الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
شَهِيداً، فَذَلِكَ قَوْلُ اللهِ عز وجل (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا) وَالْوَسَطُ: العَدْلُ ".
"
تفسير سُورَةِ آلِ عِمْرَانَ
"
871 - " بَابُ قَوْلِهِ عز وجل (مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ)
"
1017 -
عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ:
تَلا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم هَذِهِ الآية (هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ
ــ
بذلك، فيقولون: أخبرنا نبينا أن الرسل قد بلغوا فصدقنا، وهكذا تشهد هذه الأمة للأنبياء بالتبليغ، ويشهد الرسول صلى الله عليه وسلم لها بالعدالة، فيزكيها، فذلك قول الله عز وجل (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا) أي ومن جملة النعم التي أنعم الله تعالى بها عليكم يا أمة محمد أن جعلكم عدولاً أمناء لتشهدوا على الناس يوم القيامة بتبليغ الرسل لهم ما أنزل عليهم.
فقه الحديث: دل هذا الحديث على ما يأتي: أولاً: تفسير الآية الكريمة. ثانياًً: عدالة هذه الأمة واختيارها للشهادة على الأمم الأخرى، وهذا شرف عظيم. الحديث: أخرجه أيضاً الترمذي. والمطابقة: في قوله: " فيشهدون أنه قد بلغ ".
871 -
" باب قوله عز وجل: (مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ) "
ذكر البخاري هنا من الأحاديث ما يتعلق بتفسير قوله تعالى: (هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا
آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ) إلي قَوْلِهِ: (أُولُو الْأَلْبَابِ) قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: " فَإِذَا رَأيْتُ الَّذِيْنَ يَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهُ مِنْهُ، فأولَئِكَ الَّذِينَ سَمَّى اللهُ فاحْذَرُوهُمْ ".
ــ
الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ) ومعنى الآية كما قال السعدي (1) أن الله أنزل القرآن محتوياً على المحكم الواضح المعنى، وعلى المتشابه الذي يحتمل معان متعددة لا يتعين أحدهما حتى يضم إلى المحكم، فأمّا أهل الزيغ والضلال فإنهم يعمدون إلى المتشابه فيستدلون به على مقالاتهم الباطلة، وأما أهل العلم الراسخ واليقين الثابت، فإنهم لا يأخذون إلَّا بالآيات المحكمة، ويردون المتشابه إلى المحكم، ويفسرونه به لأنهم يعلمون أن القرآن كله من عند الله، فإذا خفيت عليهم آية متشابهة فسروها بآية أخرى محكمة.
1017 -
معنى الحديث: أن الرسول صلى الله عليه وسلم قرأ قوله تعالى (هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ) إلخ الآية، ثم حذر علماء أمته أن يعتمدوا على الآيات المتشابهة، ويستدلوا بها على العقائد والأحكام، لأنها تحتمل معان مختلفة، والدليل إذا طرقه الاحتمال بطل به الاستدلال، وقد بالغ صلى الله عليه وسلم في التحذير والتنفير من ذلك وأمر باجتناب من يفعله فقال صلى الله عليه وسلم:" إذا رأيت الذين يتبعون ما تشابه منه " أي إذا رأيت الذين يتقصدون الآيات المتشابهة ليستدلوا بها على مذاهبهم الباطلة، كما يفعل الخوارج والمعتزلة وغيرهم من أهل البدع والأهواء " فأولئك الذين سمّى الله فأحذروهم " أي فأولئك الذين وصفهم الله بالزيغ والضلال في قوله تعالى:
(1)" تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن " للشيخ عبد الرحمن السعدي.
(فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ).
فقه الحديث: دل هذا الحديث على ما يأتي: أولاً: أن من الزيغ والضلال الاعتماد على المتشابه في العقائد والأحكام، لأن الله تعالى قد وصف من يفعل ذلك بالزيغ، فقال عز وجل:(فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ) وقال صلى الله عليه وسلم مؤكداً ذلك، إذا رأيت الذين يتبعون ما تشابه منه، فأولئك الذين سمّى الله. ثانياً: التحذير الشديد من الإِصغاء إلى الذين يتبعون المتشابه وسماع كلامهم لقوله فاحذروهم، قال الحافظ: وأول ما ظهر ذلك في الإِسلام من الخوارج. ثالثاً: أن الاعتماد في العقائد والتشريع على المحكم من آيات القرآن الكريم، لأنه صلى الله عليه وسلم لما حذر من الاعتماد على المتشابه دل ذلك على أن المحكم هو الأصل الذي يعتمد عليه، ويحتج به في الأحكام اعتقادية كانت أو عملية، كما قال تعالى:(هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ) أي أصله (1) الذي يعتمد عليه. والقول الصحيح الذي عليه أهل السنة كما قال العلامة السعدي (1) إن المتشابه إذا وجدنا في مقابله نصاً محكماً، وجب أن نرده إليه، ونحمله عليه، ونفسره به، كقوله تعالى:(نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ) فإن قوله: (فَنَسِيَهُمْ) من المتشابه الذي يقابله من المحكم قوله عز وجل: (وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا) فنرد المتشابه إلى المحكم، ونفسره بمقتضاه، فيكون معنى قوله:(فَنَسِيَهُمْ) أي حرمهم من فضله، ومنعهم من رحمته، لأن الله لا ينسى، كما دلت عليه الآية المحكمة، فوجب صرف النسيان إلى معنى يتفق معها، ويليق بجلال الله سبحانه وتعالى. اهـ. وإن لم نجد ما يقابله من المحكم كأوائل السور فإننا نتوقف عن تفسيره، ونقول: الله أعلم بمراده، لأنه مما استأثر الله بعلمه، فإنما وقع في الزيغ والضلال من وقع من الكفار وأهل البدع والأهواء بسبب احتجاجهم بالآيات المتشابهة دون الرجوع إلى المحكمات التي هي أم الكتاب،
(1)" تيسير الكريم الرحمن " للشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدي.