الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بسم الله الرحمن الرحيم
"
كتاب الْحُدُودِ
"
1029 - " بَابُ الضَّرْبِ بالْجَرِيدِ والنِّعَالِ
"
1179 -
عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ:
أتِيَ النبي صلى الله عليه وسلم بِرَجُلٍ قَدْ شَرِبَ فَقَالَ صلى الله عليه وسلم: " اضْرِبُوهُ " قَالَ أبُو
ــ
" كتاب الحدود "
والحدود لغة: جمع حد، وهو المنع ومنه حدود العقار، لأنها موانع تحول دون امتداد يد الغير إليه، ومشاركته فيه، وأحدّت المعتدة امتنعت عن الزينة وتطلق الحدود أيضاً على الأحكام الشرعية المقرّرة ومنه قوله تعالى:(وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) أما معنى الحد شرعاً: فهو العقوبة المقدرة حقاً لله تعالى (1) ومعنى كونها مقدرة أنها محدودة معينة لا يزاد فيها ولا ينقص منها، وليس لها حد أدنى وحد أعلى، وهي حق الله تعالى الذي لا يقبل الإِسقاط من الأفراد ولا من الجماعات، ولا يملك المجني عليه العفو عن المجرم فيها، فلو تنازل المسروق منه بعد بلوغ القضية إلى الحاكم الشرعي لا يؤثر تنازله وعفوه بشيء، ولا تسقط هذه العقوبة عن المجني عليه. لما رواه مالك في " الموطأ " عن سعيد بن المسيب قال: ما من شقي إلا يحب الله أن يعفي عنه ما لم يكن حداً. ولا تجوز الشفاعة في حد أصلاً لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم لأسامة رضي الله عنه " أتشفع في حد من حدود الله؟ ".
1029 -
" باب الضرب بالجريد والنعال "
(1)" التشريع الجنائي الإسلامي " عبد القادر عودة.
هُرَيْرَةَ رضي الله عنه: فَمِنَّا الضَّارِبُ بِيَدِهِ، وَالضَّارِبُ بِنَعْلِهِ، والضَّارِبُ بِثَوْبِهِ، فَلَمَّا انْصَرَفَ، قَالَ بَعْضُ القَوْمِ: أخْزَاكَ اللهُ، قَالَ:" لا تَقُولُوا هَكَذَا، لا تُعِيْنُوا عَلَيْهِ الشَّيْطَانَ ".
ــ
1179 -
معنى الحديث: يقول أبو هريرة رضي الله عنه " أتي النبي صلى الله عليه وسلم برجل قد شرب " قيل هو " نُعيمان " بالتصغير الذي اشتهر بالفكاهة والمزاح، وقد امتلأت كتب الأدب " كَنهاية الأرب " وغيرها بفكاهاته ونوادره. وذكر ابن سعد أنه عاش إلى خلافة معاوية، وقصته مع الرجل الأعمى وعثمان رضي الله عنه معروفة مشهورة تجدها في " الفكاهات والنوادر " من كتاب " نهاية الأرب " " فقال: اضربوه " أي فأمرهم بضربه دون تحديد عدد معين من الضرب " فمنا الضارب بيده " أي فبعض الصحابة ضربه بيده دون استعمال أداة أخرى من أدوات الضرب " ومنا الضارب بنعله " لإهانة ذلك الشارب والتنكيل به " ومنا الضارب بثوبه " ولم يستعملوا السوط الذي هو أداة الحد في الضرب " فلما انصرف " أي فلما فرغ الناس من ضربه " قال بعض القوم: أخزاك الله " أي دعا عليه بالخزي، وهو الذل والمهانة والفضيحة بين الناس قيل: إن الداعي هو عمر رضي الله عنه. " فقال " النبي صلى الله عليه وسلم: " لا تقولوا " له هكذا لا تعينوا عليه الشيطان " لأنهم إذا دعوا عليه " بالخزي " ربما استجيب لهم، فبلغ الشيطان مأربه، ونال مقصده ومطلبه أو أن النبي صلى الله عليه وسلم وهو طبيب النفوس خشي على الرجل أنه إذا امتهنت كرامته، وجرحت مشاعره، وأهدرت إنسانيته أدَّى ذلك إلى حدوث رد فعل سيىء في نفسه فيصر على الخطيئة، ويتمادى في الانحراف فيكونون بفعلهم هذا قد أسلموه إلى الشيطان، فيتمكن منه ويستولي عليه نتيجة تلك الانفعالات السيئة التي أوجدوها في نفسه. الحديث: أخرجه أيضاً أبو داود وأحمد.
فقه الحديث: دل هذا الحديث على ما يأتي: أولاً: أنه ليس لشارب الخمر حد شرعي، وإنما عقوبته عقوبة تعزير لا حد، لقول النبي صلى الله عليه وسلم:" اضربوه " ولم يعين قدراً محدوداً من الضرب، ولا عدداً معيناً منه. ولقول علي رضي الله عنه:" ما كنت لأقيم حداً على أحد فيموت فأجد في نفسي إلاّ صاحب الخمر، فإنه لو مات لوديته " أي دفعت ديته، وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يسنه، أي لم يضع له حداً شرعياً. وكل جريمة لا حد لها فعقوبتها تعزير وهي موكولة إلى اجتهاد الإِمام وقد اختلف أهل العلم في عقوبة شارب الخمر هل هي حد أو تعزير على ثلاثة أقوال: الأول: أنها تعزير أي تأديب مفوّض إلى اجتهاد الإِمام، وبهذا قال بعض أهل العلم، منهم الطحاوي ورجح الشوكاني أنه لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم مقدار معيّن من العقوبة، وأن عقوبة شارب الخمر ترجع إلى اجتهاد الإمام، ومؤدى كلامه هذا أن عقوبته تعزير لا حد. القول الثاني: أن شارب الخمر يعاقب حداً مقداره ثمانون جلدة، وبهذا قال مالك والثوري وأبو حنيفة ومن تبعهم لإجماع الصحابة، فإنه روي أن عمر رضي الله عنه استشار الناس في حد الخمر، فقال عبد الرحمن بن عوف: اجعله كأخف الحدود ثمانين جلدة، فضربه عمر ثمانين، وكتب به إلى خالد وأبي عبيدة بالشام، وروي أن علياً قال في المشورة: إنه إذا سكر هذى، وإذا هذى افترى فَحدّه حد المفتري. الثالث: أنها حدٌّ مقداره أربعون جلدة، وهو اختيار الصديق رضي الله عنه، ومذهب الشافعي، لأن علياً جلد الوليد بن عقبة أربعين، ثم قال:" جلد النبي صلى الله عليه وسلم أربعين، وأبو بكر أربعين، وعمر ثمانين، وكلٌّ سنة، وهذا أحب إليَّ " رواه مسلم. قال ابن قدامة: ولا ينعقد الإِجماع على ما خالف فعل النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعلي رضي الله عنهما، فتحمل الزيادة من عمر على أنها تعزير، ويجوز فعلها إذا رآه الإِمام. ويتلخص مما ذكرنا أن في عقوبة الخمر ثلاثة مذاهب:
1 -
أنّها تعزير محض، لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يسن في ذلك حداً معيناً، ولإمام المسلمين أن يعاقب الشارب بما أدى إليه اجتهاده.
2 -
أنها حد شرعي مقدر