الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
987 - " بَاب (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا)
"
1136 -
عَنْ أبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه:
أنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: " إيَّاكُمْ والظَّنَّ، فَإِنَّ الظَّنَّ أكْذَبُ الْحَدِيثِ، ولا تَحَسَّسُوا، وَلا تَجَسَّسُوا، وَلا تَنَاجَشُوا، وَلا تَحَاسَدُوا،
ــ
كما يشير إليه قوله صلى الله عليه وسلم: " قطعت عنق صاحبك "، ثالثاً: أن يكون المدح مجرّداً عن الغلو والإطراء والقطع بتزكية أحد على الله مهما كان، لقوله صلى الله عليه وسلم:" ولا يزكي على الله أحداً ". الحديث: أخرجه الشيخان. والمطابقة: في قوله: " قطعت عنق صاحبك " فإن فيه التحذير من مدح الرجل لئلا يغترّ بنفسه.
987 -
" باب (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا) "
1136 -
معنى الحديث: يقول صلى الله عليه وسلم: " إياكم والظن " أي احذروا من سوء الظن بالناس، واعتقاد الشر فيهم، واتّهامهم بالأعمال القبيحة دون دليل، " فإن الظن أكذب الحديث " أما أن يراد بالحديث حديث النفس، بمعنى أن ما يقع في النفس، ويخطر بالقلب من الظنون السيئة هو من أكذب الأحاديث النفسية، فلا تلتفتوا إليه، أو تعتمدوا عليه، لأنه من وسوسة الشيطان أو يراد به " حديث اللسان " بمعنى أن كل قول لا يستند إلَّا إلى مجرد الظن هو من أكذب الأقوال، وأبعدها عن الحقيقة، فإياكم أن تتحدثوا به من غير دليل تستندون إليه، " ولا تحسسوا ولا تجسسوا "(1) أي لا تتبعوا عورات
(1) والكلمتان بمعنى واحد.
وَلا تَبَاغضُوا، ولا تَدَابَرُوا، وكُونُوا عِبَادَ اللهِ إخْوَاناً".
ــ
المسلمين " ولا تناجشوا " أي لا يزد أحدكم على أخيه في ثمن السلعة دون رغبة في شرائها ليخدع المشتري، " ولا تحاسدوا " أي لا يحسد بعضكم بعضاً فيتمنى زوال نعمته، سواء أتمنى انتقالها إليه، أو لا، قال تعالى (وَلَا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ -إلى أن قال- وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ)" ولا تباغضوا " أي اجتنبوا الأسباب المؤدية إلى البغض والتنافر فيما بينكم من الشتم وسوء المعاملة ونحو ذلك، أو لا تستسلموا لمشاعر البغض والكراهية، وتنفذوا ما تدعوكم إليه من إيذاء الناس وظلمهم إلخ، فإنّ ذلك في مقدوركم " ولا تدابروا " أي لا يهجر بعضكم بعضاً من الإِدبار، وهو الإِعراض المؤدي إلى العداوة والقطيعة.
فقه الحديث: دل هذا الحديث على ما يأتي: أولاً: تحريم العمل بسوء الظن الذي لا يستند إلى دليل والاستجابة له في توجيه التهمة إلى المسلمين لمجرد خاطر نفسي، قال القرطبي: المراد بالظن هنا التهمة التي لا سبب لها، كمن يتهم رجلاً بالفاحشة من غير أن يظهر عليه ما يقتضيها، فينبغي للمسلم إذا ظن ظناً سيئاً لا دليل عليه أن لا يحققه بالعمل والقول فقد جاء في الحديث عن حارثة بن النعمان رضي الله عنه: قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ثلاث لازمات أمتي الطيرة، والحسد، وسوء الظن" فقال رجل: وما يذهبهن يا رسول الله ممن هن فيه؟ قال: " إِذا حسدت فاستغفر الله، وإذا ظننت فلا تحقق، وإذا تطيرت فامض " أخرجه الطبراني (1). ثانياًً: قال عياض: استدل قوم بهذا الحديث على منع العمل في الأحكام بالاجتهاد والرأي، وهو زعم باطل، قال: "وليس المراد بالظن ما يتعلق بالاجتهاد الذي يتعلق بالأحكام أصلاً، بل الاستدلال به لذلك
(1) قال الحافظ الهيثمي في " مجمع الزوائد "(8/ 78) وفيه إسماعيل بن قيس الأنصاري، وهو ضعيف. (ع).
ضعيف وباطل. ثالثاً: تحريم التجسس على الناس، وتتبع عوراتهم لقوله صلى الله عليه وسلم " ولا تجسسوا "، ويستثنى بعض الحالات الاستثنائية كالتجسس على العدو الكافر، لأن النبي صلى الله عليه وسلم أرسل في غزوة الخندق الزبير إلى الأعداء ليطلع على أحوالهم، وكذلك إذا أصبح التجسس وسيلة لإنقاذ نفس من الهلاك فهو مندوب إليه. رابعاً: دل هذا الحديث على أنه يجب على المسلم المحافظة على العلاقات الودية بينه وبين إخوانه، وأن يتجنب الأسباب المؤدية إلى العداوة بينه وبينهم من السباب، والشتائم، وسوء المعاملة، والغيبة، والنميمة، واحتقار الآخرين، وجرح مشاعرهم، وعلى وجوب ضبط النفس، والتحكم في مشاعرها، وأن لا يستسلم المسلم لعاطفة البغض والكراهية في إيذاء الناس والتعدي عليهم، كما دل عليه قوله صلى الله عليه وسلم:" ولا تباغضوا " خامساً: أنه يحرم على المسلم أن يستجيب لمشاعر الحسد وأن يقاومه ما استطاع، ويستغفر الله منه، فإنه إن فعل ذلك لم يأثم، وصرفه الله عنه، كما أرشدنا إلى ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث قال:" إذا حسدت فاستغفر الله " أخرجه الطبراني، وليس المراد بالاستغفار أن يستغفر بلسانه فقط، وإنما المراد به الإحساس بالندم، والعزم والتصميم على مقاومة هذا الشعور البغيض، والالتجاء إلى الله بقبول التوبة. سادساً: أنه لا يجوز أن يهجر المسلم أخاه المسلم ويقاطعه لغرض من أغراض الدنيا، وقد جاء في الحديث عن أبي أيوب الأنصارى قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث ليال، يلتقيان فيعرض هذا ويعرض هذا، وخيرهما الذي يبدأ بالسلام " متفق عليه. وأجمع العلماء على أنه من خاف من مكالمة أحدٍ وصلته ما يفسد عليه دينه أو مضرة في دنياه يجوز له مجانبته، ورب هجر خير من مخالطة من يؤذيه. الحديث: أخرجه الشيخان. والمطابقة: في قوله: "إياكم والظن" فإنه مطابق لقوله تعالى (اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ)، وفي قوله أيضاً:" فإن الظن أكذب الحديث " وهو مطابق لقوله تعالى (إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ) وتوضيح له.