الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أشتفى من قتلة عثمان وقد أدركت ما أردت، وإن الله سبحانه طهرنى بقتل هؤلاء الأرجاس. وقتل فى وقعة الحرّة سبع ماية من وجوه قريش سوى من قتل من الأنصار وقتل من أخلاط الناس ستة آلاف وخمس ماية رجلا.
ذكر حصار ابن الزبير الأول
قال الطبرى رحمه الله: لما جهز يزيد بن معوية مسلم بن عقبة وأمره بحصار عبد الله بن الزبير بمكة وأن يأخذه أشد أخذ فلم يزل بعد وقعة الحرّة (77) حتى انتهى إلى صيحان فنزل به الموت فقال: إن أمير المؤمنين عهد إلىّ إن حدث علىّ حدث الموت أن أعهد إلى الحصين ابن نمير، ولو كان الأمر إلىّ لما كنت أستخلف عليكم إلاّ الأحنف ابن قطنة، وأخشى أن أخالف أمير المؤمنين عند الموت. ثم نظر إلى حصين ابن نمير فقال له: يا برذعة الحمار، لولا أن أمير المؤمنين أوصى بك لما قدمتك. ومات من ليلته ودفن فى بطن مرو. ثم سار الحصين بالجيوش إلى مكة.
ثم إن امرأة من بنى زمعة خرجت من مكة، ومعها فتية من مواليها حتى أتت قبر مسلم بن عقبة، فاستخرجته وضمت عليه الشجر وأحرقته
(1)
وإن: فى أنساب الأشراف 4 ب/41: «فإنّ»
(5 - 13) لما. . . مكة: قارن تاريخ الطبرى 2/ 424 - 427؛ الكامل 4/ 123
(7)
صيحان: نوع من التمر بالمدينة، انظر لين، معجم إنكليزى-عربى، القسم الرابع، ص 1752
(12)
بطن مرو: فى تاريخ الطبرى 2/ 424: «المشلّل ويقال إلى قفا المشلّل»
بالنار واستخفيت. ووصل الحصين إلى مكة وخرج إليهم أصحاب ابن الزبير واقتتلوا، وكان فيهم رجل سمى المختار، وكان يوميذ أشد على الناس فى القتال. فانهزم أهل مكة حتى دخلوا المسجد الحرام، وأخذ عليهم الحصين الطريق ونصب المناجنيق على البيت، فرموه بالنيران، فاحترقت الأبواب وتفلقت الحجار وصارت كأنها حبس أو جير.
وعن محمد بن خالد قال: رأيت ابن الزبير يصلى عند الحجر فجاءه حجر من ورايه ففحص برجله ولم يتحرك من مكانه حتى قضى صلاته، وكان يوميذ بمكة أربع ماية رجل من الخوارج، فلما رأو ما صنع بالبيت، خرجوا فقاتلوا حتى قتلوا جميعا، وقتل من أهل الشام خلق كثير، وجعل أهل الأردن يرمون البيت بالمنجنيق، وكان اسم المنجنيق أبو فروة، وعادوا أهل الأردن يقولون:
حجارة مثل الموج المزبد، نرمى بها عباد أهل المسجد.
فأرسل الله سبحانه على المنجنيق صاعقة من السماء فأحرقته، وأحرقت معه اثنى عشر رجلا، وثبت ضوء تلك الصاعقة بمكا [ن] فكان أهل (78) مكة والشام لا يستطيعون أن يفتحوا عيونهم، ولم تزل كذلك حتى أحرقت ذلك المنجنيق ومن حوله من النفر. فلما احترقوا ذهب الضوء. فلمّا رأو أهل الشام هذه الموعظة قال بعضهم لبعض: إن ابن الزبير على الحق فصار كثير منهم زبيريا، وصبر بعضهم على القتال، وصبر لهم أهل مكة، فبينما الناس على
مثل ذلك من القتال إذ أقبل راكب من أهل الشام يخبر بموت يزيد بن معوية.
فأمسكوا عن القتال، وتوادع القوم بعضهم بعضا، ومشت السفراء بينهم على أن يكون الكف بينهم عن القتال ويعتمروا أهل الشام بناحية مكة، ودخل الحصين بن نمير على عبد الله بن الزبير فقال له: يابن الزبير، هل لك أن أحملك إلى الشام ونبايع لك بالخلافة؟ فقال بن الزبير مجهرا بصوته: أبعد قتل أهل الحرمين لا والله أو أقتل بكل رجل خمسة من أهل الشام. فقال له ابن الحصين: قبّح الله من يزعم أنك داهية، والله ما أنت كذلك وأراك رجلا معجبا بنفسه، أنا أناجيك سرا وأنت تناجينى جهرا وترفع صوتك، وأدعوك أن أستخلفك فتزعم أنك تقاتل، والله إنها لولا ما تصلح إلا فى رجل من قريش وأردت لها رجلا من قومى لفعلت، ولكن لا حاجة لنا فيك بعدها. فلما خرج من عنده ندم على ما فعل وقالوا له قومه: لبيس ما صنعت، والله لو صبرت على نفسك ساعة لوردت الشام خليفة وما اختلف عليك اثنان. فندب ابن الزبير رجالا يتلقون الحصين ويسألوه الرجوع إلى بن الزبير. فأبا وقال: لا حاجة لنا به، هذا رجل شديد العجب بنفسه، كبير الكبر.
وكان احتراق الكعبة يوم السبت لثلاث ليال خلون من ربيع الأول سنة أر [بع وستين] وتوفى يزيد بن معوية يوم الثلثاء لأربعة عشر ليلة خلت (79) من ربيع الأول. ثم إن عبد الله بن الزبير لمّا رأى البيت الحرام وما
(15 - 16) يوم. . . ستين: انظر تاريخ الطبرى 2/ 427
(16 - 17) يوم. . . الأول: انظر تاريخ الطبرى 2/ 427 - 428؛ الكامل 4/ 125
صار إليه وانتهك من حرمته قال: والله لو علمت أن هذا يبلغ ما نازعتهم فى شئ. ثم إنه هدم البيت بيده، وهو يتهافت، وحفر الأساس حتى انتهى إلى حجارة ملتحمة. فإذا تلك الحجارة عليها نور كأنه لهب النيران.
فأخبروا ابن الزبير بذلك. فقال: اقلعوا منها حجرا! فحركوا حجرا من تلك الأحجار. فتحركت بيوت مكة بأسرها، فتركوا تلك الأحجار على ما هى عليه. ثم قام عبد الله بن الزبير فى الناس خطيبا فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: يا أهل مكة إن الله تبارك وتعالى قد ابتلانا وعافانا وأحسن إلينا ودفع عنا البلاء. ثم ولانا عمارة هذا البيت، وقد رأيت أن أخرج وتخرجون، ونعتمر على أقدامنا شكرا لله تعالى. فخرجوا حتى جاوزوا الحرم وأتوا لسعيهم فأحرموا. ثم رجعوا حتى قضوا عمرتهم.
ثم بنا عبد الله ابن الزبير البيت حتى إذ أبلغ موضع الباب لم يدر على أى ذلك يعزم، وكان الأسود بن يزيد بمكة فدعاه بن الزبير وقال له:
يا أسود إن عايشة رضى الله عنها كانت تفشى إليك بسرّها فى أشياء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. فهل تحفظ عنها فى هذا البيت شيا نستدل به ونستضوى بأثره. فقال الأسود: سمعتها تقول: قال لى رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا عايشة إن قومك لمّا بنوا البيت قصرت بهم النفقة فأخرجوا الحجر، وهو فيه فجعلوا له بابان، ولولا حداثة قومك بالإسلام لهدمته وأدخلت الحجر فيه وجعلت له بابان. وكان طول البيت تسعة أذرع فزاد عليه ابن الزبير تسعة أخر فعاد
(15 - 17) يا عايشة. . . بابان (بابين): انظر الكامل 4/ 207