الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بسم الله الرحمن الرحيم
"
كتاب المحاربين
"
1031 - " بَابُ لَمْ يُسقَ المرتدُّونَ الُمَحاربُون حَتَّى مَاتُوا
"
1181 -
عَنْ أنَسٍ رضي الله عنه قَالَ:
قَدِمَ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم نَفَرٌ مِنْ عُكَلِ فَأسلَمُوا، فاجْتَوَوُا المَدِينَةَ، فَأمرَهُمْ أن يَأْتُوا إبِلَ الصَّدَقَةِ فَيَشْرَبُوا مِنْ أبوَالِهَا وألْبَانِهَا، فَفَعَلُوا،
ــ
" كتاب المحاربين "
والمحاربون كل جماعة مسلحة تخرج في دار الإِسلام تهدد الأمن وتسفك الدماء وتسلب الأموال وتعتدي على الحريات العامة والحقوق الشخصية سواء كانت هذه الجماعة مسلمة أو ذميّة أو معاهدة ما دامت في دار الإِسلام ويدخل في المحاربين جميع العصابات الإِرهابية، كعصابات القتل وخطف الأطفال والسطو على البيوت والبنوك أو خطف العذارى أو غير ذلك، وكذلك كل فرد عدواني له قوة يهدد بها الأمن العام، فهو محارب وقاطع طريق. وتنفذ في حقه أحكام المحاربة.
1031 -
" باب لم يسق المرتدون المحاربون حتى ماتوا "
1181 -
معنى الحديث: يقول أنسٍ رضي الله عنه: " قدم على النبي نفر من عكل " أي قدم عليه صلى الله عليه وسلم سنة ست من الهجرة جماعة من قبيلة عكل (1) ما بين الثلاثة إلى العشرة " فأسلموا " أي دخلوا في الإِسلام " فاجتووا المدينة " قال القاري: أي استوخموها، ولم يوافقهم المقام بها،
(1) أي من قبيلة عكل وعرينة.
فَصَّحُّوا، فارْتَدُّوا، وقَتَلُوا رُعَاتِهَا، واسْتَاقُوا الإبِلَ، فَبَعَثَ في آثارِهِمْ، فأُتِيَ بِهِمْ، فَقَطَعَ أْيدِيَهُمْ وأرْجُلَهُمْ، وسَمَلَ أعيُنَهُمْ، ثُمَّ لَمْ يَحْسِمْهُمْ حَتَى مَاتُوا.
ــ
وأصابهم الجواء وهو المرض " فأمرهم أن يأتوا إبل الصدقة " أي أمرهم أن يخرجوا إلى المكان الذي فيه إبل الزكاة، ويقيموا هناك " فيشربوا من أبوالها " للتداوي بها، لأنها دواء نافع " وألبانها " للتغذي والتداوي بها أيضاً لأنها شفاء " ففعلوا فصحوا " أي فشربوا ذلك فقويت أجسامهم، وصحت أبدانهم " فارتدوا " وخرجوا عن الإِسلام وعادوا إلى كفرهم " وقتلوا رعاتها " أي قتلوا راعي النبي صلى الله عليه وسلم وطمعوا في المال " واستاقوا الإِبل " وولوا بها هاربين " فبعث في آثارهم " أي فأرسل النبي صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب وجماعة من الصحابة وراءهم ليمسكوا بهم ويلقوا القبض عليهم " فأتي بهم " أي فجيء بهم إلى النبي صلى الله عليه وسلم " فقطع أيديهم وأرجلهم " من خلاف كما في رواية الترمذي " وسمل أعينهم " بفتح السين والميم، أي فقأ أعينهم " ثم لم يحسمهم " بسكون الحاء وكسر السين " حتى ماتوا بل تركهم حتى ماتوا " أي تركهم ينزفون حتى الموت ولم يكوهم لينقطع الدم. قال ابن الملك: إنما فعل بهم صلى الله عليه وسلم هذا مع نهيه عن المثلة، إما لأنهم فعلوا ذلك بالرعاة، وإما لعظم جريمتهم. والله أعلم.
فقه الحديث: دل هذا الحديث على ما يأتي: أولاً: أن المحارب وقاطع الطريق إذا قتل لا بد من قتله لأن النبي صلى الله عليه وسلم قتل هؤلاء العرنيين المذكورين في الحديث أما إذا أخاف السبيل، أو سرق المال، ولم يقتل فإن الحديث لم يتعرض لهذا، واختلف الفقهاء في حكمه، هل يجوز للإِمام قتله إذا رأى المصلحة في ذلك؟ أم لا يجوز قتل المحارب إلا إذا قتل؟ وسبب هذا الخلاف اختلافهم في الأحكام الواردة في الآية الكريمة من القتل، والصلب، والقطع والنفي هل هي
على الترتيب أو التخيير. فقال بعض الفقهاء: (أو) في قوله تعالى: (أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ) للترتيب والتنويع وتدل على توزيع الأحكام على حسب الجنايات، فمن قتل وأخذ المال قتل وصلب، ومن قتل ولم يأخذ مالاً قتل فقط، ومن اقتصر على أخذ المال قطعت يده ورجله من خلاف، ومن أخاف السبيل ولم يقتل ولم يأخذ مالاً نفي من الأرض، وهذا هو مذهب الشافعية والصاحبين (1)، وهو مروي عن ابن عباس. وقال بعض الفقهاء: إن (أو) في الآية للتخيير فالإِمام مخيّر في الحكم على المحاربين بأي حكم من الأحكام التي أوجبها الله تعالى من القتل أو الصلب أو القطع أو النفي لظاهر الآية الكريمة. وهذا قول مجاهد والضحاك والنخعي، وهو مذهب المالكية (2). اهـ. إلاّ أن التخيير عندهم مقيد بحدود خاصة، وليس على إطلاقه، فقد قال مالك: " الإِمام بنص الآية مخيّر في تطبيق أي جزاء على المحارب حسب اجتهاده (3)، وما يرى فيه المصلحة إلاّ القاتل فإن المحارب إذا قتل لا بد من قتله، وليس للإِمام تخيير في قطعه، ولا في نفيه، وإنما التخيير في قتله أو صلبه، وإذا أخذ المال ولم يقتل فلا تخيير في نفيه ويخير الإمام في قتله أو صلبه أو قطعه من خلاف، وأمّا إذا أخاف السبيل فقط، فالإمام مخير في قتله وصلبه وقطعه ونفيه، بمعنى أن للإِمام الحق في استعمال العقوبة الأشد لا في استعمال الأخف. وقال أبو حنيفة بالتخيير في محارب مخصوص وهو الذي قتل النفس وأخذ المال، فالإِمام مخيّر في أمور أربعة:(أ) قطع يده ورجله من خلاف وقتله. (ب) قطع يده ورجله من خلاف وصلبه. (ج) صلبه فقط دون قطع يده ورجله. (د) قتله فقط (4) واختلف الفقهاء في عقوبة النفي ما
(1)" روائع البيان في تفسير آيات الأحكام " للصابوني ج 1.
(2)
" روائع البيان في تفسير آيات الأحكام " للصابوني ج 1.
(3)
التشريع الجنائي لعبد القادر عودة ج 1.
(4)
" فتح الباري " ج 12.
هي؟ فقال مالك والشافعي: معناها أن يخرج المحارب من بلد الجناية إلى بلدة أخرى، وزاد مالك: فيحبس فيها، وقال أبو حنيفة: هي أن يحبس في بلده، فالنفي هو السجن، لأن السجن خروج من سعة الدنيا إلى ضيقها، فصار كأنه نفي من الأرض، وقد قال بعض الشعراء:
خَرَجْنَا مِنَ الدُّنيا وَنَحْنُ مِنْ اهْلِهَا
…
فَلَسْنَا مِنَ الأمْوَاتِ فِيهَا وَلَا الأحيَا
إذَا جَاءَنَا السَّجَّانَ يَوْماً لِحَاجَةٍ
…
عَجِبْنَا وَقُلْنَا جَاءَ هَذا مِنَ الدُّنيا
ثانياًً: دل هذا الحديث على أن قاطع الطريق إذا قتل وأخذ المال، فإنه يجوز للإمام أن يقطع يده ورجله من خلاف، ويقتله (1) كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم بالعرنيين " حيث قطع أيديهم وأرجلهم من خلاف، ثم لم يحسمهم حتى ماتوا " وبهذا قال بعض أهل العلم، وهو مذهب أبي حنيفة حيث قال فيمن قتل وأخذ المال: إن الإمام مخيّر بين أن يقطع يده ورجله من خلاف ويقتله، أو يقطعه ويصلبه أو يصلبه فقط دون قطع يده ورجله، أو يقتله فقط. ثالثاً: أن النبي صلى الله عليه وسلم سمل أعين هؤلاء، مع نهيه عن المثلة فقيل: كان هذا (2) قبل نزول آية الحدود، وآية المحاربة، والنهي عن المثلة فهو منسوخ، أو فعله قصاصاً. الحديث: أخرجه الشيخان. والمطابقة: في كون الحديث دل على عقوبة المحارب.
…
(1) قال تعالى: (وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ) أي إخراج المؤمنين من مكة أشد من قتلهم.
(2)
شرح النووي على مسلم.