الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المطلب الثالث في بيان أنواعه
وهو يتنوع إلى أنواع، إليك بيانها:
النوع الأول: قلب الغرض منه إبطال مذهب المستدل صراحة، أو
ضمنا.
مثال ما يبين المعترض فيه إبطال مذهب المستدل صراحة: قول
المستدل - على وجوب مسح ربع الرأس -: مسح الرأس ركن في
الوضوء، فيكفي فيه أقل ما يطلق عليه الاسم كالوجه.
فيقول المعترض: مسح الرأس ركن في الوضوء، فلا يكفي فيه
الربع كالوجه.
فكان هذا القياس مبطلاً لمذهب المستدل صراحة؛ حيث إن قياس
المعترض نتج عنه: أن مسح الرأس لا يكفي فيه الربع، وقياس
المستدل نتج عنه: أن مسح الربع يكفي.
ومثال ما يبين المعترض فيه إبطال مذهب المستدل ضمنا وإلزاما:
قول المستدل - للاستدلال على اشتراط الصوم في الاعتكاف -:
الاعتكاف لبث محض، فلا يكون قربة بنفسه كالوقوف بعرفة.
فيقول المعترض: الاعتكاف لبث محض، فلا يشترط الصوم في
صحته؛ قياساً على الوقوف بعرفة.
فكما تلاحظ فإن المستدل أراد بقياسه: إثبات اشتراط انضمام أمر
إلى الاعتكاف؛ حيث إن الاعتكاف بنفسه لا يكفي؛ كما هو الحال
في الوقوف بعرفة؛ حيث لا بد فيه من الإحرام، والأمر الذي يريد
المستدل أن ينضم إلى الاعتكاف هو الصوم إلا أنه لم يصرح به.
والمعترض - كما تلاحظ - قد صرح بالحكم الذي يريد إثباته؛
فهو قلب على المستدل استدلاله باعتماده على أصل المستدل وعلته،
مثبتا في الفرع حكما مخالفا لحكم المستدل، وهو بفعله هذا قد أبطل
مذهب المستدل الذي لم يصرح به.
النوع الثاني: قلب التسوية وهو: أن يكون في الأصل حكمان:
أحدهما: منتف عن الفرع بالاتفاق بين المعترض والمستدل، والحكم
الآخر مختلف فيه بينهما، فإذا قام المستدل بإثبات ذلك المختلف فيه
بالقياس على الأصل اعترضه المعترض بوجوب التسوية بين الحكمين
في الفرع بالقياس على الأصل، فيلزم من وجوب التسوية بينهما في
الفرع إبطال مذهب المستدل.
أي: أنه من لازم ثبوت هذه المساواة بين الحكمين في الفرع: أن
لا يثبت الحكم الذي أراده المستدل في الفرع؛ لأنه بالمساواة التحق
بالحكم المتفق على انتفائه عن الفرع.
مثاله: قول المستدل - للاستدلال على وقوع طلاق المكرَه -:
المكرَه مكلف مالك للعصمة، فيقع عليه الطلاق؛ قياسا على
المختار.
فيقول المعترض: المكرَه مكلف مالك للعصمة، فيستوي فيه
إقراره بالطلاق، وإيقاع الطلاق؛ قياسا على المختار.
فهنا تلاحظ: أن الأصل الذي استند عليه المستدل في قياسه قد
اشتمل على أمرين هما: " الإقرار بالطلاق "، و " إيقاع الطلاق ".
وحكم الأول - وهو الإقرار بالطلاق - فقد اتفق على نفيه المستدل
والمعترض، أي: اتفقا على أن المكرَه لا يؤخد بإقراره بالطلاق؛
لسلب الاختيار عنه.
أما حكم الثاني - وهو إيقاع الطلاق - فقد اختلف المستدل
والمعترض فيه.
فالمستدل أراد بقياسه إثبات هذا الحكم - وهو إيقاع الطلاق في
الفرع - وهو المكرَه - وهو قول الحنفي.
والمعترض - وهو الشافعي - بين المساواة بين الحكمين في الفرع،
ومن لازم التسوية بينهما: أن ينتفي الحكم هذا، وهو إيقاع الطلاق
الذي أراد المستدل إثباته في الفرع - وهو المكرَه -.
النوع الثالث: قلب العِلَّة حكما والحكم عِلَّة، وهو: أن يورد
المستدل قياسه الذي اشتملَ على أصل وعِلَّة وحكم لإثبات ذلك
الحكم في فرع يرى أنه وجدت فيه عِلَّة الأصل، فينظر المعترض في
قياس المستدل، فيقلب ما كان عِلَّة إلى حكم، وما كان حكما إلى
علة؛ لبيان أن ما جعله المستدل علَّة لا يصح أن يكون عِلَّة؛ نظرا
لصحة جعله حكما، فيلزم من ذلك: أن لا يثبت في الفرع الحكم
الذي أراد المستدل إثباته فيه.
مثال ذلك: قول المستدل: يصح ظهار الذمي؛ لأن من صح
طلاقه صح ظهاره؛ قياسا على المسلم.
فيقول المعترض: المسلم صح طلاقه؛ لأنه صح ظهاره.
فهنا المستدل - كما تلاحظ - أورد قياسه لإثبات أن الذمي إذا
صدر منه الظهار، فإن ظهاره يقع صحيحا، والأصل الذي قاسه
عليه هو السلم، والعِلَّة: صحة الطلاق، والحكم: صحة الظهار،
وهذه العِلَّة قد وجدت في الفرع، وهو الذمي؛ حيث يصح طلاقه،
فحينئذٍ يثبت فيه الحكم، وهو صحة الظهار.
أما المعترض فإنه - كما تلاحظ - نظر إلى العِلة والحكم الذين قد
اشتمل عليهما أصل المستدل فقلبهما، فجعل ما هو عِلَّة حكما، وما
هو حكم علَّة؛ حيث جعل العِلَّة صحة الظهار، والحكم هو:
حُجَّة الطلاق.
فيلزم من هذا: أن لا يثبت في الفرع - الذي هو الذمي - الحكم
الذي أراد المستدل إثباته فيه، فلا يصح الظهار منه؛ لأن العِلَّة التي
استند إليها المستدل لم تصح لإثبات ما أراده.