الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
1010 - " بَابُ قَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: كُنْ في الدُّنْيا كَأنَّكَ غَرِيبٌ أوْ عَابِرُ سَبِيلٍ
"
1159 -
عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ:
أخَذَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِمَنكِبِي فَقَالَ: " كُنْ في الدُّنيا كَأنَّكَ غَرِيبٌ أوْ عَابرُ سَبِيل "، وَكَان ابْنُ عُمَرَ يَقُولُ: إذَا أمْسَيْتَ فلا تَنْتَظِرِ الصَّباحَ، وإذَا أصْبَحْتَ فلا تَنْتَظِرِ المَسَاءَ، وَخُذْ مِنْ صِحَّتِكَ لمَرَضِكَ، وَمِنْ حَيَاتِكَ لِمَوْتِكَ.
ــ
1010 -
" باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل "
1159 -
معنى الحديث: يقول ابن عمر رضي الله عنهما: " أخذ رسول الله بمنكبي " أي أمسك النبي صلى الله عليه وسلم بمنكبي، وذلك لتنبيهه إلى التوجه إليه والاستماع إلى حديثه، والمنكب مجمع العضد والكتف " فقال: كن في الدنيا كأنك غريب " أي لا تركن إلى الدنيا، وكن فيها مثل الغريب الذي لا يعلق قلبه إلاّ بوطنه، واعلم أن وطنك الحقيقي هو الدار الآخرة. فلا تغتر بالدنيا، لأنها ليست دار خلود وبقاء، وإنما هي دار زوال وفناء. " أو عابر سبيل " وهو المسافر فما أنت في دنياك إلاّ مسافر إلى وطنك الحقيقي وهو الدار الآخرة، وما هذه الأيام والسنون والأعوام إلاّ مراحل العمر التي تنتهي بك إلى أجلك المحتوم الذي لا تدرى متى يأتي. " إذا أمسيت فلا تنتظر الصباح " أي لا تؤخر عملاً من الطاعات إلى الصباح، فلعلك تكون من أهل القبور " وإذا أصبحت فلا تنتظر المساء " أي فلا تؤخر عمل الخير إلى المساء فقد تعاجلك المنون "وخذ
من صحتك لمرضك" قال ابن رجب (1): معناه اغتنم الأعمال الصالحة في الصحة قبل أن يحول بينك وبينها السقم " ومن حياتك لموتك " أي واغتنم في حياتك الدنيا ما ينفعك بعد موتك، كما قال تعالى (فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ) [المائدة: 48].
فقه الحديث: دل هذا الحديث على ما يأتي: أولاً: أنه ينبغي للعاقل أن لا يغتر بالدنيا ويجعلها أكبر همه، بل يفكر في مصيره ورحيله عنها إلى دار القرار، فما هو إلاّ عابر سبيل، وقد قال الشاعر:
سَبيْلُكَ في الدُّنْيا سَبيلُ مسافِر
…
وَلَا بُدَّ مِنْ زَادٍ لكلِّ مُسَافِرِ
وقال آخر (2):
وَمَا هَذ الأيَّامُ إلَّا مراحِلٌ
…
تَمُر وَتُطْوَى والمُسَافِرُ قَاعِدُ
وإنما أمرنا النبي صلى الله عليه وسلم بالتفكير في الموت، والانتقال إلى عالم آخر، يجازى فيه ْالمرء على أعماله، خيراً أو ضراً، لأن مجرد التفكير في ذلك المصير المحتوم، وفي ْذلك الموقف العظيم، يؤدي بالعبد إلى الاستقامة وحسن السلوك، والمواظبة على صالح الأعمال، فإن الغرور بالدنيا، والاستغراق في حبّها، والتكالب عليها هو سبب كل الشرور التي تعانيها الإنسانية اليوم، من ظلم، واستبداد، وقلق، وعدوان، وهو مصداق الخبر:" حب الدنيا (3) رأس كل خطيئة "(4) أخرجه البيهقي في " شعب الإيمان " بإسناده إلى الحسن البصري رفعه مرسلاً وقيل: هو من قول عيسى عليه السلام، قيل: من قول مالك بن دينار وقال شيخ الإسلام
(1)" جامع العلوم والحكم " لابن رجب الحنبلي.
(2)
" الفتوحات الوهبية في شرح الأربعين النووية " للشبرخيتي المالكي.
(3)
" مشكاة المصابيح " وشرحها للقاري ج 5.
(4)
وعن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " هل من أحد يمشي على الماء إلا ابتلت قدماه؟ قالوا: لا يا رسول الله قال: كذلك صاحب الدنيا لا يسلم من الذنوب " رواه البيهقي في " شعب الإيمان " وإسناده ضعيف. (ع).
ابن تيمية: هو من قول جندب بن عبد الله البجلي. ثانياً: أنه ينبغي للعاقل مسابقة الزمن، والمبادرة إلى الأعمال الصالحة قبل فوات الأوان كما قال ابن عمر رضي الله عنهما:" إذا أصبحت فلا تنتظر المساء " فإنه يحذرنا رضي الله عنه في وصيته من تأخير الأعمال الصالحة عن وقتها خشية أن تحول المنيّة بيننا وبينها. وقد كان محمد بن واسع إذا أراد النوم قال لأهله: أستودعكم الله، فلعلي لا أقوم من نومتي هذه. قال ابن رجب: فالواجب على المؤمن المبادرة إلى الأعمال الصالحة قبل أن يحال بينها وبينه بمرض أو موت أو غيره، وهو مصداق قوله صلى الله عليه وسلم: كما في حديث ابن عباس رضي الله عنهما: " اغتنم خمساً قبل خمس، شبابك قبل هرمك، وصحتك قبل سقمك، وغناك قبل فقرك، وفراغك قبل شغلك، وحياتك قبل موتك " أخرجه الحاكم في المستدرك، ولهذا قال سعيد بن جبير: كل يوم يعيشه المؤمن غنيمة. وقال المزني (1): ما من يوم أخرجه الله إلى الدنيا إلّا ويقول: يا ابن آدم اغتنمني لعله لا يوم لك بعدي، ولا ليلة إلاّ تنادي: ابن آدم اغتنمني لعله لا ليلة لك بعدي. وقال بعضهم:
لا تُرجِ فِعْلَ الخيْرِ يوماً إلى غدٍ
…
لَعَلَّ غَداً يصيْرُ إلى زَوَالِ
ثالثاً: أن في هذا الحديث تحريض على الإكثار من ذكر هادم اللذات وقد قال بعض أهل العلم: من أكثر ذكر الموت (2) أكرم بثلاثةٍ: تعجيل التوبة، وقناعة القلب، والنشاط في العبادة. ومن نسيه عوقب بثلاثة أشياء: تسويف التوبة وعدم الرضا بالكفاف، والتكاسل في العبادة. الحديث: أخرجه أيضاً الترمذي وأحمد وابن ماجه. والمطابقة: في كون الترجمة من لفظ الحديث.
…
(1)" جامع العلوم والحكم " لابن رجب الحنبلي.
(2)
" شرح الجرداني على الأربعين النووية ".