الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
1048 - " بَابُ كَلامِ الرَّبِّ عز وجل يَوْمَ القِيَامَةِ مَعَ الأَنبِيَاءِ وَغَيْرِهِمْ
"
1199 -
عَنْ أنَسٍ رضي الله عنه قَالَ:
حَدَّثَنا مُحَمَّدٌ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "إِذَا كَانَ يَوْمُ القِيَامَةِ مَاجَ النَّاسُ بَعْضُهُمْ في بَعْضٍ، فَيأتُونَ آدَمَ فَيقُولُونَ: اشْفَعْ لَنَا إلى رَبِّكَ، فَيَقُولُ: لَسْتُ لَهَا، ولَكِنْ عَلَيكُمْ بإبْراهِيمَ، فَإِنَّهُ خَلِيلُ الرَّحْمَنِ، فَيَأتُونَ إبْرَاهِيمَ، فَيَقُولُ: لَسْتُ لَهَا، وَلَكِنْ عَلَيْكُمْ بموسَى، فَإِنَّهُ كَلِيمُ اللهِ، فَيَأتُونَ مُوسَى، فَيَقُولُ: لَستُ لَهَا، وَلَكِنْ عَلَيْكُمْ بِعِيسَى، فَإِنَّهُ رُوحُ اللهِ، وَكَلِمَتُهُ، فَيَأتُونَ عِيسَى فَيَقُولُ: لَسْتُ لَهَا وَلَكِنْ عَلَيْكُمْ بِمُحَمَّدٍ، فيأتُونِي، فَأقولُ: أنا لَهَا، فأسْتَأذِنُ عَلَى رَبِّي، فَيُؤْذَنُ لِي، ويُلْهِمُني مَحَامِدَ أحْمَدُهُ بِهَا لا تَحْضُرُني الآنَ، فأحْمَدُهُ بِتِلْكَ الْمَحامِدِ، وأَخرُّ
ــ
1048 -
" باب كلام الرب عز وجل يوم القيامة مع الأنبياء وغيرهم "
1199 -
معنى الحديث: أنه إذا كان يوم القيامة، وجمع الخلق في المحشر، ودنت الشمس من الرؤوس، واشتدت الحرارة، وتصبب العرق، وأصاب الناس من الكرب ما أصابهم كما قال صلى الله عليه وسلم في الحديث:" وماج الناس " أي اضطربوا من هول ذلك اليوم، فأخذوا يلتمسون الشفاعة عند الأنبياء واحداً واحداً، وكل واحد منهم يعتذر عن الشفاعة قائلاً: لست أهلاً لها ويذكر شيئاً يراه ذنباً ويقول: إن ربي قد غضب اليوم غضباً شديداً حتى يصلوا إلى محمد صلى الله عليه وسلم فيجيبهم إلى طلبهم، ويتصدى للشفاعة ويقول:" أنا لها " قال صلى الله عليه وسلم:
لَهُ سَاجِداً، فَيُقَالُ: يَا مُحَمَّدُ ارْفَعْ رَأسَكَ، وَقُلْ يُسْمَعْ لَكَ، وَسَلْ تُعْطَهْ، واشْفَعْ تُشْفَّعْ، فأقُولُ: يَا رَبِّ أمَّتي أمَتِي، فَيُقَالْ: انْطَلِقْ فأخْرِجْ مِنْهَا مَنْ كَانَ في قَلْبِهِ مِثْقَالُ شَعِيرَةٍ مِنْ إِيمانٍ، فأنْطَلِقُ، فأفْعَلُ، ثُمَّ أَعُودُ، فأحْمَدُهُ بتِلْكَ المَحَامِدِ، ثمَّ أَخِرُّ لَهُ سَاجِداً، فَيُقَالُ: يَا مُحَمَّدُ ارْفَعْ رَأسَكَ، وَقُلْ يُسْمَعْ لَكَ، وَسَلْ تُعْطَ، واشفَعْ تُشَفَّعْ، فأقُولُ: يَا رَبِّ أمَّتِي أمَّتِي، فيُقَالُ: انْطَلِقْ فَأَخْرِجْ مِنْهَا مَنْ كَانَ في قَلْبِهِ مثْقالُ ذَرَّةٍ أوْ خَرْدَلَةٍ مِنْ إيمَانٍ، فأنطَلِقُ، فأفْعَلُ، ثُمَّ أَعُودُ، فَأَحْمَدُهُ بتِلْكَ الْمَحَامِدِ، ثُمَّ أخِرُّ لَهُ سَاجِداً، فَيُقَالُ: يَا مُحَمَّدُ ارْفَعْ رَأسَكَ، وقُل يُسْمَعْ لَكَ، وَسَلْ تُعْطَ، واشْفَعْ تُشَفَّعْ، فأقُولُ: يا رَبِّ أمَّتِي أمَّتِي، فَيَقُولُ: انْطَلِقْ، فأخْرِجْ مَنْ كَانَ في قَلْبِهِ أدْنَى أدْنَى أدْنَى مِثقَالِ حَبَّةِ خَرْدَل مِنْ إيمان فأخْرِجْهُ مِنَ النَّارِ، فأنْطَلِقُ فَأفْعَلُ".
" فأستأذن على ربي فيؤذن لي " أي يؤذن لي في الكلام " ويدهمني محامد أحده بها " أي فيلهمني في ذلك الوقت ألفاظاً من الثناء عليه، وذكر أوصافه الجمالية والجلالية " لا تحضرني الآن " أي لا أعرف ولا أذكر منها شيئاً في الوقت الحاضر " وأخر له ساجداً " متضرعاً إلى الله عز وجل " فيقال: يا محمد ارفع رأسك، وقل يسمع لك، وسل تعطه " أي تعط ما سألت " واشفع " فيمن شفعت " تشفع " أي تقبل شفاعتك " فأقول: يا رب أمتي " أي أسألك الشفاعة في أمتي " فيقال: انطلق فأخرج منها من كان في قلبه مثقال شعيرة من إيمان " أي فيقول ربُّ العزة: قد شفعتك في هذه الأمة، فاذهب يا محمّد فأخرج من النار من كان في قلبه مقدار شعيرة واحدة من أعمال الإِيمان بعد التصديق بالعقائد الإِيمانية، لأن التصديق لا يقبل التجزئة " فأفطلق فأفعل " أي فأخرج من النار
من أمرني الله بإخراجهم، وشفعني فيهم " ثم أعود فأحمده " كما صنعت في المرة الأولى " فيقال: ارفع رأسك " الخ كما قيل في المرة السابقة " فيقال: انطلق، فأخرج منها من كان في قلبه مثقال ذرة " أي مقدار نملة من أعمال الإِيمان " ثم أعود فأحمده " للمرة الثالثة " فيقال: يا محمد ارفع رأسك " أي فيجيبني بما أجابني في المرّة السابقة، ويأذن في بالشفاعة للمرة الثالثة " فيقول: انطلق فأخرج من كان في قلبه أدنى أدنى أدنى مثقال حبة خردل من إيمان " أي من كان في قلبه مقدار أصغر حبة خردل من أعمال الإِيمان بعد التوحيد والتصديق بالأركان.
فقه الحديث: دل هذا الحديث على ما يأتي: أولاً: إثبات كلام الله تعالى (1) مع أنبيائه صلوات الله عليهم يوم القيامة بدليل تكليمه عز وجل لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم بقوله: " ارفع رأسك، وسل تعط، واشفع تشفّع " وهو ما ترجم له البخاري. ثانياًً: إثبات الشفاعة للنبي صلى الله عليه وسلم يوم القيامة بدليل قوله عز وجل " اشفع تشفّع " قال القاضي عياض: شفاعات نبينا صلى الله عليه وسلم القيامة خمس شفاعات: الأولى: العامة: وهي التي تكون لفصل القضاء وإراحة الناس من المحشر. الثانية: في إدخال قوم الجنة بغير حساب. الثالثة: في قوم من أمته استوجبوا النار بذنوبهم، فيشفع فيهم نبينا صلى الله عليه وسلم وهذه الشفاعة هي التي أنكرتها المبتدعة الخوارج والمعتزلة. الرابعة: فيمن دخل النار من المذنبين فيخرج بشفاعة نبينا وغيره من الأنبياء والملائكة وإخوانهم من المؤمنين - وهذه الشفاعة أنكرتها المعتزلة أيضاً. الخامسة: في زيادة الدرجات في الجنة الأهلها. قلت: وقد دل حديث الباب على شفاعتين: الشفاعة العامة، والشفاعة لِإخراج العصاة من النار بدليل قوله:" فيقال له: انطلق فأخرج من كان في قلبه مثقال شعيرة من إيمان " إلخ. الحديث: أخرجه الشيخان والنسائي. والمطابقة: في قوله عز وجل:
(1) وفي هذا رد على الجهمية في إنكار كلام الله تعالى.