الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث السابع عشر إذا نص المجتهد في مسألة على حكم ونص على مسألة
أخرى تشبهها على حكم آخر فهل يجوز نقل حكم
إحداهما وجعله في المسألة الأخرى أو لا
؟
لقد اختلف في ذلك على مذهبين:
المذهب الأول: أنه لا يجوز نقل حكم المسألة الأولى، وجعله في
الثانية، ولا يجوز العكس.
وهو مذهب جمهور العلماء، وهو الحق؛ لدليلين:
الدليل الأول: القياس على المسألة السابقة في المبحث السادس
عشر، بيان ذلك:
أنا قلنا - في المبحث السادس -: إنه إذا نص المجتهد على حكم
في مسألة معينة، ولم يبين علته فيها لا يجوز أن يجعل ذلك الحكم
مذهبه في مسألة أخرى تشبهها قد سكت عن حكمها، فإذا كان هذا
لا يجوز، فمن باب أوْلى أن لا نجعل مذهبه في مسألة قد نص على
حكمها هو مذهبه في مسألة أخرى قد نص على حكم فيها مخالف
للمسألة الأولى.
الدليل الثاني: أن المذهب إنما يضاف إلى الإنسان إذا قاله ونص
عليه، أو دلَّ عليه بدلالة تجري مجرى نصه من تنبيه وغيره، فإذا
عدم شيء من ذلك لم يجز إضافته إليه.
وقد توجد من المجتهد نوع دلالة على حكم المسألة الأخرى،
لكن هو قد نص على خلاف تلك الدلالة، وإذا تعارضت الدلالة
بأي وجه من أوجه الدلالة مع النص الصريح، فإنه يقدم النص
الصريح على الدلالة البعيدة.
المذهب الثاني: أنه يجوز نقل حكم إحدى المسألتين وجعله في
الأخرى.
وهو مذهب بعض الحنفية، وبعض الشافعية.
دليل هذا المذهب:
أن المجتهد إذا نص في إحدى المسالتين على حكم، ونص في
نظيرتها على غيره، وجب حمل إحداهما على الأخرى بدليل: أن
الله تعالى لما نص في كفارة القتل على الإيمان، وأطلق في كفارة
الظهار، قسنا إحداهما على الأخرى، وشرطنا الإيمان فيهما،
كذلك يقال في هذه المسألة.
جوابه:
هذا قياس المسألة التي نحن بصدد الكلام عنها على مسألة قد
صرح بالحكم في إحدى المسألتين وسكت عن الأخرى، وهذا قياس
فاسد؛ لأنه قياس مع الفارق.
بيان ذلك: أنه قد صرح في الكفارة في إحدى المسألتين، وسكت
في الأخرى، فقسنا المسكوت على المنطوق.
بخلاف مسألتنا، فإنه صرح في كل واحدة من المسألتين بخلاف
الأخرى، فلا يجوز جعل حكم إحداهما على الأخرى، كما
ذكرنا ذلك في أن الشارع لما نص في صوم الظهار على التتابع، وفي
صوم التمتع على التفريق لم نلحق إحداهما بالأخرى.
بيان نوع الخلاف:
الخلاف معنوي؛ حيث إنه بناء على المذهب الأول لا يجوز أن
يكون للمجتهد في جمل مسألة منهما قولان، ولا يكون هذا طريقا
لمعرفة مذهب المجتهد.
أما بناء على المذهب الثاني فإنه يجوز أن يكون للمجتهد في كل
مسألة منهما قولان، ويكون هذا طريقا لمعرفة مذهب المجتهد.