الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث التاسع هل يجوز الخطأ في اجتهاد صلى الله عليه وسلم
-؟
لقد اختلف أصحاب المذهب الأول - وهم القائلون: إن الاجتهاد
وقع منه صلى الله عليه وسلم في جواز الخطأ في اجتهاده صلى الله عليه وسلم.
المذهب الأول: أنه يجوز الخطأ في اجتهاده صلى الله عليه وسلم.
وهو مذهب جمهور العلماء، وهو الحق؛ للأدلة التالية:
الدليل الأول: قوله تعالى: (عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَتَعْلَمَ الْكَاذِبِينَ) .
وجه الدلالة: أن النبي صلى الله عليه وسلم لما أذن للذين تخلفوا عن غزوة تبوك: بين اللَّه تعالى في هذه الآية خطأه في ذلك.
الدليل الثاني: قوله تعالى: (ما كان لنبي أن يكون له أسرى
حتى يثخن في الأرض) .
وجه الدلالة: أن صلى الله عليه وسلم لما أخذ المال عوضا عن أسرى بدر: بين اللَّه تعالى له أنه أخطأ بترك قتل هؤلاء الأسرى، حتى قال النبي
صلى الله عليه وسلم: " لو نزل من السماء عذاب لما نجا منه إلا عمر "، وذلك لأن عمر بن الخطاب قد أشار بقتل الأسرى.
الدليل الثالث: قوله عليه الصلاة والسلام: " إنما أحكم بالظاهر
وإنكم لتختصمون إليَّ، ولعل أحدكم يكون ألحن بحجته من بعض،
فمن قضيت له بشيء من مال أخيه، فلا يأخذه فإنما أقطع له قطعة
من النار ".
وجه الدلالة: أن النبي صلى الله عليه وسلم قد بين هنا أنه يقضي بما لا يكون حقا في نفس الأمر، وهذا يدل على أنه يقع منه الخطأ في اجتهاده.
المذهب الثاني: أنه لا يجوز الخطأ في اجتهاده صلى الله عليه وسلم
وهو مذهب بعض الشافعية.
أدلة هذا المذهب:
الدليل الأول: قوله تعالى: (فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) .
وجه الدلالة: أن اللَّه - تعالى - قد أمرنا - هنا - باتباع حكم
الرسول صلى الله عليه وسلم، فلو جاز عليه الخطأ في حكمه لكنا قد أمرنا باتباع الخطأ، والشارع لا يمكن أن يأمر بذلك.
جوابه:
هذا منقوض بأن اللَّه - تعالى - قد أمر العامي باتباع قول المجتهد
والمفتي مع جواز خطئه، فلو كان ما ذكروه صحيحا للزم من ذلك:
أن اللَّه تعالى أمر باتباع الخطأ، وهذا لا يقوله أحد.
الدليل الثاني: أن المقصود من البعثة وإظهار المعجزة: اتباع
الرسول صلى الله عليه وسلم في الأحكام الشرعية؛ إقامة لمصالح الخلق، فلو جاز الخطأ على النبي صلى الله عليه وسلم في حكمه.: للزم من ذلك التردد في قوله، والشك في حكمه، وذلك مما يخل بمقصود البعثة، وهذا محال.
جوابه:
إن المقصود من البعثة إنما هو تبليغه عن اللَّه - تعالى -: أوامره،
ونواهيه، والمقصود من إظهار المعجزة: إظهار صدقه فيما يقوله من
الرسالة، والتبليغ عن اللَّه تعالى، وذلك مما لا يتصور خطأه فيه
بالإجماع.
بخلاف ما يحكم به عن اجتهاده، فإنه لا يقول فيه عن وحي،
ولا بطريق التبليغ، بل حكمه فيه حكم غيره من المجتهدين، فتطرق
الخطأ إليه في ذلك لا يوجب الإخلال بمعنى البعثة.
بيان نوع الخلاف:
الخلاف هنا لفظي؛ لأن ما حكم به باجتهاده صلى الله عليه وسلم إما أن يكون صوابا من أول الأمر، أو يحتمل الخطأ في بادئ الأمر، لكن الله
تعالى يرشده إلى الصواب، فهو صواب في نهاية الأمر.