الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ما لخص من الحوادث
الخليفة معوية رضى الله عنه، والنواب حسبما تقدم.
ومما روى صاحب كتاب العقد، أن معوية رضى الله عنه كان فى مجلس، وقد حضره رجال من قريش فيهم عبد الله بن عباس رضى الله عنه. فقال معوية: يا بنى هاشم، بما تفتخرون علينا؟ أليس الأب واحد والأم واحدة والدار واحدة؟ فقال بن عباس: نفتخر عليك بما أصبحت تفتخر به على ساير قريش، وتفتخر به قريش على ساير الأنصار، وتفتخر به الأنصار على ساير العرب، وتفتخر به العرب على ساير العجم، وتفتخر به العرب والعجم من أمته على ساير الأمم، وذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم بما لا تطيق له إنكار ولا منه فرار. فقال معوية: يا بن عباس، لقد أعطيت لسانا ذربا تكاد تغلب بباطله الحق. فقال بن عباس إن الباطل لا يغلب الحق فدع عنك المراء فبيس شعاير المرء الحسد. فقال معوية: صدقت، يابن عباس، أما والله إنى أحبك لأربع: لقرابتك (26) من رسول الله صلى الله عليه وسلم ولأنك رجل من أسرتى، وكونك لسان قريش وزعيمها، وأما الرابعة فإن أباك كان خلا لأبى. وقد غفرت لك أربع: عدوك علىّ بصفين مع من عدا، وإساءتك إلى عثمان فى خذلانه مع من آساء، وسعيك على عايشة فى من سعى، ونفيك عنى زياد أخى فيمن نفى. فطويت هذا الأمر وعبته
(3)
كتاب العقد: لم أقف على هذا النص فى العقد الفريد
حتى استخرجت ذلك من كتاب الله عز وجل ومن قول الشاعر. فأما ما قرئ من كتاب الله عز وجل فقوله تعالى: {خَلَطُوا عَمَلاً صالِحاً وَآخَرَ سَيِّئاً} ، وأما الشعر فقول النابغة <من الطويل>:
ولست بمستبق أخا لمآثم
…
على شعث أىّ الرجال المهذّب
فقد قبلنا منك الأجر وغفرنا لك الذنب.
[قلت: وقد روى هذا البيت الذى للنابغة <من الطويل>:
ولست بمستبق أخا لا تلمّه
…
على شعث، أىّ الرجال المهذّب]
قال: فقام بن عباس قايما وقال: الحمد لله الذى أمر بحمده وأعدّ عليه ثوابه، أحمده كثيرا كما أنعم علينا كثيرا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمّدا عبده ورسوله، أما بعد: فإنك ذكرت أنك تحبنى لقرابتى من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وذلك واجب عليك وعلى كل مسلم ومؤمن آمن بالله ورسوله، لأنه الآجر الذى سألكم عليه لما أتاكم به من الضياء والبرهان المبين. فمن لم يحبّ رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد خاب وخسر وكبا وخزى وحل محل الأشقياء. وأما قولك إنى من أسرتك وأهل بيتك، فهو لعمرى كذلك، وإنما أردت بذلك صلة الرحم وأنت
(3)
النابغة: يعنى النابغة الذبيانى
(4)
ولست. . . المهذّب: ورد البيت فى الأغانى 2/ 193؛ ديوان النابغة الذبيانى ص 74؛ العقد الثمين 5؛ كتاب الشعر /81/لمآثم: فى الأغانى 2/ 193؛ ديوان النابغة الذبيانى ص 74؛ العقد الثمين 5؛ كتاب الشعر 81: «لا تلمّه»
وأيم الله لم تزل وصولا للرحم، وهى من أفعال الأبرار فلا تثرتب عليك.
وأما قولك إنى لسان قريش وزعيمها فإن لم أعط من ذلك شيئا إلا وأنت أعطيت مثله، ولكنك قلت ذلك لشرفك وفضلك كما قال (27) الأول <من الطويل>:
وكلّ كريم للكريم مفضّل
…
يرا أهله أهلا وإن كان أفضلا
وأما قولك إن أبى كان خلا لأبيك فقد كان ذلك، وقد علمت ما كان من أبى لأبيك يوم الفتح وكان شاكرا مكرما، وقد قال الأول <من الطويل>:
سأحفظ من آخى أبى فى حياته
…
وأحفظه من بعده فى الأقاربى
ولست لمن لا يحفظ العهد واثقا
…
صديقا ولا عند السليم بصاحبى
وأما قولك فى عدوى عليك بصفين، فو الله لو لم أفعل لكنت من شرار العالمين، ويحك يا معوية، أكانت تحدثك نفسك أنى كنت خاذلا لابن عمى أمير المؤمنين، وقد نصروه المهاجرين والأنصار، أو كنت أظن بنفسى، أو أشك فى دينى، أم تجبن فى سجيتى، والله لو لم أفعل ذلك إلا لإحسانه لى. وأما قولك خذلان عثمان، فقد خذله من هو أمس به رحما منى ومنك، وأبعد رحما منى ومنك، فكان لى فى الأقربين والأبعدين أسوة. ولم والله أعدو عليه فيمن عدا، بل كنت كافا أهل الحجاز عنه.
وأما قولك عايشة، فلو قعدت فى بيتها كما أمرها الله ورسوله لكان