الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
خيرا لها، لكن {كانَ ذلِكَ فِي الْكِتابِ مَسْطُوراً}. قال: فلم يجبه معوية بشئ. فلما كان فى الليل بعث إليه بماية ألف درهم.
ذكر سنة خمسين هجرية
النيل المبارك فى هذه السنة:
الماء القديم ذراعان وستة وعشرين إصبعا. مبلغ الزيادة ست عشر ذراعا وأربعة أصابع.
ما لخص من الحوادث
الخليفة معوية رضى الله عنه، والنواب بحالهم. [وفيها توفى المغيرة ابن شعبة وأضا. . . الكوفة. . . مع البصرة].
وفيها أخذ معوية (28) العهد لولده يزيد بالشام، وبعث بها إلى العراق والحجاز، وفرّق فى ذلك أموالا جمة. فبايع الناس بأجمعهم له بالسمع والطاعة إلا خمس نفر، وهم الحسين بن علىّ عليهما السلام، وعبد الرحمن ابن أبى بكر، وعبد الله بن عمر، وعبد الله بن الزبير، وعبد الله بن عباس رضى الله عنهم. وكان ذلك بعد وفاة الحسن عليه
(5)
ستة وعشرين (عشرون): فى النجوم الزاهرة 1/ 141: «ستة عشر»
(8 - 9) المغيرة بن شعبة: انظر الكامل 3/ 461
(10 - 14) وفيها. . . عنهم: انظر تاريخ الطبرى 2/ 173 - 177 وأيضا فيها: فى تاريخ الطبرى 2/ 173 (حوادث 56): «وفيها دعا معاوية الناس إلى بيعة ابنه يزيد من بعده، وجعله ولىّ العهد»
السلام فى هذه السنة حسبما تقدم من ذكر ذلك وسببه.
[فصح: قيل إن الحسن صلوات الله عليه توفى يوم الخميس رابع شهر صفر من سنة إحدى وخمسين، وأنه قبل موته بثلاثة أيام، خرج على أصحابه متوكيا على عصاه فقال: والله ما خرجت إليكم حتى قلبت من كبدى بعود، ولقد سقيت السمّ مرارا، فلم يك أصعب من هذه. فقالوا:
من فعل بك هذا يابن رسول الله؟ قال: وما تريدون به؟ قالوا: نطالبه بدمك. قال: إنكم لا تقدرون عليه، الله حى ونبيه].
وكان معوية لما استقر له الأمر أخرج الحسن والحسين وعبد الله بن جعفر إلى المدينة. فلقاهم قوم قالوا للحسن عليه السلام: السلام عليك يا مذل العرب، السلام عليك يا مذل المؤمنين. فقال الحسن رضى الله عنه:
كرهت أن أسفك دما. الإسلام على ملك الدنيا والآخرة خير وأبقى.
قال الحافظ أبو نعيم فى تاريخه: إنه لما نصّب معوية ولده يزيد لولاية العهد أقعده فى قبة حمراء فجعل الناس يسلمون على معوية، ثم يسلمون على يزيد، حتى جاء رجل ففعل ذلك. ثم رجع إلى معوية
(2 - 3) يوم. . . خمسين: تعطى فيتشا فالييرى فى مقالة «الحسن بن علىّ بن أبى طالب» 242، تواريخ لوفاته: سنة 49،50،48،58،59
(4 - 7) فقال. . . نبيه: قارن الإرشاد 192؛ مروج الذهب 3/رقم 1759
(12)
أبو. . . تاريخه: لم أقف على هذا النص فى تاريخ أبى نعيم ولكن ورد النص فى وفيات الأعيان 2/ 500 - 501
(12 - 12،) 44 لما. . . فرجه: ورد النص فى وفيات الأعيان 2/ 500 - 501
فقال: يا أمير المؤمنين، إنك لو لم تولّ هذا أمور المسلمين لأضعتها، والأحنف بن قيس جالس. فقال له معوية: ما لك ألا تقول، يا با بحر؟ فقال: أخاف الله إن كذبت، وأخافكم إن صدقت. فقال له معوية: جزاك الله عن الطاعة خيرا، وأمر له بألوف كثيرة. فلما خرج لقيه ذلك الرجل بالباب فقال: يا با بحر، إنى لأعلم أن شرّ خلق الله هذا وابنه، ولكنهم قد استوثقوا من هذه الأموال بالأبواب والأقفال، وليس نطمع فى استخراجها إلا كما سمعت. فقال له الأحنف: أمسك عليك، إن ذا الوجهين خليق أن لا يكون {عِنْدَ اللهِ وَجِيهاً.}
ومن كلام الأحنف يقول: ما خان شريف، ولا كذب عاقل، ولا (29) اغتاب مؤمن. وسمع رجلا يقول: ما أبالى أمدحت أم ذممت.
فقال: لقد استرحت من حيث تعب الكرام. وكان يقول: جنبوا مجلسنا ذكر الطعام والنساء، فإنى أبغض الرجل يكون وصافا لبطنه وفرجه.
قال المسعودى رحمه الله: ولما امتنع أوليك النفر الخمس عن البيعة ليزيد، كتب بذلك مروان بن الحكم إلى معوية فعظم عليه. وحج فى عامه، فلما قرّب من المدينة خرج الناس إلى لقايه، وفيهم النفر المذكورين خلا عبد الله بن عباس. فلما رآهم معوية قطب فى وجوههم.
(13)
المسعودى: لم أقف على هذا النص فى مروج الذهب
ثم قال: ما أعرفنى بسفهكم وطيشكم! فقال له الحسين عليه السلام: مهلا يا معوية، فإنا لسنا أهلا هذه المقالة. فقال معوية: بلى والله، وأشد منها وأغلظ، فإنكم تريدون أمرا، ويأبى الله ما تريدون. ثم دخل المدينة فنزلها. وجاء الناس يسلمون عليه. فجعل يشكوا من هؤليك الأربع. ثم جاؤا يدخلون عليه. فلم يأذن لهم، فركبوا رواحلهم ومضوا إلى مكة شرفها الله تعالى. ثم صعد معوية المنبر وقال فى أثناء خطبته: ومن أحق بالخلافة من يزيد، فى فضله وأدبه وهديه وموضعه من قريش؟ وإنى أرى أقواما يعيبونه، وما أظنهم مقلعين حتى تصبهم بوايق، ولقد أنذرت قبل أن يقع الاعتذار وذكر هؤلاى الأربع. ثم قال: والله ورب الكعبة، إذ لم يبايعوا لتكونن عليهم شؤما. ثم نزل فأتته عايشة رضى الله عنها. فقالت:
يا معوية، قد قتلت أخى محمّدا بثأرك على ما زعمت أنك أنت صاحبه ولست كذلك. ثم قدمت المدينة فأخذت أبناء الصحابة بالشدة والعسف، والكلام الشّين. وأنت من الطلقاء الذين لا تحل لهم الخلافة، وكان أبوك (30) من الأحزاب، وليس مثلك من يهدد هؤلاى. فقال معوية: هم والله عندى أعزّ من سمعى وبصرى، ولكنى أخذت البيعة ليزيد. وقد بايعه جميع الناس! أفترين يا أم المؤمنين أن أنقض بيعته؟ وقد تمّت وخدعها بلين القول. فقال: فليكن ذلك منك بالرفق، فإنك تبلغ منهم ما أحببت.
قال: فأحضر معوية عبد الله بن عباس رضى الله عنه، وشكى إليه
الحسين عليه السلام. فقال بن عباس: قد مضى الأول بما فيه وأعلم أن كان عليّا قد ذهب فهذا ابنه، وليس على وجه الأرض ابن بنت نبى سواء.
فقال معوية: يابن عباس، إنه لكما ذكرت. ثم أمر له بأموال جمة واستصحبه معه إلى مكة. فلما قربوا منها خرج الناس للقايه، وفيهم الأربعة المذكورين. فلما رآهم معوية حرك إليهم وأقبل على الحسين فقال: مرحبا بأبى عبد الله سيد شباب أهل الجنة. وقال بعده لعبد الرحمن ابن أبى بكر: مرحبا بشيخ قريش وابن صديقها. وقال لابن عمر: مرحبا بابن صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقال لابن الزبير: مرحبا بابن حوارى رسول الله صلى الله عليه وسلم. ثم قدم لهم أربع مراكب وركبهم وأدناهم. ولما استقر أنفذ إليهم بجوايز سنية، وزاد الحسين أضعافها عنهم فردها الحسين عليه ولم يقبلها.
ثم استدعا الحسين عليه السلام وخلا به. وقال: يا با عبد الله، إنى لم أترك بلدا إلا وأخذت فيه العهد والبيعة لأخوك وابن عمك يزيد. وإنى لو علمت أحدا أحق بها لأمة محمّد بايعت له. فقال الحسين: لا تقل هذا، يا معوية! فإنك تركت من هو خير منه أبا وأما وحسبا ونسبا. فقال معوية: أظنك تريدها لنفسك. فقال الحسين عليه السلام: (31) وما ينكر من ذلك، يا معوية؟ فقال معوية: أما أمك فخير من أمه. وأما أبوك فله سابقة وفضيلة وقرابة ليست لأحد. ولكن قد جاءكم أبوك لى فقضى لى عليه. فو الله يزيد خير لأمة محمّد منك. فقال الحسين عليه السلام: يزيد الخمور، يزيد الفجور، خير لأمة محمّد من ابن بنت نبيهم؟ فقال معوية:
مهلا، يا با عبد الله، فو الله إنك لو ذكرت عند يزيد ما ذكر منك
لأحسنا. فقال الحسين: إن علم منى ما أعلم منه فليقل. فقال معوية:
اتق الله يا با عبد الله فى نفسك واحذر أهل الشام إن سمعوا منك ما سمعته أنا منك، فإنهم أعداء أبيك وأعدايك!
قال: ثم أحضر عبد الرحمن بن أبى بكر. فبدأه عبد الرحمن بالكلام قبل كلام معوية وقال: والله لا نبايع لابنك يزيد يوميذ أبدا، ولنردن الأمر شورى بين المسلمين. فقال معوية: إنى لأعرف سفهك، ولقد هممت أن أفعل بك كذا وكذا. فقال عبد الرحمن: يدركك الله به فى الدنيا ويدخر لك العقوبة فى الآخرة. فقال معوية: اللهم اكفنى شر هذا الشيخ، يا هذا اتق الله فى نفسك إن سمع أهل الشام هذا منك! فقال عبد الرحمن: أما نحن فقد اتقينا الله تعالى وجلسنا فى منازلنا! فلم تدعنا حتى تدعونا لبيعة يزيد الخمور والفجور والفهود والقرود. ثم وثب مغضبا ومضى.
قال: ثم أحضر عبد الله بن عمر بن الخطاب فقال: عهدى بك، تكره الفرقة وتقول: لا أحب أن أبت ليلة ليس علىّ أميرا. إنى أحذرك أن تشق العصاة فى فساد ذات البين. فقال عبد الله بن عمر: يا معوية، قد كان قبلك أيمة لهم أبناء، وما ابنك بأفضل منهم. فلم يوصوا لهم بشئ، غير أنه ليس عندى خلاف لك، إن اجتمع الناس (32) على ابنك وافقتهم.
قال: فشكره معوية.
قال: ثم أحضر عبد الله بن الزبير. فلما رآه قال: ثعلب روّاغ كلما سد عليه جحر خرج من حجر، يابن الزبير! نفخت فى مناخر هؤلاء وحملتهم على غير دأبهم. فاتق الله ولا تكن مستاقا! فقال بن الزبير: يا معوية، ما كان عليه السلف من الأخيار والشورى، فنحن عليه. فقال معوية: امسك لسانك يا هذا، واحذر أهل الشام على نفسك. فإذا خلوت منى فقل ما أحببت، فإنى محتملك بخلاف الغير. ثم أمر لهم بجوايز جزيلة ولساير بنى هاشم. فكل قبل ذلك إلا الحسين عليه السلام فإنه لم يقبل منها شئ. فلما كان من الغد أوصى معوية أهل الشام بما أحب.
ثم خلى بالأربعة وعاودهم فى أمر البيعة ليزيد. فقال الكل عن لسان واحد: افعل، يا معوية كما فعل رسول الله وأبى بكر وعمر وعلىّ، لم يستخلف رسول الله صلى الله عليه وسلم أحد، وترك أبو بكر أولاده، وتركها عمر شورى بين ستة، وتركها على شورى بين المسلمين. فاختاروا لهم الحسن. فلما ياس منهم صعد المنبر بعدما جمع أهل الشام إليه، وأجلس الأربعة بين يديه وقال: أيها الناس إن هؤلاى قد قيل عنهم إنهم لم يبايعوا لولدى يزيد. وها هم عندى سادة المسلمين وقد بايعوا وأطاعوا.
فلم يستتم كلامه حتى شهروا أهل الشام سيوفهم وقالوا: يا أمير المؤمنين، ما الذى تعظمه من هؤلاء الأربع، أتأذن لنا فى ضرب رقابهم؟ فإنا لا نقنع