الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الناصر لدين الله عبد الرحمن بن محمد بن عبد الله
لما توفى عبد الله، نظر أهل قرطبة فيمن يولوه عليهم من شباب بنى أمية وفتيانها، فوقع رأيهم على عبد الرحمن بن محمد المقتول الذى قتله أخوه المقدم ذكره. فولى فى وقت لحظه السعد بطرفه. ومال إليه الإقبال بعطفه وأسعفه التوفيق بعطفه. فبويع فى يوم الخميس (306) مستهل ربيع الأول سنة ثلثماية صبيحة ليلة وفاة جده، وطلب منهم مالا يستعين به على مصالح جيشه فلم يجد. واتفق من أسباب سعادته أن صاحب المدور وهو حصن بقرب قرطبة أغار عليه فى نحو من ثلثماية فارس فخرج إليه عبد الرحمن فى نحو المايتين فهزمه وأسره فسلم إليه الحصن بكل ما فيه فوجد به أموالا أكفته فى ذلك الوقت.
ثم لم يزل الدهر يخدمه والأيام تمثل أمره حتى أباد جميع التواير فى بلاد الأندلس من خمسة وعشرين سنة، والتقى مع بن حفصون فى وادى التفاح بجيّان، وكان ابن حفصون فى عشرين ألف فارس، وكان عبد الرحمن فى سبعة آلاف فهزمه عبد الرحمن وأفنى أكثر من معه قتلا وأسرا، وحصره فى حصن ببشتر حتى توفى، وانقرض بنوه.
(5 - 6) الخميس. . . ثلثماية: كذا فى البنيان المغرب 2/ 156،158؛ وفقا لزامبور، كتاب الأنساب 3، حكم من صفر سنة 300
(7 - 9،478) واتفق. . . بالأثقال: ورد النص فى نهاية الأرب 23/ 397 - 399
(7)
صاحب المدور: فى نهاية الأرب 23/ 397: «صاحب الدّوجر»
وبعث إلى المغرب الأوسط فملك سبتة وفاس وسجلماسة وغيرها من المدن الفجج. وغزا الروم بعد ذلك اثنى عشرة غزوة، حتى دوّخ بلادها ووضع عليهم جالية يؤدونها، وكان فيما اشترط عليهم اثنى عشر ألف صانع يصنعون له مدينة بناها وسماها الزهراء، وهذه المدينة على ثلثة أميال من قرطبة، أسندها إلى سفح الجبل، وساق المياه إليها، وجعل شكلها مستديرا يزيد على ثلثماية برج سوى أبدانها من الحجارة، وقسمها أثلاثا. فالثلث الذى يلى الجبل لقصوره ومنازله، والثلث الآخر دور الخدم، وكانوا اثنى عشر ألف خادم بمناطق الذهب وسيوف الحلى، يركبون لركوبه، والثلث الآخر بساتين تحت مناظر القصور. جلب إليها أنواع الفواكه والكروم. (307) ومن غريب ما بناه فيها مجلس مشرف على البساتين، مرفوع على العمد، مبنى على الرخام المجزّع، مصفّح بالذهب، مرصّع باليواقيت وأنواع الجواهر. وصنع أمام المجلس بحرا ملأه بالزيبق. فكان النور ينعكس منه إلى المجلس وعاد مدهشه.
وكان قاضيه بقرطبة الفقيه منذر بن سعيد البلّوطىّ وكان مزاحا يطمع
(3)
جالية: فى نهاية الأرب 23/ 398: «جزية» ؛ فى نهاية الأرب 23/ 398 حاشية 1:
(4)
الزهراء: انظر مثلا البيان المغرب 2/ 231 - 232؛ الروض المعطار ص 95؛ المنجد (فى الأعلام)، مادة «مدينة الزّهراء» ، ص 648؛ نفح الطيب 8/ 205 (كتاب الفهارس)
(8)
سيوف الحلى: فى نهاية الأرب 23/ 398: «السيوف المحلاة»
(14)
منذر. . . البلّوطىّ: فى البيان المغرب 2/ 233: «قضاته: منذر بن سعيد البلّوطىّ قاضى أبيه، ثم أبو بكر محمد بن السّليم» ، انظر الكامل 8/ 674 - 675، قارن نفح الطيب 1/ 372 - 376
(14 - 3،478) وكان. . . فاستفتح: هذا النص ناقص فى نهاية الأرب 23/ 397 - 399
فيه من يراه. فإذا عرض أمر دينى لم يأخذه فى الله لومة لايم، فاستأذن فى بعض الأيام على الناصر، فأذن له فدخل فوقف فقال له الناصر:
اجلس أيها القاضى! فاستفتح وقرأ: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم {وَلَوْلا أَنْ يَكُونَ النّاسُ أُمَّةً ااحِدَةً لَجَعَلْنا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفاً مِنْ فِضَّةٍ وَمَعارِجَ عَلَيْها يَظْهَرُونَ} إلى قوله: {وَالْآخِرَةُ عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ} .
فقال عبد الرحمن: وعظت فأحسنت. ثم أمر بنزع ما على المجلس من صفايح الذهب والفضة.
وكمل بناء الزهراء فى اثنى عشرة سنة، بألف بنّاء فى كل يوم، مع كل بنّاء اثنا عشر رقاصا لكونها مبنية بالأثقال.
ذكر أبو الحسن بن الصفار أن يوسف ابن تاشفين لما دخل الزهراء وقد خربت من تسعين عاما ونقل أكثر ما فيها إلى قرطبة وإشبيلية قال لما رأى خرابها وآثار بنايها: هذا بناء رجل سفيه. فقال له الفقيه أبو مروان بن سراح: كيف تسمى بانيها سفيها، وإحدى حظاياه أخرجت مالا تشترى به أسرى. فلم يوجد ببلاد الروم أسير يفدى. وإنما صنع ما صنع ليضاهى مبانى الروم كحصن مرياطة وطركونة وقرطاجنّة وغيرهم. وسكن هذه
(10)
يوسف ابن (بن) تاشفين: انظر الأعلام 9/ 294 - 295
(15)
طركونة: انظر الروض المعطار ص 125 - 127؛ معجم البلدان /6/ 44/قرطاجنّة:
انظر أخبار مجموعة (الفهرست الجغرافى 11)؛ الروض المعطار ص 74، وغير واضح أىّ بلد هو المقصود بهذا الاسم
المدينة لما كملت خمسا وعشرين سنة وقد كان (308) عمّر مركبا عظيما وسفره إلى الإسكندرية فى سنة ثلث وأربعين وثلثماية، فصادف فى طريقه إليها مركبا لأبى تميم معدّ المنعوت بالمعزّ ملك إفريقية والقيروان قبل مملكته مصر، وفيه ذخاير وكتب. فاستعلى عليه مركب الناصر لكبره فأخذه ومضى إلى الإسكندرية وعاد إلى المريّة. وجهز المنعوت بالمعزّ أسطولا عظيما وولى عليه ابن أبى الحسين واليه على صقلية. فأتى إلى مرسى المرية فى سنة أربع وأربعين وثلثماية، فأحرق ما فيه من المراكب، وفى جملتها المركب المقدم ذكره. ولما بلغ الناصر ذلك بعث غالبا القايد فى سبعين مركبا إلى إفريقية فأحرق مرسى باب الجزيرة وبونة. ثم عاد إليه.
ولم يكن أحد من قبل عبد الرحمن ينعث بأمير المؤمنين، وإنما كانوا يسمون بأبناء الخلفاء وأبناء الخلايف. فلما ولى عبد الرحمن تسمى بأمير المؤمنين ونعث بالإمام الناصر لدين الله. وولد الناصر يوم الخميس لتسع بقين من رمضان سنة سبع وسبعين ومايتين. وتوفى بالزهراء ليلة الأربعاء لليلتين خلتا من شهر رمضان سنة خمسين وثلثماية. وكان عمره ثلثا وسبعين سنة وسبعة أشهر. وكانت مدة مملكته خمسين سنة. وحمل
(8)
غالبا: انظر هنا ص 484:15
(9)
بونة: انظر المنجد (فى الأعلام)، مادة «عنّابة» 479
(11 - 3،480) ولم. . . البلّوطىّ: ورد النص فى نهاية الأرب 23/ 397 - 399 باختلاف بسيط
(16)
خمسين سنة: فى البيان المغرب 2/ 156: «خمسين سنة وستة أشهر وثلاثة أيام» ، قارن أيضا نهاية الأرب 23/ 399