الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الثاني هل يجوز التقليد في أصول الدين
؟
لقد اختلف في ذلك على مذهبين:
المذهب الأول: أن أصول الدين لا يجوز فيها التقليد.
فلا يجوز التقليد في الأحكام التي تخص أصول الدين وهي:
المسائل الأصولية المتعلقة بالاعتقاد كمعرفة اللَّه تعالى، ووحدانيته،
وصحة الرسالة، ووجود اللَّه تعالى، وما يجوز عليه، وما يجب
له، وما يستحيل عليه.
فيحرم التقليد في هذه الأمور عند أكثر العلماء، وقالوا: يجب
على الكل معرفة ذلك بغير تقليد؛ وهذا هو الحق؛ لما يلي من
الأدلة:
الدليل الأول: أن العلماء أجمعوا على وجوب معرفة اللَّه تعالى،
ولا تحصل بتقليد؛ لجواز كذب المخبر، واستحالة حصوله.
الدليل الثاني: قوله تعالى: (وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا اتَّبِعُوا سَبِيلَنَا وَلْنَحْمِلْ خَطَايَاكُمْ وَمَا هُمْ بِحَامِلِينَ مِنْ خَطَايَاهُمْ مِنْ شَيْءٍ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ) .
وجه الدلالة: أن هؤلاء الكفار قد بئنوا لهم أنهم سيحملون
خطاياهم، فرد اللَّه سبحانه عليهم قولهم، وكذبهم في ذلك، فدلَّ
على أنه لا يصح التقليد في أصول الدين.
الدليل الثالث: قياس أصول الدين على أركان الإسلام، فكما
أنه لا يجوز التقليد في أركان الإسلام وهو وجوب الصلاة،
والزكاة، والحج، والصوم، فأصول الدين من الوحدانية، والنبوة
أوْلى بعدم الجواز.
المذهب الثاني: أنه يجوز التقليد في أصول الدين.
وهو محكي عن بعض الشافعية، وهو اختيار الحشوية.
دليل هذا المذهب:
أن المنع من التقليد في أصول الدين يؤدي إلى إضلال أكثر الناس،
بيان ذلك:
أن العامة - وهم أكثر الناس - لا يدركون الأدلة على الأسماء،
والصفات، ولا يعرفون كيفية ترتيبها، ولا الطريق الذي أخذ منه
التوحيد والنبوات، ولا يمكن لهم ذلك، فإذا كانوا لا يعرفون
الأدلة، ويمنعون من تقليد غيرهم في ذلك أفضى ذلك إلى إضلالهم،
وهذا لا يجوز، فوجب القول بجواز التقليد لهم، كما جاز لهم
التقليد في فروع الشريعة ولا فرق، والجامع: عدم معرفتهم لأدلة
كل من الأصول والفروع.
جوابه:
أن العامي عارف بتلك الدلائل الخاصة بإثبات وحدانية اللَّه تعالى،
والأسماء والصفات كالعلماء في ذلك، وهو - أي العامي - وإن
كان لا يقدر على أن يعبر عنه بالألفاظ الكلامية، فإن ذلك لا يضره
في معرفته؛ لأن ذلك عجز عن العبارة، لا عن المعنى المحصل
للمعرفة، بيان ذلك:
أن العامي يشارك العلماء في معرفة اللَّه تعالى، وطرق التوحيد
والنبوات، فيعلم مما يدركه من صنائع اللَّه تعالى من السموات،
والأرضين، والشمس، والقمر، والنجوم، وسيرها، وثبوت
الأرض على الماء مع أن البناء لا يثبت على الماء، وتنقل الإنسان في
خلقه من النطفة إلى مراحل أخرى حتى وصل إلى إنسان سوي
يصرف الأمور، وأن الشمس تطلع في موعدها، وتغرب في
موعدها، وكذلك القمر، والنجوم دون تأخير أو تقديم، وأنه لو
اجتمع الإنس والجن على أن ينفعوا إنسانا بشيء لم يكتبه اللَّه له فلن
يستطيعوا ذلك، وأنه لو اجتمعوا على أن يضروه بشيء لم يكتبه الله
عليه، فلن يستطيعوا ذلك، وأن هذا قائم مستمر لا فرق بين إنسان
وآخر، أو زمان وآخر، ويعلم أن كل ذلك قد جرى بانتظام،
واتساق أحوال، ولو كان لله تعالى شريك في ملكه، أو معه مدبر
لفسد هذا النظام، ووقع الاختلاف، كما يشاهد في كل شريكين،
كل ذلك يعلمه العامي بحسه، ويدركه بمجرد اختلاطه بالآخرين،
بل لا أبالغ إذا قلت: إن من العوام من يدرك ذلك ويؤمن به إيمان@
قويا أكثر من بعض من يسمى نفسه أنه متعلم.
أما قياسكم أصول الدين على فروعه في ذلك فهو قياس مع
الفارق؛ لأن أدلة الفروع كثيرة ومتنوعة، وتحتاج إلى دقة في النظر،
بخلاف أدلة أصول الدين فهي قليلة، وواضحة وأكثرها يؤخذ من
الواقع لذلك لا ينقطع عمر الإنسان ومعاشه فيها.
وأيضا لا خطر ولا محذور في تقليد العامي للمجتهد في الفروع؛
حيث إن الإثم محطوط عن المجتهد إذا أخطا، وهذا بخلاف أصول
الدين.