الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
1000 - " بَابُ التَّوْبَةِ
"
1149 -
عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُود رضي الله عنه أنَّهُ حَدَّثَ بِحَدِيثَيْنِ،
ــ
أتوب إليه في اليوم مائة مرة" أخرجه مسلم. أي فأنتم أولى بالرجوع إليه في الساعة الواحدة ألف مرّة.
فقه الحديث: دل هذا الحديث على ما يأتي: أولاً: استحباب الاستغفار لكل واحد من المؤمنين محسناً كان أو مسيئاً لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو إمام المتقين كان يكثر من الاستغفار إلى هذا الحد فكيف بغيره. ثانياً: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يكثر من الاستغفار مع أنه مغفور له تعليماً لأمته، ولرفع درجاته، وزيادة حسناته، وقضاء حاجاته لأن الاستغفار ذكر وعبادة وقربة إلى الله، ويستعمل لأغراض كثيرة، منها كشف الكربات، وتفرج الهموم، وتكثير الأرزاق، وفي الحديث " من لزم الاستغفار جعل الله له من كل ضيق مخرجاً، ومن كل هم فرجاً، ورزقه من حيث لا يحتسب " أخرجه أبو داود وابن حبان والنسائي، قال الشوكاني: وفي (1) الحديث الذي ذكرناه أن الإكثار من الاستغفار، فيه المخرج من كل ضيق، والفرج من كل هم، وحصول الأرزاق من حيث لا يحتسب ولا يكتسب، فمن حصل له ذلك عالق في نعمة سالماً من كل نقمة.
الحديث: أخرجه أيضاً الترمذي والنسائي. والمطابقة: في قوله صلى الله عليه وسلم: " إنّي لأستغفر الله ".
1000 -
" باب التوبة "
1149 -
معنى الحديث: أن ابن مسعود تحدث في حديثه هذا بحديثين: أولهما: حديث تحدث به من عنده، وليس من كلام النبي صلى الله عليه وسلم وإنما
(1)" تحفة الذاكرين " للشوكاني.
أحدُهُمَا عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم والآخَرُ عَنْ نَفْسِهِ، قَالَ: إِنَّ المُؤْمِنَ يَرَى في ذُنُوبِهِ كأنَّهُ قَاعِدٌ تَحْتَ جَبَل يَخَافُ أنْ يَقَعَ عَلَيْهِ، وَإنَّ الفَاجِرَ يَرَى ذُنُوبَهُ كَذُبَابٍ مَرَّ عَلَى أنْفِهِ، فَقَال بِهِ هَكَذا، ثُمَّ قَالَ:" للهُ أفْرَحُ بتوبةِ عَبْدِهِ منْ رَجُل نَزَلَ مَنْزِلاً وَبِهِ مَهلكَةٌ، وَمَعَهُ رَاحِلتهُ، عَلَيْهَا طَعَامُهُ وَشَرَابُهُ، فَوَضَعَ رَأسَهُ فَنَامَ نَوْمَةً، فاسْتَيْقَظَ وَقَدْ ذَهَبَتْ رَاحِلتهُ، حَتَّى إِذَا اشْتَدَّ عَلَيْهِ الحَرُّ وَالْعَطَشُ أوْ مَا شَاءَ اللهُ قَالَ: أرْجِعُ إلى مَكَاني، فَرَجَعَ فَنَامَ نَوْمَةً، ثُمَّ رَفَعَ رَأسَهُ فَإذَا رَاحِلتُهُ عِنْدَهُ ".
ــ
هو من كلام ابن مسعود رضي الله عنه وموقوف عليه قال فيه: " إن المؤمن يرى في ذنوبه كأنه قاعد تحت جبل يخاف أن يقع عليه " أي إن المؤمن الكامل يستعظم ذنوبه، ويستكبرها، ويخاف منها خوفاً شديداً، ولو كانت من الصغائر، فإذا وقع في شيء منها تملكه الرعب، كأنه تحت جبل عظيم يوشك أن يقع عليه. " وإن الفاجر " أي الفاسق المستهتر " يرى ذنوبه كذباب مرّ على أنفه، فقال به هكذا " أي يستهين بالمعاصي مهما عظمت، حتى أنه يرى كبائر الذنوب سهلة يسيرة كأنها ذباب مرّ على أنفه فلا يعبأ به أو يكترث له. ثانيهما: حديث مرفوع رواه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه " قال: لله أفرح بتوبة عبده " واللام للتوكيد، كأنه صلى الله عليه وسلم يقول: أؤكد لكم أن الله أشد فرحاً بتوبة عبده إذا تاب إليه " من رجل نزل منزلاً وبه مهلكة " أي نزل محطة في فلاة من الأرض، لا ماء فيها، ولا أحد يسكنها " ومعه راحلته " أي دابته التي يركب عليها، " عليها طعامه وشرابه فوضع رأسه، فنام نومة " يسيرة قصيرة " فاستيقظ وقد ذهبت راحلته " أي ذهبت عنه دابته، وتركته في تلك المفازة المهلكة، والأرض القاحلة دون طعام ولا ماء، بمعنى أنه وجد نفسه عندما انتبه من النوم قد فقد دابته، وبقي فريداً وحيداً، منقطعاً لا زاد معه ولا ماء "حتى
إذا اشتد عليه الحر والعطش، أو ما شاء الله" من الخوف والقلق والهموم النفسية واستولى عليه اليأس فاستسلم للموت جوعاً وعطشاً وما كان منه إلا أن " قال: ارجع إلى مكاني فرجع فنام، ثم رفع رأسه، فإذا راحلته عنده " وعليها طعامه وشرابه، فلما فوجىء هذه المفاجأة السارة، وعاد إليه الأمن والاطمئنان، واستبشر بالسلامة والنجاة، قال كما في رواية أخرى: " اللهم أنت عبدي وأنا ربك " أخطأ من شدة الفرح، فالله أشد فرحاً بتوبة عبده من ذلك الرجل.
فقه الحديث: دل هذا الحديث على ما يأتي: أولاً: قوة حساسية المؤمن، وشدة خوفه من الله، واستعظامه لما يتعرض له من صغائر الذنوب، حيث يراها كالجبال الضخمة التي توشك أن تقع عليه فتهلكه. وقسوة قلب الفاجر، وعدم إحساسه بالذنوب. ولو كانت كبائر، لأنه يراها كالذباب يمر على وجهه، فلا يلقي لها بالاً. ثانياًً: قبول التوبة الصادقة وفرح الله تعالى بها، ورضاه عن صاحبها، فالتوبة مقبولة حتى تطلع الشمس من مغربها ولكن لها شروط ثلاثة: الأول: ترك المعصية والابتعاد عنها بالكلية، لأن الاستغفار بلا إقلاع توبة الكذابين .. كما قال الفضيل بن عياض. وسمع أعرابي وهو متعلق بأستار الكعبة يقول: اللهم إن إستغفاري مع إصراري للؤمٌ. وإن تركي استغفارك مع علمي بسعة عفوك لَعَجْز، فكم تتحبب إليّ بالنعم مع غناك عني، وكم أتبغض إليك بالمعاصي مع فقري إليك إلخ. الثاني: الإِحساس بالذنب والندم عليه، وتألم النفس منه: الثالث: العزم على أن لا يعود إليه. قال ابن حجر: فإن كان عليه حق كقضاء صلاة فلا يسامح بصرف وقت في نفل وفرض كفاية لم يتعين عليه، أي بل يبدأ أولاً بقضاء الفرائض حتى إذا قضاها جميعاً التفت إلى النوافل، فإن كان عليه حق للآدميين فلا تقبل التوبة إلاّ بالتخلص منه، ورد المظلمة إلى صاحبها، أو تحصيل البراءة منه كما قال النووي. ثالثاً: دل الحديث على أن العبد لا يؤاخذ بالخطأ اللساني الذي يقوله في حال دهشته وذهوله، لأن هذا الرجل قال من شدة الفرح:" اللهم أنت عبدي وأنا ربك ". الحديث: أخرجه