الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ذكر مقتل بن الزبير رحمه الله
وكان يقال لابن الزبير: ادخل الكعبة فيقول: ما باطن الكعبة إلا كظاهرها عند الحجاج ولكنى أصبر وأحتسب. وشرب بن الزبير الصبر أياما، ثم المسك مخافة أن يصلب فيشّم منه ما يكره، ولما قتل وصلب ربط إلى جنبه هرة ميتة. فغلبت رايحة المسك عل (126) ريحها.
وقالت له أمه أسماء بنت أبى بكر رضى الله عنهما قبل قتله بيوم:
والله ما أنتظر إلا أن تظفر فأسرّ بك أو تقتل فأحتسبك، فإن كنت على حق وبصيرة فى أمرك فما أولاك بالجدّ ومنازلتهم. فقال: والله لست أخاف الموت ولكنى أخشى المثلة. فقالت: يا بنى، الشاة المذبوحة لا تألم بالسلخ. وخرج بن الزبير فحمل على الناس فكشفهم، وقامت أمه تدعوا الله عز وجل وتقول: اللهم إنه كان معظما لحرمتك وقد جاهد فيك أعداءك، وبذل فيهم نفسه رجاء ثوابك فلا تخيّبه اللهم ارحم طول ذلك السجود، وذلك الظماء فى الهواجر، وإنى لا أقول ذلك تزكية له ولكنه الذى أعلم منه وأنت أعلم بسرّه وعلانيته، اللهم إنه كان برّا بوالديه فاشكر ذلك له.
(2 - 7،190) وكان. . . أخيار: ورد النص فى أنساب الأشراف 5/ 195،364 - 369، 371 - 372،377 باختلاف متفارق
وقال ابن أبى مليكة: ما ما رأيت أحدا أحسن مناجاة لربّه من بن الزبير.
فلما كان اليوم الذى قتل فيه جاء إلى أمه وعليه درعه ومغفره، فودعها وقبّل يدها وخرج. فقاتل أشد قتال، وقتل صاحب علمه وانكشف الناس عنه، وقاتل بغير علم، وشحنت الأبواب بأهل الشام فأصابته رمية فد [ك]، فصاحت زوجته: وأمير المؤمنيناه. وقيل إن أصحاب الحجاج لما شدوا عليه قال: أين أهل مصر؟ فقيل: هم هؤلاء. فقال لأصحابه:
اكسروا أغماد سيوفكم. ثم حمل فكان يضرب بسيفين فهزمهم. ثم حمل أهل حمص من باب بنى شيبة. فسأل عنهم فقيل: أهل حمص. فشد عليهم حتى أخرجهم من المسجد، ويقول <من الرجز>:
لو كان قرنى واحدا كفيته
…
أوردته الموت وقد دكّيته
ثم جاءه حجر من ناحية الصفا فضربه بين عينيه فنكس رأسه (127) وهو يقول <من الطويل>: ولسنا على الأعقاب تدمى كلومنا، البيت. ثم حمل موليان له وأحدهما يقول: العبد يحمى ربّه ويحتمى. ثم دخلوا عليه فلم يزالوا يخبطوه بالسيوف حتى قتلوه. ولما فرغوا من قتله كبروا تكبيرة واحدة فقال بن عمر رضى الله عنه: التكبير يوم ولد خير. ثم أخذ وصلب.
ودخل الحجاج مكة، وسير بالفتح لعبد الملك، وسير برأس عبد الله إليه.
(11)
لو. . . دكّيته: هذا البيت ناقص فى أنساب الأشراف ج 5 ولكن ورد الصدر فى تاريخ الطبرى 2/ 849؛ العقد الفريد 4/ 416
(13)
ولسنا. . . كلومنا: انظر هنا ص 106:1
فلما رآها عبد الملك سجد ونصبها للناس بعد ما بعثها للنواحى، وطلبت أسماء أمه أن تدفنه، فمنعها الحجاج من ذلك فقالت: قاتل الله المبير علام يحول بينى وبين جثّته. ووكّل الحجاج بجثّته من يحرسها وهى على خشبته، فلامه عبد الملك، فمكن أمه من دفن [هـ] فوارته بمقبرة بالحجون، وصلّى عليه عروة بن الزبير أخيه وماتت أمه بعده بقليل.
وقيل: إن الحجاج بعث إلى أمه أسماء لتأتينّه ف [لم] تفعل. فقال:
لين لم تأتنى لآمرنّ من يجرّ بقرونها. فقالت للرسول: قل لأبى رغال لا آتيه حتى يفعل ما قال. فلبس الحجاج نعليه وأتى إليها. فكان فيما قالت له: إنّ من أعجب ما قلته تعييرك إيّاى بالنطاقين. فليت شعرى بأى نطاقىّ عيّرثنى، أبا الذى كنت أحمل به الطعام إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو فى [الغار] أم بنطاقى الذى تنطق به الحرّة فى بيتها. وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
لك نطاقان فى الجنة. أما إنى سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: فى ثقيف مبير وكذاب. فأما الكذاب فقد رأيناه، وأما المبير فأنت. فانصرف، وهو يقول
(7)
لأبى رغال: فى أنساب الأشراف 5/ 369: «لابن أبى رغال»
(12 - 13) فى ثقيف. . . فأنت: فى الكامل 4/ 361: «. . . فى ثقيف كذّابا ومبيرا، فأمّا الكذّاب فقد رأيناه، تعنى المختار، وأمّا المبير فأنت هو. وهذا حديث صحيح أخرجه مسلم فى صحيحه»
مبير المنافقين. فقالت: بل عمودهم. وقيل: إنه قال لها: كيف رأيت نصر الله للحق؟ فقالت: ربما أديل الباطل على الحق (128) ليجعل الله ذلك فتنة للقوم الظالمين.
وجاء عبد الله بن عمر إلى خشبة ابن الزبير فجعلت ناقته تحتكّ بها، ورايحة المسك تسطع. فقال: رحمك [الله] أبا خبيب، فو الله لقد كنت صواما قوّاما، ولكنّك رفعت الدنيا فوق قدرها، وإنّ قوما أنت من شرارهم لقوم صدق وأخيار. انتهى كلام صاحب كتاب التذكرة فى أخبار بن الزبير ها هنا، ولنعود إلى اختلاف الرواة من أرباب التواريخ، وما أوردوه من طريق الإحصار.
قال بن بطريق فى تاريخه: إن الحجاج لما حصر بن الزبير أقام ستة أشهر محصورا، ثم قتله وصلبه بعد أن رمى الكعبة بالمنجنيق وكسر الحجر الأسود، وكانت فى الحصار الأول قد احترقت، وبناها ابن الزبير.
وسبب حريقها ما رواه عن أبى بكر الهذلىّ قال: كان سبب بناء الكعبة أن عبد الله بن الزبير لما حاصروه أهل الشام أيام يزيد بن معوية
(2)
للحق: فى أنساب الأشراف 5/ 371: «الحقّ»
(5)
أبا خبيب: يعنى عبد الله بن الزبير، انظر فهرس أنساب الأشراف ج 5
(7)
صاحب. . . التذكرة: انظر هنا ص 103، الهامش الموضوعى، حاشية سطر 13
(10)
بن (ابن). . . تاريخه: انظر تاريخ ابن بطريق 2/ 40 مع اختلاف كبير
(13 - 10،191) عن. . . الهذلىّ: ورد النص فى الأغانى 3/ 277
سمع أصواتا فى الليل فوق الجبل، فخاف أن يكون قد وصلوا إليه. وكانت ليلة ظلماء ذات ريح صعبة ورعد وبرق، فرفع نارا على رأس رمح لينظر الناس، فأطارها الريح إلى أستار الكعبة فاحترقت، واجتهد الناس على إطفايها فلم يقدروا، وأصبحت الكعبة تتهافت، وماتت امرأة من قريش. فخرج الناس كلهم خلف جنازتها خوفا أن ينزل عليهم العذاب، وأصبح بن الزبير ساجدا يدعوا ويقول: اللهم إنى لم أعتمد ما جرا فلا تهلك عبادك بذنبى، وهذه ناصيتى بين يديك. فلما تعالى النهار أمن وتراجع الناس. فقال لهم بن الزبير: الله الله أن ينهدم فى بيت أحدكم حجرا أو يزل عن موضعه فيبنيه ويصلحه، أو نترك الكعبة خرابا. ثم هدمها (129) مبتديا بيده وتبعه الفعلة حتى بلغوا قواعدها، ودعا ببنّايين من الفرس فبناها، انتهى كلام أبو بكر الهذلىّ.
ولنذكر اختلاف الرواة فيما ذكروه عن أم عبد الله بن الزبير، فمنهم من روى أنها لم تعش بعده إلا عشرة أيام وتوفيت رضى الله عنها، ومنهم من روى أن الحجاج لما صلب ولدها عبد الله آلا على نفسه أنه لا ينزله عن خشبته أو تأتى أمه وتشفع فيه. فلبث حولا كاملا حتى عشش الطير فى جمجمته، والناس يلومون أمه فلما صار له حولا أتت إلى الحجاج، وهو فى مجلسه.
فقالت: فرح الله الأمير أما آن لهذا الخطيب أن ينزل عن منبره؟ فأمر بنزوله، وقال لمن حوله: ألا انظروا إلى فعلها! صبرت حولا كاملا، وجعلت ولدها
(8)
أو نترك: فى الأغانى 3/ 277: «وأترك»
خطيبا حيا وميتا، وكلمتنا بكلام لم نر. . . منه فقال الحاضرون: لم نسمع منها إلا خيرا! فقال أما وعبد. . . من قولها فرّح الله الأمير، فإنها أعنت إلى قوله تعالى {حَتّى إِذا فَرِحُوا بِما أُوتُوا أَخَذْناهُمْ بَغْتَةً} .
واختلفوا أيضا فى تاريخ قتله، فمنهم من قال: كانت قتلة بن الزبير يوم الثلثاء لست عشرة ليلة خلت من جمادى الأولى من هذه السنة، ومنهم من قال لعشر خلون منه، ومنهم من قال لإحدى عشرة ليلة من جمادى الآخرة، وأجمعوا أن قتلته فى سنة ثلث وسبعين بلا خلاف والله أعلم. مدة سلطانه تسع سنين وعشرة. . .
[أعرق الأشراف فى القتل عمارة بن حمزة بن عبد الله بن الزبير بن العوّام بن خويلد، فعمارة وحمزة قتلا، قتلهم الإباضيّة يوم قديد،
(5 - 7) لست. . . الآخرة: فى الكامل 4/ 356 (حوادث 73): «فقتلوه يوم الثلاثاء من جمادى الآخرة» ؛ فى تاريخ القضاعى، ص 133:«لثلث عشرة ليلة بقيت من جمدى [كذا] الأولى سنة ثلث وسبعين، وقيل فى جمدى [كذا] الآخرة» ؛ وفقا لجب، مقالة «عبد الله ابن الزبير» 54، توفى فى 17 جمادى الأولى أو 17 جمادى الآخرة سنة 73
(8)
عشرة. . .: فى تاريخ القضاعى، ص 133:«اثنين وعشرين يوما»
(9 - 2،193) أعرق. . . خزاعة: قارن التذكرة الحمدونية 2/ 478؛ كنز الدرر 1/ 397؛ لطائف المعارف 66 - 67
(9)
عبد الله: فى كنز الدرر 1/ 397؛ لطائف المعارف 66: «مصعب»
(10)
قتلا. . . قديد: فى كنز الدرر 1/ 397: «قتلا معا يوم قديد فى حرب الإباضيّة» ، انظر أيضا لطائف المعارف 67 وأيضا قديد: انظر لطائف المعارف 67 حاشية 1