الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
971 - " بَابُ الْجُذَامَ
"
1119 -
عَنْ أبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه:
أنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: "لا عَدْوَى ولا طِيَرةٌ ولا هَامَةٌ،
ــ
في حديث عبد الله بن بحينة " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم احتجم بلحي جمل من طريق مكة وهو محرم في وسط رأسه " بفتح السين ويجوز تسكينها.
فقه الحديث: دل هذا الحديث على أن من وسائل العلاج في الطب النبوي التداوي بالحجامة في الرأس خاصة، وفي رواية:" ما كان أحد يشتكي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وجعاً في رأسه إلاّ قال: احتجم " أخرجه أبو داود. الحديث: أخرجه الشيخان والنسائي وابن ماجة. والمطابقة: في قوله: " احتجم في رأسه ".
971 -
" باب الجذام "
1119 -
معنى الحديث: أن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: " لا عدوى " ومعناه على أرجح الأقوال التي ذكرها الحافظ ابن حجر (1): أنه لا صحة لما كانت الجاهلية تعتقده من أن الأمراض تعدي بطبعها من غير إضافة إلى الله تعالى، فأبطل النبي صلى الله عليه وسلم اعتقاد ذلك ليعلموا أن المرض إنما ينتقل من جسم لآخر بإذن الله ومشيئته، فإذا أراد الله المرض للجسم الآخر انتقل إليه الميكروب من ذلك المريض، وحدثت العدوى، وإلا فلا، لأن الله خلق في الجسم مناعة وأوجد فيه كريات الدم البيضاء وهي تشكل أسلحة مضادة للميكروبات، وتقضي عليها، فإذا أراد الله سلامة الجسم من الميكروبات الوافدة إليه المعبر عنها في الحديث بالعدوى، سلّط الله عليها كريات الدم البيضاء (2) فقضت عليها، وإذا أراد الله
(1)" فتح الباري " للحافظ ابن حجر ج 10.
(2)
وتسميتها بالبيضاء مجرد تسمية فقط، ولعل ذلك لتمييزها عن كريات الدم الحمراء، وإلا فهي عديمة اللون.
وَلا صَفَرَ، وَفِرَّ مِنَ المَجْذُومِ كَمَا تَفِرُّ مِنَ الأسَدِ".
ــ
إصابة الجسم بتلك الميكروبات المرضية ضعفت كريات الدم البيضاء عن مقاومتها، وتمكنت من الدخول إلى الجسم، وإصابته، فتحدث العدوى. " ولا طيرة " على وزن (عِنَبَة) بكَسر العين وفتح الياء. أي لا حقيقة للشؤم والنحس الذي كان العرب يعتقدونه في الجاهلية عندما تتوجه الطير شمالاً، وذلك أنهم كانوا إذا أرادوا عملاً أو سفراً زجروا الطير الذي يلاقونه، فإذا انصرف يميناً تفاءلوا، وإلا تشاءموا، ورجعوا عن ذلك العمل، اعتقاداً منهم أنّه شر، والمراد من الحديث نفي مطلق التشاؤم من أي شيء من الأشياء التي يتخيلها بعض الناس نحساً وشراً، كأن يسمع كلمة قبيحة فيكره الشيء الذي هو قادم عليه فينصرف عنه لمجرد وهم كاذب لا أساس له من الصحة. قال القاري: وقوله: " لا طيرة " نفي، معناه النهي، كقوله تعالى:(لا ريب فيه) أي لا تتشاءموا من شيء أبداً، وتعتقدوا فيه الشر والضرر لمجرد خيال كاذب لا أساس له من الصحة، فان ذلك لا يجوز ذرعاً ولا عقلاً .. " ولا هامة " بتخفيف الميم المفتوحة، ويقال له (البوم) وكانت العرب تزعم أن عظام الميت إذا بليت تصير هامة (1)، وتخرج من القبر، وتتردد، وتأتي بأخبار أهله. وقال النووي: إن العرب كانت تتشاءم بها، وهي من طير الليل، وقيل هي البومة، كانت إذا سقطت على دار أحدهم يراها ناعية له نفسه، أو بعض أهله، وهو تفسير مالك بن أنس. اهـ. فأبطل الله تعالى كل هذه الاعتقادات، ونهانا عنها. " ولا صفر " قال أبو داوود في سننه، قال بقيةُ، سألت محمد بن راشد عنه قال: كانوا يتشاءمون بدخول صفر، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:" لا صفر " ومعناه أن النبي صلى الله عليه وسلم نهاهم عن التشاؤم بشهر صفر، لأنه شهر عادي كسائر الشهور الأخرى، ولا حقيقة لما يعتقدونه
(1)" المرقاة شرح المشكاة " للقاري.
من الشر والنحس " وفر من المجذوم كما تفرُّ من الأسد " أي ابتعد عنه احتياطاً واحترازاً من العدوى، وطلباً للسلامة من الميكروب الذي قد ينتقل، إليك مصحوباً بذلك المرض الخبيث فإن الله قد ربط الأسباب بمسبباتها، وهو خالقها. وقد شبه النبي صلى الله عليه وسلم تلك الميكروبات المرضية التي تنقل الجذام من المريض إلى السليم بالأسد لأنها تفترس الجسم الصحيح، وتقضي عليه كما يقضي الأسد على فريسته، ولعل هذا هو السر في تسمية هذا المرض الخطير بداء الأسد: قال ابن القيم: " الجذام علة رديئة (1) تحدث من انتشار المرة السوداء فتفسد مزاج الأعضاء وشكلها حتى تتآكل الأعضاء وتسقط، ويسمى داء الأسد، لكثرة ما يعتري الأسد، أو لأنه يفترس من يقربه ويدنو منه افتراس الأسد، ويشير إلى ذلك قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث: " وفر من المجذوم فرارك من الأسد ". ويقول الدكتور عادل الأزهري: وخطورة هذا المرض (2) في إتلاف الأعصاب المتطرفة فيفقد المريض حساسية الأطراف أولاً، ثم تتساقط الأصابع تدريجياً، وهو من الأمراض المعدية التي تنتقل عدواها من النفس مع المخالطة الطويلة، ويعزل الآن جميع مرضى الجذام في مصحات خاصة لهم لمنع انتشار المرض. اهـ. ويتميّز عن (3) الأمراض المعدية ببطء ظهور أعراضه، وطول فترة الإصابة به، وطول مدة علاجه، وكان يظن أنه ورائي، ثم تبيّن بعد انكشاف ميكروبه أنه مرض ميكروبي معدٍ ينتقل بالملامسة والمعاشرة، والخلطة الطويلة، وتخرج الميكروبات من جلد المريض مع إفرازات الأنف والحنجرة (4) كما تنتقل العدوى عن طريق الملابس والفراش والأدوات، وتدخل إلى السليم عن طريق الجلد خصوصاً إذا كان به جروح، ثم تأخذ طريقها بواسطة الأوعية إلى الغدد اللمفاوية البلغمية
(1)" الطب النبوي " لابن القيم.
(2)
تعليقات الدكتور الأزهري على الطب النبوي لابن القيم.
(3)
طبيبك معك لجماعة من كبار الأطباء في جامعات أوربا وأمريكا.
(4)
كتاب طبيبك معك لجماعة من كبار العلماء والأطباء في جامعات أوربا وأمريكا.
فتكمن هناك لمدة تختلف من بضعة أشهر إلى سنوات حتى إذا ما ضعفت مقاومة الجسم الطبيعية إثر مرض عارض كالحميات أو الأمراض التناسلية ينشط الميكروب بعد خموله، ويتكاثر مبتدئاً بالأعصاب أولاً، ثم الجلد ثم الأغشية المخاطية.
فقه الحديث: دل هذا الحديث على ما يأتي: أولاً: إثبات العدوى، ومعناها كما قال القاري: مجاوزة العلة من صاحبها إلى غيره. أي سريان المرض وانتقاله من المريض إلى الصحيح عن طريق انتقال الميكروب من جسم لآخر في الأمراض الجرثومية من الجذام والبرص والسل. قال ابن القيم: ومقارب (1) المجذوم وصاحب السل يسقم برائحته، فالنبي صلى الله عليه وسلم لكمال شفقته على الأمة، ونصحه لهم نهاهم عن الأسباب التي تعرضهم لوصول الفساد إلى أجسامهم وقلوبهم. اهـ. والنبي صلى الله عليه وسلم إذ يأمرنا بالفرار من المجذوم، فإنما يأمرنا بوجوب الحيطة وإبعاد السليم عن مواطن الخطر على ما جرت به العادة وقد وردت عنه صلى الله عليه وسلم كثير من الإرشادات الطبية التي يوجهنا فيها إلى الطب الوقائي ومن ذلك نهيه صلى الله عليه وسلم عن دخول الأرض الموبوءة. وقوله صلى الله عليه وسلم:" لا يوردن ممرض على مصح " إلى غير ذلك. ثانياً: أن العدوى في الحقيقة من الأسباب الظاهرة التي لا تؤثر بطبعها، فإنه قد يتخلف حدوث المرض مع المخالطة، كما يشاهد ذلك كثيراً، وهذا دليل على أن الميكروب لا يؤثر في السليم بنفسه ولا يتمكن من الدخول إلى جسمه وإصابته إلاّ بإذن الله وهو معنى قوله صلى الله عليه وسلم: لا عدوى، أي لا تحدث العدوى، ولا يؤثر الميكروب المرضي إلاّ بإرادة العزيز القدير، ولو كان مؤثراً بطبعه لما تخلف أحياناً، قال ابن القيم: " ولا ريب أنّه قد يكون في البدن تهيؤ واستعداد (2) كامن لقبول الداء، وقد تكون الطبيعة سريعة الانتقال قابلة للاكتساب من أبدان من تجاوره وتخالطه، لأنها نقالة، وقد تصل
(1)" الطب النبوي " لابن القيم.
(2)
" الطب النبوي " لابن القيم.
رائحة العليل إلى الصحيح فتسقمه، وهذا معاين في بعض الأمراض، فلا بد -في العدوى- من وجود استعداد البدن، وقبوله لذلك الداء، وإيضاح ذلك علمياً أن الله أودع في دم الإِنسان ما يسمى بالكرويات البيضاء - وهي على الحقيقة عديمة اللون، وجعل وظيفتها حماية الجسم من الميكروبات، ومحاربة أي ميكروب مرضي يحاول الدخول إلى الجسم البشري، فإذا وقعت الحرب بين الطرفين، وانتصرت الكرويات على الميكروب بمشيئة الله وإرادته لم تحدث العدوى وإن انتصر الميكروب عليها بإذن الله حدثت العدوى. والفاعل في كلتا الحالتين هو الله تعالى. قال في " فتح المجيد ": وأحسن ما قيل فيه قول البيهقي وتبعه ابن الصلاح وابن القيم وابن رجب وابن مفلح وغيرهم: أن قوله: " لا عدوى " على الوجه الذي يعتقده أهل الجاهلية من إضافة الفعل إلى غير الله تعالى، وأن هذه الأمور تعدي بطعها وإلّا فقد يجعل الله بمشيئته مخالطة الصحيح من به شيء من الأمراض سبباً لحدوث ذلك، ولهذا قال:" فر من المجذوم فرارك من الأسد " وقال: " لا يورد ممرض على مصح " وقال في الطاعون: " من سمع في أرض فلا يقدم عليه " وكل ذلك بتقدير الله. ثالثاً: مشروعية الطب الوقائي، واتخاذ أسباب السلامة من الجراثيم والميكروبات، والمحافظة على الصحة العامة، قال في " فتح المجيد " والعبد مأمور باتقاء أسباب الشر إذا كان في عافية، فكما أنه يؤمر أن لا يلقي نفسه في الماء، أو في النار مما جرت العادة أنه يهلك أو يضر، فكذلك اجتناب مقاربة المريض، والقدوم على بلد الطاعون فإن هذه كلها أسباب للمرض والتلف، والله سبحانه هو خالق الأسباب ومسبباتها، لا خالق غيره، ولا مقدر غيره رابعاً: دل هذا الحديث على تحريم التشاؤم بجميع أنواعه وصوره، سواء كان تشاؤماً من المرئيات والمسموعات، كأن يرى الطير متوجهاً شمالاً، فيتشاءم من العمل الذي أقدم عليه، أو يسمع كلمة كريهة، فيترك الشيء الذي كان يريده، وهو التطير أو التشاؤم من مشاهدة بعض الطيور، ونزولها على بيته فيعتقد أنها نذير موته، أو موت أحد أقاربه، أو يتشاءم
من بعض الشهور والليالي والأيام، وهو معنى قوله:" ولا صفر ". فإن التشاؤم بأي نوع من هذا أو غيره محرم شرعاً، لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عنه، قال ابن القيم في قوله:" ولا طيرة " يحتمل أن يكون نفياً أو نهياً، أي لا تطيروا (1)، ولكن قوله في الحديث:" لا عدوى ولا صفر ولا هامة " يدل على أن مراده النفي وإبطال هذه الأمور التي كانت في الجاهلية. قلت: والنفي هنا يتضمن معنى النهي وزيادة لأنه يكون معناه: لا تعتقدوا هذه الاعتقادات الوهمية، لأن هذه الأشياء التي تعتقدونها باطلة لا وجود. لها في الواقع، ولا أساس لها من الصحة، والواجب على العبد المسلم إذا أحسّ بأي انفعال تشاؤمي أو تخيّل وقوع شر بسبب هذه الأشياء الوهمية كنعيق الغراب، أو صوت البوم، أو نبح الكلاب، أن لا يستسلم لذلك الشعور وأن يستعيذ بالله من الشيطان حتى يصرفه عنه ولا يصده ذلك عن العمل الذي يريده كما روي عن معاوية بن الحكم أنه قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: ومنا أناس يتطيرون، قال: ذلك شيء يجده أحدكم في نفسه فلا يصدنكم (2) فقد أمرهم أن يأتوا الأعمال التي تشاءموا منها، ويفعلوها، ولا يمنعهم هذا الشعور عنها، وأرشدنا صلى الله عليه وسلم إلى بعض الأدعية المأثورة لمكافحة التشاؤم، فقد روي عن عروة بن عامر (3) قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الطيرة، فقال: أصدقها الفأل، وإذا رأيتم من الطير: شيئاً تكرهونه فقولوا: " اللهم لا يأتي بالحسنات إلاّ أنت، ولا يذهب بالسيئات إلاّ أنت، ولا حول ولا قوة إلا بالله "(4)، فإن في هذا الدعاء البلسم الشافي من التشاؤم. ويدخل في التشاؤم، التشاؤم ببعض الأشهر والليالي والأيام، ومن ذلك التشاؤم بيوم الأربعاء وبشهر
(1)" فتح المجيد " للشيخ عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ.
(2)
" فتح المجيد للشيخ عبد الرحمن بن حسن بن محمد بن عبد الوهاب.
(3)
وهو كلي اختلف في نسبه فقال أحمد: عن عروة بن عامر القرشي، وقال غيره: الجهني، واختلف في صحبته، فقال الماوردي له صحبة، وذكره لابن حبان في ثقات التابعين، وقال المزي: لا صحبة له. (ع).
(4)
رواه أحمد وأبو داود، وهو مرسلاً ضعيف. (ع).