الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
969 - " بَابُ الشِّفَاءِ في ثَلاثٍ
"
1117 -
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ:
" الشفَاءُ في ثَلَاثَةٍ: شَرْبَةِ عَسَل، وَشَرْطَةِ مِحْجَمٍ، وَكِيَّةِ نَارٍ، وأنهَى أُمَّتِي عَنِ الكَيِّ " رَفَعَ الحَدِيثَ.
ــ
الداء خلق الدواء تنبيهاً لنا وإرشاداً وترغيباً في التداوي، وقد أمرنا صلى الله عليه وسلم بذلك صراحة في قوله صلى الله عليه وسلم:" يا عباد الله تداووا فإن الله لم يضع داءً إلاّ وضع له شفاء ". واستعمال الأدوية لا ينافي التوكل إذا اعتقد أنها تنفع بإذن الله وتقديره، وأنها لا تؤثر إلاّ بإرادته عز وجل، وفي هذه الأحاديث إثبات للطب والعلاج، وأن التداوي مباح غير مكروه كما ذهب إليه بعض الناس كما قاله الخطابي، ولو كان مكروهاً لما أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالتداوي في قوله صلى الله عليه وسلم: " تداووا فإن الله لم يضع داءً إلاّ وضع له شفاء .. فإن هذا الحديث لا يدل على جواز التداوي فقط، بل يدل على استحبابه أيضاً، لأن أقل مقتضيات الأمر الاستحباب، والله أعلم. ثالثاً: أن في هذا الحديث وأمثاله تقوية لنفس المرض، ومساعدة له على مكافحة المرض، وتشجيعاً له على مقاومة الداء، لأنه متى استشعرت نفسه أن لدائه دواء تعلق قلبه بالرجاء، وتفتحت له أبواب الأمل، وزال عنه اليأس والاكتئاب وهذه المشاعر في حدّ ذاتها كفيلة له بالشفاء بإذن الله لأن نفسية الإنسان متى قويت تغلبت على المرض وقهرته ومتى ضعفت تغلب عليها. الحديث: أخرجه النسائي وابن ماجة. والمطابقة: في كون الترجمة من لفظ الحديث.
969 -
" باب الشفاء في ثلاث "
1117 -
معنى الحديث: قال الحافظ: أورد البخاري هذا الحديث موقوفاً، وآخره يشعر بأنه مرفوع، لقوله:" وأنهى أمتي عن الكي " وقد صرح
برفعه في رواية سريح بن يونس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " الشفاء في ثلاث " أي الشفاء يحصل بأحد ثلاثة أنواع من الأدوية، قال العيني: لم يرد النبي صلى الله عليه وسلم الحصر في الثلاثة فإن الشفاء قد يكون في غيرها، وإنما نبّه بهذه الثلاثة على أصول العلاج. اهـ. واختلافها باختلاف طبيعة الأمراض من باردة إلى حارة إلى غير ذلك " شربة عسل " أي النوع الأول شربة العسل، إما وحده، أو مخلوطاً بالماء، أو مخلوطاً بالسوائل الأخرى، أو مركباً من غيره، لأنه شفاء، كما قال تعالى:(فيه [شفاء] للنّاس)" وشرطة محجم " أي والنوع الثاني من أنواع الأدوية " شرطة محجم " بكسر الميم، وفتح الجيم، وهو في الأصل الآلة التي يجمع فيها دم الحجامة، ويراد بها هنا الآلة التي يشرط بها، ومعناه: أن النوع الثاني من الأدوية إخراج الدم الفاسد بواسطة الحجامة " وكية نار " أي والنوع الثالث: الكي بالنار " وأنهى أمتي عن الكي " لما فيه من إيذاء المريض وتعذيب بدنه.
فقه الحديث: دل هذا الحديث على ما يأتي: أولاً: أن أفضل العلاجات والأدوية النافعة بإذن الله ثلاثة: الأول: العسل الذي أخبر الله تعالى عنه أنّه شفاء للناس، ولا يمنع بن اعتباره دواءً ناجحاً كونه يضر ببعض الأمراض الحارّة مثلاً، فإن العبرة بالغالب والنادر لا حكم له. ويكفي لاعتباره من أهم الأدوية ما ثبت علمياً أنه غني بالمعادن: مثل الحديد والكلسيوم، والصوديوم، والكبريت، والبوتاسيوم. والفوسفور، وله خاصية مبيدة للجراثيم، أما الفيتامينات التي يحتويها، وعلى رأسها الفيتامين (ث) فتساعد على تقوية الكلس في العظام، ولذا فهو مفيد جداً للأطفال إذ يساعد عظامهم على التصلب، ويثبت أسنانهم ويقيهم شر الكساح، وتقوس الساقين، ونخر الأسنان، ومن فوائده الطبية أنه ينظم حركة التنفس، وخاصة بالنسبة للمصابين بأمراض الصدر، كما أن له تأثيراً ملطفاً في حالات الجفاف، وصعوبة البلع والسعال. اهـ. كما أفاده الدكتور القباني في كتابه " الغذاء لا الدواء " وقال في " المعتمد " وهو نافع لأصحاب الأمزجة الباردة والشيوخ يقوي جوهر حرارتهم الغريزية ويولد فيهم
دما جيداً لا سيما في الشتاء. وهو حار يابس يقوّي المعدة، ويلين الطبع، ويحد البصر، ويحفظ على البدن صحته أيام حياته ويزيد في شهوة الباه وينفع من الفالج والاسترخاء وتعجن به الأدوية فيحفظها. اهـ. وقال ابن جريج: قال الزهري: " عليك بالعسل فإنه جيد للحفظ ". الثاني: الحجامة والفصد أيضاً، وذلك لعلاج الأمراض الدموية. قال ابن القيم: وقد قال بعض الناس: إن الفصد يدخل في قوله صلى الله عليه وسلم: " وشرطة معجم " فإن كان المرض حاراً عالجناه بإخراج الدم بالفصد، أو بالحجامة، لأن في ذلك استفراغاً للمادة، وتبريداً للمزاج، وإن كان بارداً عالجناه بالتسخين، وذلك موجود في العسل. وعن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم:" احتجم وأعطى الحجام أجرة " أخرجه الشيخان.
وقال ابن عباس: قال نبي الله صلى الله عليه وسلم: " نعم العبد الحجام، يذهب الدم، ويُخِفُّ الصلب، ويجلو عن البصر " قال ابن القيم: وقد نص الأطباء على أن البلاد الحارة الحجامة فيها أنفع وأفضل من الفصد، وعن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" الحجامة في الرأس شفاء من سبع: الجنون، والجذام، والبرص، والنعاس ووجع الأضراس، والصداع، والظلمة يجدها في عينيه " أخرجه أبو نعيم (1)، وفي الحديث:" ما كان أحد يشتكي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وجعاً في رأسه إلاّ قال: احتجم " أخرجه أبو داود. قال العيني: وعن ابن عمر بسند لا بأس به يرفعه: " الحجامة تزيد في الحفظ، وفي العقل، وتزيد الحافظ حفظاً " قال ابن سينا: والحجامة تحت الذقن تنفع من وجع الأسنان، والوجه والحلقوم، وقال ابن القيم: الحجامة في أسفل الصدر نافعة من دمامل الفخذ، وجربه، وبثوره، ومن النقرس، والبواسير، ومن حكة الظهر. والحجامة على الأخدعين تنفع من أمراض الرأس وأجزائه كالوجه، والأسنان، والأذنين والعينين والأنف، والحلق إذا كان حدوث ذلك عن كثرة الدم أو فساده. قال أنس رضي
(1) والطبراني، وفيه عمر بن رباح العبدي وهو متروك كما قال الحافظ الهيثمي في " مجمع الزوائد "(5/ 94). (ع).
الله عنه: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحتجم في الأخدعين والكاهل. أخرجه أبو داود والترمذي وحسنه، وابن ماجة وأحمد والحاكم، وفي الصحيحين عن ابن عباس رضي الله عنهما قال:" كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحتجم ثلاثاً، واحدة على كاهله، واثنين على الأخدعين " ويقول الدكتور عادل الأزهرى في تعليقه على " الطب النبوي ": الحجامات على نوعين، حجامات جافة، وحجامات رطبة، وتختلف الرطبة عن الجافة بالتشريط قبل وضع الحجامات، وتستعمل الجافة إلى الآن لتخفيف الآلام في العضلات، خصوصاً عضلات الظهر نتيجة إصابتها بالروماتزم، أما الحجامة الرطبة فتستعمل في بعض حالات هبوط القلب المصحوبة بارتشاح في الرئتين. وتعمل على ظهر القفص الصدري. أما الفصد فيستعمل الآن في حالات هبوط القلب الشديد المصحوب بزرقة في الشفتين، وعسر شديد في النفس، ويعمل الفصد بواسطة إبرة واسعة القناة، تدخل في وريد ذراع المريض وهذه العملية البسيطة أنقذت حياة كثير من مرضى هبوط القلب في الحالات الأخيرة. اهـ. واختلف الأطباء في الحجامة على نقرة القفا، فكرهها صاحب القانون، ابن سينا، وقال إنها تورث النسيان حقاً، كما قال سيدنا وصاحب شريعتنا محمد صلى الله عليه وسلم، فإن مؤخرة الدماغ موضع الحفظ والحجامة تذهبه وقد روى عن ابن سيرين أنه إذا بلغ الرجل أربعين سنة لم يحتجم لانحلال قوى جسده، قال الحافظ: وهو محمول على من لم يتعين حاجته إليها. اهـ. ومما يؤيد ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم " احتجم بعد هجرته إلى المدينة " وكان قد تجاوز الخمسين من عمره فضلاً عن الأربعين. الثالث من أنواع الأدوية الكي: وذلك كما قال ابن القيم: لأن كل واحد من الأمراض المادية إما أن يكون حاداً فلا يحتاج إليه، وإما أن يكون مزمناً، وأفضل علاجه بعد الاستفراغ الكي في الأعضاء التي يجوز فيها الكي ثانياًً: دل هذا الحديث على أن الكي مكروهٌ أو خلاف الأولى لنهيه صلى الله عليه وسلم عنه في قوله: " وأنهى أمتي عن الكي " وأقل مقتضيات النهي الكراهة.
قال بعض أهل العلم: يكره الكي في حالتين: الأولى، أن يفعله من لا يحتاج