الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فقطع عليها معوية-رضى الله عنه-قولها فقال <من مجزوء الرجز>:
صه يا بنة المكارم
…
فعبد شمس هاشم
هما بزعم الزاعم
…
كانا كغربى صارم
فلما سمع العباس وأبو سفيان مقالة معاوية ابتدراه أيّ [هما](5) يتناوله قبل صاحبه، فتعاوراه ضمّا وتقبيلا وتفدية وافترقا راضيان.
تفسير كلمات من هذا الخبر
قوله: هبلتك أمّك، فالأصل الهلاك والتلاف، ومنه قيل للمثقل سمنّا أنه لمهبل فكذلك يقال للفاسد العقل: مهبل وهبيل، والعرب تطلق هذه الكلمة ونظايرها بالدعاء المكروه، ولا تريد بها شرا بل تجريها مجرا اللغو الذى لا يعتد به، وقد تجريها مجرى الحصر والندب إلى الفعل والقول، ومن نظايرها قولهم إذا استحسنوا فعل إنسان أو قوله: قاتله الله، وما له هوت أمّه. قال الشاعر <من الطويل>:
هوت أمّه ما يبعث الصبح غاديا
…
وما يؤدى الليل حين يؤوب
فهذا فى المدح والتعظيم، ومنها قول عمر بن عبد العزيز رضى الله
(8)
هبلتك أمّك: انظر هنا ص 5، الهامش الموضوعى، حاشية سطر 10
(14)
هوت. . . يؤوب: ورد البيت أيضا فى لسان العرب 20/ 250؛ مجمع الأمثال 2/ 458
عنه: ويل أمر الإمارة لولا قول الله عز وجل: {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ فَأُولئِكَ هُمُ الظّالِمُونَ} ، فهذه لفظة أراد بها المدح وحملها على الذم جهل بمواقع الكلم، ومنها قول امرئ القيس يصف رجلا بجودة [الرماية] فقال <من المديد>:
فهو لا يتمنى رميّته
…
ما له لا عدّ من نفره
وظاهر هذا أنه دعاء عليه بأن يهلك حتى لا يعدّ مع قومه إذا عدّوا، وهو لا يريد ذلك، بل تعجّب من جودة رمايته ومدحه. ومنها قولهم: لا أب له، فى استعظام ما يكون منه، قال الشاعر <من الطويل>:
فما راعنى إلاّ زهاة معانقى
…
فأىّ عنيق لى لا أباليا
وقد نطق صلى الله عليه وسلم من نظايرها بقوله لصفية: عقرى حلقى أى عقرها الله وحلقها، وقوله: عليك بذات الدين [تر؟؟؟ ت] يداك، وهو دعاء بالفقر. وأما قول الشاعر أيضا. . .
(5)
فهو. . . نفره: ورد البيت أيضا فى الأغانى 9/ 99؛ ديوان امرئ القيس 125؛ مجمع الأمثال 2/ 304
(10)
لصفية: يعنى زوجة محمد، انظر فهرس كنز الدرر ج 3؛ كنز /3/ 52/عقرى حلقى: فى لسان العرب 6/ 271: «وفى حديث النبى صلى الله عليه وسلم حين قيل له يوم النّفر فى صفيّة أنها حائض. فقال: عقرى حلقى ما أراها إلا حابستنا. . .»
(6)
فالإقراف ها هنا تغير الجسم وضؤولته. وقوله: الآخذون العهد من آفاقها، معناه أنّ هاشم بن عبد مناف انطلق إلى الشأم فأخذ من قيصر ملك الروم ومن ملوك غسان عهودا وذمة لقريش أن يأتوا الشام ويتجروا به، وانطلق أخوه عبد شمس بن عبد مناف إلى بلاد الحبشة فأخذ لتجار قريش عهدا من النجاشى الأكبر، وذهب عبد المطلب إلى اليمن فأخذ عهدا من ملوكها لتجار قريش، وذهب أخوهم نوفل بن عبد مناف إلى العراق وأخذ من ملوك آل ساسان ومن ساد من بالعراق من العرب عهدا بذلك.
فتوجهت قريش بالتجارة إلى هذه الأربعة الوجوه على حال آمنة بما عفد لهم بنو عبد مناف من الذمم، فسمّي بنو عبد مناف لذلك المجبرين، لأنّ الله جبر بهم قريشا وأغناها بالتجارة، وكان الأصل أن يقال الجابرون، ولكن هاكذا جاء، فيدل على أنّ جبرت وأجبرت بمعنى واحد، والمشهور الكثير جبرت الكسير والفقير فأنا جابر، وأجبرت فلانا على الأمر أى أكرهته وأنا مجبر. وقد أدخلوا أفعل فى باب التمكّن من الفعل، فقالوا:
سقيت الرجل بيدى، وقالوا: أسقيته أى مكنته من الورد، وقتّه أى أعطيته قوتا، وأقته أى مكنته من شئ يتوصل به إلى القوت، وأقبرته إذا أعطيته ما يقبر فيه من الأرض، ولعل تسميتهم المجبرين من هذا، لأنّهم لم يجبروا قريشا بأموالهم، بل مكنوهم من فعل ما ينجبرون به. فالذى ذكرناه هو مقصود الشاعر، والله أعلم.
وقوله: ويقاتلون الريح، يقول: يحاذونها فيهبّون بالجود كهبوبها، ويروى <من الكامل>:
(1 - 9) الآخذون. . . المجبرين: انظر تاريخ الطبرى 1/ 1089
المطعمون إذا الرياح تناوحت
أى تقابلت فى الهبوب.
(7)
وقوله: تغيب الشمس فى الرجّاف: الرجّاف هو البحر، سمّى بذلك لاضطرابه. وقوله: فعال التلد والأطراف، يريد قديم الأفعال، وحديثها يعنى المكارم التالدة والطارفة أى القديمة والجديدة، هد مجاز اللفظين.
وقوله:
عمرو العلا هشم الثّريد لقومه
فذلك أنّ قريشا أصابتهم سنة شديدة فنالت منهم، فارتحل هاشم بن عبد مناف وأوغل-وكان اسمه عمرا-إلى الشام، فأوقر عيرا له من الكعك والفتيت ثم قدم مكة ونحر الإبل فطبخ لحومها ثم هشم ذلك الكعك والفتيت فاتخذ منه الثريد فأطعمه الناس حتى أحيوا، فسمى بذلك هاشما. وقوله: مسنتون، أى أصابتهم السنة وهى المجاعة. وقوله:
عجاف، أى هزال.
وقوله: تناقلا المفاخرة، المناقلة فى الكلام أن يقول هذا مرة وهذا مرة فتداولا القول عنهما. وقوله: نافرنى إلى ولدك، فإن المنافرة هى المحاكمة، واختلف فى اشتقاقها، فقيل: كانوا يتحاكمون فى المفاخرة، فيقولون للحاكم بينهما: أيّنا {أَعَزُّ نَفَراً} ؟ وقيل: بل هو من النفير، لأنهم
(1)
المطعمون. . . تناوحت: انظر لسان العرب 11/ 13
(6 - 12) وقوله. . . المجاعة: قارن لطائف المعارف 10: «أول من هشم الثريد: عمرو بن عبد مناف. فسمى بذلك: هاشما. . .» ، انظر أيضا لسان العرب 16/ 94
(8 - 9) هاشم. . . مناف: انظر السيرة النبوية 2/ 7؛ كتاب أخبار مكة 1/ 67 - 68،134، كتاب الإعلام 3/ 47؛ تواريخ مدينة مكة 4/ 34 - 38
كانوا ينفرون إلى الحكام، ويقول: نافرت فلانا فنفرنى عليه الحاكم، وكانوا يعطون الحاكم شيّا من أموالهم فيسمونه النفارة. وقوله: اهتبلت الفرصة، أى انتهزتها فبادرت إليها.
وقول هند: سراة الحمس بالحاء المهملة، السراة جمع السرى، وسراة كل شئ خياره-بفتح السين، والحمس: قريش وخزاعة، وكل من قارب بلدة مكة من قبايل العرب، فقد تحمّس لمجاورته لهم، وأصل اللفظة الشدة وهى الحماسّة، فسموا حمسا لأنهم كانوا ذوى تشدّد فى نحل جاهليتهم. وفى بعض الحديث أنّ النبى صلى الله عليه وسلم صنع (8) أمرا فصنع مثله رجل من الأنصار، فأنكر النبى صلى الله عليه وسلم ما فعل الأنصارى وقال له: أى أحمس أنت! يريد أنّ هذا الذى فعلته أنا ممّا يفعله الحمس دون غيرها، فقال له الأنصارى: وأنا أحمس! يريد إنّى على دينك ومتبع لك. وقولها:
على قديم الحرس، الحرس هو الدهر اسم له.
وقوله: صه: هى لفظة معناها الأمر بالسكوت. وقوله: فعبد شمس هاشم يريد أنّهما كالشئ الواحد وذلك أنّهما إخوان لأمّ وأب توءمان.
وقيل إن أحدهما خرج من بطن أمه، وإصبعه ملتصقة بجبهة أخيه، فنحيت الإصبع، فقطرت من الموضع قطرات من الدم، فتعنفوا ذلك وكرهوه، وقال من تكهّن: سيكون بينهما دم. فكانت الملاحم المشهورة بين بنى أميّة وبنى هاشم.
(5 - 8) الحمس. . . جاهليتهم: قارن لسان العرب 7/ 357 - 359
(8 - 11) الحديث. . . أحمس: قارن المعجم المفهرس 8/ 5
(12)
على. . . له: انظر لسان العرب 7/ 348
(14 - 16) ذلك. . . الدم: انظر تاريخ الطبرى 1/ 1089
وقوله: كغربى صارم، الغربان هما حدّان السيف القاطع، والمعنى يريد أنهما كحدى السيف لا فضل لأحدهما على الآخر، وهذا حسن من القول جدّا، وممّا لم يسبق إليه فيما علمت. ألا ترى أنه لو قال:
هما كالعينين فى الرأس وكاليدين فى الجسد لأمكن أن يقال: أيّتهما اليمنى؟ ولقد اجتهد هرمز بن قرطبة الفزارى فى التسوية بين عامر بن الطّفيل وعلقمة بن علاثة حين تنافرا إليه فقال: هما كركبتى البعير الأورق، أو قال الآدم يقعان إلى الأرض معا. فقيل له: أيتهما اليمنى؟ فلم يحر جوابا.
قلت: وإن كان فى هذا التشبيه بركبتى البعير شئ من البشاعة، فإن العرب في ذلك الوقت كانت تنطق باللفاظ تستبشع فى هذا الوقت، فلذلك إن الفاضل يتوخى ذلك (9) إذ لو جاء أحد فى عصرنا هذا فشبه بعض الرؤساء الكبار بركبة جمل دسّها منه فى مكان لا يذكر، فحسب كل وقت فصاحة وبلاغة ولكل لفظ زمان صناعة وصياغة، وتذكرت بقول معوية رضى الله عنه فعبد شمس هاشم، نبذة هى من سحر القول بلغ بها صاحبها غاية الحسن والأدب، ووصل بها إلى فوق ما طلب، وذلك أن بعض بنى أميّة لم يحضرنى اسمه عرض للرشيد رحمه الله فى طريقه فأعطاه رقعة فيها مكتوب <من الرمل>:
(5 - 6) اجتهد. . . علاثة: انظر كتاب الشعر 192
(5 - 6) عامر بن الطفيل: انظر الأعلام 4/ 20 - /21/علقمة بن علاثة: انظر الأعلام 5/ 48
(9 - 15) قلت. . . طلب: لم أقف على هذا النص فى أنباء نجباء الأبناء
(15 - 17) وذلك. . . مكتوب: قارن مروج الذهب 4/رقم 2551
يا أمين الله إنّى قايل
…
قول ذى صدق ولبّ وحسب
لكم الفضل علينا ولنا
…
بكم الفضل على كلّ العرب
عبد شمس كان يتلوا هاشما
…
وهما بعد لأمّ ولأب
فصل الأرحام منّا إنّما
…
عبد شمس عمّ عبد المطّلب
فأمر له الرشيد بأربعة آلاف دينار، لكلّ بيت منها ألف، وقال: لو زدت لزدناك. فهذا سلك أسلوب التسوية سلوكا ظريفا وتأدّب بتفضيل هاشم.
ولنعود إلى سياقة التأريخ بحول الله وقوته ومنّه وكرمه ورأفته.
بويع لمعوية رضى الله عنه بالكوفة فى شهر ربيع الأول سنة إحدى وأربعين. وكانت خلافته منذ صالحه الحسن عليه السلام واجتمع الناس عليه، تسع عشرة سنة وأربعة أشهر وسبعة عشر يوما، وعمره يوميذ ثمان وخمسون سنة وشهور.
وهو أوّل من اتّخذ المقصورة فى المسجد، وذلك أنه أبصر يوما على منبره كلبا فأمر بذلك. وهو أول من استخلف ولى العهد فى حال (10) صحته. وأول من عهد إلى ابنه. وهو أول من اتّخذ ديوان الخاتم، وكان سبب ذلك، أن عمرو بن عبد الله بن الزبير قدم عليه فأمر له بماية ألفم، وكتب بها إلى زياد بالعراق، فأخذ عمرو الكتاب وفضّه وجعل
(1 - 6) يا أمين. . . لزدناك: ورد النص فى مروج الذهب 4/رقم 2551
(8 - 9) بويع. . . أربعين: فى تاريخ الطبرى 2/ 8 - 9 (حوادث 41): «. . . دخل معاوية الكوفة فى غرّة جمادى الأولى من هذه السنة وقيل دخلها فى شهر ربيع الآخر، وهذا قول الواقدى» ؛ فى الكامل 3/ 406 (حوادث 41): «بايع الحسن معاوية دخل الكوفة وبايعه الناس. . .»
(12 - 9،14) وهو. . . المضيرة: ورد النص فى لطائف المعارف 15 - 16