الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الثامن إذا استوى عند العامي المجتهدان اللذان قد أصدرا فتواهما
في جميع الأحوال
- أي: لا يوجد أفضل ولا مفضول -
وأحد المجتهدين قد أفتى بحكم شديد والآخر قد أفتى له
بحكم خفيف فأي الحكمين يأخذ به العامي؟
لقد اختلف العلماء في ذلك على مذاهب:
المذهب الأول: أن العامي يتخير بين الحكمين، فإن شاء أخذ
بالأخف، وإن شاء أخذ بالأشد.
وهو مذهب كثير من العلماء، وهو الحق؛ لدليلين:
الدليل الأول: أن المجتهدين إذا تساويا عند العامي في جميع
الأحوال، فإن قول أحدهما يساوي في القوة قول الآخر، فلا فرق
بينهما، فليس قول أحدهما بأفضل وأقوى وأوْلى من قول الآخر؛
فلا مجال للمفاضلة بينهما، ولو أراد أن يفاضل بينهما لما استطاع.
الدليل الثاني: أنه للعامي أن يقلد أيهما شاء في الابتداء قبل
الفتوى - كما قلنا في المبحث السادس - فكذلك له أن يختار قول
أيهما شاء بعد الفتوى، ولا فرق في ذلك.
المذهب الثاني: أنه يجب على العامي الأخذ بالحكم الأشد.
وهو مذهب بعض الشافعية، والخطيب البغدادي، وحكي عن
الظاهرية، وهو اختيار القاضي عبد الجبار بن أحمد.
دليل هذا المذهب:
ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:
" الحق ثقيل قوي، والباطل خفيف، ولربما شهوة تورث حزنا طويلاً ".
وجه الدلالة: أن هذا الحديث دلَّ على أن الحق في الأشد.
جوابه:
أن هذا الحديث معارض بقوله صلى الله عليه وسلم:
" بعثت بالحنيفية السمحة السهلة "،
وبقوله: " إن اللَّه يحب أن تؤتى رخصه كما يحب أن تؤتى عزائمه ".
وإذا تعارض الدليلان تساقطا، فيكون الصحيح هو أن يخير
العامي بينهما.
المذهب الثالث: أنه يجب عليه الأخذ بالحكم الأخف.
وهو مذهب بعض العلماء.
دليل هذا المذهب:
قوله صلى الله عليه وسلم:
"بعثت بالحنيفية السمحة السهلة ".
ووجه الدلالة: أنه بيَّن أن الحق في الأخف الأسهل.
جوابه:
أن هذا الحديث معارض بقوله صلى الله عليه وسلم:
" الحق ثقيل، والباطل خفيف ".
وإذا تعارض الدليلان تساقطا، فيكون الصحيح: أن يخير العامي
بينهما كما قلنا.
بيان نوع الخلاف:
الخلاف معنوي كما هو واضح.