الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
863 - " بَابُ مَرَض النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَوَفَاتِهِ
"
1008 -
عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها أنَّهَا كَانَتْ تَقُولُ:
إِنَّ مِنْ نِعَمِ اللهِ عَلَيَّ انَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم تُوُفِّيَّ في بَيْتي، وَفي يَوْمِي، وَبَيْنَ سَحْرِي وَنَحْرِي، وأنَّ اللهَ جَمَعَ بَيْنَ رِيقِي وَرِيقهِ عِنْدَ مَوْتِهِ، دَخَلَ عَلَيَّ عَبْدُ الرَّحْمَنِ وَبِيَدِهِ السِّوَاكُ، وأنا مُسْنِدَة رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَرأيْتُهُ
ــ
863 -
" باب مرض النبي صلى الله عليه وسلم ووفاته "
1008 -
معنى الحديث: أن النبي صلى الله عليه وسلم لما مَرِضَ مَرَضَ موته (1) استأذن نساءه أن يمرّض في بيت عائشة، فأذنّ له تلبية لرغبته صلى الله عليه وسلم، فانتقل إلى بيته لتمرّضه، وتشرف على خدمته، وتشمله بعطفها وحنانها، وما زال في حجرتها حتى توفي على صدرها كما قالت رضي الله عنها في هذا الحديث " إن من نعم الله عليَّ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم توفي في بيتي " أي في حجرتي الخاصة بي " وفي يومي " أي وفي اليوم الذي هو يوم نوبتي كما جاء توضيح ذلك في رواية أخرى عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يسأل في مرضه الذي مات فيه يقول: أين أنا غداً، يريد عائشة فأذن له أزواجه أن يكون حيث شاء، فكان في بيت عائشة حتى مات عندها " وبين سحري ونحري " بإسكان الحاء في الكلمتين، والسحر بسكون الحاء هو أعلى البطن، والنحر موضع العقد من الصدر، والمعنى: أنه صلى الله عليه وسلم فاضت روحه وهي محتضنة له صلى الله عليه وسلم على صدرها، ورأسه الشريف عند ذقنها، كما جاء في رواية أخرى " وإنه لبين حاقنتي وذاقنتي " أي ما بين بطني وذقني، " وإن الله جمع بين ريقي وريقه عند موته " أى مزج بين الريقين معاً، فجعل ريقها رضي الله عنها يصل إلى فمه، وريقه
(1) قال السهيلي: والوجع الذي كان بالنبي صلى الله عليه وسلم هو الوجع الذي يسمى خاصرة وهو عرق في الكلية إذا تحرك وجع صاحبه.
يَنْظر إليْهِ، وَعَرَفْتُ أنَّهُ يُحِبُّ السِّوَاكَ، فَقُلْتُ: آخذُهُ لكَ؟ فأشارَ بِرأسِهِ أنْ نَعَمْ، فتَنَاوَلْتُهُ، فاشْتَدَّ عَلَيْهِ، وقُلْتُ: أليِّنهُ لكَ؟ فَأشَارَ بِرأسِهِ أنْ نَعَمْ، فَلَيَّنتهُ، وَبَيْنَ يَدَيه رَكْوَة -أوْ عُلْبَةٌ يَشُكُّ عُمَر- فِيهَا مَاءٌ، فَجَعَلَ يُدخِل صلى الله عليه وسلم يَدَيْه في الْمَاءِ، فَيمْسَحُ بِهِمَا وَجْهَهُ يَقُولُ صلى الله عليه وسلم:" لا إِلَهَ إلَّا اللهُ، إِنَّ لِلْمَوتِ سَكَراتٍ " ثُمَّ نَصَبَ يَدَهُ، فجعَلَ يَقُولُ: فِي الرَّفِيقِ الأعْلَى حتى قُبِضَ وَمَالَتْ يَدُهُ صلى الله عليه وسلم "
ــ
صلى الله عليه وسلم يصل إلى فمها قبيل وفاته بلحظة قصيرة، وسبب ذلك قصة السواك التي ذكرتها في قولها:" دخل علي عبد الرحمن وبيده سواك وأنا مسندة رسول الله صلى الله عليه وسلم " أي مسندة له بصدري " فرأيته صلى الله عليه وسلم ينظر إليه " يعني إلى السواك " وعرفتُ أنه يحب السواك " أي عرفت من نظراته أنه يرغب أن يستاك في تلك اللحظة " فقلت آخذه لك؟ فأشار برأسه أن نعم " أي فأشار برأسه إشارة معناها نعم " فتناولته " أي فأخذت السواك لكي أعطيه إياه " فاشتد عليه " أي السواك " فقلت: ألينه لك " أي هل تريد أن أليّن لك السواك فأمضغه بأسناني " فأشار برأسه أن نعم فلينته " أي فمضغته بأسناني حتى صار ليناً " وكان بين يديه رَكوةٌ (1) فيها ماء " أي قربة من جلد مملوءة ماء " فجعل يدخل يده، فيمسح بها وجهه " أي فيمسح وجهه بالماء ليخفف من شدة الألم الذى يعانيه " ويقول: لا إله إلا الله إنّ للموت سكرات " أي شدائد وأهوال وآلام عظيمة " ثم نصب يده " مدها على الأرض " فجعل يقول في الرفيق الأعلى " والرفيق الأعلى: الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، وحسن أولئك رفيقاً، وقيل هو الجنة. وفي النهاية: هو جماعة
(1) بفتح الراء.
الأنبياء الذين يسكنون أعلى عليين. اهـ. كما أفاده الزبيدي (1).
فقه الحديث: دل هذا الحديث على ما يأتي: أولاً: أنه صلى الله عليه وسلم أقام أثناء مرضه في بيت عائشة، وقضى أيامه الأخيرة في حجرتها كما قالت رضي الله عنها:" إن من نعم الله تعالى عليّ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم توفي في بيتي وفي يومي وبين سحري ونحري " إلخ. وقد روى أحمد في " مسنده " عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إنه ليهون على (يعني الموت) أني رأيت بياض كف عائشة في الجنة " قال في المواهب اللدنية: فقد كان صلى الله عليه وسلم يحب عائشة حباً شديداً وإنما اختار النبي صلى الله عليه وسلم أن يمرّض في بيت عائشة، لأن المريض يكون أثناء مرضه أحوج ما يكون إلى من يرتاح إليه نفسياً، وهي أحب الناس إليه. ثانياًً: أن للموت سكرات، وأن سكرات الموت أشد ما تكون على نفوس أحباب الله من أنبيائه وأوليائه وأصفيائه كما وقع لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ولهذا قالت عائشة رضي الله عنها لا أكره شدة الموت لأحد أبداً بعد النبي صلى الله عليه وسلم أخرجه البخاري، قال القرطبي (2): لتشديد الموت على الأنبياء فائدتان، إحداهما: تكميل فضائلهم، ورفع درجاتهم، وليس ذلك نقصاً ولا عذاباً، بل هو كما نجاء أن أشد الناس بلاءً الأنبياء، ثم الأمثل فالأمثل. والثانية: أن يعرف الخلق مقدار ألم الموت، لأنه باطن، فلما ذكر الأنبياء الصادقون في (خبرهم) شدة ألمه عليهم مع كرامتهم على الله تعالى قطع الخلق بشدة الموت التي يقاسيها الميت. ثالثاً: أنه يجوز للإِنسان أن يشكو لزوجته أو لصديقه أو طبيبه ما يعانيه من شدة أو ألم أو مرض لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعائشة رضي الله عنها: " لا إِله إلا الله إن للموت سكرات " فاشتكى من سكرات الموت، وأما ما روي عن جماعة من الشافعية "أن تَأوَّهُ المريض مكروهٌ، فقد قال النووي: هذا ضعيف أو باطل، فإن المكروه ما ثبت
(1)" إتحاف السادة المتقين في شرح إحياء علوم الدين " للمرتضى الزبيدي.
(2)
" شرح الصدور بشرح حال الموتى وأهل القبور " للسيوطي.
فيه نهي مخصوص (1)، وهو لم يثبت فيه ذلك. والحاصل أن إخبار المريض عن مرضه لا بأس به، وهو لا ينافي الرضا بقضاء الله وقدره، فكم من شاك وهو راض، وكم من ساكت وهو ساخط، والمعول في ذلك على عمل القلب اتفاقاً، لا على نطق اللسان، ا. هـ كما أفاده الحافظ. رابعاً: أن آخر كلمة قالها صلى الله عليه وسلم وهو على فراش الموت: اللهم في الرفيق الأعلى، قال السهيلي: وجدت في بعض (2) كتب الواقدي أن أول كلمة تكلم بها وهو مسترضع عند حليمة: الله أكبر، وآخر كلمة تكلم بها " في الرفيق الأعلى "، وفي رواية:" مع الرفيق الأعلى مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، وحسن أولئك رفيقاً " وعلى هذه الكلمة فاضت روحه صلى الله عليه وسلم، ووَدَّع الحياة الدنيا والتحق بالرفيق الأعلى. وقد كانت وفاته صلى الله عليه وسلم كما قال صاحب المواهب
: يوم الإِثنين بلا خلاف وقت دخول المدينة في هجرته حين اشتد الضحى، ودفن يوم الثلاثاء، وقيل ليلة الأربعاء، وعند ابن سعد عن ابن شهاب: توفي صلى الله عليه وسلم يوم الإثنين حين زاغت الشمس ورثته عمته صفية رضي الله عنها بمراثي كثيرة، منها قولها:
ألَا يَا رَسُولَ اللهِ كُنْتَ رَجَاءَنَا
…
وَكُنْتَ بِنَا بَرَّاً وَلَمْ تَكُ جَافِيَا
وَكُنْتَ رَحِيْماً هَادِياً وَمُعَلِّمَاً
…
لِيَبْكِ عَلَيْكَ اليَوْمَ مَنْ كَانَ بَاكيا
فِدىً لِرَسُوْلِ اللهِ أُمِّي وَخَالَتِي
…
وَعَمِّي وَخَالِي ثُمَّ نَفْسِي ومَآليا
ورثاه حسان بن ثابت رضي الله عنهما بقوله:
كُنْتَ السَوَادَ لِنَاظِري
…
فَعَمَى عَلَيْكَ النَاظِرُ
مَنْ شَاءَ بَعْدَكَ فَلْيَمُتْ
…
فَعَلَيْكَ كُنْتُ أُحَاذِرُ (3)
(1)" المواهب اللدنية " ج 2.
(2)
" الروض الأنف للسهيلي " ج 4.
(3)
" المواهب اللدنية " للقسطلاني ج 2.