الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الأمير عنكم مشغول بنفسه، وإذا به قد خرج فى كفه نثرة فحكها فسرت.
ثم صارت آكلة سوداء، فجمع لها الأطباء فأشاروا بقطعها، فاستشار شريحا فى قطعها فقال له: لك رزق مقسوم وأجل معلوم، وإن أكره إن كان لك مدة أن تعيش أحذم، وإن حم أجلك أن تلقى ربك مقطوع اليد.
فإذا سألك: لم قطعتها قلت: بغضا للقايك وفرارا من قضايك. فرجع عن قطعها. فلما مات، لام الناس شريحا كونه أشار عليه بذلك. فقال: والله لولا أمانة المشورة لوددت أن الله قطع يده يوما ورجله يوما وساير جسده يوما فيوما، وإنما المستشار مؤتمن.
وهلك زيادا من تلك الآكلة، وهو ابن خمس وخمسين سنة، ودفن بالكوفة، وولى معوية لعبيد الله بن زياد مكان أبيه زياد، وسار سيرة أبيه فى الظلم والعسف وبغض أهل البيت.
ذكر سنة أربع وخمسين
النيل المبارك فى هذه السنة:
الماء القديم أربعة أذرع وثلثة عشر إصبعا. مبلغ الزيادة ستة عشر ذراعا واثمان أصابع.
ما لخص من الحوادث
الخليفة معوية رضى الله عنه، ومسلمة والقاضى سليم بمصر على حالهما، ومروان بن الحكم بالمدينة على ساكنها السلام، وكذلك ابن أبى
العاص بمكة، وعبيد الله بن زياد على العراقين، وأمر فارس وخراسان راجع (38) إلى كل من ولى العراقين يولى فيهما من أحب واختار.
[وفى سنة أربع وخمسين توفى حكيم بن حزام وجرير بن عبد الله رحمهما الله].
ومن العقد عن الشعبى قال: دخل عبد الله بن عباس على معوية رضى الله عنهما، وعنده وجوه قريش. فقال له معوية: إنى أريد أسألك عن مسايل. قال: سل عمّا بدا لك. قال: ما تقول فى أبى بكر؟ قال:
رحمة الله على أبى بكر، كان والله للقرآن تاليا وعن المنكر ناهيا، وبدينه عارفا، ومن الله خايفا، وعن الشبهات زاجرا، وبالمعروف آمرا، وبالليل قايما، وبالنهار صايما. فاق الصحابة ورعا وكفافا، وسادهم زهدا وعفافا، فغضب الله على من يبغضه ويطعن فيه!
قال معوية: فما تقول فى عمر؟ فقال: رحم الله أبا حفص عمر! كان والله خليفة الإسلام، ومأوى الأيتام، ومنتهى الإحسان، ومحلّ الإيمان، وكهف الضعفاء، ومعقل الحنفاء، قايما بحقوق الله عز وجل، صابرا محتسبا حتى وضح الدين وابتهج المسلمين، فتح البلاد وأمّن العباد. فلعنة الله على من يبغضه أو يطعن فيه!
(3)
حكيم بن حزام: انظر الأعلام /2/ 298/جرير بن عبد الله: انظر المعارف 149،289
(5 - 6،59) العقد. . . سواه: لم أقف على هذا النص فى العقد الفريد ولكن ورد النص فى مروج الذهب 3/رقم 1878 - 1881.
قال معوية: إيه يابن عباس، فما تقول فى عثمان؟ فقال: رحم الله أبا عبد الرحمن عثمان، كان والله أكرم الجعدة، وأفضل البرية، هجّاد فى الأسحار، كثير الدموع عند ذكر النار، نهاض عند كل مكرمة، سبّاق إلى كل منجبة حييّا أبيّا، وقيا وفيّا، صاحب جيش العسرة، ختن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأعقب الله من لعنه اللعنة إلى يوم الدين!
قال معوية: فما تقول فى علىّ؟ قال: رضى الله عن أبى الحسن! كان والله علم الهدا، وكهف التّقى ومحلّ الحجى، وبحر الندا، وطود البها، وكهف العلا، فى الورى داعيا إلى المحجّة العظما، مستمسكا بالعروة الوثقى، خير من آمن واتقى، وأفضل من تقمّص وارتدا، وأبرّ من انتعل وسعا، وأفصح من تنحنح (39) وقرا، وأكبر من شهد النجوى سوى الأنبياء والنبى المصطفى، فهل يوازنه أحد، وأبو السبطين؟ فهل يقارنه بشر، وزوج خير النساء؟ فهل يفوقه فايق، فى حومة الطعن جوال، وفى موقف الحرب قتال؟ لم تر عينى مثله ولن ترا، فعلى من يبغضه
(2)
الجعدة: فى مروج الذهب 3/رقم 1879: «الحفدة»
(4)
منجبة: فى مروج الذهب 3/رقم 1879: «منحة»
(11)
وأبو السبطين: فى مروج الذهب 3/رقم 1879: «وهو أبو السبطين»
(12)
وزوج: فى مروج الذهب 3/رقم 1879: «وهو زوج»
(12 - 13) فى حومة. . . قتال: فى مروج الذهب 3/رقم 1879: «وهو للأسود قتّال وفى الحروب ختّال»
ويلعنه لعنة الله ولعنة الاعنين ولعنة الناس أجمعين.
قال معوية: كثرت فى ابن عمك يابن عباس. فما تقول فى أبيك العباس؟ قال: رحم الله أبا الفضل، كان صنو رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقرة عين، صفىّ الله، سيد الأعمام، له أخلاق آبايه الأجواد، وأحلام أجداده الأنجاد، تباعدت الأسباب عند فضيلته، صاحب البير والسقاية، والمشاعر والتلاوة، وكيف لا يكن كذلك وقد ساسه أكرم من دبّ إذ كان أبوه بعد الأب؟ فقال:
يابن عباس، أنا أعلم أنك كلمانىّ أهل الملّة. قال: وكيف لا أكون كذلك، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اللهم فقّهه فى الدين، وعلّمه التأويل؟
ثم قال بن عباس: يا معوية، إن الله-جل ثناؤه وتقدست أسماؤه- خصّ محمّد صلى الله عليه وسلم بصحابة أبرّوه على الأموال، وبذلوا النفوس دونه فى كل حال، ووصفهم الله فى كتابه فقال:{رُحَماءُ بَيْنَهُمْ} ، الآية، فآمنوا بمعالم الدين، وناصحوا لكافة المسلمين، حتى تهذّب طرفه، وقويت أسبابه، وظهر آلاء الله واستقر دينه، ورصخت أعلامه، وأزال الله به الشرك
(2)
كثرت: فى مروج الذهب 3/رقم 1880: «اكثرت»
(4)
الأنجاد: فى مروج الذهب 3/رقم 1880: «الأمجاد»
(5)
البير (البئر): فى مروج الذهب 3/رقم 1880: «البيت»
(6)
وكيف لا يكن: فى مروج الذهب 3/رقم 1880: «ولم لا يكون»
(12)
تهذّب طرفه: فى مروج الذهب 3/رقم 1881: «تهذّبت طرقه»
(13)
رصخت (رسخت): فى مروج الذهب 3/رقم 1881: «وضحت»