الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المطلب الثاني كيفية الجواب عن هذا القادح
إذا استدل المستدل على حكم حادثة بالقياس، ثم اعترض عليه
المعترض بقوله: إن قياسك هذا فاسد الاعتبار - أي: لا يعتبر -
حيث إنه مخالف لنص، أو إجماع، فإن المستدل يجيب عن ذلك
بإيراد المناقشات التي ترد على الاستدلال بالكتاب، أو السُّنَّة، أو
الإجماع ابتداء، وذلك بالتفصيل التالي:
أولاً: إذا قال المعترض: إن قياسك أيها المستدل قد خالف نصا
من الكتاب، وهي: قوله تعالى كذا، فإن المستدل يورد المناقشات
التي ترد على الاستدلال بالكتاب كما لو كان الاستدلال بالكتاب
مبتدأ، فيقول: مثلاً: إن الآية التي زعمت بانها تعارض قياسي
منسوخة.
أو يقول: إن الآية التي أوردتها أيها المعترض لها قراءة أخرى
توافق قياسي.
أو يقوم المستدل بتأويل الآية بأن يحملها على معنى غير ظاهر
بدليل يقتضي هذا الحمل، أو يقول: إن الآية دلَّت بعموم قد
خصص، وهو لا يرى الاستدلال بالعموم الذي خصص، أو يبين -
أي المستدل - أن هذه الآية معارضة بآية أخرى هي كذا، فتعارضت
الآيتان، فلم يتم الاستدلال بهما، وسلم القياس، وهكذا إلى آخر
الاعتراضات والمناقشات التي يمكن أن توجه إلى الاستدلال بالكتاب.
مثال ذلك: قول المستدل: صوم رمضان مفروض، فاشترط له
تبييت النية، قياسا ضلى صوم القضاء.
فيقول المعترض اقياسك هذا فاسد الاعتبار؛ لأنه يخالف نصا
من القرآن، وهو قوله تعالى:(والصائمين والصائمات) إلى
آخر الآية، فهنا قد - أطلق الصيام، فيكون صحيحا دون تبييت النية.
فيجيب المستدل بقوله: أنا أمنع كون الآية ظاهرة الدلالة على
صحة الصوم دون تبييت النية، حيث إن الصيام فيها مطلق، ونحن
قيدناه بقوله صلى الله عليه وسلم: " لا صيام لمن لم يبيت الصيام من الليل ".
ثانياً: إذا قال المعترض: إن قياسك هذا - أيها المستدل - قد
خالف نصا من السُّنَّة، وهو قوله صلى الله عليه وسلم كذا: فإن المستدل يورد المناقشات التي ترد على الاستدلال بالسُّنَّة، كما لو كان الاستدلال بالسُّنَّة ابتداء، فيورد عليه نفس المناقشات التي ذكرناها في الاستدلال بالكتاب، ويزيد على ذلك المناقشات والاعتراضات على السند بأن يقدح في عدالة أو حفظ راوي الحديث، أو أن يثبت أن راوي
الحديث قد خالف ما رواه، أو أن الرواية قد اختلفت، أو يثبت أن
هذا الحديث الذي ذكره المعترض معارض بحديث آخر فيتساقطان،
ويسلم قياسه، وهكذا إلى آخر الاعتراضات والمناقشات التي يمكن أن
توجه إلى الاستدلال بالسُّنَّة.
مثال ذلك: قول المستدل: لا يجوز السلم في الحيوان؛ لأنه غير
منضبط، قياساً على السلم في المختلطات.
فيقول المعترض: قياسك هذا فاسد الاعتبار؛ لأنه قد خالف
حديثا ثابتا عن صلى الله عليه وسلم وهو: " أنه رخص في السلم "، فلفظ "السلم " عام في جميع ما يمكن أن يكون فيه، وذلك لوجود " أل "
الاستغراقية المفيدة للعموم، فيكون السلم فردا من أفراد هذا العموم،
فيجوز السلم فيه.
فيجيب المستدل بقوله: إن هذا الحديث يحمل على ما سوى
الحيوان مما يمكن ضبطه من المكيل والموزون، دلَّ على هذا الحمل
قوله صلى الله عليه وسلم: "من أسلف في شيء ففي كيل معلوم، ووزن معلوم إلى أجل معلوم ".
ثالثا: إذا قال المعترض: إن قياسك - أيها المستدل - قد خالف
إجماعا: فإن المستدل يورد المناقشات والاعتراضات التي ترد على
الاستدلال بالإجماع كما لو كان الاستدلال بالإجماع ابتداء، فيورد
عليه بأن لا يسلم أن هذا مجمع عليه، أو أن الطريق الذي ثبت به
هذا الإجماع مشكوك فيه، أو أن هذا الإجماع إجماع سكوتي،
والإجماع السكوتي ليس بحُجَّة عنده، أو غير ذلك.
مثال ذلك: قول المستدل: أن الرجل لا يجوز له أن يُغسِّل زوجته
المتوفاة؛ لأن الصلة التي بينه وبينها قد انقطعت، فلا يجوز نظره
إليها؛ قياسا على الأجنبية.
فيقول المعترض: قياسك هذا فاسد الاعتبار؛ لأنه قد خالف الإجماع،
وهو: أن عليا رضي الله عنه قد غَسَّل فاطمة الزهراء بعد وفاتها،
ولم ينكر عليه أحد من الصحابة، فكان إجماعاً على جواز ذلك.
فيجيب المستدل بقوله: أنا أمنع صحة سند هذا الإجماع، فلم
يصح هذا عن علي رضي الله عنه.
أو يقول: لو سلمت أن هذا وقع من علي، فإني لا أسلم كونه قد
اشتهر وسمع به كل الصحابة حتى يكون سكوتهم عن الإنكار إجماعا.
أوِ يقول: إن هذا ثبت عن طريق الإجماع السكوتي، وهو ليس
بحُجَّة عندي.