المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المبحث السابع هل يجوز للنبي صلى الله عليه وسلم الاجتهاد - المهذب في علم أصول الفقه المقارن - جـ ٥

[عبد الكريم النملة]

فهرس الكتاب

- ‌الفصل الثالث في أركان القياس وشروطها وما يتعلق بها

- ‌المطلب الأول تعريف الركن

- ‌المطلب الثاني في بيان أركان القياس إجمالاً

- ‌المطلب الثالث في بيان أسباب عدم ذكر حكم الفرع من أركان القياس

- ‌المبحث الأول في الأصل وحكمه وشروطهما وما يتعلق بهما

- ‌المطلب الأول في بيان المراد بالأصل

- ‌المطلب الثاني في بيان المراد بحكم الأصل

- ‌المطلب الثالث هل حكم الأصل المنصوص عليه ثابت بالنص أو بالعلة

- ‌المطلب الرابع في اشتراط كون حكم الأصل حكماً شرعيا عمليا

- ‌المطلب الخامس اشتراط كون حكم الأصل حكما ثابتا مستمراً

- ‌المطلب السادس اشتراط كون حكم الأصل معقول المعنى

- ‌المطلب السابع اشتراط أن لا يكون دليل حكم الأصل متناولاًبعمومه حكم الفرع

- ‌المطلب الثامن هل يثشترط قيام دليل على جواز القياس على الأصل

- ‌المطلب التاسع هل يشترط في الأصل أن يكون قد انعقد الإجماععلى أن حكمه معلل، أو أن تثبت علته بالنص

- ‌المطلب العاشر هل يجوز القياس على أصل محصور بعدد معين

- ‌المطلب الحادي عشر اشتراط كون حكم الأصل معللاً بعلة معينة

- ‌المطلب الثاني عشر بيان أن حكم الأصل إذا كان ثابتا بنصفإنه يجوز القياس عليه

- ‌المطلب الثالث عشر حكم القياس على أصل ثبت عن طريق الإجماع

- ‌المطلب الرابع عشر هل يشترط في حكم الأصل المقاس عليه أن تجمععليه كل الأمة، أو يكفي اتفاق الخصمين

- ‌المطلب الخامس عشر حكم القياس على الأصل الثابت عن طريق القياس

- ‌المطلب السادس عشر إذا كان حكم الأصل منصوصا عليه وقد اختلففيه بين الخصمين فهل يجوز القياس عليه

- ‌المطلب السابع عشر هل يُقاس على حكم الأصل الخارج عن قاعدة القياس

- ‌المبحث الثاني في الفرع وشروطه وما يتعلق به

- ‌المطلب الأول بيان المراد بالفرع

- ‌المطلب الثاني اشتراط كون العلَّة الموجودة في الفرع مثل علة حكمالأصل من غير تفاوت واختلاف

- ‌المطلب الثالث اشتراط عدم كون حكم الفرع منصوصا عليهأو مجمعا عليه

- ‌المطلب الرابع اشتراط كون الحكم في الفرع مماثلاً لحكمالأصل في عينه، أو جنسه

- ‌المطلب الخامس اشتراط عدم تقدم حكم الفرع على حكم الأصل

- ‌المطلب السادس هل يشترط أن تكون العِلَّة في الفرع معلومة قطعا

- ‌المطلب السابع هل يشترط في حكم الفرع: أن يكون مما ثبت بالنص جملة

- ‌المبحث الثالث في العِلَّة وشروطها وما يتعلق بها

- ‌المطلب الأول في تعريف العِلَّة لغة، وأسمائها

- ‌المطلب الثاني في تعريف العِلَّة اصطلاحا

- ‌المطلب الثالث في تقسيمات العِلَّة

- ‌المطلب الرابع في طرق ثبوت العِلَّة " مسالك العِلَّة

- ‌المطلب الخامس هل يشترط أن تكون العلَّة مناسبة أي: مشتملة علىحكمة قصدها الشارع من تشريعه للحكم

- ‌المطلب السادس هل يشترط أن تكون العلَّة ظاهرة جلية أو يجوزالتعليل بالوصف الجلي والخفي

- ‌المطلب السابع حكم التعليل بالحكم الشرعيهل يجوز أن يكون الوصف المعلل به حكما شرعيا

- ‌المطلب الثامن بيان أن العلَّة يشترط فيها أن لا تخالف نصا أو إجماعاً

- ‌المطلب التاسع حكم التعليل بالحكمة

- ‌المطلب العاشر هل يجوز تعليل الحكم الوجودي بالوصف الوجوديوتعليل الحكم العدمي بالوصف الوجودي، وتعليلالحكم العدمي بالوصف العدمي، وتعليل الحكمالوجودي بالوصف العدمي

- ‌المطلب الحادي عشر حكم التعليل بالوصف المركب

- ‌المطلب الثاني عشر حكم تعليل الحكم بأكثر من عِلَّة " تعدد العِلَل

- ‌المطلب الثالث عشر حكم تعليل حكمين أو أحكام بعِلَّة واحدة

- ‌المطلب الرابع عشر هل الطرد دليل على صحة العِلَّة

- ‌المطلب الخامس عشر في بيان أنه يشترط في الوصف المستنبط المعلل بهأن لا يرجع على الأصل بإبطاله

- ‌المطلب السادس عشر حكم التعليل بالاسم المجرد

- ‌المطلب السابع عشر حكم التعليل بالوصف العرفي

- ‌المطلب الثامن عشر هل يجوز التعليل بالعِلَّة القاصرة

- ‌المطلب التاسع عشر بيان أنه يشترط في العلَّة التي عللنا بها:أن لا تكون معارضة بعلة أخرى تقتضي إبطالها

- ‌المطلب العشرون تخصيص العِلَّة

- ‌الفصل الرابع في قوادح القياس ومبطلاته

- ‌المبحث الأول في سؤال الاستفسار

- ‌المطلب الأول بيان المراد بسؤال الاستفسار

- ‌المطلب الثاني كيفية الجواب عن الاستفسار

- ‌المبحث الثاني في قادح منع الحكم في الأصل

- ‌المطلب الأول في بيان قادح منع الحكم في الأصل

- ‌المطلب الثاني كيفية الجواب عن منع الحكم في الأصل

- ‌المبحث الثالث في قادح منع وجود الوصف في الأصل

- ‌المطلب الأول في بيان منع وجود الوصف في الأصل

- ‌المطلب الثاني كيفية الجواب عن قادح منع وجود الوصف في الأصل

- ‌المبحث الرابع في قادح منع وجود الوصف في الفرع

- ‌المطلب الأول بيان قادح منع وجود الوصف في الفرع

- ‌المطلب الثاني كيفية الجواب عن قادح منع وجود الوصف في الفرع

- ‌المبحث الخامس في قادح منع الوصف في الأصل والفرع معا

- ‌المطلب الأول في بيان المراد من منع الوصف في الأصل والفرع

- ‌المطلب الثاني في كيفية الجواب عن قادح منع وجود الوصف في الفرع والأصل

- ‌المبحث السادس في قادح منع كون الوصف عِلَّة

- ‌المطلب الأول في بيان المراد منه

- ‌المطلب الثاني حجيته

- ‌المطلب الثالث كيفية الجواب عن قادح منع كون الوصف عِلَّة

- ‌المبحث السابع في قادح التقسيم

- ‌المطلب الأول في بيان المراد منه

- ‌المطلب الثاني حجيته

- ‌المطلب الثالث شروط التقسيم

- ‌المطلب الرابع في بيان الفرق بين التقسيم والاستفسار

- ‌المطلب الخامس في كيفية الجواب عن هذا القادح

- ‌المبحث الثامن في قادح النقض

- ‌المطلب الأول في بيان المراد بالنقض، وأهميته

- ‌المطلب الثاني حجيته

- ‌المطلب الرابع الحالات التي يرد عليها النقض وحكم كل حالة

- ‌المطلب الرابع هل على المستدل أن يحترز عن النقض في قياسه

- ‌المطلب الخامس بيان كيفية جواب المستدل عن هذا القادح

- ‌المبحث التاسع في قادح التركيب

- ‌المطلب الأول بيان المراد منه

- ‌المطلب الثاني أقسام قادح التركيب

- ‌المطلب الثالث حجية التركيب

- ‌المطلب الرابع كيفية الجواب عن قادح التركيب

- ‌المبحث العاشر في قادح فساد الوضع

- ‌المطلب الأول بيان المراد من قادح فساد الوضع وأقسامه

- ‌المطلب الثاني كيفية الجواب عن قادح فساد الوضع

- ‌المبحث الحادي عشر في قادح فساد الاعتبار

- ‌المطلب الأول بيان المراد من قادح فساد الاعتبار

- ‌المطلب الثاني كيفية الجواب عن هذا القادح

- ‌المطلب الثالث الفرق بين قادح فساد الاعتبار وقادح فساد الوضع

- ‌المبحث الثاني عشر في قادح المعارضة في الأصل

- ‌المطلب الأول بيان المراد من قادح المعارضة في الأصل

- ‌المطلب الثاني بيان أنواع المعارضة في الأصل

- ‌المطلب الثالث في حجية قادح المعارضة في الأصل

- ‌المطلب الرابع بيان أن المعترض لا يحتاج إلى دليل يشهد لوصفهالذي اعترض به

- ‌المطلب الخامس بيان أنه على المعترض بيان انتفاء الوصفالذي اعترض به عن الفرع

- ‌المطلب السادس بيان كيفية الجواب عن قادح المعارضة في الأصل

- ‌المبحث الثالث عشر في قادح المعارضة في الفرع

- ‌المطلب الأول في بيان المراد منه، وبيان أقسامه

- ‌المطلب الثاني بيان حجيته

- ‌المطلب الثالث في بيان كيفية الجواب عن قادح المعارضة في الفرع

- ‌المبحث الرابع عشر في قادح عدم التأثير

- ‌المطلب الأول بيان المراد من قادح عدم التأثير

- ‌المطلب الثاني بيان أن هذا القادح خاص بقياس المعنىإذا كانت علته مستنبطة

- ‌المطلب الثالث أقسام عدم التأثير

- ‌المطلب الرابع كيفية الجواب عن قادح عدم التأثير

- ‌المطلب الخامس بيان سبب إفراد هذا القادح في هذا المبحث

- ‌المبحث الخامس عشر في قادح الكسر

- ‌المطلب الأول بيان المراد من قادح الكسر

- ‌المطلب الثاني بيان حجية قادح الكسر

- ‌المطلب الثالث في بيان كيفية الجواب عن قادح الكسر

- ‌المبحث السادس عشر في قادح القلب

- ‌المطلب الأول المراد من قادح القلب

- ‌المطلب الثاني في بيان حجيته، وأنه معارضة

- ‌المطلب الثالث في بيان أنواعه

- ‌المطلب الرابع في بيان كيفية الجواب عن قادح القلب

- ‌المبحث السابع عشر في قادح القول بالموجب

- ‌المطلب الأول بيان المراد من قادح القول بالموجَب - بفتح الجيم

- ‌المطلب الثاني أنواعه، وبيان كيفية الجواب عن كل نوع

- ‌المطلب الثالث في بيان أنه لا يجوز للمعترض تغيير كلام المستدل

- ‌الباب السادس في الاجتهاد والتقليد

- ‌الفصل الأول في الاجتهاد

- ‌المبحث الأول في تعريف الاجتهاد

- ‌المبحث الثاني مجالات الاجتهاد ومواضعه

- ‌المبحث الثالث شروط المجتهد

- ‌المبحث الرابع حكم الاجتهاد

- ‌المبحث الخامس هل يقبل اجتهاد شخص في مسألة معينة إذا عرفدقائقها دون المسائل الأخرى في نفس الباب

- ‌المبحث السادس هل يجوز الاجتهاد في زمان صلى الله عليه وسلم

- ‌المبحث السابع هل يجوز للنبي صلى الله عليه وسلم الاجتهاد

- ‌المبحث الثامن هل وقع الاجتهاد من النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌المبحث التاسع هل يجوز الخطأ في اجتهاد صلى الله عليه وسلم

- ‌المبحث العاشر هل كل مجتهد مصيب في الفروع أو المصيب واحد

- ‌المبحث الحادي عشر هل كل مجتهد مصيب في أصول الدينأو المصيب واحد

- ‌المبحث الثاني عشر إذا تعارض عند المجتهد دليلان وعجزعن الترجيح وتحيَّر فماذا يفعل

- ‌المبحث الثالث عشر هل يجوز للمجتهد أن يقول في الحادثة الواحدةقولين متضادين في وقت واحد

- ‌المبحث الرابع عشر المجتهد الذي لم يجتهد في مسألة، ولكن العلومكلها حاصلة عنده، وعنده القدرة على الاجتهادفهل يجوز له أن يقلد غيره من المجتهدين

- ‌المبحث الخامس عشر إذا نص المجتهد على حكم في مسألة لعلَّة قد ذكرهاووجدنا تلك العِلَّة في مسائل أخرى فَما الحكم

- ‌المبحث السادس عشر إذا نص المجتهد على حكم في مسألة معينة، ولم يذكرعِلَّة ذلك الحكم، ووجدنا مسألة أخرى تشبهها شبها

- ‌المبحث السابع عشر إذا نص المجتهد في مسألة على حكم ونص على مسألةأخرى تشبهها على حكم آخر فهل يجوز نقل حكمإحداهما وجعله في المسألة الأخرى أو لا

- ‌المبحث الثامن عشر إذا روي عن مجتهد في مسألة واحدةروايتان مختلفتان وصح هذا النقل عنه

- ‌الفصل الثاني في التقليد

- ‌المبحث الأول تعريف التقليد

- ‌المبحث الثاني هل يجوز التقليد في أصول الدين

- ‌المبحث الثالث هل يجوز التقليد في الفروع

- ‌المبحث الرابع بيان طرق معرفة العامي للمجتهد حتى يستفتيه

- ‌المبحث الخامس مجهول الحال هل يجوز تقليده

- ‌المبحث السادس إذا كان في البلد مجتهدان فأكثرفأيهم الذي يستفتيه العامي

- ‌المبحث السابع إذا سأل العامي مجتهدين عن حكم حادثته فحكم أحدهمابأنه يجوز فيها كذا، وحكم الآخر بأنه لا يجوز فيها كذا

- ‌المبحث الثامن إذا استوى عند العامي المجتهدان اللذان قد أصدرا فتواهمافي جميع الأحوال

- ‌الباب السابع في التعارض والجمع والترجيح

- ‌الفصل الأول في التعارض

- ‌المبحث الأول تعريف التعارض

- ‌المبحث الثاني شروط التعارض

- ‌المبحث الثالث إذا ثبت تعارض دليلين فهل يقدم الجمع أو الترجيح

- ‌الفصل الثاني في الجمع

- ‌المبحث الأول تعريف الجمع بين الأدلة المتعارضة

- ‌المبحث الثاني شروط الجمع بين الأدلة المتعارضة

- ‌الفصل الثالث في الترجيح

- ‌المبحث الأول تعريف الترجيح

- ‌المبحث الثالث شروط الترجيح بين الدليلين

- ‌المبحث الرابع هل الترجيح لا يوجد إلا إذا وجد التعارضأم الترجيح لا يكون بين المتعارضين

- ‌المبحث الخامس هل يجوز الترجيح بين دليلين قطعيين أو لا

- ‌المبحث السادس في حكم العمل بالراجح من الدليلين

- ‌المبحث السابع هل يجوز الترجيح بكثرة الأدلة

- ‌المبحث الثامن في طرق الترجيح بين الأدلة

- ‌المطلب الأول في طرق الترجيح بين منقولين

- ‌المطلب الثاني في طرق الترجيح بين معقولين

- ‌المطلب الثالث في طرق الترجيح بين منقول ومعقول

الفصل: ‌المبحث السابع هل يجوز للنبي صلى الله عليه وسلم الاجتهاد

‌المبحث السابع هل يجوز للنبي صلى الله عليه وسلم الاجتهاد

؟

أولاً: اتفق العلماء على جواز الاجتهاد للنبي صلى الله عليه وسلم في الأمور الدنيوية، ومنها أمور الحرب، بدليل وقوعه منه صلى الله عليه وسلم؛ حيث صالح غطفان مقابل ثمار المدينة، ولم تتم هذه المصالحة بسبب مخالفة رؤساء أهل المدينة، ووقوعه في تأبير النخل - بعد قدومه المدينة.

ثانياً: اتفق العلماء - أيضا - على جواز الاجتهاد للنبي صلى الله عليه وسلم في تحقيق مناط الحكم، ومنه الأقضية، وفضل الخصومات، ونحو ذلك.

ثالثاً: اختلف العلماء في جواز اجتهاده صلى الله عليه وسلم في غير ذلك على مذهبين:

المذهب الأول: أنه يجوز الاجتهاد للنبي صلى الله عليه وسلم.

وهو قول جمهور العلماء، وهو الحق عندي؛ لما يلي من الأدلة:

الدليل الأول: عموم قوله تعالى: (فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ)

حيث إن اللَّه قد أمر أهل البصائر أن يعتبروا ويقيسوا الأشياء بما يماثلها

- كما سبق بيان ذلك في باب القياس - وهو عام وشامل لجميع أهل

البصائر، ورسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أعلى أهل البصائر، وأرفعهم منزلة، فكان بالاعتبار أولى.

الدليل الثاني: قياس نبينا صلى الله عليه وسلم على داود وسليمان عليهما السلام.

بيانه:

ص: 2337

أنه لما اعتدت غنم قوم على زرع آخرين، ذهب صاحب الزرع

وصاحب الغنم يتخاصمان إلى داود عليه السلام ليحكم بينهما،

فحكم بينهما بحكم، وخالفه فيه سليمان عليه السلام وحكم

- أي: سليمان - بحكم آخر، فكان حكمهما بالاجتهاد، بدليل:

أن سليمان لو لم يحكم بالاجتهاد لما قال تعالى: (ففهمناهما سليمان) ،

وما يذكر بالتفهيم إنما يكون بالاجتهاد، لا بطريق الوحي.

وإذا جاز لداود وسليمان عليهما السلام الاجتهاد، فإنه يجوز

الاجتهاد لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم ولا فرق،

والجامع: النبوة في كل.

الدليل الثالث: أن النبي صلى الله عليه وسلم يشارك أُمَّته

فيما لم يرد فيه تخصيص له، أو تخصيص لهم - كما سبق بيانه -،

والاجتهاد قد أمرت أُمَّته به لإيجاد أحكام شرعية للحوادث المتجددة،

لكي تكون الشريعة صالحة لكل زمان ومكان، فهو يشارك أُمَّته في الاجتهاد، فيجوز له صلى الله عليه وسلم الاجتهاد مثل غيره، وليس في العقل ما يحيله في حقه ويصححه في حقنا، ولهذا أوجب عليه وعلينا العمل باجتهادنا في مضار الدنيا ومنافعها.

الدليل الرابع: أنه لا يلزم من فرض تعبده صلى الله عليه وسلم بالاجتهاد محال عقلاً، ولا يؤدي إلى مفسدة، وكل ما كان كذلك كان جائزأ عقلاً، فتعبده بالاجتهاد جائز عقلاً.

الدليل الخامس: وقوع الاجتهاد منه صلى الله عليه وسلم، ولو لم يكن متعبدا بالاجتهاد لما وقع منه، فقد اجتهد في حوادث شتى، منها: اجتهاده

في أسرى بدر، حيث أخذ الفداء مقابل إطلاق الأسرى، وهذا

بالاجتهاد، وستأتي أمثلة على ذلك في المسألة التالية.

ص: 2338

المذهب الثاني: لا يجوز الاجتهاد للنبي صلى الله عليه وسلم.

وهو مذهب بعض الشافعية، وحكي عن أبي منصور الماتريدي من

الحنفية، وهو ظاهر مذهب ابن حزم، واختاره أبو علي وابنه أبو

هاشم.

أدلة هذا المذهب:

الدليل الأول: أن الرسول صلى الله عليه وسلم قادر على معرفة الحكم بالوحي الذي يفيد العلم قطعا وصريحا، وكل من كان قادراً على العلم

القطعي لا يجوز له العمل بالظن، فلا يجوز للنبي صلى الله عليه وسلم العمل بالظن الحاصل بالاجتهاد، فلا يجوز له الاجتهاد.

جوابه:

أنا لا نُسَلِّمُ أن النبي صلى الله عليه وسلم كان قادراً على معرفة الحكم بالوحي؛ لأن الوحي ليس في اختياره ينزل عليه متى شاء،

ولذلك قد يضطر إلى الاجتهاد في الأمور التي لا تقبل التأجيل.

الدليل الثاني: إنه ثبت - فيما سبق في حجية السُّنَّة -: أن قول

النبي صلى الله عليه وسلم نص قاطع، وحُجة قاطعة على من سمعه شفاها أو بلغه عن طريق التواتر، والاجتهاد لا يفيد إلا الظن.

فهنا حصل تضاد بين قوله صلى الله عليه وسلم، حيث قلنا بإفادته القطع، وبين اجتهاده حيث إنه لا يفيد إلا الظن، فالقطع غير الظن فكيف

يجتمعان؟!

جوابه:

أنه لو قيل له: إن ظنك علامة على حكم اللَّه - تعالى - فيكون

قد استيقن الظن والحكم معاً، فلا تنافي بين معرفته الحكم بالوحي،

ص: 2339

ومعرفته إياه بالاجتهاد؛ لأنه صلى الله عليه وسلم لما ظن الحكم بالاجتهاد فإنه يقطع بكونه حكم اللَّه في الحادثة.

الدليل الثالث: لو جاز الاجتهاد للرسول صلى الله عليه وسلم: لأجاب عن كل واقعة سئل عنها، ولما انتظر الوحي؛ لأن الاجتهاد هو الوسيلة لمعرفة الحكم فيما لا قاطع فيه، لكنه صلى الله عليه وسلم توقف في اللعان والظهار، وانتظر الوحي، فهذا يدل على عدم جواز القياس.

جوابه:

إن توقف صلى الله عليه وسلم عن الاجتهاد في بعض الوقائع والحوادث

وانتظاره للوحي لا يلزم منه عدم تعبده بالاجتهاد في جميع الحوادث؛

لأنا لا نقول: إن الرسول صلى الله عليه وسلم يجتهد حال حدوث الحادثة، بل كان ينتظر الوحي، فإذا لم ينزل عليه وحي وخشي الفوات اجتهد.

وعلى هذا، فإنه يحتمل أن يكون تأخره بسبب السعة في الوقت.

ويحتمل أن يكون بسبب أنه لم ينقدح في ذهنه اجتهاد الآن.

ويحتمل أن يكون بسبب توقفه؛ حيث إن بعض المسائل لا تقبل

الاجتهاد، أو هي مما نهي فيه عن الاجتهاد.

الدليل الرابع: قوله تعالى: (وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى إن هو إلا

وحي يوحى) .

وجه الدلالة: أن هذه الآية بينت أن كل ما ينطق به النبي صلى الله عليه وسلم وحي، وإذا كان الأمر كذلك، فلا يبقى للاجتهاد مجال، ولكان

الاجتهاد في حقه نطقاً عن الهوى المنفي عنه بالآية الكريمة، فالضمير

في قوله تعالى: (إن هو) يرجع إلى النطق المذكور في الآية في

ضمن قوله: (وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى) وهو عام.

ص: 2340

جوابه:

يجاب عن ذلك بجوابين:

الجواب الأول: لا نُسَلِّمُ عموم الآية، بل إن الآية وردت لرد ما

كان يقوله الكفار بأن ما يأتي به صلى الله عليه وسلم من القرآن ليس وحيا من عند اللَّه، بل هو افتراء منه على اللَّه - تعالى - فالضمير في قوله

تعالى: (إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى) يرجع إلى القرآن، فيكون تقدير

الآية كذا: أن النبي صلى الله عليه وسلم لا ينطق فيما ينطق به من القرآن من هوى نفسه، ما القرآن إلا وحي يوحى إليه من اللَّه تعالى، فعلى هذا تنفي الآية: أن يتكلم الرسول صلى الله عليه وسلم بغير القرآن، ولا تمنع الآية من ذلك.

الجواب الثاني: سلمنا أن الآية عامة في جميع ما نطق به الرسول

صلى الله عليه وسلم من القرآن وغيره، إلا أن ذلك لا ينفي اجتهاده صلى الله عليه وسلم؛ لأنه لو كان متعبداً بالاجتهاد بواسطة الوحي لما كان اجتهاده نطقا عن الهوى، بل كان بالوحي، وما حكم به باجتهاده إما صواب من أول الأمر، أو يحتمل الخطأ في بادئ أمره، لكن اللَّه تعالى يرشده إلى الصواب، أو يقره عليه، فلا يحتمل غير الحق.

بيان نوع الخلاف:

الخلاف هنا معنوي؛ حيث إنه بجوز بناء على المذهب الأول أن

يكتفي المجتهد بالاستدلال على حكم مسألة بدليل ظني مع أنه قادر

على الاستدلال عليه بدليل قطعي.

كما يجوز على هذا المذهب الاجتهاد في أوقات الصلاة والقِبْلة مع

إمكان الصبر إلى اليقين.

أما بناء على المذهب الثاني فلا يجوز كل ذلك.

ص: 2341