الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بسم الله الرحمن الرحيم
"
كتابُ الطِّبِّ
"
لا شك أنّ الإِسلام قد عني بالناحية الصحية نفسية كانت أو بدنية، واهتم بالطب بسائر أنواعه كما تدل عليه النصوص الإسلامية ففي الحديث الصحيح عن جابر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:" لكل داء دواء، فإذا أصيب دواء الداء برأ بإذن الله عز وجل " أخرجه مسلم، وأحمد والحاكم، وعن أسامة بن شريك قال: كنت عند النبي صلى الله عليه وسلم، وجاءت الأعراب فقالوا: يا رسول الله أنتداوى؟ فقال: " يا عباد الله! تداووا، فإن الله عز وجل لم يضع داء إلّا وضع له شفاء، غير داء واحد " قالوا: ما هو يا رسول الله؟ قال: " الهرم " أخرجه أحمد في " مسنده " والطب كما يقولون: علم يعرف به أحوال الإِنسان البدنية والنفسية من صحة أو مرض، والوسائل الكفيلة بالمحافظة على صحته وهو ما يسمى بالطب الوقائي. والوسائل اللازمة لإعادة الصحة إلى الإنسان، وإزالة المرض عنه بإذن الله تعالى، وهو ما يسمى بالطب العلاجي .. وهو نوعان: طب نفسي، وطب عضوي أو بدني. فالطب النفسي: تعالج به أمراض النفس من حيرة وقلق وهم وغم، وخوف غير عادي، إلى غير ذلك من الأمراض التي لا علاقة لها بأي عضو من أعضاء البدن، ويدخل في ذلك بعض أنواع الصرع التي لا علاقة لها بأي مرض عضوي، والتي لا حيلة للطب البشري في معالجتها كما اعترف بهذا أبقراط ويلجأ الطبُّ النفساني في علاج النَّفس إلى طريقتين: الأولى: الطريقة العلمية النفسية التي تعتمد على التحاليل والجلسات النفسية المعروفة. والثانية: الطريقة الروحية الدينية: وتعتمد على وسيلتين أو علاجين كما في كتاب " الطب النبوي " لابن القيم، الأولى: إصلاح القلب عن طريق
تقوية الإيمان والعقيدة، وتقوية الصلة بالله في الشدة والرخاء كما قال صلى الله عليه وسلم لابن عباس رضي الله عنهما:" يا غلام إني أعلمك كلمات احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك، إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، واعلم أنّ الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لمن ينفعوك إلاّ بشيء قد كتبه الله لك، ولو اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلاّ بشيء قد كتبه الله عليك " وفي رواية أخرى " احفظ الله تجده أمامك، تعرف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة، واعلم أن ما أخطأك لم يكن ليصيبك، وما أصابك لم يكن ليخطئك، واعلم أن النصر مع الصبر، وأن الفرج مع الكرب، وأن مع العسر يسراً " فهل تعتقد أن إنساناً تغلب على نفسه كل هذه المعاني عقيدة وشعوراً ووجداناً فتملأها صلابة وقوة يمكن أن تجد الأمراض النفسية إلى نفسه سبيلاً، كلا، وقد اعترف بذلك المنصفون من علماء النفس الحديث. وممن نادى بذلك (وليم جيمس) العالم الأمريكي فقال: إن أعظم علاج للقلق ولا شك هو الإيمان، وقال: الرجل المتدين حقاً عصيٌّ على القلق، محتفظ أبداً باتزانه، مستعد دائماً لمواجهة ما عسى أن تأتي به الأيام من صروف. وقال كارل يونج المحلل النفساني:" إن المرء المتدين حقاً لا يعاني قط مرضاً نفسياً "(1) وأشار المؤرخ أرنولد توينبي إلى أن الأزمة التي يعاني منها الأوربيون في العصر الحديث إنما ترجع في أساسها إلى الفقر الروحي ومن هذا يتضح لنا أن من أهم وسائل الطب النفسي وقايةً وعلاجاً هو تقوية الإيمان والعقيدة واليقين. أما العلاج النفسي الثاني في نظر الإِسلام فهو في الأذكار والأدعية المأثورة، والرقى الصحيحة المشروعة بالآيات القرآنية والأذكار والأدعية النبوية، وقد روى ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول عند الكرب:" لا إله إلا الله العظيم الحليم، لا إله إلا لله رب العرش الكريم، لا إله إلاّ الله رب السموات ورب الأرض ورب العرش الكريم " فهذا ذكر نبوي مأثور لعلاج الإنسان من أزمته النفسية، وكشف همومه القلبية التي يعانيها، ثم هو بالاضافة إلى ذلك دعاء مستجاب لقضاء
الحاجة التي تهم ذلك الإنسان، وتحقيقها له إن كانت خيراً، أو تعويضه بأحسن منها. وعن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم:" من كثرت همومه وغمومه فليكثر من قول لا حول ولا قوة إلاّ بالله " ولكن هذه الأدعية والأذكار لا تعمل عملها في علاج النفس وشفائها إلاّ إذا اقترنت بالعلم بمعناها، واليقين بجدواها ولا شك أن هناك بعض الأعمال كالميكروبات الضارة وهي المعاصي والذنوب، فمن أراد سلامة نفسه من الأمراض النفسية فليجنبها المعاصي والذنوب، ولهذا قال بعض السلف: من أراد عافية القلب فليترك الآثام. أما الطب البشري: فإن الإِسلام قد أثبته، ودعا إلى هذا الطب الذي يعتمد على علاج الجسم بالعقاقير المستخلصة من الأعشاب والمعادن وغيرها، ويدخل في ذلك الفيتامينات " وأشار النبي صلى الله عليه وسلم إلى بعض الأدوية النافعة التي تعتبر أصولاً أساسية لجميع أنواع الأدوية الأخرى، فقال صلى الله عليه وسلم: " الشفاء في ثلاث: شربة عسل، وشرطة محجم، وكية نار، وأنا أنهى أمتي عن الكي " وإذا تصفحنا كتاب الطب من " صحيح البخاري " أو غيره من الصحاح نجد فيه أنواعاً من الأدوية النبوية المأثورة لعلاج الأبدان، فمن ذلك: العسل، والحجامة، والكي، وألبان الإِبل وأبوالها، والحمية، والحبة السوداء، والسعوط، والحجامة على الرأس من الشقيقة والصداع، والكحل بالإِثمد، والكمأة، ودواء ذات الجنب، وتجد فيه من الأدوية الروحية للجسم، رقية الحية والعقرب، والعين. ومن الأدوية الروحية للجسم والنفس معاً الرقية بالمعوذات، وفاتحة الكتاب، واستخراج السحر إلى غير ذلك. قال ابن القيم: وليس طبه صلى الله عليه وسلم كطب الأطباء، فإن طب النبي متيقن قطعي إلهي صادر عن الوحي ومشكاة النبوة وكمال العقل، وطب غيره أكثره حدس، أي تخمين وظنون وتجارب. ولا ينكر عدم انتفاع كثير من المرضى بطب النبوة، فإنه إنما ينتفع به من تلقاه بالقبول، واعتقد الشفاء به، فهذا القرآن الذي هو شفاء الصدور إن لم يتلق هذا التلقي لم يحصل به شفاء الصدور من أدوائها. وقد عُني أئمة العلم والحديث