الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الثامن عشر إذا روي عن مجتهد في مسألة واحدة
روايتان مختلفتان وصح هذا النقل عنه
ففيه التفصيل الآتي:
أولاً: أنه لا يجوز أن يقول كل واحدة منهما في وقت واحد وفي
حالة واحدة كما بينا ذلك في المبحث الثالث عشر.
ثانيا: إذا قال المجتهد هذين الحكمين المختلفين - في تلك المسألة
في حالتين فلا يخلو إما أن لا نعلم الرواية الأخيرة أو لا نعلم:
فإن لم نعلم الرواية الأخيرة من هذا المجتهد، بحيث جهلنا تقدم
إحداهما على الأخرى، فإنا ننظر في هاتين الروايتين: فإن كانت
إحداهما أشبه من الأخرى بأصول ذلك المجتهد، فإنا نجعلها مذهبا
له، وتكون الأخرى مشكوكاً فيها، ولا يعمل بالشك.
وإن علمنا الرواية الأخيرة: فقد اختلف العلماء في ذلك على
مذهبين:
المذهب الأول: أن الرواية الأخيرة عن هذا المجتهد هي مذهبه في
المسألة، وتكون الرواية الأولى قد رجع عنها، فلا تضاف إليه.
وهو مذهب جمهور العلماء، وهو الحق؛ لأن الرواية الأولى
كالمنسوخ، والرواية الثانية كالناسخ، فكما أن الصحابة يتركون
الحكم المنسوخ إذا جاء بعده ما ينسخه ويعملوا بالناسخ، فكذلك هنا
فالروايتان حكمان مختلفان وردا من مجتهد واحد في مسألة واحدة
فهما قولان متضادان، فالثاني منهما ترك للأول كالنصين الواردين من
صاحب الشرع.
فيفهم من نصه الأخير أنه رجع عن رأيه الأول؛ حيث إن المجتهد
إذا أفتى شخصا بجواز شيء، ثم عاد وأفتاه بتحريمه فالظاهر أنه
رجع عن الأول؛ لأن الحق عنده قي واحد.
المذهب الثاني: أن الرواية الأولى هي التي تكون مذهبا له إلا أن
يصرح بالرجوع عنها.
وهو مذهب بعض الشافعية، وبعض الحتابلة.
دليل هذا المذهب:
أن قول المجتهد في الرواية الأولى كان بالاجتهاد، وقوله في
الرواية الثانية كان بالاجتهاد، والاجتهاد لا ينقض بالاجتهاد.
ولهذا روي عن عمر رضي الله عنه أنه لما جاءته مسألة فيها
أم، وزوج، وأخوة لأم، وأخوة أشقاء في عام لم يعط الإخوة
الأشقاء شيئاً، فلما جاءت نفس المسألة بعد سنوات، أعطى الإخوة
الأشقاء فقيل له: إنك في عام كذا وكذا لم تشرك الإخوة الأشقاء،
فقال: " فتلك على ما قضينا يومئذ، وهذه على ما نقضي الآن "،
فلم يبطل عمر الاجتهاد الأول بالاجتهاد الثاني.
جوابه:
أن المجتهد إذا حكم في حق غيره ونفذ الحكم، ثم حكم بحكم
آخر بعد ذلك بنفس المسألة، فإنه لا يجوز له الرجوع إلى هذا الغير
ويبطل حكمه فيه؛ لأن نقض الاجتهاد بالاجتهاد هنا يفضي إلى أن
لا يستقر حكم، وإلى وقوع الشغب بين الناس، وعدم وثوقهم
بالمجتهدين، ولهذا فإنه لا يسوغ للحاكم أن ينقض حكم من سبقه إذا
خالفه.
وهذا لا يدخل في مسألتنا التي نحن بصددها، حيث إن هذه
المسألة تخص مذهب الإنسان إذا لم يتعلق به حق غيره، فإذا قال
رأيا أولاً ثم عاد، وقال رأياً آخر: علمنا أنه تبين له الحق فرضيه،
وترك الأول، وبناء على هذا فإنا ننسب إليه الثاني، فلا يبقى الأول
مذهبا له.
بيان نوع الخلاف:
الخلاف معنوي كما هو ظاهر، فأصحاب المذهب الأول نسبوا
إليه الرواية الثانية وجعلوها مذهبا له، والرواية الأولى تكون باطلة
ومنسوخة.
أما أصحاب المذهب الثاني فإنهم نسبوا إليه الرواية الأولى
وجعلوها مذهبا له، وتركوا الرواية الثانية.
ويترتب على هذا اختلاف مذهب هذا المجتهد.
وما الذي ننسب إليه من الروايتين؟