمير، خفضته حماقته! ما لهذا وللشّعر! ومثل هذا يقول إنى أقول الشعر! أو يحسنه! فقال: أنشده، يا نصيب. فأنشدته. فقال له عبد العزيز: كيف تسمع، يا أيمن؟ قال: شعر أسود هو أشعر أهل جلدته. فقال عبد العزيز: هو والله أشعر منك. قال: أمنّى، أيها الأمير! قال: إى والله منك. قال: والله أيها الأمير، إنك لملطرف. قال: كذبت! ولو كنت كذلك ما صبرت عليك! تنازعنى، التحيّة وتؤاكلنى الطّعام، وتتّكئ على وسادتى وفرشى، وبك
(4)
أشاعر؟: فى الأغانى 1/ 328: «أنت شاعر!»
(8)
المخاض: انظر الأغانى 1/ 328 حاشية 3
(15)
لملطرف: فى الأغانى 1/ 328: «لملول طرف»
الذى بك! يعنى وضحا، وكان أيمن كذلك. فقال: أتأذن لى أن أخرج إلى بشر بالعراق واحملنى على البريد. قال: قد أذنت لك. وأمر به فحمل على البريد إلى بشر بالعراق. فقال أيمن فى ذلك <من الوافر>:
(136)
ركبت من المقطّم فى جمادى
…
إلى بشر بن مروان البريدا
ولو أعطاك بشر ألف ألف
…
رأى حقّا عليه أن يزيدا
أمير المؤمنين أقم ببشر
…
عمود الدين إنّ له عمودا
ودع بشرا يقوّمهم ويحدث
…
لأهل الزّيغ إسلاما جديدا
كأنّ التاج تاج بنى هرقل
…
جلوه لأعظم الأيام عيدا
على ديباج خدّى وجه بشر
…
إذا الألوان خالفت الخدودا
قال أيوب: يعنى بقوله «إذا الألوان خالفت الخدود» أنه عرّض بكلف كان فى وجه عبد العزيز.
قال: فأعطاه بشر ماية ألف درهم.
ولما جاز أيمن بعبد الملك قال: أين تريد؟ قال: أريد أخاك بشرا، يا أمير المؤمنين. قال: أتجوزنى! قال: إى والله، أجوزك إلى من قدم إلىّ وطلبنى. قال: فلم فارقت صاحبك؟ قال: رأيتكم، يا بنى أمية، تتّخذون للفتى من فتيانكم مؤدبا، وشيخكم والله يحتاج إلى ماية مؤدب.
فسرّ بذلك عبد الملك فى عبد العزيز، وكان عازما على أن يخلعه ويعقد لابنه الوليد.
وروى أن المديح الذى امتدح به نصيب لعبد العزيز-وهو أول ما دخل عليه-قوله <من المتقارب>:
لعبد العزيز على قومه
…
وغيرهم نعم غامره
فبابك ألين أبوابهم
…
ودارك مأهولة عامره
وكلبك آنس بالمعتفين
…
من الأم بالابنة الزايره
وكفّك حين ترى السايلي
…
ن أندى من الليلة الماطره
فمنك العطاء ومنّى الثناء
…
بكلّ محبّرة سايره
فقال: اعطوه اعطوه. قال: إنى مملوك. فدعا الحاجب وقال: بالغ (137) فى قيمته. فدعا المقوّمين فقال: قوّموا غلاما أسودا ليس به عيب.
فقالوا: ماية دينار. قال: إنه راعى الإبل يبصرها ويحسن القيام بها.
قالوا: مايتى دينار. قال: إنه يبرى القسىّ ويعقبها ويبرى السهام ويريشها.
قالوا: أربع ماية دينار. قال: إنه راوية للشّعر بصير به. قال: ستماية دينار. قال: إنه شاعر لا يلحق. قالوا: ألف دينار. قال عبد العزيز:
ادفعوها إليه. قال: أصلح الله الأمير! ثمن بعيرى الذى أضللت، وكان فى حديثه أنه خرج فى طلب بعير ظل فورد على عبد العزيز قال: وكم ثمنه؟ قال: خمسة وعشرون دينارا. قال: ادفعوها له. قال: أصلح الله الأمير! جايزتى لنفسى عن مديحى. قال: اشتر نفسك ثم عد إلينا. فأتى الكوفة وبها بشر بن مروان، فاستأذن فلم يسهل. وخرج بشر يوما متنزّها فعارضه فلما نكبه، أى صار حذاء منكبه، ناداه <من الكامل>:
(6)
بالغ: فى الأغانى 1/ 333: «فأبلغ»
(11)
يلحق: فى الأغانى 1/ 334: «يلحق حذقا»
يا بشر يابن الجعفريّة ما
قال: فأمر له بعشرة آلاف درهم، الجعفريّة التى ذكرها هى أم بشر ابن مروان، واسمها قاطبة بنت بشر بن عامر بن ملاعب الأسنّة بن مالك ابن جعفر بن كلاب. روى أن مروان بن الحكم مر ببادية بنى جعفر فرأى قاطبة بنت بشر تنزع بدلو على إبل لها، وتقول <من الرجز>:
ليس بنا فقر إلا التّشكّى
…
جرية مثل الأبك
لا ضرع فيها ولا مدرك
ثم تقول <من الرجز>:
(138)
عامان ترقيق وعام تمّما
…
لم يتّرك لحما ولم يترك دما
ولم تدع فى رأس عظم مكدما
…
إلا رذايا ورجالا رزّما
(2)
مقابلة: انظر الأغانى 1/ 334 حاشية /3/جرم: انظر الأغانى 1/ 334 حاشية 4
(7)
جرية (جربّة) مثل الأبكّ: فى الأغانى 1/ 335: «جربّة كحمر الأبكّ»
(8)
مدرك: فى الأغانى 1/ 335: «مذكّى» ؛ فى الأغانى 1/ 335 حاشية 4: «المسنّ من كل شئ. . .»
(10)
ترقيق: انظر الأغانى 1/ 335 حاشية /5/تمّما: انظر الأغانى 1/ 335 حاشية /6/ يتّرك: انظر الأغانى 1/ 335 حاشية 7
(11)
مكدما: انظر الأغانى 1/ 335 حاشية /8/رذايا: انظر الأغانى 1/ 335 حاشية /9/ رزّما: انظر الأغانى 1/ 335 حاشية 10
خطبها مروان وتزوجها فولدت بشر بن مروان.
قال إسحق: ولما قدم النصيب على عبد العزيز آيبا أبطأت جايزته فقال <من الوافر>:
إن وراء ظهرى يابن ليلى
…
أناسا ينظرون متى ااوب
أمامة منهم ولمأقتيها
…
غداة البين فى أثرى غروب
تركت بلادها وتأيت عنها
…
فأشبه ما رأيت بها السّلوب
فاتبع بعضنا بعضا فلسنا
…
نثيبك لكن الله المثيب
فعجّل جايزته وسرّحه.
وعن الزهرى قال: حدّثنى نصيب قال: دخلت على عبد العزيز فقال: أنشدنى قولك <من الطويل>:
إذا لم يكن بين الخليلين ردّة
…
سوى ذكر شئ قد مضى درس الذّكر
فقلت: هذا ليس لى، هذا لأبى صخر الهذلىّ ولكننى الذى أقول <من الطويل>:
وقفت بذى ودّان أنشد ناقتى
…
وما إن بها لى من قلوص ولا بكر
(5)
لمأقتيها: انظر الأغانى 1/ 340 حاشية /2/غروب: انظر الأغانى 1/ 340 حاشية 4
(6)
السّلوب: انظر الأغانى 1/ 340 حاشية 4
(11)
ردّة: انظر الأغانى 1/ 342 حاشية 2
(14)
بذى وذان: انظر الأغانى 1/ 342 حاشية 3
فقال لى عبد العزيز: جايزة لك على صدق حديثك، وجايزة على شعرك. فرحت بألفى دينار.
وعن عثمن بن حفص عن أبيه قال: رأيت نصيبا وكان أسود خفيف العارضين ناتئ الحنجرة.
وعن عبد الرحمن بن أخى الأصمعى عن عمه قال: كان النصيب يكنا أبو الحجناء، فهجاه شاعر من أهل الحجاز فقال <من الطويل>:
رأيت أبا الحجناء فى الناس حايزا
…
ولون أبى الحجناء لون البهايم
تراه على ما لاحه من سواده
…
وإن كان مظلوما له وجه ظالم
فقيل لنصيب: ألا تجيبه! فقال: لا ولو كنت هاجيا أحدا لأجبته، (139) ولكن الله أوصلنى بهذا الشعر إلى خير، فجعلت على نفسى أن لا أقوله فى شرّ، وما وصفنى إلا بالسواد وقد صدق، أفلا أنشدكم؟ قالوا:
بلى ويا حبذا. فأنشدهم قوله <من الكامل>:
ليس السواد بناقصى ما دام لى
…
هذا اللسان إلى فؤادى نابت
من كان يرفعه منابت أصله
…
فبيوت أشعارى جعلن منابت
كم بين أسود ناطق ببيانه
…
ماض الجنان وبين أبيض صامت
إنى ليحسدنى الرفيع بنايه
…
من فضل ذاك وليس بى من شامت
(14)
منابت: فى الأغانى 1/ 352: «منابتى»
ويروى «بناه فضل البيان» .
وعن الأصمعى إنه كان إذا أنشد هذه الأبيات يقول: قاتل الله نصيبا ما أشعره! وهى <من الطويل>:
إن يكن من لونى السواد فإنّنى
…
لكالمسك لا يروى من المسك ذايقه
إذا المرء لم يبذل من الودّ مثل ما
…
بذلت له فاعلم بأنّى مفارقه
وما ضرّ أثوابى سوادى وتحته
…
لباس من العلياء بيض بنايقه
وعن أسمعيل بن المختار مولى آل طلحة، وكان شيخا كبيرا قال:
حدّثنى النصيب أنه خرج هو وكثيّر والأحوص غبّ يوم مطرت فيه السماء. فقال: هل لكم فى أن نركب حميرا فنسير حتى نأتى العقيق فنبقى على أبصارنا؟ قالوا: نعم. فركبوا أفضل ما يقدرون عليه من الدواب، ولبسوا أحسن ما يقدرون عليه من الثياب، وتنكّروا وساروا حتى أتوا العقيق. فجعلوا يتصفحون ويرون بعض ما يشتهون، حتى رفع لهم سواد عظيم فأمّوه حتى أتوه. فإذا وصايف ورجال من الموالى ونساء بارزات. فسألوهم أن ينزلوا فنزلوا، ودخلت امرأة من النساء فاستأذنت لهم. فلم تلبث أن جاءت. فقالت: ادخلوا. فدخلوا على امرأة برزة
(1)
ويروى. . . البيان: فى الأغانى 1/ 352: «ويروى مكان من فضل ذاك، فضل البيان وهو أجود»
(6)
بنايقه: انظر الأغانى 1/ 354 حاشية 5
(9)
حميرا: فى الأغانى 1/ 356: «جميعا»
(14)
فسألوهم: فى الأغانى 1/ 356: «فسألنهم»
(140)
على فرش لها. فرحّبت وحيّت، فإذا كراسىّ موضوعة فجلسن جميعا فى صفّ واحد كلّ إنسان على كرسىّ. فقالت: إن أحببتم أن ندعوا بصبىّ فنصيّحه ونعرك أذنيه فعلن، وإن شيتم بدأنا بالغداء. فقلن:
أبتديى بالصبىّ؟ فلن يفوتنا الغداء. فأومأت بيدها إلى بعض الخدم فلم يكن إلا كلا ولا، حتى جاات جارية جميلة قد سترت بمطرف فأمسكوه عليها حتى ذهب بهرها. ثم كشفوه عنها فقالت لها مولاتها: ويحك! من قول نصيب عافا الله أبا محجن فقالت <من الطويل>:
ألا هل من البين المفرّق من بدّ
…
وهل مثل أيام بمنقطع السعدى
تمنّيت أيّامى أوليك والمنى
…
على عهد عاد ما تعيد ولا تبدى
فغنّته فجاات به كأحس ما سمعت بأحلا لفظ وأشجا صوت. ثم
(3)
نعرك: انظر الأغانى 1/ 357 حاشية 1
(4)
ابتديى (ابتدئى): فى الأغانى 1/ 357: «بلى تدعين»
(5)
كلا: انظر الأغانى 1/ 357 حاشية 3
(6)
بهرها: انظر الأغانى 1/ 357 حاشية 5
(8)
بمنقطع السعدى (السّعد): انظر الأغانى 1/ 357 حاشية 7
(9)
تعيد ولا تبدى: انظر الأغانى 1/ 357 حاشية 8
قالت لها: خذى أيضا من قول أبى محجن عافا الله أبا محجن. فقالت <من الكامل>:
أرق المحبّ وعاده سهده
…
لطوارق الهمّ التى ترده
وذكرت من رقّت له كبدى
…
وأبا وليس ترقّ لى كبده
لا قومه قومى ولا بلدى
…
-فنكون حينا جيرة-بلده
ووجدت وجدا لم يكن أحد
…
قبلى من اجل صبابة يجده
قال: فجاات به أحسن من الأوّل، فكدت أطير سرورا. ثم قالت لها: ويحك! خذى من قول أبى محجن عافا الله أبا محجن. فقالت <من الطويل>:
فيا لك من ليل تمتّعت طوله
…
وهل طايف من نايم متمتّع
نعم إن ذا شجو متى يلق شجوه
…
ولو نايم مستعتب أو مودّع
له حاجة قد طال ما قد أسرّها
…
من الناس فى صدر له يتصدّع
تحمّلها طول الزمان لعلّها
…
يكون لها يوم من الدهر منزع
(141)
وقد قرعت إلى أمّ عمرو ولك العصا
…
قديما كما كانت لذى الحكم تقرع
(12)
صدر له: فى الأغانى 1/ 358؛ شعر نصيب بن رباص ص 101: «صدر بها»
(14)
الحكم: فى الأغانى 1/ 359؛ شعر نصيب بن رباح ص 101: «الحلم»
قال: فجاات به شئ حيرنى وأذهلنى طربا لحسن الغناء وسرورا باختيارها الغناء فى شعرى. ثم قالت: خذى عافاك الله فى قول أبى محجن عافا الله أبا محجن. فقالت <من البسيط>:
يأيّها الرّكب إنّى غير تابعكم
…
حتى تلمّوا وأنتم بى ملمّونا
فما أرى مثلكم ركبا كشكلكم
…
يدعوهم ذو هوا لا يعودونا
أو خبّرونى عن دايى بعلمكم
…
وأعلم الناس بالداء الأطبّونا
قال نصيب: فو الله لقد زهوت لما سمعت زهوا خيّل لى أنى من قريش وأن الخلافة لى. ثم قالت: حسبك يا بنيّة، هات الطعام، يا غلام! فوثب الأحوص وكثيّر وقالا: والله لا نطعم لك طعاما ولا نجلس لك فى مجلس فقد أسأت عشرتنا واستخففت بنا، وقدمت شعر هذا على أشعارنا، واستمعت الغناء فيه، وإن فى أشعارنا لما يفضل شعره، وفيه من الغناء ما هو أحسن من هذا. فقالت: على معرفة والله كل ما كان منّى من غير جهل بكم، ولا أذنت لكم إلا بعد معرفتى بكم، وأىّ شعركما أفضل من شعره؟ أقولك يا أحوص <من الطويل>:
يقرّ بعينى ما يقرّ بعينها
…
وأحسن شئ ما به العين قرّت
(1)
شئ: فى الأغانى 1/ 359: «فجاءت والله بشئ» ، انظر أيضا الأغانى 1/ 359 حاشية 3
(5)
يعودونا: فى الأغانى 1/ 359؛ شعر نصيب بن رباح ص 138: «يعوجونا»
(6)
الأطبّونا: انظر الأغانى 1/ 359 حاشية 5
أم قولك يا كثيّر فى عزّة <من الطويل>:
وما حسبت ضمريّة عدوية
…
سوى التّيس ذى القرنين أنّ لها بعلا
أم قولك أيضا <من الوافر>:
إذا ضمريّة عطست فنكها
…
فإنّ عطاسها طرف السفات
قال: فخرجا مغضبين وحبستنى، ففغدت عندها، وأمرت لى بثلثماية (142) دينار وحلّتين وطيب. ثم دفعت إلىّ مايتى دينار وقالت: ادفعهما لصاحبيك، فإن قبلاها وإلا فهى لك. فأتيتهما إلى منازلهما وأخبرتهما بالقصة. فأما الأحوص فقبلها، وأما كثيّر فلم يقبلها وقال: لعن الله صاحبتك وجايزتها ولعنك معها. فأخذتها وانصرفت. قال الراوى:
وسألت النّصيب عن المرأة من بنى أمية فقال: من بنى أمية ولا أذكرها أبدا.
وعن أبى عبيدة قال: أتى النّصيب مكة شرفها الله تعالى فقصد المسجد الحرام ليلا، فبينا هو كذلك إذ طلع ثلاث نسوة فجلسن قريبا منه وجعلن يتحادثن ويتذاكرن الشعر والشعراء. وإذا هنّ من أفصح النساء وآدبهن. قالت إحداهن: قاتل الله جميلا حيث يقول <من الطويل>:
وبين الصّفا والمروتين ذكرتكم
…
بمختلف من بين سامح ومرجف
وعند طوافى قد ذكرتك ذكرة
…
هى الموت بل كادت على الموت تضعف
(2)
ضمريّة: انظر الأغانى 1/ 360 حاشية /1/عدوية: فى الأغانى 1/ 360: «جدويّة»
(6)
ادفعهما: فى الأغانى 1/ 360: «ادفعها»
(10)
عن المرأة من بنى أمية: فى الأغانى 1/ 360: «ممن المرأة؟»
فقالت الأخرى: بل قاتل [الله] كثير عزّة حيث يقول <من الطويل>:
طلعن علينا بين مروة والصّفا
…
يمرن على البطحاء مور السحايب
وكدن لعمر الله يحدثن فتنة
…
بمختشع من خشية الله تايب
فقالت الثالثة: بل قاتل الله بن الزانية نصيبا حيث يقول <من الطويل>:
ألام على ليلى ولو أستطيعها
…
وحرمة ما بين البنيّة والسّتر
لملت على ليلى بنفسى ميلة
…
ولو كان فى يوم التّحالق والنّحر
قال: فقام نصيب إليهن وسلّم عليهم فرددن عليه السلام، وقال لهنّ: إنى رأيتكنّ تتجاذبن شيا عندى منه علم. فقلن: من أنت؟ قال:
اسمعن أوّلا. قلن: هات، فأنشدهنّ قصيدته التى أوّلها <من البسيط>:
(143)
ويوم ذى سلّم شاقت ناحيه
…
ورقاء فى فنن والريح تضطرب
فقلن له: نسألك الله وبحقّ هذا البيت، من أنت؟ فقال: أنا ابن المظلومة المقذوفة من غير جرم، أنا نصيب. فقمن له وسلّمن عليه ورحّبن به، واعتذرت القايلة إليه وقالت: والله ما أردت سوءا، وإنما
(3)
يمرن: انظر الأغانى 1/ 377 حاشية 2