الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
1021 - " بَاب جَفَّ القَلَمُ عَلَى عِلْمِ اللهِ
"
1171 -
عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْن رضي الله عنه قَالَ:
قَالَ رَجلٌ: يَا رَسُولَ اللهِ، أيعْرَفُ أهْلُ الْجَنَّةِ مِنْ أهْلِ النَّارِ؟ قَالَ:" نَعَمْ " قَالَ: فَلِمَ يَعْمَلُ الْعَامِلُونَ؟ قَالَ: " كُل يَعْمَلُ لِمَا خُلِقَ لَهُ، أوْ لِمَا يُيَسَّرُ لَهُ ".
ــ
والعباد فاعلون، والله خالق أفعالهم، وللعباد قدرة على أعمالهم، ولهم إرادة، والله خالقهم، وخالق قدرتهم وإرادتهم، قال: وهذه الدرجة من القدر يكذب بها عامة القدرية.
1041 -
" باب جف القلم على علم الله "
1171 -
معنى الحديث: " قال رجل: يا رسول الله أيعرف أهل الجنة من أهل النار؟ " أي سأل رجل وهو عمران بن حصين النبي صلى الله عليه وسلم: هل علم الله تعالى أهل الجنة من أهل النار قبل خلقهم، وأطلَعَ ملائكته عليهم فعرفوهم؟ " قال:" نعم " عَلِمَ الله تعالى أهل الجنة وأهل النار منذ الأزل، وكتب ذلك في اللوح المحفوظ، وعَرَّف به الملائكة قبل خروج الناس إلى الدنيا فكتبوا الشقيَّ والسعيد منهم " قال: فلم يعمل العاملون " وفي رواية " ففيم العمل يا رسول الله؟ " قال الحافظ: معناه إذا سبق العلم بذلك، فلا يحتاج العامل إلى العمل، لأنه سيصير إلى ما قدر له " قال: كل يعمل لما خلق له " وفي حديث عمر مرفوعاً " إن الله إذا خلق العبد للجنة استعمله بعمل أهل الجنة حتى يموت على عمل من أعمال أهل الجنة، فيدخله الجنة، وإذا خلق العبد للنار استعمله بعمل أهل النار حتى يموت على عمل من أعمال أهل النار، فيدخله به النار " أخرجه مالك والترمذي وأبو داود. ويؤيده ما جاء في حديث علي
رضي الله عنه حيث قال فيه: " أما من كان من أهل السعادة فسييسر لعمل السعادة. وأما من كان من أهل الشقاوة فسييسر لعمل الشقاوة " متفق عليه. قال الحافظ: فإن عمل العبد: أمارة على ما يؤول إليه أمره غالباً. اهـ. وهذا هو معنى قوله: " كلٌّ يعمل لما خلق له أو لما يُسِّر له " أي فإن العمل يسوقه إلى ما كتب له في الأزل من سعادة أو شقاء، فإذا عمل الأعمال الصالحة فليُسَرَّ بذلك، ويرجو أن يكون من أهلها، لأن العمل الصالح علامة على أن العبد قد كتبت له السعادة كما يدل عليه الحديث.
فقه الحديث: دل هذا الحديث على ما يأتي: أولاً: إثبات القضاء والقدر، وكونهما حقيقة ثابتة، لا شك فيهما، ومعناهما كما قال أهل العلم: أن الله تعالى علم بجميع الكائنات وأزمانها وأحوالها وأفعالها من خير أو شر، وكتب في اللوح المحفوظ كل ما يصدر من الخلق من طاعة ومعصية وإيمان وكفر، وأطلع الملائكة على أحوال الإِنسان قبل ظهوره إلى هذه الحياة عندما أمر الملك أن يكتب عليه أقداره وهو لا يزال في بطن أمه إذن فالقدر حقيقة ثابتة، وهو عقيدة من عقائد الإيمان كما يدل عليه حديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه مرفوعاً " من مات على غير هذا " أي على غير الإيمان بالقضاء والقدر " فليس منّي " رواه أبو داود في باب القدر، وعن ابن الديلمي رضي الله عنه قال: أتيت أُبي بن كعب فقلت: في نفسي شيء من القدر فحدثني بشيء لعل الله يذهبه من قلبي، فقال:" لو أنفقت مثل أحد ذهباً ما قبله الله منك حتى تؤمن بالقدر وتعلم أن ما أصابك لم يكن ليخطئك، وما أخطأك لم يكن ليصيبك، ولو مت على غير هذا لكنت من أهل النار " قال فأتيت عبد الله بن مسعود وحذيفة بن اليمان وزيد بن ثابت فكلهم حدثني بمثل ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم أخرجه الحاكم في " مستدركه "(1) وفي رواية عن ابن وهب: " فمن لم يؤمن بالقدر خيره وشره أحرقه الله بالنار ".
(1) ورواه أيضاً أحمد وأبو داود وابن ماجه، وإسناده صحيح (ع).
فإن في هذا الأحاديث دلالة واضحة على أن إنكار القدر من أكبر الكبائر لما يترتب عليه من إحباط العمل ودخول النار وبراءة النبي صلى الله عليه وسلم ممن مات على ذلك. وقد انقسمت الأمة بالنسبة إلى القدر إلى طوائف أربعة: الأولى: تعتقد أن الله لا يعلم شيئاً من أعمال الإِنسان إلاّ بعد وقوعه، وتنفي إحاطة العلم الإِلهي بالكائنات قبل وجودها، وهؤلاء أسوأ الفرق لنسبتهم الجهل إلى الله تعالى، وهم غلاة المعتزلة. الثانية: أثبتت علم الله بأفعال العباد قبل وجودها ونفت خلقه لها، فقالت: يعلمها ولا يخلقها، فالانسان هو الذي يخلق الطاعة والمعصية بنفسه، ولا علاقة لله تعالى بذلك، وهم عامة المعتزلة كما صرح بذلك الزمخشري وهو من كبار علمائهم حيث قال: أما الطاعة فمن العبد، ولكن الله قد لطف به في أدائها، وكذلك المعصية منه أيضاً، والله تعالى بريء منها، وهاتان الفرقتان هما القدرية التي جاءت الأحاديث بذمهم والتحذير منهم، كما جاء في حديث ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " القدرية مجوس هذه الأمة، إن مرضوا فلا تعودوهم، وإن ماتوا فلا تشهدوهم " أخرجه أحمد وأبو داود والحاكم. الثالثة: ضلت ففسرت القدر " بالجبر " فقالت: إن أفعال الإِنسان كلها من طاعة أو معصية أو غيرها هي من الله خلقاً وفعلاً، وليس للإِنسان فعل أو إرادة واختيار، وإنما هو مجبر على أعماله وتصرفاته الشخصية، وإضافة الفعل إلى العبد كإضافته إلى الجمادات. فهو كريشة معلقة في الهواء، أو كحجر في الماء حتى، قال شاعرهم:
ما حِيْلَةُ العَبْدِ والأقدَارُ جَاريَة
…
عَلَيْهِ في كُلِّ حالٍ أيُّها الرائي
ألقَاهُ في اليَمِّ مَكْتُوفاً وقالَ لهُ
…
إيَّاكَ إيَّاكَ أن تَبْتَلَّ بالماءِ
وتسمى هذه الفرقة الجبرية أو المرجئة. الرابعة: وهم أهل السنة والجماعة، ويتلخص مذهبهم في القدر: أن الله يعلم بأفعال العباد قبل وجودها وبخلقها عند وجودها، لكن الإِنسان حرٌّ في أفعاله، فاعل لأعماله، تصدر عنه تلك الأفعال
حقيقة بمحض حريته واختياره، وتصرفات الإِنسان الشخصية الواقعة في إطار التكليف والمسؤولية كلها اختيارية دون أن يتعارض ذلك مع القدر في شيء، لأن علم الله لا تأثير له في سلب حرية الإنسان واختياره، فإن لله مشيئته وللإِنسان مشيئته، ولا تعارض بين المشيئتين كما قال تعالى:(وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ) ولهذا قال الخطابي: قد يحسب كثير من الناس أن معنى القضاء والقدر إجبار الله سبحانه العبد على ما قدره وقضاه، وليس الأمر كما يتوهمون، وإنما معناه الإِخبار عن تقدم علم الله سبحانه بما سيكون من اكتسابات العبد وخلقه لها خيرها وشرها. وعلم الله سبحانه بما سيقع لا تأثير له في إرادة العبد، فإن العلم صفة انكشاف لا صفة تأثير. ثانياً: دل قوله صلى الله عليه وسلم: " كل يعمل لما خلق له " على أنه ينبغي للعبد الإكثار من الطاعات والاجتهاد في الأعمال الصالحة، فإن ذلك دليل السعادة، لأن عمل الإِنسان علامة على ما يؤول إليه أمره غالباً. قال ابن القيم: اتفقت هذه الأحاديث على أن القدر لا يمنع العمل، ولا يوجب الاتكال عليه، بل يوجب الجد والاجتهاد، ولذلك لما جمع بعض الصحابة قوله:" اعملوا فكل ميسر لما خلق له " قال: ما كنت أشد اجتهاداً مني الآن، وذلك لأن العبد ينال ما قدر له بالسبب الذي أُقدِرَ عليه، ومُكِّن منه، وهُيىء له، فإذا أَتى بالسبب أوصله إلى القدر الذي سبق له في أم الكتاب، وكلما ازداد اجتهاداً في تحصيل السبب كان حصول المقدور أدنى إليه، فمن عطل العمل اتكالاً على القدر فهو بمنزلة من عطّل الأكل والشرب والحركة في المعاش وسائر أسبابه اتكالاً على ما قدر له. الحديث: أخرجه الشيخان وأبو داود والنسائي. والمطابقة: في كون الحديث يدل على إثبات القدر، وعلم الله بأعمال العباد قبل وقوعها، وهو ما ترجم له البخاري.
***